ساحل العاج تراهن على استقرار سياسي و«نهضة اقتصادية»

من خلال دستور جديد يفتح سن الترشح للرئاسة ويزيح «عقبة الانتماء»

بدأت ساحل العاج حملة لتسويق حبوب الكاكاو والقهوة.. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصبح ساحل العاج الاقتصاد الأسرع نموا في أفريقيا.. إذ تملك أكبر ميناء بحري في غرب أفريقيا.. وهي أكبر منتج للكاكاو في العالم (إ.ب.أ)
بدأت ساحل العاج حملة لتسويق حبوب الكاكاو والقهوة.. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصبح ساحل العاج الاقتصاد الأسرع نموا في أفريقيا.. إذ تملك أكبر ميناء بحري في غرب أفريقيا.. وهي أكبر منتج للكاكاو في العالم (إ.ب.أ)
TT

ساحل العاج تراهن على استقرار سياسي و«نهضة اقتصادية»

بدأت ساحل العاج حملة لتسويق حبوب الكاكاو والقهوة.. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصبح ساحل العاج الاقتصاد الأسرع نموا في أفريقيا.. إذ تملك أكبر ميناء بحري في غرب أفريقيا.. وهي أكبر منتج للكاكاو في العالم (إ.ب.أ)
بدأت ساحل العاج حملة لتسويق حبوب الكاكاو والقهوة.. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصبح ساحل العاج الاقتصاد الأسرع نموا في أفريقيا.. إذ تملك أكبر ميناء بحري في غرب أفريقيا.. وهي أكبر منتج للكاكاو في العالم (إ.ب.أ)

