الأمن أولاً..

الأمن أولاً..
TT

الأمن أولاً..

الأمن أولاً..

مطلع مايو (أيار) 2014 افتتح ملعب الملك عبد الله الدولي، الذي أصبح يعرف بـ«الجوهرة المشعة»، كنتُ حاضرًا في حفل الافتتاح الذي رعاه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز (يرحمه الله). هذه «الجوهرة» ليست مجرد ملعب، كانت مبادرة لتعزيز ثقافة الحياة أمام الشباب، واستهدفها المتطرفون لأنها النقيض المباشر لثقافة الموت التي يحملونها.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، هاجم الإرهابيون ملعب فرنسا، في إحدى ضواحي العاصمة باريس، ضمن سلسلة هجمات متزامنة طالت أيضًا مسرحًا ومقاهي وشوارع تكتظ بالمارة، خلفت أكثر من 130 قتيلاً، معظمهم كانوا في مسرح «باتاكلان» الذي وقع فيه نحو 90 قتيلاً، التنظيم الأسود الذي ارتكب المجازر في فرنسا، هو الذي كاد يرتكب مجزرة في ملعب «الجوهرة» في جدة السعودية في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لولا لطف الله ويقظة رجال الأمن.
على بعد 1200 كيلو من ملعب الجوهرة، يقع مقهى تاروت، هناك قبالة البحر، يجتمع الشباب كل مساء يحتسون القهوة ويشربون الأرجيلة ويشاهدون مباريات كرة القدم، لكن اثنين من المتطرفين الكارهين للحياة أرادا تفجير نفسيهما في هؤلاء الشباب، حدث ذلك في 24 أغسطس (آب) 2016. ومرة أخرى كان رجال الأمن بالمرصاد، في إحدى نقاط التفتيش تم الاشتباه في شخصين؛ أحدهما سعودي والآخر سوري، كانا يستقلان سيارة.. وبعد توقيفهما تم العثور في سيارتهما على سلاح ناري وحزام ناسف جاهز للتفجير، واعترفا بأن وجهتهما كانت هذا المقهى.
نصل هنا إلى ذروة العبث، وهي استهداف رجال الأمن أنفسهم، في حوادث دامية ومتكررة تعرض رجال الأمن، وبعضهم كان في نقاط حراسة لحماية الأهالي في منطقة القطيف من شرور الإرهاب الأعمى الذي ابتلينا به، تعرض هؤلاء إلى هجمات إرهابية استهدفت قتلهم، ارتكبها أفراد كان هؤلاء الرجال يحمون أهلهم وعائلاتهم.. فأي عبث أكبر من هذا؟
هنا نحنُ بحاجة إلى «وعي مجتمعي» يسقط كل مبررات الإرهابيين والمتطرفين، بحاجة إلى صوت أعلى في وجوههم مهما كانت أسماؤهم وانتماءاتهم، وليس أن يلقي البعض غمامة من التلبيس على أفعالهم. لا توجد قضية عادلة لهؤلاء الذي يريدون خراب الأرض وقتل الإنسان، بعضهم استهدف المصلين الآمنين في المساجد دون رحمة أو شفقة، ودون واعظ من دين أو أخلاق، ووجد له في اليوم التالي من يترحم عليه ويزفه إلى الجنة شهيدًا..!، كما وجد من يمسح جريمته بالتبرير والتضليل دون أن يرفّ لهم جفن وهم يشاهدون أطفالاً ونساءً مفجوعين بقتل ذويهم في بيوت الله. وآخرون استهدفوا رجال الأمن أثناء أداء واجبهم، وهؤلاء أيضًا لديهم عائلات وأسر وأطفال، ولهم قداسة الحياة التي حرّمها الله إلى يوم الدين.
نحن اليوم أمام إرهاب متنقل، هدفه إشغال الدولة في الفوضى، وإشعال نيران الحقد والكراهية في المجتمع. وإذا كنا نتفق على أننا في مركب واحد ومستهدف، فإن أولى مسؤولياتنا حماية هذا المركب، والحفاظ على وحدة أهله.



