لا بد أن يكون الفرنسي آرسين فينغر، مدرب آرسنال، عبقريًا كي يتمكن من تحديد إجمالي النقاط الضروري للفوز بلقب الدوري الإنجليزي. ما بين 82 و86 نقطة، حسب قوله وبمجرد أن تسأله. إما أنه عبقري بالفعل وإما أنه كان يقصد المزاح من وراء قوله هذا - ويبقى الأخير السيناريو الأكثر احتمالاً. أما مدرب مانشستر سيتي، جوسيب غوارديولا فعلق مازحًا: «لا بد أنه يتمتع بخبرة أكبر مما اعتقدت سابقًا بالدوري الإنجليزي الممتاز، لأنه ليست لدي أدنى فكرة عن عدد النقاط اللازم للفوز بلقب الدوري».
وبعيدًا عن مسألة كيف يرى فينغر أن مسابقة دوري أكثر تنافسية ستفرز إجمالي نقاط أكبر عن الـ77 التي مكنت ليستر سيتي بقيادة المدرب كلاوديو رانييري من الفوز بالبطولة الموسم الماضي (أنهى الفريق البطولة بإجمالي 81 نقطة)، فإن الأمر الوحيد الذي يمكن إعلانه بثقة الآن بخصوص النجاح الذي حققه ليستر سيتي أن أحد العوامل الكبرى التي أسهمت فيه عدم وجود أي التزامات أخرى في منتصف الموسم. وعليه، لم يتعرض تركيز اللاعبين للتشتيت. لم يشارك الفريق في أي بطولة أوروبية، بجانب خروجه من بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة في أكتوبر (تشرين الأول)، وخروجه من الدور الثالث من بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم. وقد أعرب كثير من المدربين عن اعتقادهم أن خوض مباراة واحدة على مدار الأسبوع شكل ميزة لصالح ليستر سيتي، ورغم ما تعكسه هذه التعليقات من مرارة، فإنه لا يمكن بأي حال رفضها باعتبارها غير صحيحة.
اليوم ونتيجة لفوزه باللقب، يجد ليستر سيتي نفسه مشاركًا في أوروبا، ويبدو أنه يركز جهوده على نحو خاص على بطولة دوري أبطال أوروبا، وإن كان من غير الواضح ما إذا كان هذا التركيز متعمدًا أم لا. ولا يمكن لأحد لومهم على ذلك، فربما لا تواتيهم فرصة المشاركة في هذه البطولة مرة ثانية، ومن دون حدوث تحول مفاجئ وغير متوقع على المشهد العام للدوري الممتاز هذا الموسم، فإنه من غير المحتمل أن يتمكن ليستر سيتي من تكرار إنجاز الموسم السابق باقتناصه البطولة. ومع ذلك، يقتضي الإنصاف الإشادة بالفريق لنجاحه في الفوز على كريستال بالاس خلال عطلة نهاية الأسبوع، مما يجعله الفريق الإنجليزي الوحيد المشارك في بطولة أوروبية يعود إلى المسابقات المحلية بفوز، حتى إن كان ليستر سيتي لا يزال في النصف الأسفل من جدول ترتيب أندية الدوري الممتاز.
أما بالنسبة للتنافس الدائر على قمة الدوري، نجد أنه أصبح واضحًا الآن أكثر من أي وقت مضى أن ليفربول في وضع يؤهله لتكرار الإنجاز الذي حققه ليستر سيتي الموسم السابق والاستفادة من قدرته على قصر تركيزه على المنافسة في الدوري الإنجليزي الممتاز. في الواقع، إن وصف الفريق الذي يقوده المدرب يورغن كلوب بأنه ليستر سيتي سيعد بمثابة إهانة لليفربول بالنظر إلى تاريخ الناديين. لذا، دعونا نكتفي بالقول إن ليفربول يحظى بفرصة مشابهة لتلك التي تمتع بها ليستر سيتي الموسم الماضي. حاليًا، يتشارك ليفربول صدارة الدوري مع مانشستر سيتي وآرسنال، ويفصل بين الأندية الثلاثة هدف واحد فحسب، وكان بمقدورهما التربع على القمة والاستحواذ على عناوين الصحف لولا الانهيار غير المبرر في بيرنلي في الجولة الثانية، والعجز عن الاحتفاظ بالشباك نظيفة، بخلاف المواجهة أمام مانشستر يونايتد على ملعبهم.
