بين عودة المالكي وبقاء الأسد.. الموصل ليست نهاية «داعش»

صحوة التنظيم الإرهابي و«دولته» ثم إعلان «خلافته» المزعومة جزء من تداعيات الأزمة السورية

رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})
رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})
TT

بين عودة المالكي وبقاء الأسد.. الموصل ليست نهاية «داعش»

رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})
رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})

بدأت عملية تحرير الموصل من قبضة «داعش» يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بعد مرور ما يزيد على العامين من سقوطها بأيديهم صيدا سهلا، في أعقاب فرار قوات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، في 9 و10 يونيو (حزيران) 2014.
إلا أن هذه المعركة تظل صعبة بكل المقاييس، ولا يمكن الجزم سريعا بأنها نهاية أبدية لـ«داعش»، رغم الإصرار الدولي والإقليمي والوطني على ضرورتها وتصويرها كذلك. وذلك، لعدد من العوامل والأسباب، بعضها متعلق بسياقات المعركة وبعضها متعلق بأطرافها، أما السياسات فقد بقيت نفس السياسات، وفشلت عملية الإصلاح وصناعة الإجماع العراقي والوطني، وما زالت الخلافات والاختلافات بين أجندات الأفرقاء، من حكومة أربيل إلى حكومة بغداد وصولا إلى الشركاء الإقليميين والدوليين.
يجمع الخبراء الاستراتيجيون والمحللون السياسيون على أن الجانب الأخطر في سياق الحرب على تنظيم داعش الإرهابي المتطرف هو بقاء «الحاضنة» المساعدة على نموه من جديد، وبالأخص أنه سبق أن اندثرت «دولة» أعلنها تنظيم القاعدة في العراق من قبل، تحديدًا عام 2007، ولكنها عادت «أكثر من دولة» عند سقوط الموصل قبل سنتين، فهدمت منذ ذلك علامات حدود استقرت قبل نحو 100 عام بين سوريا والعراق. وسنحاول قراءة بعض هذه العوامل فيما يلي:

تكتيكات التنظيم
أولا: التكتيكات الجديدة لـ«داعش»: يستخدم «داعش» تكتيكات جديدة نسبيًا لصد القوات المستهدفة له في الموصل، ولئن كانت أغلب هذه التكتيكات قد سبق استخدامها من قبل التنظيم عام 2015 إلا أنها تظل مواضع صعوبة في هزيمته ويمكن تحديدها فيما يلي:
1 - هجمات مباغتة بعيدا عن الموصل: مثل الهجمات غير المتوقعة كتلك التي حدثت في كركوك يوم 21 أكتوبر الحالي، ونفذها ما لا يقل عن 40 انتحاريًا داعشيًا، عاونتهم كثير من الخلايا النائمة للتنظيم في كركوك، وقد حاولوا السيطرة على المدينة الواقعة تحت السيطرة الكردية، ومهاجمة مقر الحكومة والإدارة العليا للأمن وعدد من أقسام الشرطة، وقد راح ضحيته ما لا يقل عن 90 عنصرا كرديا على الأقل. ويعد التفجير الأضخم والأبعد أثرا الذي يستهدف فيه «داعش» المدينة منذ يناير (كانون الثاني) 2015 حسب دراسة أخيرة لـ«معهد دراسات الحرب» الأميركي، وقد حذر فيها المعهد ميليشيا البيشمركة الكردية والقوات الحكومية العراقية من عدم توقع هجوم مباغت من الخلف للعناصر الداعشية على كركوك. ولعله سبب مبطن لتأكيد رئيس إقليم «كردستان العراق» مسعود بارزاني، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس «التحالف الوطني» عمار الحكيم أن قواته لن تشارك في اقتحام المدينة.
2 - أساطيل السيارات المفخخة: وقد استخدمه «داعش» في مداهمة القوات العراقية والبيشمركة عند قرية باطنايا بشمال الموصل وعند مدينة بعشيقة بشمال شرقي الموصل، يومي 21 و21 أكتوبر الماضي، وكذلك في بلدة برطلة التي تتمركز فيها قوات مكافحة الإرهاب الأميركية، بشرق الموصل، مما أعاق تحرك القوات العراقية والبيشمركة وأربكها. ومن الاستراتيجيات الجديدة نسبيا الإكثار من الأنفاق والدروع البشرية داخل قرى ومدن شمال الموصل.
3 - طبيعة ومشاركة «الحشد الشعبي»:
أكدت ميليشيا «الحشد الشعبي» التي تمثل الهيئة الجامعة للميليشيات الطائفية الشيعية، وتضم عشرات الآلاف من المقاتلين المبايعين للولي الفقيه في إيران، مشاركتها يوم 28 أكتوبر الحالي. وتنشر مواقعها بصفة مستمرة مشاركاتها، وللعلم، كثير من فصائل «الحشد» المكونة متهمة سابقا في أعمال العنف والتمييز الطائفي ضد السنّة في العراق في الموصل والأنبار على السواء إبان عهد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي. كذلك اتهمت بعض فصائل «الحشد» مثل لواء «عصائب أهل الحق» - رغم إنكاره - بممارسة أعمال عنف ضد مدنيين في ديالى أثناء صلواتهم في مساجدها أكثر من مرة عامي 2015، مما يجعل بعض المراقبين يرى أن ديالى قد تكون معركة أصعب من الموصل نفسها. ويشتهر قادة «الحشد» الكبار بأنهم رموز تاريخية في الثورة الإيرانية، وأعضاء تاريخيون في الحرس الثوري الإيراني، ونكتفي بذكر ثلاثة منهم هم:
- أبو مهدي المهندس، واسمه الحقيقي جمال جعفر محمد آل إبراهيم، نائب قائد «الحشد الشعبي» المطلوب للقضاءين الكويتي والأميركي، في محاولة تفجير السفارة الكويتية في بغداد في 10 يوليو (تموز) 2005 في تفجير السفارة الأميركية في بيروت يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) 1983 وأيضًا مطلوب للشرطة الدولية (الإنتربول)، ومتهم في تفجير السفارتين الأميركية والفرنسية في الكويت خلال ديسمبر 1983، مما أسفر حينها عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 80 آخرين من بينهم رعايا غربيون.
- هادي العامري، وزير النقل السابق في حكومة المالكي وقائد «الحشد الشعبي» ومنظمة بدر. واسمه بالكامل هادي فرحان عبد الله العامري الملقب بـ(أبو حسن العامري) من مواليد 1954 في محافظة ديالى زوجته إيرانية وأبناؤه يعيشون في إيران، وبالذات في منطقة لسكن قادة فيلق القدس وظل يعيش بها إلى ما قبل الاحتلال وإلى حين عودته إلى العراق في عام 2003. ولا ينكر العامري في تصريحاته وأحاديثه ارتباطه بإيران، بل يؤكد ذلك ويعتز به. وفي عام 2006 وبأمر من فيلق القدس نظم شبكات عمليات اغتيال ضد القوات الأميركية، كذلك اشتهر العامري بتقبيله يد المرشد الإيراني على خامنئي، حين كان يعمل وزيرا للنقل في حكومة المالكي أثناء مؤتمر «المجمع العالمي لأهل البيت» في مدينة مشهد يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2011.
- قيس الخزعلي: الخزعلي هو زعيم «عصائب أهل الحق» التي أسسها مع عبد الهادي الدراجي وأكرم الكعبي، وفي يوليو 2006 تم تأسيس عصائب أهل الحق وانفصلت كلية عن الصدر و«جيش المهدي» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008. ويبدو أن محاولة الصدر لثني «عصائب أهل الحق» عن المشاركة في تحرير الموصل لم تجد أثرا، بعد اجتماعه بهم في بغداد قبل أيام. ويذكر أن فرعا لـ«عصائب أهل الحق» يقاتل في سوريا، وتحديدا في حلب مع بقايا نظام الأسد ونصرائه، يسمى «لواء حيدر الكرّار» يقوده أكرم الكعبي. ولقد سبق اتهام «عصائب أهل الحق» تحديدا بارتكاب جرائم حرب في ديالى عبر استهداف مدنيين العام الماضي كما سبق أن ذكرنا.

