«الوزارات الخدماتية».. حملات انتخابية مجانية للأحزاب في لبنان

السباق عليها بدأ من قبل الأفرقاء السياسيين قبل أشهر من موعد الانتخابات النيابية

«الوزارات الخدماتية».. حملات انتخابية مجانية للأحزاب في لبنان
TT

«الوزارات الخدماتية».. حملات انتخابية مجانية للأحزاب في لبنان

«الوزارات الخدماتية».. حملات انتخابية مجانية للأحزاب في لبنان

تختصر عبارة «الزفت الانتخابي» التي يتداولها اللبنانيون واقع الحال في لبنان عند موعد الانتخابات النيابية كل أربع سنوات، في حال لم يتم التمديد لولاية البرلمان. وإذا كانت هذه العبارة تقتصر على تعبيد الطرقات بالأسفلت في المدن والقرى وتوضع ضمن «الخدمات غير المجانية» المقدّمة للمواطنين التي يكون ثمنها عادة أصواتا في صناديق الاقتراع، فهي تتجسّد بأشكال مختلفة بالنسبة إلى وزارات أخرى تندرج جميعها ضمن خانة «الوزارات الخدماتية». وهنا يؤكد ربيع الهبر، مدير «شركة ستاتستكس ليبانون» المتخصصة بالاستطلاعات والإحصاءات، أن دورها لا يساهم فقط في حصول المرشّح على لقب نائب بل قد يتجاوزه إلى تغيير موازين قوى كتل نيابية بأكملها، فيما يشدّد الدكتور أنطوان صفير، أستاذ القانون الدولي، على أن تسخير خدمات الوزارات لأغراض سياسية انتخابية يعتبر رشوة منظَّمة يجب المحاسبة عليها.
وكما عند كل تشكيل حكومة بدأ اليوم السباق في لبنان على ما تعرف بـ«الوزارات الخدماتية»، التي تعتبر بمثابة الحملات الانتخابية المجانية للأحزاب ومرشّحيها للانتخابات. ويشكّل تأليف الحكومة الجديدة الذي كلّف بها رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري في هذا التوقيت، عاملا إضافيا لهذا السباق الذي قد يتحوّل إلى صراع بين الأفرقاء قبل أشهر قليلة من الانتخابات النيابية المفترض حصولها في شهر مايو (أيار) المقبل. وبالتالي، توظيف خدمات هذه الوزارات شعبيا لصالح الأحزاب، بينما يفترض بها أن تكون حقوقًا مكتسبة للمواطن بغضّ النظر عن الانتماء السياسي للوزير أو انتماءات المواطنين وطوائفهم. وهذا ما يشير إليه الهبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بقوله «إن الوزارات الخدماتية تلعب دورا أساسيا في تجيير الأصوات في الانتخابات النيابية التي لم ولن تكون مجانية في لبنان، وهي قد تصل إلى درجة تغيير موازين قوى كتل انتخابية بأكملها بحسب الانتماء المذهبي والطائفي بالدرجة الأولى والحزبي بالدرجة الثانية، وذلك عبر تخصيص الخدمات لفئات ومناطق معينة يستفيد منها الحزب والوزير في تجيير الأصوات بالانتخابات النيابية». وانطلاقا من الواقع السياسي وغياب الانتخابات البرلمانية لثماني سنوات متتالية - بعد التمديد ولاية كاملة على جزأين للمجلس النيابي - يرى الهبر أنه في الانتخابات المقبلة ستلعب هذه الوزارات دورًا إضافيًا في ظل الشحّ المالي الذي تعاني منه كل الأحزاب، والدليل على ذلك السباق الذي بدأ عليها وراء الكواليس من قبل الأحزاب قبل حتى البدء بالمباحثات الرسمية لتشكيل الحكومة. ولفت الهبر إلى أن معظم الوزارات يمكن الاستفادة منها في هذا الإطار، إنما يبقى بعض منها متربعًا على عرش الخدمات، مثل الداخلية والشؤون الاجتماعية والصحة والأشغال العامة والاتصالات، مذكرا بما يعرف في لبنان بـ«الزفت الانتخابي»، في إشارة إلى مشاريع تعبيد الطرقات التي تنشط وتتزايد في لبنان قبيل كل موسم انتخابي أي كل أربع سنوات.
من جهته، يرى صفير أن معظم الوزارات في لبنان يمكن الاستفادة منها في هذا الإطار، لا سيما، الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه والداخلية والشؤون الاجتماعية، إضافة إلى وزارتي الصحة والسياحة، «فكل منها عبر أساليب معينة تكون على صلة أو تواصل مع المواطن بشكل مباشر أو غير مباشر عبر البلديات والجمعيات». وهنا نشير إلى أنّه، انطلاقا من الواقع اللبناني الذي تكون فيه الخدمات الوزارية على تماس مباشر مع المواطن أو عبر البلديات، يمكن تصنيف الوزارات الخدماتية على فئتين: أولى، وتتضمن الأشغال العامة والنقل، والطاقة والمياه، والاتصالات، والصحة، والشؤون الاجتماعية. وثانية، هي السياحة والتربية والبيئة والثقافة، بالإضافة وزارتي الزراعة والصناعة». مع العلم أن وزارات الداخلية والخارجية والدفاع والمال، تصنف فعليًا في خانة الوزارات «السيادية» الحساسة. وهنا يقول صفير في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» إنه «منذ بدء الحديث عن التسوية الرئاسية وانتخاب رئيس أصبحت القوى السياسية تزاحم نفسها للقبض على الوزارات الخدماتية لتأمين أكبر قدر ممكن من الخدمات للناخبين والتأثير في قراراتها الانتخابية، فيما يعرف بتوزيع الحصص بدل أن يتم تشكيل حكومة تكنوقراط تكون مهمتها الإشراف على الانتخابات». ويؤكّد أنّ «أفضل الحكومات هي تلك التي تنظم العملية الانتخابية من خلال مسؤولين ووزراء حياديين غير مرشحين للانتخابات وغير منتسبين للأحزاب كي تبقى العملية بعيدا عن تأثير الأحزاب والطوائف». وينهي صفير كلامه موضحًا: «في نهاية المطاف الزمن الانتخابي هو زمن خدماتي، وتشكيل حكومة من شخصيات حزبية أو محسوبة على الحزبيين سيفتح الباب أمام هذا الأمر عبر الاستفادة من هذا الموقع واستعمال خدمات الوزارات لفئة دون غيرها، بحسب مصالحه ومصالح حزبه وطائفته الانتخابية، بدل أن تكون الخدمات عامة وشاملة للجميع.. إنّ عدم توزيع الخدمات التي هي أساسا من حق المواطن، بطريقة عادلة، يعتبر رشوة يجب المحاسبة عليها».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم