لماذا يذهب الجامعيون إلى ساحات القتال تحت راية «داعش»؟

ارتباط التطرف بالجهل يسقط تحت أقدام مقاتليه

جامعيون من الأجانب  استهوتهم شعارات {داعش} فانضموا إليه ({الشرق الأوسط})
جامعيون من الأجانب استهوتهم شعارات {داعش} فانضموا إليه ({الشرق الأوسط})
TT

لماذا يذهب الجامعيون إلى ساحات القتال تحت راية «داعش»؟

جامعيون من الأجانب  استهوتهم شعارات {داعش} فانضموا إليه ({الشرق الأوسط})
جامعيون من الأجانب استهوتهم شعارات {داعش} فانضموا إليه ({الشرق الأوسط})

استندت دراسة البنك الدولي، المعدة أخيرًا، التي بينت أن الأجانب الذين يلتحقون بصفوف «داعش» على مستوى تعليمي أعلى من المتوقع، إلى بيانات داخلية للتنظيم المتطرف جرى تسريبها لـ3803 من عناصره.
ويشار إلى أن الدراسة التي أعدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، تستند فيما خص الشق المتعلق بالمتطرفين الأجانب إلى استمارات انضمامهم إلى التنظيم المتطرف، التي تتضمن بيانات عن بلد الإقامة والجنسية والمستوى التعليمي والخبرات السابقة في العمل القتالي والإلمام بالشريعة.
ومن ناحية ثانية، تفيد دراسة البنك الدولي بأن «داعش» لم يجند مقاتليه الأجانب من الطبقات الفقيرة أو الأقل تعليمًا، بل على العكس هناك ما يشير إلى أن الافتقار إلى الإدماج الاقتصادي لهؤلاء الأشخاص في بلادهم يفسر تفاقم التشدد، وتحوله إلى تطرف عنيف.
كذلك فإن معدّي الدراسة وعنوانها «العدالة الاجتماعية والاقتصادية لمنع التطرف العنيف»، أكدوا أن «داعش» لم يأت بمجنديه الأجانب من بين الفقراء والأقل تعليمًا، بل العكس هو الصحيح. إذ بحسب الدراسة، فإن غالبية المنضمين إلى التنظيم خلال عامي 2013 و2014 «يؤكدون أن مستواهم التعليمي هو المرحلة الثانوية، وقسم كبير منهم تابعوا دراستهم حتى الجامعة». وأظهرت بيانات الدراسة أن الأجانب الذين انضموا لـ«داعش»، 43.3 منهم مستواهم التعليمي هو المرحلة الثانوية، و24.5 في المائة هو المرحلة الجامعية، في حين أن 13.5 في المائة فقط يقتصر مستواهم التعليمي على المرحلة الابتدائية، وبلغت نسبة الأميين في صفوف التنظيم 1.3 في المائة فقط.
من ناحية أخرى، فتح «داعش» في شهر فبراير (شباط) عام 2016 مدرستين في مدينة الرقة السورية لتعليم «الجهاد» والعلوم الشرعية لأبناء وبنات المقاتلين الأجانب في صفوفه، لكن باللغة الإنجليزية، تماشيًا مع خصوصيتهم، إحداهما للذكور وحملت اسم «أبو مصعب الزرقاوي»، والمدرسة الثانية للإناث سميت بـ«مدرسة عائشة». وقال «ديوان التعليم» لدى «داعش» إن «المدارس الجديدة لتدريس الأطفال من عمر السنة السادسة وحتى الرابعة عشرة من أبناء المهاجرين الأجانب باللغة الإنجليزية». وكان التنظيم قد أنشأ أيضًا معهدًا لتدريب الأطفال على القتال وفق عدة مستويات تحت اسم «معهد الفاروق» لتدريس الأطفال أحكام الجهاد والشريعة، وقدر عدد الأطفال المنتسبين إليه بمائة طفل.
ومما يذكر هنا أن «داعش» كان قد فرض في مارس (آذار) عام 2015 التعليم الإلزامي في الأراضى الواقعة تحت سيطرته في سوريا، وقام بتوزيع تعهدات على أهالي الطلبة، لضمان التزامهم بإرسال أطفالهم إلى المدارس التي يديرها، بحسب مصادر حقوقية سورية. ونشر نشطاء نسخة من أوراق تتضمن تسجيل التلاميذ في مدارس «داعش»، وتعهد من ولي أمر التلميذ بإرساله إلى هذه المدارس وإلزامه بالدوام ومتابعته، وجاء في نص التعهد: «أتعهد بإذن الله بإرسال ابني إلى المدرسة ومتابعة دوامه، وفي حال عدم تنفيذ هذا الأمر أتحمل المسؤولية الكاملة».

