شهد الأسبوعان الأخيران الهجوم المنتظر على مدينة الموصل، معقل تنظيم داعش المتطرف في العراق. وفي الوقت الذي تؤكد القوات الأميركية والحكومية العراقية أن المعركة ستكون حاسمة، يرى بعض المحللين أنها قد لا تؤدي بالضرورة إلى وضع حدٍّ نهائي للتنظيم الذي برهن خلال السنوات القليلة الماضية قدرته على التطور والاستمرار.
انشق تنظيم داعش المتطرف الإرهابي عن تنظيم القاعدة في عام 2013، وحين بدأ بالاستيلاء على الأراضي في أوائل عام 2014، لم يُعره الرئيس الأميركي باراك أوباما في حينه أي أهمية بل استخف بقدراته، واصفا إياها بفريق من الصغار في الحركة الراديكالية. غير أن «داعش» ما لبث أن أحكم قبضته على الموصل، أكبر ثاني مدينة في العراق في شهر يونيو 2014 بعد حملة خاطفة شنها على شمال غربي البلاد من أراضي سوريا. وخلال العامين المنصرمين، تمكّن التنظيم من التحكّم بالمدينة والسيطرة عليها والتقدّم بشكل مطرِّد مستوليًا على كثير من الأراضي في العراق وسوريا، حاصلا على مبايعة غيره من المجموعات المتطرفة في المنطقة. مع هذا، خلال الأشهر الأخيرة الماضية، مُني هذا التنظيم الإرهابي بهزائم كبيرة، وتقلّصت مساحة مناطق سيطرته الجغرافية بنسبة 30 في المائة خلال سنتين بحسب مركز الدراسات «آي إتش إي جاينز» IHS JANE.
ونقلا عن موقع «السورية نت» تكبد «داعش» الخسائر التالية على صعيد سيطرته الجغرافية في كل من سوريا والعراق:
سوريا
1 - عين العرب (كوباني): المدينة السورية ذات الغالبية الكردية الواقعة على الحدود مع تركيا في أقصى شمال شرقي محافظة حلب بشمال سوريا. ولقد باتت عين العرب رمزًا للقتال ضد «داعش» بعدما خاض مقاتلو الميليشيات الكردية معارك عنيفة طالت أكثر من أربعة أشهر لينجحوا أخيرًا في يناير 2015 في طرد مقاتلي التنظيم منها بدعم للمرة الأولى من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
2 - تل أبيض: وهي مدينة سورية أخرى تقع أيضًا على الحدود مع تركيا في ريف محافظة الرقّة الشمالي، وقد سيطر عليها الأكراد في يونيو عام 2015. وتعد تل أبيض ذات الغالبية العربية مدينة مهمة على خط الإمداد الرئيسي ونقطة عبور للأسلحة والمقاتلين بين تركيا ومدينة الرقّة، معقل «داعش» الأبرز في سوريا.
3 - تدمر: سيطر التنظيم المتطرف على «عروس البادية» التي تتبع محافظة حمص، وتبعد مسافة 200 كم عن دمشق باتجاه وسط سوريا، في مايو (أيار) 2015، وعمد إلى تدمير الكثير من آثارها المدرجة على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، بينها معبدي بل وشمين. وبدعم من الطيران الحربي الروسي، تمكن جيش نظام الأسد من استعادة السيطرة على تدمر في 27 مارس (آذار) 2016.
4 - منبج: استعادت ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية - وهي ميليشيات تشكل ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري، مع بعض المقاتلين العرب وتتلقى الدعم من الولايات المتحدة - مدينة منبج الواقعة في الريف الشمالي الشرقي بمحافظة حلب في السادس من أغسطس 2016، وذلك بعدما خضعت لسيطرة التنظيم المتطرف عام 2014. وكانت منبج تعد أحد أبرز معاقله في محافظة حلب لا سيما أنها على خط الإمداد الرئيس الذي كان متبقيًا للتنظيم بين الرقّة والحدود التركية.
5 - جرابلس: وهي أيضًا مدينة سورية تقع على الحدود التركية وعلى ضفاف نهر الفرات، إلى الغرب من عين العرب وشمال شرق منبج. ولقد طردت القوات التركية والفصائل المقاتلة السورية المدعومة من أنقرة، ولا سيما «الجيش السوري الحر»، التنظيم المتطرف منها في 24 أغسطس 2016 ضمن إطار عملية «درع الفرات» التي تشنها القوات التركية ضد التنظيم والميليشيات الكردية الانفصالية على حد سواء.