«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي

«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي
TT

«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي

«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي

عن مؤسسة أبجد للنشر والترجمة والتوزيع صدر حديثاً كتاب «أقلمة سرد الحيوان» للدكتورة نادية هناوي ويأتي استكمالاً لمشروعها في «الأقلمة السردية»، وكانت قد بدأته بكتابها «أقلمة المرويات التراثية» وأتبعته بكتابين هما «الأقلمة السردية من العصور الوسطى حتى القرن التاسع عشر» و«الأقلمة السردية: مخابرها الغربية - مناشئها الشرقية».

ويدور كتاب «أقلمة سرد الحيوان» في إطار النظرية السردية وما يجري في العالم من تطور في مجال دراسات الأقلمة، بغية الإفادة منها في دراسة تراث السرد العربي بكل ما فيه من نظم وتقاليد وأساليب وتقنيات، ترسيخاً لدوره التأصيلي في السرد الحديث والمعاصر، وتدليلاً على عالميته التي ترى المؤلفة أنها قد «حجبت بستر التبعية، بكل ما في الاتباع من تقريع الذات ودفن قابلياتها والتشكيك في قدراتها».

ويدخل هذا النوع من الدراسات في إطار نزعة ما بعد الإنسان التي ساهم بعض المفكرين والنقاد في تعزيزها. وممن تناولهم الكتاب بالدراسة الفيلسوف جاك دريدا بمقالته «الحيوان الذي أكون» وفيها رأى أن الحيوان يملك وجوداً متجانساً ومتناغماً مثلنا، وأن الملايين من الكائنات الأخرى تتطلب منا أن نبدأ في التعامل معها بجدية. واستعاد دريدا ما قاله ميشال دي مونتيني (1533 - 1592) حين كتب اعتذاراً إلى ريموند سيبوند، متسائلاً عن علاقته بقطته. فالقطة كيان حقيقي وتحديقها فيه تأمل وله معنى. أما جان فرنسوا ليوتار فطرح أسئلة كثيرة حول علم الأجناس وما هو غير إنساني وتساءل: «ماذا لو كان البشر بذاك الإدراك الحسي الإنساني في عملية إكراهية لتحويلهم إلى غير البشر؟ ماذا لو كان ما نعرف أنه مناسب للبشر قد أصبح ملائماً لغير البشر؟». ومن جهته افترض فرانسيس فوكوياما في كتابه «مستقبلنا ما بعد البشري» أن الإنسان في أصل تكوينه حيوان ثقافي، ومن المستحيل أن نتحدث عن حقوق الإنسان، وبالتالي عن العدالة والسياسة والفضيلة بصورة أكثر عمومية من دون أن يكون لدينا مفهوم ما عن ماهية البشر كنوع حي. فالبشر أحرار في صوغ سلوكياتهم الخاصة لأنهم حيوانات ثقافية قادرة على تعديل الذات، ومثلما أن الحيوانات تتصارع من أجل البقاء والاعتراف بالغلبة فكذلك البشر يتصارعون.

وتؤكد المؤلفة أن تبني المدرسة الأنجلوأميركية لنزعة ما بعد الإنسان، هو الذي وسّع مدارات علوم السرد ما بعد الكلاسيكية باتجاهات بشرية وغير بشرية، ويعد علم سرد الحيوان واحداً من تلك العلوم المستجدة وميداناً بحثياً يُختبر فيه كل ما هو نظري وإجرائي له صلة بعلاقة الإنسان بالحيوان من جهة ويتقارب أو يتداخل من جهة أخرى مع ميادين علمية أخرى، لعل أهمها علم البيئة من ناحية ما للإنسان من دور رئيس في دمار الطبيعة وتهديد نظامها الإحيائي النباتي والحيواني. ويساهم في ذلك كله ظهور جمعيات ومنظمات تدافع عن البيئة وتدعو إلى الرفق بالحيوان.

في السياق نفسه، صدر حديثاً عن المؤسسة نفسها كتاب آخر للدكتورة نادية هناوي بعنوان «العبور الأجناسي: الأشكال - الأنواع - القضايا»، ويعد الكتاب السادس فيما بحثته المؤلفة في هذه النظرية من قضايا وتفريعات بعد كتبها «نحو نظرية عابرة للأجناس» 2019 و«الطائر المكدود في البحث عن اليقين المفقود لعبد الرحمن طهمازي» 2021 و«غاليانو صياد الكلام والعبور الأجناسي» 2022 و«قصيدة النثر العابرة في مطولات الشاعر منصف الوهايبي» 2024 و«السونيت في شعر حسب الشيخ جعفر» 2023.