ويحرز ليفربول تقدمًا في إطار بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، واحدة من المسابقات التي وصلوا فيها إلى دور النهائي الموسم الماضي. وقد تمكن كلوب من إعلان أسماء فريق جديد تمامًا للمواجهة التي جرت أمام توتنهام هوتسبير على أرض الأخير الثلاثاء الماضي. وبالتالي من غير المحتمل أن يعاني الفريق من أعباء مفرطة، من حيث المباريات أو أن يمثل هذا مصدر قلق له.
ويتضمن الفريق الثاني لليفربول أسماء لامعة مثل دانييل ستوريدج، اللاعب الإنجليزي الدولي الذي أسهمت أهدافه في دفع ناديه إلى دور الثمانية من بطولة كاس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة. ورغم أن عجز المهاجم عن ضمان مكان له داخل الفريق الأول سيبقى دومًا محل جدال داخل فريق ليفربول، فإنه ليس اللاعب الوحيد في صفوف الاحتياطي الذي يملك حجة قوية تدفع بضمه إلى التشكيل الأساسي.
جدير بالذكر أن ليستر سيتي نجح الموسم الماضي بالاعتماد على فريق صغير، وقد تمتع بحسن الحظ لعدم تعرض أي من لاعبيه لإصابات خطيرة تعوقهم عن استكمال المسيرة مع الفريق، بجانب تركيز اللاعبين كامل اهتمامهم على المسابقات المحلية. في بداية الموسم، قال كلوب إن عدم المشاركة في بطولات أوروبية آخر شيء يرغب فيه نادٍ بحجم ليفربول، وإن كان لم ينفِ أن هذا الأمر من الممكن استغلاله لمصلحتهم.
من ناحية أخرى، تمثل الاعتقاد السائد في بداية الموسم في أن مانشستر يونايتد بإمكانه هو الآخر تحقيق تقدم جيد على صعيد الدوري الممتاز ما دام أنه قادر على إيجاد وسيلة لتقليص الأضرار غير المقصودة التي يمكن أن يتعرض لها بسبب مشاركته في الدوري الأوروبي، وإن كانت المؤشرات الأولى توحي أن الفريق يواجه الإخفاق على الصعيدين، رغم الأموال الباهظة التي أغدقها النادي خلال الصيف على ضم لاعبين جدد.
في المقابل، نجد أن إنفاق كلوب خلال الصيف لم يكن بالدرجة ذاتها من البذخ، وإن كان من المتعذر وصف صفقات مثل ضم الجناح السنغالي ساديو ماني (30 مليون جنيه إسترليني)، ولاعب خط الوسط الهولندي جورجينيو فينالدوم (25 مليون جنيه إسترليني) بالزهيدة، لكن تظل الفكرة الرئيسية أن المدرب يملك تحت يديه الفريق الذي يريده وأسلوب لعب يثبت نجاحه يومًا بعد آخر.
وإذا ما بدا هذا الوصف شبيهًا بما كان عليه الحال في ليستر سيتي الموسم الماضي، فإن العامل الجوهري الذي قد يسهم في حصد بطولة الدوري الممتاز للمرة الأولى منذ 27 عامًا سيكون محاكاة ما حققه ليستر سيتي الموسم الماضي بالمضي قدمًا نحو صدارة جدول ترتيب الأندية.