سياقات أزمة سوريا
ثانيًا: بقاء سياقات الأزمة من العراق لسوريا: إن بقاء الأسباب والروافد التي صنعت للعالم وللعراق وسوريا أزمة «داعش»، التنظيم الأخطر في العالم، حسب تصريحات الأمم المتحدة، لا يمكن أن تكون جزءا من حلها، وأسباب زواله بعد ذلك. ولا شك أن أقوى ما يتقوى به «داعش» استمرار نفس الأسباب والسياقات والظروف، فقد عاد المالكي وظل الأسد، ويشتعل خطاب التأجيج الطائفي ضد المواطنين السنّة الذين سبق أن اتخذ «داعش» بعضهم حاضنة له قبل بناء «دولته» المزعومة عام 2006 فيما عرف بـ«حلف المطيّبين»، أو في «صحوته» الجديدة في العراق عام 2013 بعد يوم واحد من فض اعتصامات الأنبار بالقوة. وقد ظهر حينها «أبو محمد العدناني» المتحدث الرسمي باسم «داعش» والمقتول في 30 أغسطس (آب) الماضي داعيا أهل الأنبار للتخلص من قمع المالكي والنظام الإيراني المعادي لهم وداعيا إياهم لاحتضان تنظيمه من جديد.
ولعل كون عدد من قيادات «داعش» العراقيين من أبناء العشائر التي سبق أن تعرضت لاضطهاد المالكي يؤكد هذا الاحتمال، وهذا رغم أن كثرتها ضد «داعش» - سابقًا ولاحقًا - وكون بعض أبنائها الصحوات التي قضت على دولتها الأولى في الأنبار عام 2007، وتعرضت لاستهدافات «القاعدة» و«داعش» في العراق أكثر من مرة مثل البونمر والبوجبارة والبوعلوان وغيرهم.

عودة المالكي وبقاء الأسد
تتقد اللغة الطائفية المثيرة لسنّة العراق وغيرهم معا في تصريحات أمثال نوري المالكي نفسه، الذي صرح يوم السبت 23 أكتوبر الحالي في مؤتمر ما يسمى «الصحوة الإسلامية في العراق» وجه فيه الشكر للمرشد الإيراني على خامنئي، رابطا الحرب من أجل تحرير الموصل ونينوى العراقيتين وبين ما يراه تحريرا في الرقة السورية واليمن، حيث قال: «إن عمليات (قادمون يا نينوى) تعني في وجهها الآخر (قادمون يا رقة) (قادمون يا حلب) (قادمون يا يمن) قادمون في كل المناطق التي يقاتل فيها المسلمون».
وهو ما يذكرنا - نصا ومضمونا - بما سبق أن صرح به مسؤولون آخرون، مثل مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني، الذي صرح يوم 22 سبتمبر 2014 بدء الانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية في اليمن، واحتلال العاصمة صنعاء، مع أن العاصمة اليمنية صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد، مبينًا أن ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد لثورة الخميني. وأضاف زاكاني خلال حديثه أمام أعضاء البرلمان الإيراني حينها، أن إيران تمر بمرحلة «الجهاد الأكبر»، منوها أن هذه المرحلة تتطلب سياسة خاصة، وتعاملا حذرا من الممكن أن تترتب عليه عواقب كثيرة.
كانت صحوة «داعش» و«دولته» ثم إعلان «خلافته» المزعومة جزءا من تداعيات الأزمة السورية بعدما عسكرها وطوأفها نظام بشار الأسد وأنصاره في إيران. إذ برر استدعاء الأسد وملالي طهران لنصرات شيعية طائفية ضد شعب سوريا بدأها حزب الله اللبناني ثم الميليشيات العراقية الموالية لإيران ثم الأفغانية (من الهزارة الشيعة) التي أسست لواء «فاطميون» وغيرها كثير، لدخول التنظيمات السنّية المتطرفة على الخط واعتبارها حربا «جهادية» لا ثورة مدنية.
ولا شك أن استمرار وبقاء الأسد، ونسف فرص الحل السياسي وفق «جنيف 1» يبقي الفرصة لهؤلاء قائمة، رغم أي تراجع للاستنفار وللاستثمار في الأزمة السورية بعموم.. إذ يعني كفر الأسد بالحل السياسي وإعدامه وهو ما يؤكد إذ ذاك قناعات تنظيم داعش وأخواته أن المواجهة في سوريا حرب طائفية ودينية، وأنهم على حق حين يكفرون بكل مقولات السياسة وأدواتها كذلك.
ومن ثم، فإن بقاء أسباب الأزمة وروافدها يعني استمرارها وتناميها سوريًا وعراقيًا. وكما تحرك الدواعش حين سيطروا على الموصل من سوريا للعراق فجأة قد يتحركون ثانية أو العكس.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.