قراءة ميدانية لمعركة إنهاء «داعش»

للتنظيم قدرة كبيرة على التحول من أجل الاستمرار

قراءة ميدانية لمعركة إنهاء «داعش»
TT

قراءة ميدانية لمعركة إنهاء «داعش»

قراءة ميدانية لمعركة إنهاء «داعش»

شهد الأسبوعان الأخيران الهجوم المنتظر على مدينة الموصل، معقل تنظيم داعش المتطرف في العراق. وفي الوقت الذي تؤكد القوات الأميركية والحكومية العراقية أن المعركة ستكون حاسمة، يرى بعض المحللين أنها قد لا تؤدي بالضرورة إلى وضع حدٍّ نهائي للتنظيم الذي برهن خلال السنوات القليلة الماضية قدرته على التطور والاستمرار.
انشق تنظيم داعش المتطرف الإرهابي عن تنظيم القاعدة في عام 2013، وحين بدأ بالاستيلاء على الأراضي في أوائل عام 2014، لم يُعره الرئيس الأميركي باراك أوباما في حينه أي أهمية بل استخف بقدراته، واصفا إياها بفريق من الصغار في الحركة الراديكالية. غير أن «داعش» ما لبث أن أحكم قبضته على الموصل، أكبر ثاني مدينة في العراق في شهر يونيو 2014 بعد حملة خاطفة شنها على شمال غربي البلاد من أراضي سوريا. وخلال العامين المنصرمين، تمكّن التنظيم من التحكّم بالمدينة والسيطرة عليها والتقدّم بشكل مطرِّد مستوليًا على كثير من الأراضي في العراق وسوريا، حاصلا على مبايعة غيره من المجموعات المتطرفة في المنطقة. مع هذا، خلال الأشهر الأخيرة الماضية، مُني هذا التنظيم الإرهابي بهزائم كبيرة، وتقلّصت مساحة مناطق سيطرته الجغرافية بنسبة 30 في المائة خلال سنتين بحسب مركز الدراسات «آي إتش إي جاينز» IHS JANE.
ونقلا عن موقع «السورية نت» تكبد «داعش» الخسائر التالية على صعيد سيطرته الجغرافية في كل من سوريا والعراق:

سوريا
1 - عين العرب (كوباني): المدينة السورية ذات الغالبية الكردية الواقعة على الحدود مع تركيا في أقصى شمال شرقي محافظة حلب بشمال سوريا. ولقد باتت عين العرب رمزًا للقتال ضد «داعش» بعدما خاض مقاتلو الميليشيات الكردية معارك عنيفة طالت أكثر من أربعة أشهر لينجحوا أخيرًا في يناير 2015 في طرد مقاتلي التنظيم منها بدعم للمرة الأولى من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
2 - تل أبيض: وهي مدينة سورية أخرى تقع أيضًا على الحدود مع تركيا في ريف محافظة الرقّة الشمالي، وقد سيطر عليها الأكراد في يونيو عام 2015. وتعد تل أبيض ذات الغالبية العربية مدينة مهمة على خط الإمداد الرئيسي ونقطة عبور للأسلحة والمقاتلين بين تركيا ومدينة الرقّة، معقل «داعش» الأبرز في سوريا.
3 - تدمر: سيطر التنظيم المتطرف على «عروس البادية» التي تتبع محافظة حمص، وتبعد مسافة 200 كم عن دمشق باتجاه وسط سوريا، في مايو (أيار) 2015، وعمد إلى تدمير الكثير من آثارها المدرجة على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، بينها معبدي بل وشمين. وبدعم من الطيران الحربي الروسي، تمكن جيش نظام الأسد من استعادة السيطرة على تدمر في 27 مارس (آذار) 2016.
4 - منبج: استعادت ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية - وهي ميليشيات تشكل ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري، مع بعض المقاتلين العرب وتتلقى الدعم من الولايات المتحدة - مدينة منبج الواقعة في الريف الشمالي الشرقي بمحافظة حلب في السادس من أغسطس 2016، وذلك بعدما خضعت لسيطرة التنظيم المتطرف عام 2014. وكانت منبج تعد أحد أبرز معاقله في محافظة حلب لا سيما أنها على خط الإمداد الرئيس الذي كان متبقيًا للتنظيم بين الرقّة والحدود التركية.
5 - جرابلس: وهي أيضًا مدينة سورية تقع على الحدود التركية وعلى ضفاف نهر الفرات، إلى الغرب من عين العرب وشمال شرق منبج. ولقد طردت القوات التركية والفصائل المقاتلة السورية المدعومة من أنقرة، ولا سيما «الجيش السوري الحر»، التنظيم المتطرف منها في 24 أغسطس 2016 ضمن إطار عملية «درع الفرات» التي تشنها القوات التركية ضد التنظيم والميليشيات الكردية الانفصالية على حد سواء.
6 - الحدود التركية السورية: في الرابع من سبتمبر طردت القوات التركية والفصائل المدعومة منها مقاتلي «داعش» من آخر منطقة واقعة تحت سيطرته على الحدود بين البلدين.
7 - دابق: سيطرت فصائل سورية معارضة مدعومة من أنقرة في 16 أكتوبر على بلدة دابق الحدودية مع تركيا والتي لها أهمية رمزية لدى التنظيم، وعلى بلدة صوران المجاورة.