أهداف «داعش»
الدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة في مصر، ترى أن «داعش» يلجأ للمتعلمين، لأنه يعتمد على الدراسات المسبقة، ووضع الخطط المنهجية في جذب العناصر التي تنضم إلى صفوفه، ويحدد ذلك أيضًا بناءً على أهداف يسعى إلى تحقيقها. وتلفت إلى أن التنظيم يسعى لتكوين دولة واسعة النطاق تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في إدارتها، وبالتالي لن يتحقق ذلك إلا بالمستويات العلمية القوية، ومن ثم يدخل للسيطرة عليهم من النقص الذي يعانون منه والتفكك الأسري أو الرغبة في دور محوري في الحياة ودولة «الخلافة» (المزعومة)، أو الرغبة في التخلص من حياة سيئة واستبدال حياة أخرى بها في الدنيا أو الآخرة.. وكل هذا يلعب «داعش» على أوتاره بقوة.
ثم تقول شاهين: «لكن تنظيم داعش ليس وحده الذي لديه عوامل جذب، لأن على الجانب الآخر هناك عوامل دفع تدفع هؤلاء الشباب إلى الانضمام لـ(داعش)، ومنها الجهل الديني، وضعف انتشار التعليم الديني في الدول الغربية، ومحاربة التعليم الديني والحط من شأنه وقدر القائمين عليه في الدول الشرقية، فضلاً عن شبه انعدام تناول موضوعات دينية بعينها في التعليم الديني، وكذلك من خلال وسائل الإعلام، وتلك هي الموضوعات الأساسية التي يعتمد عليها التنظيم في بناء دولته المزعومة، مثل مواضيع (الخلافة والإمامة والجهاد والجزية ومعاملة أهل الذمة والجواري والعبيد)، رغم أن هذه المواضيع جرى حذفها حتى من المناهج الدينية في التعليم الديني، بحجة أننا لسنا بحاجة لها الآن، لكنها أساسية في المنهج الداعشي».
وتضيف شاهين: «إذا كان (داعش) يلجأ إلى الغرب اليوم، فإن شباب الشرق المتعلم هو الذي سيسعى إلى (داعش) اليوم وغدًا، إذا لم نغير سياستنا في التعليم والتعامل، فلا بد من اتباع سياسة الاحتواء والتمكين للشباب والاستماع لهم، والأهم من الاستماع، العمل بأفكارهم وإشراكهم في نهضة أوطانهم بدلاً من سياسة التهميش والتخويف والتخوين لكل ناقد». ثم تستطرد: «لا بأس في تدريس هذه المواضيع وإدراجها ضمن المناهج الدراسية الدينية في التعليم الديني والمدني وبيان وجه الحق فيها، ولكن شرط أن يقوم على تدريسها ذوو الكفاءة من المتخصصين. وإذا كان (داعش) نظامًا هشًا وضعيفًا، فإنه يقوي نفسه بالعلم والعلماء، ويجعل لهم دورًا محوريا في بناء (الدولة) المزعومة التي يسعى إلى تكوينها، وإن لم نحصن شبابنا ونعلمهم تعليمًا دينيًا قويًا فلن تسرنا النتائج التي سنجني ثمرتها».

مطالب نفسية ودينية
وحول لماذا يلجأ المتعلمون لـ«داعش»، أوضحت الأكاديمية المصرية أن التنظيم يلبي لهم مطالب نفسية وعلمية لديهم قصور فيها، فهؤلاء وإن كان لديهم علم دنيوي ولديهم وظائف هامة، فإنهم يعانون من الجهل بالعلوم الدينية، وهي المدخل الذي يستغله «داعش» في التأثير عليهم، وتمثل أهم عوامل الجذب للتنظيم، ومن خلال المعلومات الدينية المحرفة والموجهة لتحقيق مصالح وأهداف «داعش» يستطيعون أن يؤثروا على هؤلاء، وبالتالي يجدون ضالتهم المنشودة في العلم الديني والعمل به، حسب توجيهات معلميهم.