في بلد أنهكته الحرب الأهلية خلال العقود الماضية ودمرت اقتصاده وبنيته التحتية، يأمل رئيس ساحل العاج (كوت ديفوار) الحسن واتارا، من خلال الدستور الجديد تحقيق استقرار سياسي ونهضة اقتصادية. إذ يواجه واتارا أول اختبار لشعبيته منذ إعادة انتخابه رئيسًا للبلاد عام 2015، من خلال تمرير تعديلات دستورية واجهت معارضة قوية من أحزاب وحركات سياسية عبأت لمقاطعة الاستفتاء الشعبي الذي دعا له الرئيس.
وأكد الرئيس الحسن واتارا في أكثر من خطاب وتصريح أن الدستور الجديد «سيطوي بشكل نهائي صفحة الماضي وسينهي الأزمات العسكرية والحروب التي هزت استقرار البلاد لعقد كامل»، مشيرًا إلى أن الإصلاحات التي اقترحها «ستعزز مسار الأمن والسلام والتنمية».
وتضمنت التعديلات الدستورية المثيرة للجدل التي اقترحها الرئيس الحسن واتارا، استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية الذي سيختاره الرئيس قبل أن يتم التصويت عليه رفقة الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة (2020)، كما شملت التعديلات إنشاء مجلس للشيوخ وإعطاء صبغة رسمية لـ«مجلس الملوك والزعماء التقليديين»، وتوسيع صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي ليشمل البيئة.
اللجنة الانتخابية التي تولت الإشراف على الاستفتاء الشعبي يوم الأحد الماضي، أعلنت أول من أمس (الثلاثاء) أنه تمت المصادقة على الدستور الجديد بنسبة تفوق 93 في المائة من الأصوات المعبر عنها، وأوضح رئيس اللجنة الانتخابية يوسف باكايوكو في تصريح رسمي للتلفزيون الحكومي أنه من ضمن مليونين و678 ألف و601 ناخبا، صوت مليونان و480 ألفا و287 بـ«نعم»، فيما صوت 174 ألفا و714 بـ«لا» (85.‏6 في المائة).
ولكن التحدي الأكبر كان يتمثل في نسبة المشاركة التي قال رئيس اللجنة الانتخابية إنها بلغت 42.42 في المائة، وهي نسبة مرضية بالنسبة لأنصار النظام في كوت ديفوار، بينما تعدها المعارضة غير كافية لاعتماد تعديلات دستورية بهذه القوة. وكانت المعارضة المقاطعة للاستفتاء قد أعلنت أنه من أجل أن تكون النتيجة توافقية يتوجب على نسبة المشاركة أن تفوق 56 في المائة، وهي النسبة التي حصل عليها آخر تعديل دستوري في البلاد جرى عام 2000.
وقال باسكال آفي نجيسان رئيس حزب جبهة الشعبية الإيفوارية المعارضة لوكالة الأنباء الألمانية «نتيجة الاستفتاء معدة سابقا. إنه أمر واضح لنا وواضح للجميع».
وعلى الصعيد الرسمي لا يتطلب مرور التعديلات الدستورية نسبة مشاركة محددة في الاستفتاء، إلا أن حدة الاستقطاب بين النظام والمعارضة جعلت نسبة المشاركة واحدًا من الرهانات القوية أمام الاستفتاء على التعديل الدستوري الذي يؤسس لـ«الجمهورية الثالثة»، ودعي للتصويت عليه 6.3 مليون ناخب.
ومن النقاط القوية التي أثارت الكثير من الجدل في كوت ديفوار، هي حذف المادة الخاصة بتحديد عمر من يتولى رئاسة البلاد، التي تنص على ألا يزيد عمر رئيس البلاد عن 75 عاما، فيما يقف الرئيس الحسن واتارا على عتبة عامه الـ74، وسيكون عمره 78 عامًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، رغم أن الدستور الحالي يمنعه من الترشح لولاية رئاسية ثالثة.
ويقول السياسيون المعارضون إن التعديلات الدستورية الجديدة المتعلقة باستحداث منصب نائب رئيس وإنشاء مجلس شيوخ - ثلث أعضائه سوف يعينهم الرئيس، يشير إلى أن الرئيس يريد ترسيخ قبضته على السلطة.
النقطة الأخرى المثيرة للجدل التي تطرق لها الدستور الجديد هي «الانتماء لكوت ديفوار»، والتي أدخلت البلاد في أتون حرب أهلية طاحنة عام 2010، عندما واجه الرئيس الحالي الحسن واتارا صعوبة كبيرة في الترشح للانتخابات الرئاسية بسبب شكوك في أصوله الإيفوارية وانحدار أبويه من بوركينافاسو المجاورة، وأدى ذلك إلى انقسام البلاد إلى شمال متمرد مؤيد لواتارا، وجنوب مؤيد للرئيس السابق لوران غباغبو.
وكان البرلمان قد وافق في 11 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بالإجماع تقريبا على التعديلات، التي تلغي طلب أن يكون والدا المرشحين الرئاسيين من مواطني كوت ديفوار.
وتم في الدستور الجديد حذف المادة التي تنص على شرط أن يكون المرشح لمنصب رئيس الجمهورية من أبوين من مواليد ساحل العاج؛ وتقول السلطات في هذا السياق إن الدستور الجديد يحل مشكلة «الانتماء إلى كوت ديفوار»، خاصة أن نسبة كبيرة من سكان ساحل العاج ينحدرون من بلدان مجاورة، هاجروا إليها قبل الحرب الأهلية وفي عهد الطفرة الاقتصادية إبان حكم الرئيس الأسبق هوفييت بونييه.
وكان واتارا قد وصل إلى الحكم عام 2010، عقب انتخابات رفض الرئيس السابق لوران غباغبو الاعتراف بنتائجها، لتدخل البلاد في حرب أهلية انتهت بتدخل فرنسا لاعتقال غباغبو وتسليم مقاليد السلطة لواتارا الذي بدأ جملة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية استعادت على إثرها البلاد عافيتها الاقتصادية.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصبح كوت ديفوار الاقتصاد الأسرع نموا في أفريقيا خلال هذا العام (2016)، فيما بدأ المستثمرون بالتوافد على البلاد التي تملك أكبر ميناء بحري في منطقة غرب أفريقيا، وتحرك 45 في المائة من اقتصاد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهي أكبر منتج للكاكاو في العالم.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