«دبلوماسية المؤتمرات الدولية» تسعى لحل الأزمة السياسية في ليبيا

اشتباكات بين مجموعات مسلحة وحرب شوارع في مدينة الزاوية

مقاتلان من القوات الليبية التابعة لحكومة الوفاق يستعدان لمواجهة مقاتلي تنظيم داعش في سرت (رويترز)
مقاتلان من القوات الليبية التابعة لحكومة الوفاق يستعدان لمواجهة مقاتلي تنظيم داعش في سرت (رويترز)
TT

«دبلوماسية المؤتمرات الدولية» تسعى لحل الأزمة السياسية في ليبيا

مقاتلان من القوات الليبية التابعة لحكومة الوفاق يستعدان لمواجهة مقاتلي تنظيم داعش في سرت (رويترز)
مقاتلان من القوات الليبية التابعة لحكومة الوفاق يستعدان لمواجهة مقاتلي تنظيم داعش في سرت (رويترز)

«دبلوماسية المؤتمرات المتعددة»، هكذا لخص المجتمع الدولي نهجه الجديد على ما يبدو تجاه ليبيا، إذ أعلن مسؤول أميركي كبير أن اجتماعًا بشأن ليبيا سيعقد في العاصمة واشنطن الأسبوع المقبل، بالتزامن مع قمة حوار المتوسط الغربي الثالثة عشرة لوزراء الخارجية «حوار 5+5»، التي تضم وزراء خارجية فرنسا، ومالطا، والجزائر، وتونس، وموريتانيا، وليبيا، وإسبانيا، والبرتغال.
في المقابل، تشهد مدينة الزاوية اشتباكات عنيفة وحرب شوارع بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، لليوم الثالث على التوالي، بين مجموعتين مسلحتين داخل مدينة الزاوية غرب العاصمة الليبية طرابلس.
وقالت وكالة الأنباء الموالية للسلطات الشرعية إن الهلال الأحمر الليبي ووسائط القبائل والمنظمات الأهلية فشلت في حل الأزمة، وفرض هدنة لإخراج العائلات العالقة في المناطق الساخنة والتي تقع وسط المدينة، جراء استمرار الاشتباكات التي أسفرت عن مصرع أربعة أشخاص وجرح العشرات. ونقلت عن شهود عيان أن أغلبية المواقع الحيوية في المدينة، خاصة المستشفى والإذاعة المحلية، تم إغلاقها.
كما جرى إغلاق معظم الشوارع الرئيسة بالمدينة في الاشتباكات التي تجري على خلفية خلافات قبلية؛ بسبب حادث قتل وقع قبل بضعة أيام. وتجاهلت الميليشيات المسلحة الدعوات التي أطلقها المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته، ومنظمات حقوقية محلية لوقف إطلاق النار.
من جهتها، دعت بريطانيا والولايات المتحدة إلى اجتماع وزاري بمشاركة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، سعيًا لإنهاء الجمود السياسي حول حكومة الوحدة المدعومة من الأمم المتحدة برئاسة فائز السراج، والتي تواجه صعوبات كبيرة لبسط نفوذها خارج العاصمة الليبية طرابلس.
ونقلت وكالة «رويترز» عن المسؤول الكبير بوزارة الخارجية الأميركية قبل وصول وزير الخارجية جون كيري إلى لندن «الهدف في لندن هو (...) أن نرى ما إذا كان بوسعنا إحراز بعض التقدم وتجاوز جمود الموقف الذي يحول دون قيام الحكومة بما يتعين أن تقوم به». وأضاف أنه «على الليبيين إيجاد سبيل للمضي قدمًا حتى في غياب أي تعاون. لا يمكن السماح لعدد صغير من المفسدين بتدمير بلد بكامله».
وقال إن اجتماع لندن سيبحث أيضًا سبل المضي في اتخاذ القرارات المتصلة بالاقتصاد ووضع ميزانية لحين تعيين وزير للمالية.
وتشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها بالقلق إزاء المقاومة للسراج وحكومته، حيث يخوض مواجهة ضد المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الموالى لمجلس النواب بأقصى الشرق الليبي والذي شن حملة عسكرية على المتشددين وخصوم آخرين.
وتعتمد ليبيا على عوائدها من النفط والغاز، وتحتاج لاستئناف تصدير النفط لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار. وقلص الصراع إنتاج النفط إلى قدر ضئيل جدًا من 1.6 مليون برميل يوميًا كانت تنتجها ليبيا عضو منظمة أوبك.
من جهة أخرى، أعلن وزيرا خارجية فرنسا والمغرب دعمهما باسم الدول العشر لغرب المتوسط حكومة السراج، وذلك خلال لقاء عقد في مارسيليا جنوب فرنسا. وقال وزير الخارجية الفرنسي، جاك مارك أيرولت، في تصريح صحافي: «ندعم ما تقوم به حكومة (فايز) السراج، حكومة الوفاق الوطني».
ويترأس أيرولت مع نظيره المغربي مجموعة الدول «خمسة زائد خمسة»، وهي: إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال ومالطا للدول الواقعة شمال المتوسط، والجزائر وليبيا والمغرب وتونس وموريتانيا للدول الواقعة جنوب المتوسط. وأضاف الوزير الفرنسي: «لا يزال من الضروري القيام بعمل هائل للنجاح وجمع كل قوى التنوع الليبي» مضيفًا: «هناك المسألة الأمنية ومشكلة الهجرة خصوصًا بسبب العمل المشين الذي يقوم به مهربون في وسط البحر المتوسط».
وأوضح أيرولت أن وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي اقترح على نظرائه عقد اجتماع للدول العشر حول ليبيا قريبًا في تونس. وأعلن وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار أن هناك «إطارًا في ليبيا يجب ألا يتغير وهو إطار اتفاق الصخيرات»، الذي وقعته شخصيات ليبية نهاية العام الماضي في الصخيرات في المغرب برعاية الأمم المتحدة. وبعدما اعتبر «أن الجانب العسكري لا يمكن أن يكون فوق الجانب السياسي، لا يمكن إلا أن يكون تحته»، وأضاف: «نحن سعيدون لأن الهيئة الانتقالية ستجتمع الأسبوع المقبل لتشكيل حكومة جديدة» في ليبيا.
وتعاني ليبيا من فوضى أمنية وسياسية منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي قبل نحو خمس سنوات، وتشكلت في الثلاثين من مارس (آذار) الماضي، حكومة وفاق وطني بقيادة السراج، لم تتمكن بعد من تثبيت سيطرتها على كل مناطق البلاد.
وتلقى حكومة السراج دعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهي تتخذ من طرابلس مقرًا، إلا أنها لا تفرض سيطرتها على شرق البلاد.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.