بقرار أممي.. لندن تعد لمشروع تسوية من 4 بنود

سفير اليمن في واشنطن لـ «الشرق الأوسط»: 3 نقاط خالفت المرجعيات

مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكوفت (غيتي)
مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكوفت (غيتي)
TT

بقرار أممي.. لندن تعد لمشروع تسوية من 4 بنود

مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكوفت (غيتي)
مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكوفت (غيتي)

بعد يومين على إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، التي أعقبت جولته في المنطقة، أعلنت لندن شروعها في التشاور مع أعضاء مجلس الأمن لطرح مشروع قرار بشأن اليمن على طاولة المجلس خلال الأيام القليلة المقبلة.
ويحتوي المشروع على أربع نقاط أساسية تتعلق بوقف الأعمال العدائية، ودعم خريطة السلام التي اقترحها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ووصول المساعدات الإنسانية للمناطق كافة داخل البلاد، والتحقيق في جميع المزاعم الخاصة بارتكاب أطراف الصراع انتهاكات للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
وقال مندوب بريطانيا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير ماثيو رايكروفت، إن مشروع القرار ما زال قيد البحث والمشاورات مع أعضاء مجلس الأمن الدولي.
وأعرب في تصريحات مساء أول من أمس بمقر المنظمة الدولية بنيويورك، عن أمله في أن يحظى مشروع القرار بدعم كل أعضاء مجلس الأمن البالغ عددهم 15. وأضاف المندوب البريطاني «نعمل مع شركائنا بشكل وثيق بشأن مشروع القرار، وسنطرحه على طاولة المجلس في الأيام المقبلة، ويضم 4 عناصر أساسية، وآمل أن يوافق جميع أعضاء المجلس على تلك النقاط الأربع»، وفقا لبيان تلقته «الشرق الأوسط» من الخارجية البريطانية.
وتعد بريطانيا واحدة من الدول الـ18 الراعية للسلام في اليمن، وهي أيضا عضو المجموعة الرباعية التي تضم معها السعودية والإمارات والولايات المتحدة.
من جهته، اكتفى المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله المعلمي بالقول إن «المشروع قيد الدراسة».
سفير اليمن لدى واشنطن، الدكتور أحمد بن مبارك، يقول لـ«الشرق الأوسط»: نعتقد أنه لا حاجة إلى قرار إذا ما كان هناك القرار 2216. الذي لم يتم تنفيذه رغم صدوره تحت الفصل السابع.
ويفصل قائلا: «أعتقد أننا اليوم بأشد الحاجة لمقاربات جديدة تساعد في التوصل إلى حلول قابلة للتطبيق في الأرض وتحافظ على تعاون وتفاعل مختلف الأطراف اليمنية والإقليمية مع الجهود الأممية، وألا تدفع الأمور لفقدان هذا المسار الذي يشكل رئة مهمة تتنفس من خلالها أفكار السلام الذي لا يستثني أحدا ولكنه بالمقام الأول يستعيد الدولة ولا يسمح بسيطرة الميليشيات أيا كانت على مستقبل اليمنيين... عموما نحن لم نطلع على أي وثيقة رسمية حتى الآن»، مكملا: «إن الحكومة اليمنية ستكون مع أي جهد دولي يقود إلى وقف الحرب وتحقيق السلام وبما لا يتجاوز المرجعيات المتفق عليها والأهم ألا يؤسس قاعدة لمزيد من الصراعات المستقبلية».
وفي السياق، حدد سفير اليمن لدى واشنطن في اتصال هاتفي، أمس، 3 ملاحظات ترى فيها الحكومة اليمنية اختلافا بين خطة التسوية الأممية الجديدة والمرجعيات الثلاث.
وتمثلت النقاط الثلاث في صلاحيات نائب الرئيس، وتجزئة الانسحابات، والاتكاء على مشاورات الكويت بصفتها ركيزة لأي مسيرة سلام.
ويرى السفير أن خطة التسوية «تعاني من إشكاليات منهجية ولا تستند إلى الواقع ولا على الجهود السابقة كافة التي شكلت مسيرة التحول السياسي باليمن».
الملاحظة الأولى، تمثلت في إحداث تغيير في مؤسسة الرئاسة. ويقول الدكتور ابن مبارك إنه يخالف تماما المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الأممي 2216، وبالتحديد تعيين نائب جديد ونقل صلاحيات الرئيس إليه. «الموقف الشعبي والسياسي لمعظم اليمنيين الذي عبروا عنه خلال الأيام القليلة الماضية يعتبر مؤسسة الرئاسة خط الضمان الأخير للشرعية، فالآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية تشير إلى تحول دستوري ورئيس منتخب وهذا الرئيس لا يغادر إلا بانتخابات، ثم أتت وثيقة الضمانات في الحوار الوطني الشامل تحدثت بالنص على أن الرئاسة لا تنتقل إلا بعد انتخابات وفقا للدستور الجديد، وما يشاع عن الجانب المتعلق بالفترة الزمنية». مكملا: «لقد صدر بيان رئاسي من مجلس الأمن عزز ما ذهبت إليه وثيقة الضمانات في الحوار الوطني بأن قال إن الفترة الانتقالية لا تنتهي إلا بعد انتخابات رئاسية وفقا للدستور الجديد».
الأمر الآخر الذي يقول السفير إنه «غير واقعي في خريطة الطريق»، تجزئة الانسحابات حول ما كان يعرف بالمنطقة (أ)، ويعلق قائلا: «إن الاعتقاد أن الانسحاب من صنعاء سيحقق الأمان لعودة مؤسسات الدولة دون تأمين الانسحاب من الحديدة وتعز في الوقت ذاته هو اعتقاد خاطئ ولا يأخذ بنظر الاعتبار التاريخ السياسي والاجتماعي والجغرافي ولا لطبيعة توزيع بعض القبائل حول صنعاء التي استطاع تحالف الحوثي - صالح تجنيدها في مشروعه الانقلابي، ثم إن الاعتقاد أن الميليشيات الانقلابية ستنفذ كل تلك الترتيبات الأمنية بمجرد إحداث ذلك التغيير المطلوب في مؤسسة الرئاسة اعتقاد يسقطه التفكير المنطقي والتجربة السابقة التي خضناها في اتفاق السلم والشراكة، الذي حظي كذلك بدعم دولي من مجلس الأمن، ثم تم الانقلاب، ولولا تدخل الأشقاء في التحالف لكان الوضع في اليمن أسوأ من سوريا».
وثالث الملاحظات تمثل في أن الحكومة اليمنية تعتقد أن تكثيف الجهود الدولية نحو ضمان إنجاح وقف إطلاق النار بصورة دائمة وتخفيف المعاناة الإنسانية وفتح الحصار عن المدن ودعوة مختلف الأطراف للعودة للحوار على قاعدة الأفكار التي نوقشت في مشاورات الكويت سيشكل قاعدة مهمة لحماية الشعب اليمني ومكتسباته ونزوعه نحو السلام وسيحافظ على الدور الأممي في تحقيق السلام وإعادة إعمار اليمن.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.