المشهد: تاريخ موجز للمهرجانات

المشهد: تاريخ موجز للمهرجانات
TT

المشهد: تاريخ موجز للمهرجانات

المشهد: تاريخ موجز للمهرجانات

* المساحة الأولى من الاهتمامات بين أهل السينما من متابعين ونقاد ومخرجين ومنتجين حاليًا تشغلها المهرجانات السينمائية المقامة والجوائز السنوية التي تأتي في موعدها المحدد لتزيد من إثارة البعض وحماسهم وترفع عاليًا أحلام البعض الآخر وطموحاتهم.
* قبل سنوات ليست بعيدة كثيرًا، كانت مهرجانات السينما الرئيسية موزعة بين القاهرة ودمشق وقرطاج في العاصمة التونسية. مهرجان الإسكندرية كان ما زال جديدًا. أقيم مهرجان في بيروت ثم توقف، وتداعت مهرجانات صغيرة بعضها كبير لاحقًا وبعضها الآخر توقف في المغرب وتونس والجزائر بين سواها.
* هذه المرحلة انتعشت في الثمانينات والتسعينات، ثم مع مطلع القرن الحالي وجدت امتدادًا لها إلى منطقة الخليج عندما أشرف مسعود أمر الله آل علي على إقامة مهرجانه للأفلام الإماراتية ثم الخليجية في المجمّع الثقافي التابع لحكومة أبوظبي. بالتالي، إقامة مهرجان دولي في دولة الإمارات، المؤهلة جيدًا لمثل هذه المهام، لم تكن بعيدة، وبالفعل تم إطلاق مهرجان دبي السينمائي الدولي في عام 2004، الذي لم يخطف الأضواء بسبب ميزانيته الأكبر بين كل المهرجانات العربية بقدر ما خطفها نسبة للإدارة والتنظيم اللذين تعززا في عام 2006 وما بعد.
* على أثره اشتعلت المنطقة الخليجية بالمهرجانات: مهرجان الخليج في دبي، مهرجانان أحدهما دولي في أبوظبي، مهرجان دولي في الدوحة نتج عنه مهرجانان لاحقًا. مهرجان للأفلام السعودية في جدّة، والحبل ما زال، كما يقولون، على الجرار.
* هي مرحلة جديدة ونشطة بلا ريب رغم غياب بعض المهرجانات الجديدة عن المواصلة وما نتج عنها هو إطلاق مهرجانات أخرى كثيرة في الدول العربية بعضها كبير (مراكش) وبعضها عزز وجوده بالانتقال من مناسبة تقع كل عامين لمناسبة سنوية (قرطاج) لجانب كثير من شحذ الهمم الذي نتج عنه انتشار عشرات المهرجانات الصغيرة في تلك الدول.
* لكن هناك شيئًا مفقودًا لا تستطيع المهرجانات تعويضه ولو أن بعضها يحاول وهو التسويق. الفيلم العربي المصنوع للظهور في المهرجانات العربية (أو حتى الدولية) سواء أكان قصيرًا أو طويلاً، روائيًا أو غير روائي، لا تسويق له خارج صالات المهرجانات في نحو 90 في المائة من الحالات.
* كما ذكرنا سابقًا، هذه مهمّة السينمائيين المقبلة لأن العروض التجارية عليها أن تكون المردود الذي يعين صانعي الأفلام على المواصلة. وهذا يشمل قيام المحطات التلفزيونية بالاعتراف بقيمة ما يحدث عوض إغماض عيونها عن المشهد الناضج الذي يقع.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).