احتواء ديني واجتماعي واقتصادي
من جانبه، بقول الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الدعوة بالعاصمة المصرية القاهرة، إن «ما جاء في تقرير البنك الدولي يقودنا لموضوع الاحتواء الذي أشار إليه التقرير بأنواعه الثلاثة؛ الديني والاقتصادي والاجتماعي، فقضية الاحتواء، بالغة الأهمية في كل الأحوال، سواء كان الاحتواء أسريًا، وهو أن تحيط الأسرة الأبناء بعنايتها واهتمامها، وأن تحافظ على عقولهم كما تحافظ على أبدانهم، وأن تنمي مختلف جوانب شخصياتهم لترتقي بهم نحو الكمال، ويقتصر البعض على الاحتواء المادي فقط، وهذا أحد مصادر الخطر على شباب العصر، فالاحتواء المعنوي أشد أثرًا من الاحتواء المادي الذي يقتصر على تلبية الحاجات المادية فقط، بينما المعنوي يشمل الصبر على الشاب أو الفتاة واستيعاب عيوبهم وتربيتهم على قبول الآخر بكل ما فيه من محاسن ومساوئ».
ويتابع الصاوي: «أما الاحتواء الديني يكون عن طريق تجديد الخطاب الديني ليواكب أحداث العصر ومشكلاته، ويجيب على تساؤلات شبابه ولا ينفصل عنهم ولا يتركهم فريسة لتيارات ومذاهب وأفكار غالية ومتشددة أو متسيبة تلعب بعقولهم وتدغدغ مشاعرهم، وأن يجدد الخطاب الديني من آلياته ووسائله ويخرج من جدران المساجد إلى ساحات النوادي ومراكز الشباب وكل المواقع والمنتديات بلغة جذابة وأفق واسع مستنير».

مزاعم «الخلافة»
أما الدكتور علي محمد، وهو أستاذ جامعي مصري، فيرى أن «(داعش) يخدع هذه الفئة للانضمام إليه بحجة إرساء الشريعة وتطبيقها، وأن البيعة منعقدة لهذا التنظيم دون غيره، ولا شك أن هذا يؤدي إلى إيهام أغلب المثقفين والمتعلمين بوهم إقامة (الخلافة) – المزعومة -، ويقومون ببث هذه الفتنة عبر وسائل التواصل (فيسبوك) و(تويتر) وغيرها». ويردف: «ذلك يجعل أفراد هذا التنظيم يتعرفون على المثقفين والمتعلمين من هذه المواقع التي تكون رواجًا لهم بسهولة ويسر، وهي أدعى في التفاعل من غيرها، وهناك أشخاص لديهم مهارات التواصل يتم تجنيدهم عن طريق هذه الغاية الكاذبة، بل يضعون لهم بوقًا من الكذب، فيقولون إننا نحارب تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وللأسف تجد تجاوبًا غير عادي لهذه الشعارات الكاذبة، منها وهم إقامة (الخلافة)، وأيضًا الاستشهاد في سبيل الله، والعمل قضاة شرعيين، وأيضًا بعض الشباب يريد خوض التجربة، وكذا صرخات ونعرات التنظيم الكاذبة بتحرير المسجد الأقصى». ويوضح محمد أن سبب استقطاب هؤلاء أيضًا هو «العمل على استغلالهم فيما يتعلق بالتقنيات الحديثة، واختراق كثير من مواقع الحكومات الاستخباراتية، والعمل على ترجمة كثير من المقالات والكتب التي تصدر عن التنظيم، والتي ترد عليه بعدة لغات». ثم يستطرد: «قد يكون هذا الصنف من المتعلمين سببًا رئيسيًا في ضرب هذا التنظيم، وذلك لأن التنظيم الداعشي لا يبالي بمن ينضم إلى صفوفه، فلا يبحث عن هوية ولا عن جنس ولا بلد، فقد جمع (داعش) بين مقاتليه أصنافًا، منهم المتطرف ومنهم الأجنبي الذي لا يعلم عن الإسلام إلا اسمه فقط، ومنهم الباحث عن المال الهارب من السجون، وبذلك فإن هؤلاء الفرقاء تتبلور لديهم فكرة التطرف عن طريق الغلو الفكري والتطرف العقدي، فيكون أشد حالاً من حال (خوارج العصر).. ومن ثم فإن هذا الأمر قد يكون سببًا في زوال التنظيم».