وعلى ما يبدو، يحمل الشهران المقبلان فرصة ثمينة على هذا الصعيد، ذلك أنه ما بين الآن وعطلة أعياد الميلاد، من غير المقرر أن يواجه ليفربول أيًا من الفرق الستة الأولى حتى يسافر إلى إيفرتون في 19 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. ويكاد يكون في حكم المؤكد أنه بحلول ذلك الوقت سيكون إيفرتون لا يزال بين الستة الأوائل. في الواقع ليس ثمة عذر أمام إيفرتون بقيادة المدرب رونالد كومان للخسارة في بيرنلي السبت الماضي. لقد أخفق اللاعبون في خلق قدر كافٍ من الفرص خلال مباراة هيمنوا عليها وبالفعل دفعوا ثمن ذلك. وليس بمقدورهم التذرع بالإرهاق نظرًا لعدم مشاركتهم في بطولات أوروبية.
على الجانب الآخر، بإمكان كل من مانشستر يونايتد وتوتنهام هوتسبير وآرسنال، بعد أن فقدوا نقاطًا في إطار الدوري الممتاز لدى عودتهم، التذرع بأن مسيرتهم تعرضت للإعاقة بسبب تحملهم أعباء أكبر عن خصومهم. من الناحية النظرية، من المعروف أن الأندية الأكبر تضم فرقًا أكبر، وبمقدور الفرق التي تشارك بانتظام في بطولة دوري أبطال أوروبا تشكيل فرقتين مختلفتين تتميزان تقريبًا بذات القدر من القوة.
بيد أنه عمليًا، تحمل عملية التدوير بين اللاعبين تعقيدات في ذاتها، وعادة ما يتميز عامل مثل استعداد الخصم مثل بورنماوث أو تشيلسي أو ميدلزبره، أهمية أكبر في إطار مواجهات الدوري الممتاز، وهي أندية كان أمامها الأسبوع بأكمله كي تستعد لمباراة واحدة. قد يعتبر تشيلسي غير معتاد على حشر اسمه بين الأندية الصغيرة، لكن بالنظر إلى نجاحه في الجولة الأخيرة التاسعة من مسابقة الدوري في التقدم أمام مانشستر يونايتد في غضون 30 ثانية فحسب من بداية اللقاء، فإنه قد يمثل هو الآخر دليلاً قويًا على صحة الفكرة سالفة الذكر.
من ناحيته، أهدر مانشستر سيتي نقاطًا أيضًا في نفس الجولة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وإن كان هذا ينتمي إلى سيناريو مختلف، ذلك أن خصمه، ساوثهامبتون، كان هو الآخر مشاركًا في المواجهات الأوروبية خلال الأسبوع، وربما شعر لاعبو فريق ساوثهامبتون بطفرة في ثقتهم بأنفسهم لتمكنهم من وقت لآخر في التفوق على لاعبي إنتر ميلان على استاد سان سيرو، لكنهم في النهاية عادوا إلى الوطن بهزيمة بهدف واحد دون مقابل. كان مانشستر سيتي قد لعب مبكرًا عن ساوثهامبتون بيوم، لكنه عجز عن تقبل المذلة التي تعرض لها في برشلونة بالدرجة ذاتها، بعدما اضطر للجري عبر مختلف أرجاء كامب نو بـ10 لاعبين فقط، وانتهى به الحال إلى الهزيمة بأربعة أهداف دون مقابل.
من جانبه، اعترف غوارديولا بأن اللقاء كان «مرهقًا». بالفعل في تلك اللحظة كان مانشستر سيتي في قلب سلسلة من 6 مباريات خلال 18 يومًا، منها اثنتان في مواجهة برشلونة. بالنسبة لليفربول، فإن الاختبار الأكبر أمامه لما تبقى من العام يتمثل في مانشستر سيتي على أرض ليفربول عشية عيد الميلاد. هل يمكن النظر إلى مواجهته لمانشستر سيتي خلال اليوم الأخير من عام 2016 باعتباره صراعًا مبكرًا على اللقب؟ في الواقع، تتمثل مهمة ليفربول خلال الأسابيع المقبلة في ضمان أن تكون الإجابة نعم.
الغياب الأوروبي يمنح ليفربول فرصة طال انتظارها لحصد اللقب
فوز ليستر ببطولة الدوري الموسم الماضي شاهد على ذلك.. وانشغال الكبار بالمسابقة القارية يقرب الحلم
الغياب الأوروبي يمنح ليفربول فرصة طال انتظارها لحصد اللقب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة