عمر خيرت يفتتح مهرجان الموسيقى العربية في القاهرة.. وتكريم 16 فنانًا

احتفل باليوبيل الفضي بمشاركة أكثر من 80 فنانًا من 8 دول عربية

الموسيقار عمر خيرت قدم أروع ألحانه الموسيقية  -  الفنان علي الحجار
الموسيقار عمر خيرت قدم أروع ألحانه الموسيقية - الفنان علي الحجار
TT

عمر خيرت يفتتح مهرجان الموسيقى العربية في القاهرة.. وتكريم 16 فنانًا

الموسيقار عمر خيرت قدم أروع ألحانه الموسيقية  -  الفنان علي الحجار
الموسيقار عمر خيرت قدم أروع ألحانه الموسيقية - الفنان علي الحجار

ليلة موسيقية وطربية راقية مصحوبة بألحان وروائع الموسيقار المصري الكبير عمر خيرت شهدتها العاصمة المصرية أول من أمس الاثنين، معلنة انطلاق فعاليات الدورة الـ25 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية، بمشاركة أكثر من 80 فنانًا من 8 دول عربية.
عمت الأجواء الاحتفالية دار الأوبرا المصرية حيث احتشد كورال من الأطفال بساحة الأوبرا الخارجية يشدون بروائع الطرب العربي والمصري الأصيل بقيادة المايسترو محمد عبد الستار. بعدها افتتح المهرجان الكاتب الصحافي حلمي النمنم، والدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا والمهرجان، والفنانة جيهان مرسي مدير المهرجان والمؤتمر، حيث قاموا بكشف الستار عن مستنسخ بخط اليد من كتاب الموسيقى الكبير للفارابي ويقع في 250 صفحة، وهو عبارة عن نسخة من الكتاب الأصلي الذي يقع في 1200 صفحة، والذي يعد أهم وأول كتب عن الموسيقى في تراثنا العربي.
يتناول الكتاب صناعة الموسيقى وعرّف اللحن وهيئات صناعة الموسيقى وأصناف الألحان وغاياتها ونشأة الآلات الموسيقية. كما تحدث عن الألحان الطبيعية للإنسان والطبقات الطبيعية في الحدة والثقل والنغمات المقترنة، وأسباب الحدة والثقل في الأصوات وتفاضل النغم بتفاضل أسباب الحدة والثقل.
أما بهو الأوبرا المؤدي للمسرح الكبير محل الاحتفالية فقد تحول إلى معرض للآلات الموسيقية النادرة التي يرجع تاريخها إلى القرنين الـ18، و19، والتي تكشف للمتلقي مدى التقدم والتطور الذي حل بالصناعات الموسيقية. كما تم افتتاح معرضين لفنون الخط العربي؛ الأول بقاعة صلاح طاهر للفنان المكرم عصام عبد الفتاح والآخر لـ 50 فنانا بقاعة زياد بكير بالمكتبة الموسيقية.
وبدأ حفل الافتتاح في نحو الثامنة والربع مساءً، بكلمة مديرة المهرجان جيهان مرسي، قالت فيها إن «أهمية المهرجان تخطت حدود الوطن العربي إلى جميع أرجاء العالم، كما أنه استمد قوته من فنون التراث العربي الضارب بجذوره في أعماق التاريخ وبات حصنا للدفاع عن الهوية العربية»، لافتة إلى أن «الفنانين قد وجدوا به البيئة الحاضنة لمشروعاتهم الفنية». وخصت بالشكر الراحلة رتيبة الحفني مؤسسة المهرجان. وأخذت الكلمة رئيسة دار الأوبرا الدكتورة إيناس عبد الدايم مؤكدة أن «هذه الدورة ستكون شديدة التميز وبالغة الاختلاف»، مبدية سعادتها بالإقبال الجماهيري الضخم على الفعاليات الذي يظهر وعي الجماهير بقيمة الكلمة واللحن. وقالت: «الفن هو القوة الناعمة القادرة على التغيير والتأثير في سلوكيات الجماهير، والغناء تحديدا يعد أحد أكثر روافد الإبداع تأثيرا» وأضافت: «المهرجان هذا العام يواصل الحوار بين الأجيال ويستكمل دوره في الحفاظ على الهوية الفنية العربية». وقدمت تعازيها للشعب اللبناني في رحيل المطرب والملحن ملحم بركات.