مستويات التعليم
وفي السياق ذاته، تقول الأستاذة الجامعية الدكتورة عزة سيد، إن التنظيم «جمع بين شتات المراهقين من الأجانب وغيرهم. وهذا يدل على معطيات يمكن الاقتصار على بعضها أنه تنظيم مخترق من الداخل، وخصوصًا أن كثيرًا من الأجانب لا دخل لهم بمعرفة معتقد التنظيم من نحو إقامة (الخلافة) كما يدّعون أو محاربة غير المسلمين، بل هذا يدل على مدى ارتباط التنظيم الداعشي بالدول الغربية التي من شأنها تمزيق أوصال الدول العربية». وتزيد موضحة أن انضمام شباب لديه أموال كثيرة، وفقًا لتقرير البنك الدولي إلى «داعش»، «يدل على حرص هؤلاء الأجانب على الإنفاق للتخريب والعمل على إبادة المسلمين هناك، مما يدل على خيانة هذا التنظيم وإفساده، وبيان معتقد هؤلاء الفاسدين. وبالفعل هذا الأمر له أثر سلبي للقضاء على هذا التنظيم، خصوصًا أنهم انتهجوا سياسة التطرف والإرهاب، فقد يقتل بعضهم بعضًا من أجل الصدارة، وأيضًا من أجل الخلاف على أمور فيما بينهم، وقد ينشب الانشقاق كما حدث آنفًا مع تنظيم القاعدة الذي من رحمه خرج (داعش)».

الإرهاب والتعليم
أخيرًا، يقول الدكتور الصاوي وكيل كلية الدعوة بالقاهرة، في سياق التعليق على نسب التعليم في صفوف «داعش»: «يجب أن نتحدث عن مسألتين؛ الأولى (العلاقة بين الإرهاب والتعليم)، والثانية (العلاقة بين الإرهاب والفقر)، أما عن المسألة الأولى، فالحقيقة والواقع أنه ليس ثمة ارتباط بين مستوى التعليم والانضمام إلى صفوف هذه التيارات، خصوصًا (داعش). بل بالنظرة المجردة نجد أن منهم المهندسين والأطباء والمحامين ورجال القانون، ولعل وجود أسامة بن لادن وأيمن الظواهري مثلاً على رأس تنظيم القاعدة، الأول مهندس والثاني طبيب، ينسف هذه المقولة من أساسها أن هناك ارتباطًا بين الجهل وبين الإرهاب. لكنني أشير إلى أن معظم أعضاء هذه الجماعات ممن تلقوا تعليمًا مدنيًا لا علاقة له بالدراسات الشرعية من قريب ولا من بعيد. فالجرعات الدينية الموثقة والصحيحة التي حصلوا عليها في مدارسهم وجامعاتهم لا تسمن ولا تغني من جوع، بل إنها غير موجودة بالمرة في حالة الأجانب القادمين من خارج العالم الإسلامي أو إنها موجودة بنكهة استشراقية، وبذلك فهم لم يتلقوا معلومات صحيحة ومعتمدة عن الإسلام، فكانوا فريسة سهلة لهذه الجماعات الإرهابية التي أشعلت حماستهم وألهبت عواطفهم بمعلومات مغلوطة ومشوهة»، مشيرًا إلى أن ذلك أوجد «حالة من الهشاشة المفرطة في الثقافة الدينية لدى هؤلاء الشباب نتيجة لعدم تحصنهم بالثقافة الإسلامية الصحيحة، وها هي الأمة تدفع الثمن من فلذات أكبادها، الذين تلقفتهم هذه الجماعات مستغلة جهلهم الديني وعدم تحصينهم وضعف مناعتهم الدينية، فكانوا فريسة سهلة لتلك للجماعات. أما عن المسألة الثانية وهي (الإرهاب والفقر)، فإن الجهة منفكة بين الاثنين، وليست العلاقة بينهما حتمية وضرورية، فليس كل فقير إرهابيًا وليس كل غني مستقيمًا، فإن كان للفقر ثقافته فإن للغنى ثقافته كذلك، والإسلام يعلن الحرب على الفقر ويعتبره شرًا يستعيذ المسلم منه، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر)، لكنه يربي المسلم في ذات الوقت على ألا يستسلم لواقعه، وأن يبذل أسبابه في الانتقال من حال الفقر وإزالة أسبابه، والسعي في الأرض لتحصيل أسباب الرزق والمعاش».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».