عشية المباراة التي أقيمت على أرضهم قبل أسبوعين أمام كريستال بالاس، أوقف اللاعبون والعاملون التدريب الأخير استعدادًا للمباراة للوقوف دقيقة حداد على روح ملك تايلاند الراحل بومبيول أدولياديج الذي انتهت فترة حكمه الممتدة لـ70 عامًا بوفاته قبل ذلك بأيام قلائل. وفي اليوم التالي، وعلى أرض ملعبهم، وقف لاعبو الفريق لالتقاط صورة تذكارية قبل انطلاق المباراة بدت غير مألوفة بعض الشيء، ذلك أن قائد الفريق ويس مورغان، يحمل صورة كبيرة ذات إطار ذهبي تحمل صورة الملك الراحل. كما ارتدى اللاعبون حول ذراعهم شارات سوداء. كانت تلك واحدة من أغرب الصور في تاريخ كرة القدم الإنجليزية، وربما من بين أكثرها لفتًا للانتباه بالنظر إلى أنها جاءت في أسبوع شهد ظهور مؤشرات على وجود تهديد لحالة الازدهار التي يشهدها الدوري الإنجليزي الممتاز.
المعروف أنه على مدار السنوات الست منذ شراء رجل الأعمال التايلاندي البارز فيتشاي سريفادهانابرابها النادي، ليقفز ليستر سيتي من أعماق دوري الدرجة الثانية الإنجليزي إلى دوري أبطال أوروبا، في الوقت الذي اكتسب جماهيرية واسعة داخل تايلاند. بالتأكيد تعد هذه قصة نجاح عظيمة، وربما لن يعترض أي من مشجعي النادي على قرار رئيس النادي بوضع صورته الشخصية بدلاً عن المدرب كلاوديو رانييري، مثلاً على غلاف برنامج المباراة الأولى للنادي في إطار بطولة دوري أبطال أوروبا، أو طرح التساؤلات حول مدى ملاءمة إظهار الفريق علانية الحداد على الملك التايلاندي الراحل. إلا أنه بالنسبة لأي شخص خارج أسوار ليستر سيتي، قد يبدو الأمر غريبًا بعض الشيء، بل وربما لا يبعث على الشعور بالارتياح أن ترى ناديا إنجليزيا عمره 132 عامًا يعلن ولاءه لجهة أجنبية على هذا النحو المعلن والصارخ.
في الواقع، كان لعمليات الشراء الواسعة للأندية الإنجليزية من قبل ملاك أجانب على مدار الأعوام الـ20 الماضية كثير من النتائج المتباينة. بالنسبة لليستر سيتي، كانت تلك قصة سعيدة، وكذلك الحال بالنسبة للشراكة التي نشأت بين نادي مانشستر سيتي والشيخ منصور من أبوظبي، والذي ساعدت ثروته الهائلة ليس في ضمان امتلاك مانشستر سيتي كوكبة من ألمع النجوم، وإنما كذلك بناء مجمع جديد للنادي في شرق مانشستر.
تمثل الجيل الأول من الملاك الأجانب للأندية الإنجليزية في رجل الأعمال المصري محمد الفايد، الذي نجح في الانتقال بنادي فولهام من دوري الدرجة الثالثة إلى المشاركة في دوري الدرجة الممتازة وترسيخ وجود هناك، بل والمشاركة في نهائي أوروبي.. كل ذلك على مدار 16 عامًا من ترأسه للنادي. داخل نادي واتفورد، تولت عائلة بوتسو الإيطالية مقاليد إدارة النادي عام 2012. ورغم تتابع المدربين على النادي بمعدل كبير للغاية، فإن الإدارة الجديدة نجحت في إعادة النادي إلى الدوري الممتاز.
بالنسبة لآخرين، كانت التجربة مختلفة بعض الشيء. على سبيل المثال، أثار الإيطالي ماسيمو تشيلينو في ليدز يونايتد، والكويتي فواز الحساوي في نوتنغهام فورست والبلجيكي رولاند دوتشاتيليت في تشارلتون أثيليتيك، غضب جماهير أنديتهم من خلال قراراتهم العجيبة، بل والتي يكشف بعضها عن جهل صارخ، بجانب إظهارهم شعورا بعدم المسؤولية تجاه قيادة مؤسسات رياضية تاريخية عريقة. وبالمثل، فإن شاهد خان، الذي باع له الفايد عام 2013 نادي فولهام، لم يبد قدرة كسلفه على الإنصات إلى النصائح السديدة وتطبيقها.
ومن المهم هنا أن نقر حقيقة أن المشجعين لا يثورون قط ضد النجاح. على سبيل المثال، سرعان ما خمدت الاعتراضات التي اندلعت عام 2010 ضد أسلوب إدارة أسرة غليزر المالي لنادي مانشستر يونايتد، والتي تجسدت في ارتداء لاعبي الفريق أوشحة «نيوتون هيث» (الاسم القديم لفريق يونايتد والذي أوشك على الإفلاس عام 1901) بلونيها الأخضر والأصفر. ومع ذلك، فإنه من منظور أوسع وأعماق، يبدو أن امتلاك الأندية من قبل ملاك أجانب، سواء بهدف استثماري أو لمجرد اجتذاب الشهرة، ربما يسفر عن صد جماهير الكرة المحلية عن اللعبة ككل، بمعنى أن ظاهرة الملكية الأجنبية تؤدي إلى «تفريغ» مشاعر الجماهير حيال كرة القدم.
