«حمراء الأسد» بالمدينة المنورة.. علامة فارقة في مفهوم تطوير الأحياء العشوائية

13 فنانًا حوَّلوا الحارة القديمة إلى ورشة عمل فنية

المشروع  حوَّل اسم الحارة  إلى «حب لأخيك ما تحب لنفسك»
المشروع حوَّل اسم الحارة إلى «حب لأخيك ما تحب لنفسك»
TT

«حمراء الأسد» بالمدينة المنورة.. علامة فارقة في مفهوم تطوير الأحياء العشوائية

المشروع  حوَّل اسم الحارة  إلى «حب لأخيك ما تحب لنفسك»
المشروع حوَّل اسم الحارة إلى «حب لأخيك ما تحب لنفسك»

شكلت مبادرة الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة لتطوير حي حمراء الأسد في المدينة المنورة، علامة فارقة في مفهوم تطوير الأحياء العشوائية، إذ اعتمدت طريقة مبتكرة ترتكز على مشاركة أبناء الحي ذاته في جهود الترميم والتحسين وصولاً إلى مكان نموذجي، بما يتناسب ووضع المدينة التاريخي.
وبات حي حمراء الأسد، الذي جرت فيه أعمال التطوير والترميم مؤخرًا، شاهدًا على ما تعيشه المدينة المنورة من نقله نوعية في ترسيخ الموروث الشعبي والثقافي المعتمد على الناتج المحلي للبيئة السعودية، وذلك من خلال تحويل المنازل القديمة إلى لوحات وأعمال فنية تبهر المارة والزائرين، بعد أن كانت تفتقد إلى فن الهندسة المعمارية.
وأوضح المهندس عبد القادر حافظ منسق المشروع لـ«الشرق الأوسط»، أن تنفيذ الأعمال الفنية تم خلال ثلاثة أشهر ونصف من العمل المتواصل، تطوع خلالها نحو 13 فنانًا للعمل في المشروع، وأولوه كل اهتمامهم، فتحولت الحارة القديمة بحي حمراء الأسد إلى ورشة عمل فنية، تم تنفيذها على 80 جدارًا لأكثر من 37 منزلاً، شملت أنواعًا متعددة من الفنون العربية والإسلامية في الخط وفن العمارة، وبمساحة تجاوزت 80 ألف متر مربع، وبكلفة قاربت 1.8 مليون ريال.
وأشار حافظ إلى أن الفنانين التشكيليين والخطاطين والمصممين عملوا على تنفيذ الأعمال التراثية في الحي دون المساس بمزاياها وأبعادها الفنية، وذلك عبر محاكاتها باستخدام مواد البناء الحديثة والوسائل العصرية، كمعادن الاستيل والحديد والألمنيوم، عوضًا عن الأخشاب وبعض المواد القديمة الأخرى.
وتطرق إلى أن الأعمال شملت استخدام القوس المخموس المستخدم في عمارة الحرم النبوي الشريف، إضافة إلى تزيين الجدران والممرات بأعمال تعبّر عن الفنون المعمارية لحاضرة وبادية المدينة المنورة سابقًا، واستعمال زخارف البيوت القديمة والخيام، لإعادة إحياء عمقها الفني بحيث تعيد الذاكرة للماضي وتحاكي فنونه بشكل عصري.
ونوه حافظ بأهمية الفنون في رفع مستوى الذوق العام، لافتًا إلى أهمية الدور الذي قام به أهالي الحي للمحافظة على كل مراحل التنفيذ وحمايتها، إذ شهد الحي منذ انطلاق الأعمال فيه تغيرات ملحوظة في سلوكيات صغار السن من أبناء الحي، عكست بشكل مباشر الدور الذي تلعبه الفنون ورسائلها المباشرة في بث روح واحدة للأطفال، الذين باتوا يعتبرون كل جدار وتحفة فنية في حيهم مكتسبًا خاصًا يجب المحافظة عليه، حيث كوَّن شباب الحي مجموعات تعنى بنظافته.
وأضاف أن المشروع حوَّل اسم الحارة إلى «حب لأخيك ما تحب لنفسك» وارتكز على تسع آيات قرآنية تبدأ بقوله تعالى: «إن الله يحب..»، إضافة إلى الأحاديث النبوية، وأبرز الأقوال المأثورة في الأخلاق والقيم، التي قدمت بأعمال في اللغة العربية والخط العربي، والفن التشكيلي وفن الغرافيتي.
وأوضح أن تنفيذ فكرة المشروع تزامن مع سعي القائمين عليه للإثراء الثقافي من خلال إعداد ثلاثة كتيبات تتحدث عن الجار وأهميته، وكتيب آخر يختص بالقيم والأخلاقيات، وثالث يعمّق البعد الثقافي في التعريف بالمدينة المنورة وأهلها والصفات المذكورة فيهم عبر الأزمان.
إلى ذلك، ذكر الفنان التشكيلي أيمن حافظ، الرئيس الفني للمشروع ومصمم الوحدات الزخرفية، أن كل عمل في حي حمراء الأسد كان يعنى بفن متخصص يثري الزائر ويقدِّم له معلومة تربطه بالفنون الإسلامية، إضافة إلى الشكل الجمالي الذي تظهر عليه جدران وأزقة حارات الحي القديمة، مشيرًا إلى تسمية الجدران والأعمال داخل الحي بأسماء تعبر عن كل فن تم تنفيذه.
وقال أيمن حافظ: «قبل بدء العمل لم أتخيل أن أدخل في حي عشوائي وأنفذ أعمالاً فنية تجد قبولاً وتعاونًا من الأهالي والمجتمع، كما حدث معنا في حي حمراء الأسد»، لافتًا إلى أن الطريقة المتفردة التي قام عليها المشروع من وإلى الأهالي، ومن خلال الفنانين التشكيليين والخطاطين والمصممين المتطوعين، أسهمت في تأكيد الرسائل الأخلاقية والاجتماعية التي استهدفها المشروع. وعمل الخطاطون على توظيف الخط العربي على جدران البيوت والنوافذ وأسوار الحي بصورة تلهم الزائر بأسلوب غير تقليدي، بحسب الخطاط عبد العزيز الرشيدي، إذ استخدم الحرف العربي بصورة تطبيقية عملية من خلال تسخير المواد المعدنية والمواد الحديثة في القص والدهان والتركيب، ما أعطاها طابعًا وروحًا إسلامية عربية، مشيرًا إلى استخدام أنواع مختلفة من الخطوط العربية، ومنها خط الثلث والسنبلي، كما تم تطبيق خط جديد يختص به الفنان الرشيدي، أطلق عليه «الكوفي السنبلي».
وأضاف الرشيدي، أن تنفيذ الخطوط على الجدران وعلى مواد أكلريك وحديد واستيل وغيرها من المواد الصلبة كان بهدف ضمان استمراريتها وديمومتها، كما تم العمل على قصها وصقلها باستخدام تقنية الليزر.
يذكر أن الفريق الفني للحي يتكون من الفنانين التشكيليين: أيمن حافظ، وعادل حسينون، ومؤيد حكيم، ومحمد حكيم، والخطاط عبد العزيز الرشيدي، ومصمم الغرافيك أيمن قيصران، والمتخصصين في فن الجرافيتي: صالح سندي، ويزيد الحربي، ومحمود جنيد، ومصطفى تركستاني، وعبد الإله ريس، وكاتب التصاميم يدويا على الجدران، الخطاط المصري أيمن فريد، إضافة إلى معالج خطوط المصحف الشريف حفيظ الله عالم.
وكان الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة، قد دشن أول من أمس مشروع تطوير وتحسين الحي العشوائي بحمراء الأسد، وتحويله إلى حي نموذجي وفق رؤية اجتماعية وثقافية، تهدف إلى تحسين البيئة العمرانية والجمالية على الطراز الإسلامي.
إلى ذلك، أكد الأمير فيصل بن سلمان، أن تجربة تطوير الأحياء العشوائية على الرغم من حداثتها، فإنها تعد نقطة تحول لتكون ذات طابع حضاري وبعد ثقافي لنشر القيم الحميدة التي هي من خصال أهل الحي نفسه، إضافة إلى تعزيز جانب ثقافة الجار، وحسن الجوار، والتعاون والتكافل فيما بينهم، مشيرًا إلى أهمية ما تحققه هذه التجربة من تخفيف العبء على الدولة في التكلفة، دون حاجة لنقل ساكني الحي، فالتطوير يكون بوجود أهل الحي وبمشاركة أبنائهم.
وجال الأمير فيصل بن سلمان في الحي، مطلعًا على ما شهده من تطوير وتحسين أدى لتحوله من حي عشوائي إلى نموذجي. وبلغت تكلفة المشروع 1.8 مليون ريال تقريبًا، ويقع على مساحة 28500 متر مربع، وتتكون واجهاته العامة من النسيج العمراني لثقافة المدينة المنورة الشعبية التراثية.
ويبدو لزائر الحي أنه أمام كتلة عمرانية واحدة منسجمة، إذ إن شبابيك المساكن في المشروع تُكوِّن بطريقة هندسية وحدة نسيج متكاملة. كما جرى استخدام الألوان التي تدمج بين المعاصرة والتراث، والعرائس المعمارية لحجب الرؤية عن الأسطح المنزلية ولتعطي جمالية في نهاية المباني، وتم ربطها بالعمارة الإسلامية، ونفذت بمادة مقاومة لعوامل التعرية الخارجية التي تطرأ على المساكن.
ويوجد في مداخل مباني المشروع ساتر للأبواب يراعي خصوصية المنزل من الداخل عند فتحه، كما استخدم الخط العربي على الساتر في التصميم لإعطاء الساتر هوية إسلامية معمارية زخرفية، وصممت أغطية المكيفات لتكون لوحات فنية للحرف العربي، ما يعطي قيمة إضافية عند سكان الحي بأهمية اللغة العربية ومدى جمالها في التكوينات الفنية والتصميمية.
واستخدم حجر المدينة المنورة في التصميم لإعطاء المبنى قاعدة قوية راسخة، ولحمايته من العوامل الخارجية، وكذلك لربط المباني بالبيئة الخارجية المحيطة، في الوقت الذي استخدم الحجر في ترصيف الشوارع وحول المنازل لعمل تناغم وترابط معماري مع المباني، ليكون كتلة واحدة مترابطة بصريًا ومعماريًا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».