العراق
1 - تكريت: في 31 مارس 2015 أعلنت القوات العراقية استعادة مدينة تكريت الواقعة على بعد 160 كيلومترًا شمال بغداد، بعدما شنت أكبر عملية لها منذ هجوم التنظيم في يونيو 2014 الذي سمح له بالسيطرة على مساحات واسعة من البلاد. وشاركت واشنطن وطهران من خلال ميليشيا «الحشد الشعبي» الشيعية في عملية القوات العراقية.
2 سنجار: في 13 نوفمبر 2015 استعادت الميليشيات الكردية من تنظيم داعش، مدعومة بغارات جوية لقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، مدينة سنجار في شمال غربي العراق، قاطعة بذلك طريقًا استراتيجيًا كان يستخدمه مقاتلوه بين العراق وسوريا. ويذكر أن التنظيم المتطرف كان قد استولى على سنجار في أغسطس 2014، وارتكب فظائع بحق السكان وغالبيتهم العظمى من الأقلية الإيزيدية.
3 الرمادي: في 9 فبراير (شباط) 2016 تمت استعادة مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار السنّية، وهي تقع على بعد 100 كلم غرب من العاصمة العراقية بغداد، من «داعش» الذي كان قد سيطر عليها في مايو 2015.
4 الفلّوجة: المدينة العراقية السنيّة التي تقع على مسافة 50 كلم غربي بغداد، كانت أولى المدن التي سيطر عليها التنظيم مطلع عام 2014 وأعلن الجيش العراقي استعادة الفلوجة في 26 يونيو 2016 بعد شهر على شن هجوم كبير انتهى بتهجير عشرات الآلاف من سكان المدينة.
5 القيارة: في 9 يوليو 2016، سيطرت القوات الحكومية العراقية مدعومة من قوات التحالف الدولي على قاعدة جوية مهمة قرب القيارة، التي تبعد مسافة 60 كلم جنوبي مدينة الموصل. وفي 25 أغسطس طردت القوات الحكومية العراقية مقاتلي التنظيم من البلدة تأهبًا لمعركة الموصل، آخر معاقل التنظيم الرئيسة في العراق.
6 - الشرقاط: أعلنت القوات العراقية في 22 سبتمبر استعادة السيطرة على بلدة الشرقاط التي تحظى بأهمية استراتيجية كبرى بالنسبة لمعركة الموصل، كونها تقع على طريق الإمداد الرئيسي إلى بغداد التي تبعد عنها مسافة 260 كلم، والشرقاط آخر معاقل التنظيم في محافظة صلاح الدين.

معركة الموصل
وبالعودة إلى الموصل، يتوقع الخبراء أن تستغرق المعركة شهرين أو ثلاثة، وأن تدور المرحلة الأولى منها على أطراف المدينة. ويعتبر الخبراء أن المعركة الأصعب هي التي ستخاض داخل المدينة خاصة في الأحياء القديمة، وفق ما شرحه في حديث إلى «الشرق الأوسط» الناشط المتحدر من الموصل غانم العابد، متوقعًا أن يغادر التنظيم أطراف الموصل مثل حي عرابي متوجهًا إلى سوريا إن لم يتمكن من الصمود. ومن ناحية ثانية، أيضًا في حديث إلى «الشرق الأوسط» يقر الشيخ العراقي أحمد السامرائي «أن الشعب العراقي ملّ من (داعش) ولم يعد يؤيده، حتى لو أنه يشعر بالخوف من الابتزازات التي قد يمارسها عليه الحشد الشعبي المقرب من إيران». وهنا يضيف غانم العابد في السياق نفسه قائلا: «إن الكل يعلم أن الحكومة العراقية سلّمت بنفسها الموصل للتنظيم الإرهابي، إنما في الحقيقة ليس هناك من يدعمه فعليًا، على الرغم من أن الميليشيات الشيعية و(داعش) وجهان لعملة واحدة».
يذكر أن تنظيم داعش يواجه حقًا معارضة متصاعدة ضمن مناصريه بحيث عمد خلال الأسبوعين الماضيين إلى تصفية 58 شخصا في الموصل تمردوا ضده بحسب وكالة «رويترز»، بمن فيهم مساعد مقرب من زعيم التنظيم «أبو بكر البغدادي».

لن تكون النهاية
ولكن على الرغم من أن هذه الأحداث كلها وضعت «داعش» في موقف دفاعي، فإن سقوط الموصل لن يؤدي بالضرورة إلى نهايته، وهو الذي تمكن من البقاء على قيد الحياة حتى الآن، والذي يُعتقد أنه لا يزال يملك ما يزيد عن 10 إلى 15 ألف مقاتل بعد أن كانوا 30 ألف مقاتل في عام 2014. ويبقى الخطر الرئيسي الذي قد تواجهه القوات العراقية وقوات التحالف، متمثلا في قدرة التنظيم على التحرك بشكل سرّي. فقد برهنت الأحداث السابقة أنه كلما وجد التنظيم نفسه أمام خطر تصفيته، لجأ إلى أساليب التحرّك السري بدلا من القوة العسكرية التقليدية. وهكذا، تمكن من الصمود والاستمرار سنة بعد سنة ومن مواجهة عمليات مكافحة الإرهاب التي شنتها القوات الحكومية العراقية والأميركية في الموصل بين عامي 2004 و2009.. وعاد وظهر على الساحة من جديد ما إن غادرت القوات الأميركية المدينة في عام 2010.
بناءً عليه، يحذِّر الخبير باتريك جونسون والخبير باتريك رايان، في تقرير نشر أخيرًا على موقع War on the Rocksأنه بناء على تحليل تصرفات «القاعدة» سابقًا في العراق، على المحللين وصنّاع القرار توخي الحذر قبل أن يعلنوا كم سيكون من السريع أو السهل إلحاق الهزيمة بـ«داعش» من قبل قوات التحالف سواء في الموصل أو أماكن أخرى. ذلك أن التنظيم أثبت مرارًا وتكرارًا قدرته على التحوّل من «دويلة تتمتع بقدرات عسكرية وإمكانية الحُكم علانية، إلى مجموعة إرهابية سريّة تعمل تحت الأرض بغية الحفاظ على نفوذها وسيطرتها على السكان المحليين مع تقليل إلى أقل حدّ ممكن خسائرها».
وبالتالي، قد يلجأ «داعش» من جديد إلى هذا النهج، ويعمد إلى تعطيل وتشتيت وحداته العسكرية مع تعزيز في الوقت عينه قوته الاستخبارية، والأمنية والإدارية. وعليه، لا بد للتحالف بين القوات العراقية والأميركية أن يتوقع هذا التغيير في أسلوب العمل، ويستعد لتنفيذ حملة ضد مقاتلي «داعش» والعناصر الموالية القادرة على العمل سرا. وإلا فستستمر المنظمة بالابتزاز والترهيب وتنفيذ الاغتيالات قبل أن تعود إلى الحياة من جديد بعد أن تحوِّل القوات العراقية اهتمامها إلى مكان آخر.
إن الهجوم المنفذ في الموصل يشكل المرحلة الأولى من حملة «التطهير، وبسط الاستقرار، والبناء» التي سيتم إطلاقها خلال الأشهر أو حتى السنوات المقبلة. وفي الهجمات الأخيرة لاحظنا أن «داعش» يراجع تكتيكيًا، ما قد يشير إلى أنه خلال فترة «بسط الاستقرار» قد يعمد إلى استنفاد قوة القوات العراقية»، وفق مصدر أمني عراقي تحدث، شرط عدم الكشف عن هويته. ومن ثم، فإن قوات التحالف والقوات الحكومية العراقية لن يكون عليها فقط القضاء على «داعش» عسكريًا، بل أيضًا تدمير شبكاته السرية من خلال عمل استخباراتي شامل، مع ضمان أمن السكان الذي يعتبر عنصرًا أساسيًا لمنع المنظمة الإرهابية من العودة إلى الحياة من جديد.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».