طهران تصدر حكمًا بـ«براءة» المهاجمين في اعتداء السفارة السعودية

محامي مهاجمي البعثة الدبلوماسية عزا قرار المحكمة إلى قتالهم في سوريا

السفارة السعودية في طهران بعد لحظات من مهاجمتها من قبل عناصر الباسيج في 2 يناير الماضي (أ.ب)
السفارة السعودية في طهران بعد لحظات من مهاجمتها من قبل عناصر الباسيج في 2 يناير الماضي (أ.ب)
TT

طهران تصدر حكمًا بـ«براءة» المهاجمين في اعتداء السفارة السعودية

السفارة السعودية في طهران بعد لحظات من مهاجمتها من قبل عناصر الباسيج في 2 يناير الماضي (أ.ب)
السفارة السعودية في طهران بعد لحظات من مهاجمتها من قبل عناصر الباسيج في 2 يناير الماضي (أ.ب)

تراجعت طهران عن «التزامها بالعمل وفق القوانين الدولية» بملاحقة المسؤولين عن مهاجمة مقر البعثات الدبلوماسية السعودية بإصدار القضاء الإيراني حكما بـ«براءة» المتورطين في اعتداء السفارة السعودية بتهمة «تخريب السفارة».
وقال محامي عدد من المهاجمين، مصطفى شعباني، أمس، إن القضاء أصدر حكما يبرئ المهاجمين على السفارة السعودية من «تهمة التخريب المتعمد للسفارة السعودية»، مؤكدا أن الحكم صدر بحق 20 متهما مثلوا أمام المحكمة الإدارية، بينما يمثل 25 من المهاجمين أمام محكمة لرجال الدين، وفق ما نقلت عنه وكالة «إيلنا».
وتختص المحكمة الإدارية في الملفات القضائية المتعلقة بموظفي الحكومة الإيرانية.
وأضاف شعباني، أن «المحكمة أصدرت حكم البراءة من تهمة تخريب السفارة السعودية، بسبب عدم رفع شكوى من السعودية واعتبرت الاتهام ملغيا».
في يوليو (تموز) الماضي، كشف المتحدث باسم القضاء الإيراني محسن أجئي عن نيات إيرانية لتخفيف عقوبة المهاجمين على السفارة السعودية. وكشف أجئي حينها عن تراجع طهران عن توجيه تهمة تهديد الأمن القومي بحق المتهمين واستبدال تهمة «تخريب أموال السفارة السعودية» و«الإخلال بالنظام العام» بها.
وفي أول تعليق له عقب الهجوم على السفارة، اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني «الهجوم على السفارات الأجنبية في طهران تهديدا للأمن القومي الإيراني قامت به جهات متطرفة»، وقال، إن السفارة تحت الحماية الشرعية والقانونية للنظام الإيراني، مطالبا بـ«الحزم القاطع من المسؤولين في التصدي للأعمال الإجرامية».
بعد 20 يوما على الهجوم، وصف المرشد الإيراني علي خامنئي بـ«السيئ والمضر لإيران»، لكنه استنكر إطلاق تسمية المتطرف والمتشدد على المهاجمين، وهو ما عده مراقبون دعما غير مباشر من خامنئي للمهاجمين من الملاحقة القانونية والعقوبات القاسية.
وكان المتحدث باسم القضاء الإيراني أعلن في نهاية يوليو عن إصدار تخفيف العقوبات عن المعتدين، بسبب ما وصفه «الغضب» من السياسة السعودية ضد التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية.
في أغسطس (آب) الماضي، وجه المتهم الأول في الاعتداء على السفارة السعودية حسين كرد ميهن، رسالة مفتوحة إلى روحاني، ينتقد فيها تعامل حكومته مع أعضاء «حزب الله» الإيراني إحدى الجهات المتورطة في الهجوم. وقال كرد ميهن، في رسالته، إن مواقف الحكومة شجعت على مهاجمة السفارة السعودية. وأشار ضمن ذلك إلى إهمال القوات الأمنية بقوله: «لو أراد روحاني منعنا من الاقتراب من السفارة لمنع ذلك على بعد كيلومترات ولما تمكنا من ذلك».
في غضون ذلك، أشار شعباني إلى أن المهاجمين شاركوا في القتال مع قوات الحرس الثوري في سوريا، وقال إن «جميع من مثلوا أمام محكمة موظفي الحكومة من أعضاء الباسيج وسبق لهم القتال في حرب الخليج الأولى وسوريا».
من جانب آخر، إعلان شعباني يشير إلى تورط الحكومة الإيرانية في إرسال مقاتلين من موظفي المؤسسات الحكومية إلى القتال في سوريا، فضلا عن إرسال قوات عسكرية من مختلف القطاعات على رأسها الحرس الثوري.