والآن، ماذا عن الوضع في مقاطعة ويست ميدلاندز، التي تعتبر أشبه بمعمل اختبار لملكية رجال أعمال صينيين لأندية كرة قدم إنجليزية، مع امتلاك غوتشوان لاي نادي ويست بروميتش، وبول سون تشو هونغ نادي برمنغهام سيتي، وتوني تشيا نادي أستون فيلا وغو غوانتشانغ في وولفز؟ حال نجاح أي من هؤلاء الملاك في تحقيق نجاح حقيقي داخل النادي الذي يملكه، فإنه بالتأكيد سيلقى كامل التأييد والإعجاب من جانب حاملي التذاكر الموسمية. إلا أن ثمة شكوكا سائدة حول أن رجال الأعمال سالفي الذكر لم يقدموا على شراء هذه الأندية لمجرد التمتع بلذة امتلاك ناد لكرة القدم، أو حتى التمتع بمكانة رفيعة على الصعيد المحلي على غرار الحال في عقود سابقة.
وربما يفسر ذلك التراجع الذي أعلن مؤخرًا في معدلات مشاهدة المباريات على الهواء مباشرة عبر محطتي «سكاي» و«بي تي». بالتأكيد، ثمة عوامل عدة تقف وراء مثل هذا التراجع، بما في ذلك الشعور بأن إقرار فكرة إقامة مباراة بانتظام ليلة الجمعة خلق شعورا بالتخمة بالنسبة للمباريات التي تذاع على الهواء. وجاء تغيير اسم بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة المفتقرة إلى الشعبية مؤخرًا ليخلق شعورًا أكبر بالسأم تجاهها. وربما يكون هناك أيضًا شعور متزايد بالسأم حيال هيمنة خطاب مجموعة صغيرة من المدربين المشاهير.. مورينهو وغوارديولا وكلوب وفينغر وكونتي وبوكيتينو على صعيد الأندية الكبرى، الأمر الذي تعززه وسائل الإعلام.
تبعًا لمعايير أخرى، يعد الدوري الممتاز في حالة جيدة للغاية من المنظور المالي، ذلك أن عائدات البث التلفزيوني ما تزال تتدفق على كثير من الأطراف المشاركة. ولا تزال الملاعب تمتلئ عن بكرة أبيها بالمتفرجين نظرًا لما تحمله الجماهير من ولاء تجاه أنديتها. بالنسبة لجماهير التلفزيون، يبدو أن هناك مقاومة متزايدة في وجه الهستريا الدعائية المحمومة.
إلا أنه إذا كان هناك بالفعل مشاعر متصاعدة من اللامبالاة تجاه كرة القدم، وليس فترة تراجع مؤقت في الاهتمام بمتابعة المباريات، فإن تلك قد تمثل مشكلة كبرى لأنه سيكون من العسير التصدي لها وتحويلها نحو مسار عكسي.
من ناحيتهم، شعر مشجعو ويست هام بنوع من الحيرة الثقافية عندما قرر مالكو النادي إبرام صفقة لتحويل استاد أبتون بارك إلى مجمع للشقق الفاخرة، في الوقت الذي حاولوا إغواء الجماهير بالانتقال إلى استاد آخر جديد غير ملائم على الإطلاق. ولم تكن جماهير سوانزي سيتي الوحيدة التي شعرت بتعرضها للخيانة لدى إعلان الرجال المحليون الذين ساعدوا برؤيتهم وعملهم الدؤوب واستثماراتهم في إنقاذ النادي من الانهيار منذ سنوات قلائل، عزمهم بيع أسهمهم بالنادي.
ربما لا يمكننا إلقاء اللوم على هو جنكينز ورفاقه لسعيهم نحو استغلال فرصة جني الملايين من خلال بيع سوانزي سيتي إلى كونسرتيوم أميركي ضد رغبات جماهير النادي وثقته التي جعلته يسهم على نحو بناء في عملية إنقاذ النادي. ويمثل ذلك نموذجًا آخر للاستعداد لاستغلال نادي كرة قدم لتحقيق الثراء الشخصي. وجاء هذا القرار ليؤجج مشاعر السخط التي ربما تسفر عن تقويض جماهيرية كرة القدم.
الملكية الأجنبية للأندية الإنجليزية.. إيجابيات قليلة وسلبيات كثيرة
ليستر سيتي أصبح «قصة سعيدة» من بين تجارب أخرى حزينة داهمت عالم الكرة
جماهير يونايتد تتظاهر ضد عائلة غليزر المالكة للنادي («الشرق الأوسط») - مالك ليستر التايلاندي فيتشاي سريفادهانابرابها (يسار) يشاهد ناديه يحصد لقب الدوري الإنجليزي مع عائلته («الشرق الأوسط»)
الملكية الأجنبية للأندية الإنجليزية.. إيجابيات قليلة وسلبيات كثيرة
جماهير يونايتد تتظاهر ضد عائلة غليزر المالكة للنادي («الشرق الأوسط») - مالك ليستر التايلاندي فيتشاي سريفادهانابرابها (يسار) يشاهد ناديه يحصد لقب الدوري الإنجليزي مع عائلته («الشرق الأوسط»)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