6 - الحدود التركية السورية: في الرابع من سبتمبر طردت القوات التركية والفصائل المدعومة منها مقاتلي «داعش» من آخر منطقة واقعة تحت سيطرته على الحدود بين البلدين.
7 - دابق: سيطرت فصائل سورية معارضة مدعومة من أنقرة في 16 أكتوبر على بلدة دابق الحدودية مع تركيا والتي لها أهمية رمزية لدى التنظيم، وعلى بلدة صوران المجاورة.
العراق
1 - تكريت: في 31 مارس 2015 أعلنت القوات العراقية استعادة مدينة تكريت الواقعة على بعد 160 كيلومترًا شمال بغداد، بعدما شنت أكبر عملية لها منذ هجوم التنظيم في يونيو 2014 الذي سمح له بالسيطرة على مساحات واسعة من البلاد. وشاركت واشنطن وطهران من خلال ميليشيا «الحشد الشعبي» الشيعية في عملية القوات العراقية.
2 سنجار: في 13 نوفمبر 2015 استعادت الميليشيات الكردية من تنظيم داعش، مدعومة بغارات جوية لقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، مدينة سنجار في شمال غربي العراق، قاطعة بذلك طريقًا استراتيجيًا كان يستخدمه مقاتلوه بين العراق وسوريا. ويذكر أن التنظيم المتطرف كان قد استولى على سنجار في أغسطس 2014، وارتكب فظائع بحق السكان وغالبيتهم العظمى من الأقلية الإيزيدية.
3 الرمادي: في 9 فبراير (شباط) 2016 تمت استعادة مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار السنّية، وهي تقع على بعد 100 كلم غرب من العاصمة العراقية بغداد، من «داعش» الذي كان قد سيطر عليها في مايو 2015.
4 الفلّوجة: المدينة العراقية السنيّة التي تقع على مسافة 50 كلم غربي بغداد، كانت أولى المدن التي سيطر عليها التنظيم مطلع عام 2014 وأعلن الجيش العراقي استعادة الفلوجة في 26 يونيو 2016 بعد شهر على شن هجوم كبير انتهى بتهجير عشرات الآلاف من سكان المدينة.
5 القيارة: في 9 يوليو 2016، سيطرت القوات الحكومية العراقية مدعومة من قوات التحالف الدولي على قاعدة جوية مهمة قرب القيارة، التي تبعد مسافة 60 كلم جنوبي مدينة الموصل. وفي 25 أغسطس طردت القوات الحكومية العراقية مقاتلي التنظيم من البلدة تأهبًا لمعركة الموصل، آخر معاقل التنظيم الرئيسة في العراق.
6 - الشرقاط: أعلنت القوات العراقية في 22 سبتمبر استعادة السيطرة على بلدة الشرقاط التي تحظى بأهمية استراتيجية كبرى بالنسبة لمعركة الموصل، كونها تقع على طريق الإمداد الرئيسي إلى بغداد التي تبعد عنها مسافة 260 كلم، والشرقاط آخر معاقل التنظيم في محافظة صلاح الدين.
معركة الموصل
وبالعودة إلى الموصل، يتوقع الخبراء أن تستغرق المعركة شهرين أو ثلاثة، وأن تدور المرحلة الأولى منها على أطراف المدينة. ويعتبر الخبراء أن المعركة الأصعب هي التي ستخاض داخل المدينة خاصة في الأحياء القديمة، وفق ما شرحه في حديث إلى «الشرق الأوسط» الناشط المتحدر من الموصل غانم العابد، متوقعًا أن يغادر التنظيم أطراف الموصل مثل حي عرابي متوجهًا إلى سوريا إن لم يتمكن من الصمود. ومن ناحية ثانية، أيضًا في حديث إلى «الشرق الأوسط» يقر الشيخ العراقي أحمد السامرائي «أن الشعب العراقي ملّ من (داعش) ولم يعد يؤيده، حتى لو أنه يشعر بالخوف من الابتزازات التي قد يمارسها عليه الحشد الشعبي المقرب من إيران». وهنا يضيف غانم العابد في السياق نفسه قائلا: «إن الكل يعلم أن الحكومة العراقية سلّمت بنفسها الموصل للتنظيم الإرهابي، إنما في الحقيقة ليس هناك من يدعمه فعليًا، على الرغم من أن الميليشيات الشيعية و(داعش) وجهان لعملة واحدة».