عقب الحادث حاول المسؤولون الإيرانيون توجيه أصابع الاتهام إلى جهات أجنبية بالوقوف وراء الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، لكن موقع «كلمة» المعارض قال في منتصف يناير (كانون الثاني) إنه قال إن «العناصر المدسوسة» التي تتهمها السلطات بإعداد الهجوم ليست إلا من قادة الحرس الثوري و«الباسيج» الطلابي.
بعد اعتداء يناير أعلنت طهران أنها اعتقلت العقل المدبر حسين كرد ميهن في دولة أجنبية وإعادته إلى إيران. تبين لاحقا أنه كان يقاتل ضمن قوات «فيلق القدس» في سوريا، ويمثل كرد ميهن أمام محكمة لرجال الدين إلى جانب 20 آخرين من منتسبي الحوزات العلمية شاركوا في الهجوم على السفارة.
وعقب الأحداث نفى كل من الحرس الثوري و«الباسيج» الطلابي في بيانات منفصلة أي دور لهما في الهجوم، لكن موقع «سحام نيوز» نقل عن مصدر ميداني مطلع آنذاك، أن تنسيق الهجوم بدأ من موقع يسيطر عليه الحرس الثوري في شمال شرقي طهران، وبحسب المصدر المطلع أن المهاجمين انطلقوا من «حي محلاتي» من مقرات الحرس الثوري في العاصمة الإيرانية، مضيفا أن الباسيج حشد المئات من أنصاره قبل التوجه إلى مقر السفارة، كما حصلت عناصر الباسيج على قنابل حارقة استخدمت في الاعتداء على السفارة.
أول من أمس، أفادت وكالة «ميزان» الناطقة باسم القضاء الإيراني، نقلا عن رئيس محكمة الإدارية القاضي حسيني عن إصدار الحكم بحق 20 متهما من منتسبي الدوائر الحكومية في قضية الاعتداء على السفارة السعودية في يناير الماضي. وكانت الشعبة 1060 من المحكمة الإدارية قد أقامت في منتصف يوليو الماضي محكمة للمهاجمين من موظفي الدوائر الحكومية من دون النطق بالحكم النهائي.
في شأن متصل، قال محامي المهاجمين إن المحكمة أصدرت حكما بالسجن يتراوح بين ثلاثة وستة أشهر على بعض من المهاجمين بتهمة «الإخلال بالنظام العام»، بينما أعلنت «براءة» عدد آخر من التهمة.
وحمل شعباني القوات الأمنية مسؤولية الهجوم على السفارة، بسبب إهمال القيام بواجبها، وقال إنها «لم تمنع الهجوم على السفارة». وأضاف أن أمامه 20 يوما لتقديم طعن بالقرار.
بعد ساعات من ذلك، نفى المساعد السياسي لمحافظ طهران، شهاب الدين تشاوشي، أمس، ما أعلنه محامي المتهمين، وقال إن المحافظ لم يصدر أوامر بعدم التصدي للمهاجمين على السفارة السعودية. وقال إن «حماية السفارات من مهام الشرطة الإيرانية، وإنها تتعرض للمساءلة إن كان هناك إهمال».
وشهدت طهران تخبطا واسعا إثر تبادل الاتهامات بين الخارجية والداخلية وبين القوات الخاصة المكلفة بحماية المقرات الدبلوماسية، الأمر الذي أدى إلى الإطاحة بالمساعد الأمني لمحافظ طهران صفر علي براتلو، وقائد القوات الخاصة في الشرطة الإيرانية الجنرال حسن عرب سرخي، بناء على أوامر وزير الداخلية رحمان فضلي.
يشار إلى أن المتحدث باسم القضاء قد أعلن في مارس (آذار) الماضي توجيه الادعاء العام تهما إلى 48 متهما في قضية الاعتداء على مقر السفارة السعودية بتحريض من «الباسيج» الطلابي في الثاني من يناير الماضي، مما أدى إلى طرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية من الرياض وإدانة دولية واسعة ضد طهران.
وكان موقع «الباسيج» الطلابي «ضباط الحرب الناعمة» أول موقع إلكتروني دعا إلى مهاجمة السفارة السعودية، كما أقدمت وكالات أنباء ومواقع إيرانية مقربة من الحرس الثوري على نشر عنوان السفارة السعودية عشية الهجوم، ونقل موقع «إيران فاير» عن أحد المهاجمين أن الشرطة تلقت أوامر بعدم التعرض للمهاجمين.
في نهاية يناير الماضي قال مستشار وزير الخارجية الإيراني محمد صدر، في تصريح لصحيفة «آفتاب يزد»، تعليقا على مبررات لجأ إليها المسؤولون الإيرانيون، إن الحديث عن «عفوية» الاعتداء أشبه بمزحة، مشبها الاعتداء باغتيالات سياسية استهدفت كتابا ومثقفين كبارا في إيران، وتعد المخابرات الإيرانية المتهم الأول في تنفيذها.