من جانبه، قال وزير الثقافة المصري: «مرور ربع قرن من الزمان على تأسيس المهرجان والمؤتمر يدفعنا إلى التأكيد على أن الأفكار ذات المعاني الهامة تتواصل في هذا الوطن الذي نجح في اجتياز الظروف العصيبة التي مرت به مؤخرا»، مشيرا إلى أن فكرة إقامة المهرجان تعود إلى عام 1932 الذي عقد فيه أول مؤتمر لدراسة الشؤون الموسيقية العربية في عهد الملك فؤاد، وأنه رأى النور عام 1992 الذي شهد ميلاد أول دورة لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية في صورته الحالية. معقبا: «هذا يحمل معنى مهما هو أن لا شيء جادا يضيع في هذا الوطن مهما تغيرت الظروف السياسية والاجتماعية.. تتبدل الأنظمة وتتعاقب ويبقى هذا الوطن بجغرافيته وشعبه العظيم». وأكد بنبرة حماسية: «الموسيقى والفن جزء من تراثنا ووجداننا العربي، نحن أمة عظيمة تمتلك وجدانا راقيا وسنقاتل كي نحافظ عليه. لدينا من يقاتل بالسلاح من رجال الجيش والشرطة، ولدينا أيضا من يقاتل في ساحة الفكر والإبداع، ودور القوة الناعمة لا يقل عن دور السلاح، ولكن دور الفن يساند السلاح، فلا مجتمع دون القوتين».
ثم قام وزير الثقافة ورئيسة الأوبرا بتكريم اسم الراحلة الدكتورة رتيبة الحفني مؤسسة المهرجان والمؤتمر وتسلمت التكريم ابنتها علا الصيفي واسم الراحل الدكتور ناصر الأنصاري رئيس الأوبرا الأسبق إلى جانب 16 شخصية ساهمت في إثراء الحياة الفنية في مصر والعالم العربي، بتسليمهم أوسكار المهرجان وشهادات التقدير، وهم: اسم الموسيقار الراحل عبد الحليم نويرة مؤسس فرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية الذي تحتفل الأوبرا بذكراه المئوية هذا العام وتسلمتها الكاتبة الصحافية سكينة السادات، والموسيقار عمر خيرت (مصر)، والمطرب عاصي الحلاني (لبنان)، والفنان الإعلامي سمير صبري (مصر)، والموسيقار سليم دادا (الجزائر)، والمطرب والملحن فاروق هلال (العراق)، والموسيقار الدكتور مبارك نجم (البحرين)، والباحثة الدكتورة سهير عبد العظيم (مصر)، والشاعر والكاتب الصحافي فوزي إبراهيم (مصر)، والمطرب طارق فؤاد (مصر)، وعازف الكولة عبد الله حلمي (مصر)، وعازف التشيللو خالد إبراهيم (مصر)، وعازف الكمان ممتاز طلعت (مصر)، والمنشد حسام صقر( مصر)، وعازف التشيللو ياقوت محمد (مصر) وفنان الخط العربي عصام عبد الفتاح سيد (مصر).
مع عرض الفيلم التسجيلي «مهرجان الموسيقى العربية.. ومضات من الإبداع» استعاد الجمهور لقطات ومشاهد تحمل ذكريات الدورات السابقة والتي قدم خلالها المهرجان أسماء لامعة ونجوما في عالم الطرب للوطن العربي ومنهم: هدى سلطان، ووديع الصافي، واكتشف نجوما، مثل: كاظم الساهر، وصفوان بهلوان، وآمال ماهر.
وما إن اعتلى الموسيقار الكبير عمر خيرت المسرح الكبير حتى ضجت القاعة بالتصفيق والتهليل، وعلى مدار أكثر من ساعة قدم أروع ألحانه بمصاحبة الأوركسترا بقيادة المايسترو ناير ناجي ومشاركة كورال أطفال الأوبرا، كما شاركه الغناء بعض المطربين الذين تغنوا بألحانه، فقدم المطرب الكبير علي الحجار أغاني «مسألة مبدأ» و«عارفة»، بينما شدت المطربة الشابة أمينة خيرت بأغنية «أنت أكيد المصري»، كما قدم الموسيقار الكبير لحن «الداعية» بمصاحبة سوليست الفيولينة محمد عبد الرؤوف. كما تفاعل الجمهور بقوة مع أغنية «فيها حاجة حلوة» الخاصة بفيلم «عسل أسود» والتي أدتها ببراعة وإحساس صادق الفنانة الشابة ريهام عبد الحكيم، حيث تعكس كلماتها روح مصر وتفاصيل الحياة اليومية فيها، وطلب منها الجمهور إعادتها مرة أخرى. وطرب الحضور بألحان خيرت الشهيرة والخالدة ومنها: «عم صابر» ثم تغنى مدحت صالح بأغنية «زي ما هي حبها» من فيلم «مافيا». ثم اختتم عمر خيرت الحفل بمقطوعات: «الخواجة عبد القادر» بمشاركة فرقة كورال الأوبرا، و«قضية عم أحمد» و«رابسودية عربية».
وتتوالى حفلات المهرجان في عدة مسارح بالقاهرة وعلى مسرح دار أوبرا الإسكندرية ودار أوبرا دمنهور، لتختتم فعالياته بحفل للمطربة السورية الكبيرة أصالة يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)