يذكر أن تنظيم داعش يواجه حقًا معارضة متصاعدة ضمن مناصريه بحيث عمد خلال الأسبوعين الماضيين إلى تصفية 58 شخصا في الموصل تمردوا ضده بحسب وكالة «رويترز»، بمن فيهم مساعد مقرب من زعيم التنظيم «أبو بكر البغدادي».
لن تكون النهاية
ولكن على الرغم من أن هذه الأحداث كلها وضعت «داعش» في موقف دفاعي، فإن سقوط الموصل لن يؤدي بالضرورة إلى نهايته، وهو الذي تمكن من البقاء على قيد الحياة حتى الآن، والذي يُعتقد أنه لا يزال يملك ما يزيد عن 10 إلى 15 ألف مقاتل بعد أن كانوا 30 ألف مقاتل في عام 2014. ويبقى الخطر الرئيسي الذي قد تواجهه القوات العراقية وقوات التحالف، متمثلا في قدرة التنظيم على التحرك بشكل سرّي. فقد برهنت الأحداث السابقة أنه كلما وجد التنظيم نفسه أمام خطر تصفيته، لجأ إلى أساليب التحرّك السري بدلا من القوة العسكرية التقليدية. وهكذا، تمكن من الصمود والاستمرار سنة بعد سنة ومن مواجهة عمليات مكافحة الإرهاب التي شنتها القوات الحكومية العراقية والأميركية في الموصل بين عامي 2004 و2009.. وعاد وظهر على الساحة من جديد ما إن غادرت القوات الأميركية المدينة في عام 2010.
بناءً عليه، يحذِّر الخبير باتريك جونسون والخبير باتريك رايان، في تقرير نشر أخيرًا على موقع War on the Rocksأنه بناء على تحليل تصرفات «القاعدة» سابقًا في العراق، على المحللين وصنّاع القرار توخي الحذر قبل أن يعلنوا كم سيكون من السريع أو السهل إلحاق الهزيمة بـ«داعش» من قبل قوات التحالف سواء في الموصل أو أماكن أخرى. ذلك أن التنظيم أثبت مرارًا وتكرارًا قدرته على التحوّل من «دويلة تتمتع بقدرات عسكرية وإمكانية الحُكم علانية، إلى مجموعة إرهابية سريّة تعمل تحت الأرض بغية الحفاظ على نفوذها وسيطرتها على السكان المحليين مع تقليل إلى أقل حدّ ممكن خسائرها».
وبالتالي، قد يلجأ «داعش» من جديد إلى هذا النهج، ويعمد إلى تعطيل وتشتيت وحداته العسكرية مع تعزيز في الوقت عينه قوته الاستخبارية، والأمنية والإدارية. وعليه، لا بد للتحالف بين القوات العراقية والأميركية أن يتوقع هذا التغيير في أسلوب العمل، ويستعد لتنفيذ حملة ضد مقاتلي «داعش» والعناصر الموالية القادرة على العمل سرا. وإلا فستستمر المنظمة بالابتزاز والترهيب وتنفيذ الاغتيالات قبل أن تعود إلى الحياة من جديد بعد أن تحوِّل القوات العراقية اهتمامها إلى مكان آخر.
إن الهجوم المنفذ في الموصل يشكل المرحلة الأولى من حملة «التطهير، وبسط الاستقرار، والبناء» التي سيتم إطلاقها خلال الأشهر أو حتى السنوات المقبلة. وفي الهجمات الأخيرة لاحظنا أن «داعش» يراجع تكتيكيًا، ما قد يشير إلى أنه خلال فترة «بسط الاستقرار» قد يعمد إلى استنفاد قوة القوات العراقية»، وفق مصدر أمني عراقي تحدث، شرط عدم الكشف عن هويته. ومن ثم، فإن قوات التحالف والقوات الحكومية العراقية لن يكون عليها فقط القضاء على «داعش» عسكريًا، بل أيضًا تدمير شبكاته السرية من خلال عمل استخباراتي شامل، مع ضمان أمن السكان الذي يعتبر عنصرًا أساسيًا لمنع المنظمة الإرهابية من العودة إلى الحياة من جديد.