أزمة «تجنيد الحريديم» تحتدم في ساحات القضاء الإسرائيلي

جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
TT

أزمة «تجنيد الحريديم» تحتدم في ساحات القضاء الإسرائيلي

جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)

شهدت جلسة للمحكمة العليا الإسرائيلية، عقدت الأربعاء، لمناقشة التماسات ضد امتناع «الحريديم» (اليهود المتشددين دينياً) عن الخدمة في الجيش، مشادات وشغباً، وسط اتهامات للحكومة بتعمد تقديم «رد متأخر» حول موقفهم، وغضب من أهالي الجنود الذين يقاتلون في قطاع غزة.

ونقلت وسائل إعلام عبرية، أنه خلال مناقشة التماس قدمته منظمات وروابط محلية ضد الحكومة ووزير الدفاع يسرائيل كاتس لأنهم «لا يطبقون واجب التجنيد ضد الحريديم»، اندلعت أعمال شغب بعد أن اقتحمت تمار ليفي، من حركة «أمهات على الجبهة» القاعة، وصرخت قائلة: «إن العلمانيين (في إشارة إلى من يتم تجنيدهم) ليسوا حمير المتشددين».

ونقلت «القناة 12» الإسرائيلية أن ليفي وقفت فوق كرسي وصرخت في قاعة المحكمة «إنكم تفتتون النسيج الاجتماعي لهذا البلد. لا يمكن أن نرسل أولادنا بعمر 18 عاماً إلى غزة ولبنان ولا يتم إرسال آخرين»، ثم يتمكن حارس المحكمة من إخراجها من الجلسة.

80 ألفاً

وناقشت الجلسة رد الحكومة المتأخر، وقال قضاة المحكمة إنهم صدموا عندما عرفوا أن عدد أعضاء المتشددين الذين لم يتم تجنيدهم، بحسب رد الدولة، هو 80 ألفاً.

ووبخ القضاةُ ممثلي الحكومة لأنهم ردوا متأخراً في الصباح الباكر قبل ساعات من الجلسة.

وكان كاتس معنياً، كما نشر، بتأخير الرد الرسمي، الذي أكد أن الجيش الإسرائيلي سيكون قادراً ابتداء من عام 2026 على استيعاب جميع اليهود المتشددين.

«الحريديم» في مظاهرة بالقدس ضد قرار تجنيدهم بالجيش الإسرائيلي 30 يونيو 2024 (أ.ب)

ونقل المستشار القانوني للحكومة، غالي بهراف ميارا، موقف الدولة بشأن تجنيد المتشددين، إلى المحكمة، وأشار إلى أن الجيش سيكون قادراً على استيعاب أرقام محددة من الحريديم هذا العام، وفي عام 2026 لن يكون هناك حد على الإطلاق.

وقالت الحكومة إن «الجيش أرسل أوامر التعبئة إلى نحو 7000 من اليهود المتشددين في سن الخدمة العسكرية».

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن الثلاثاء، عن زيادة كبيرة في التجنيد من الطائفة اليهودية المتشددة لفترة التجنيد الثانية لعام 2024.

وفقاً للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، «انضم 338 مجنداً جديداً من اليهود المتشددين إلى وحدات مختلفة: 211 بوصفهم مقاتلين و127 في مهام دعم».

ويؤكد الجيش الإسرائيلي أن «هذا الدمج يتم مع احترام الظروف وأسلوب الحياة الديني للمجندين، مع تكييف البرامج القائمة».

لكن بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن إرسال الجيش الإسرائيلي 7000 أمر تجنيد إضافي لأعضاء المجتمع الحريدي جاء بعد أن فشلت المرحلة الأولى من خطة تجنيد الجنود الحريديم إلى حد كبير.

نزاع شائك

ومن بين 3000 أمر تجنيد صدرت للمتدينين الحريديم خلال الصيف الماضي، استجاب 300 شخص منهم وحضروا إلى مراكز التجنيد.

وجاءت أوامر الجيش بعد حكم تاريخي للمحكمة العليا في يونيو (حزيران) الماضي، وفيه أنه «لم يعد هناك أي إطار قانوني يسمح للدولة بالامتناع عن تجنيد طلاب المدارس الدينية الحريدية في الخدمة العسكرية».

والنزاع حول خدمة المجتمع الحريدي في الجيش هو أحد أبرز النزاعات الشائكة في إسرائيل، حيث لم تنجح محاولات الحكومة والقضاء على مدار عقود من الزمان في التوصل إلى حل مستقر لهذه القضية.

وتقاوم الزعامات الدينية والسياسية الحريدية بشدة أي جهد لتجنيد الشباب الحريديم.

يعارض «الحريديم» الخدمة في الجيش (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويقول العديد من اليهود الحريديم إن «الخدمة العسكرية تتعارض مع أسلوب حياتهم، ويخشون أن يصبح المجندون علمانيين».

ولكن الإسرائيليين الذين يخدمون في الجيش يقولون إن هذه «الإعفاءات الجماعية القائمة منذ عقود تثقل كاهلهم بشكل غير عادل، وهذا الشعور تفاقم منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) والحرب التالية، التي قتل فيها أكثر من 780 جندياً واستدعي نحو 300 ألف مواطن للخدمة الاحتياطية».

وفي العام الماضي، تم إدراج 63 ألف رجل من الحريديم على أنهم مؤهلون للخدمة العسكرية، وارتفع الرقم إلى 80 ألفاً هذا العام.

وتعمل أحزاب الائتلاف الحريدية على تشريع قانون معروف باسم «قانون التجنيد» من شأنه أن يتضمن زيادة في التجنيد، لكن مع الحفاظ على نطاق واسع من الإعفاء للرجال الحريديم، وهو ما خلف مزيداً من الجدل الصاخب والنقاش في إسرائيل.

وبداية العام الحالي، أعلن وزير الدفاع السابق، عضو الكنيست يوآف غالانت، استقالته من الكنيست، وتطرق إلى موضوع قانون التجنيد الذي كان سبباً في إقالته من منصبه، قائلاً: «في الشهرين الأخيرين منذ إقالتي من منصب وزير الدفاع، سقط أمر ما. الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء ووزير الدفاع تقوم بتسريع قانون التجنيد (الإعفاء) الذي يتعارض مع احتياجات الجيش الإسرائيلي وأمن دولة إسرائيل. لا أستطيع قبول ذلك ولا أستطيع أن أكون شريكاً في ذلك».