تقييم أوروبي للإجراءات الأمنية ضد الإرهاب ومكافحة التطرف

مراجعة الأزمات والمخاطر التي تهدد السلام والاستقرار في بروكسل اليوم

تقييم أوروبي للإجراءات الأمنية ضد الإرهاب ومكافحة التطرف
TT

تقييم أوروبي للإجراءات الأمنية ضد الإرهاب ومكافحة التطرف

تقييم أوروبي للإجراءات الأمنية ضد الإرهاب ومكافحة التطرف

تنطلق اليوم في بروكسل أعمال اللقاء السنوي التاسع للمجلس الاستشاري الأفريقي الأوروبي للسلم والأمن، وكانت نقاشات غير رسمية قد انطلقت أمس (الاثنين) للتحضير للاجتماع الرسمي المقرر اليوم (الثلاثاء) بحضور سفراء الدول الأعضاء في كل من الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي بهدف مناقشة موضوعات تتعلق بمكافحة الإرهاب والتشدد والتطرف العنيف وأيضًا ملف الهجرة.
وسيترأس الاجتماعات من الجانب الأوروبي والتر تسيفنز، الرئيس الدائم لمجلس السلم والأمن في الاتحاد الأوروبي، وكاثرين ميوغاي (كينيا) رئيسة مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي. وحسب مصادر أوروبية رسمية في بروكسل، سيقوم المشاركون في الجلسة الصباحية اليوم (الثلاثاء) بإجراء مراجعة للحالات والأزمات والمخاطر التي تهدد السلام والاستقرار، وعلى غذاء عمل ستتم مناقشة سبل تعزيز التعاون بين الجانبين الأوروبي والأفريقي في قضايا السلام والأمن، أما بعد الظهر سيكون النقاش حول طرق دعم الأنشطة المرتبطة بهذا الصدد، كما سيتم التطرق إلى ملف الأمن البحري.
ويضم مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأوروبي سفراء الدول الأعضاء وممثلو المفوضية الأوروبية وخدمة العمل الخارجي الأوروبي، أما مجلس السلم والأمن الأفريقي فيضم سفراء 15 دولة أعضاء في الاتحاد الأفريقي، ومنها الجزائر ومصر فقط من الدول العربية، والباقي من القارة السمراء، ومنها كينيا وتشاد ونيجيريا وجنوب أفريقيا وغيرها.
وبالتزامن مع هذه الاجتماعات تجري مؤسسات الاتحاد الأوروبي نقاشًا اليوم، داخل مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ حول ملف الإرهاب، بحضور ممثلي المجلس الوزاري والمفوضية الأوروبية وأعضاء البرلمان الأوروبي ويتركز النقاش حول التدقيق في الإجراءات الأمنية المتفق عليها على مستوى التكتل الأوروبي الموحد إلى جانب التحديات المقبلة، كما تتضمن أجندة النقاش تعزيز العمل المشترك في مجال تبادل البيانات ومكافحة التطرف، هذا إلى جانب التقدم المحرز في تنفيذ القواعد المتعلقة بتبادل البيانات الشخصية للمسافرين. وفي الشهر الماضي وافق 349 عضوًا في البرلمان الأوروبي على ترشيح البريطاني جوليان كينغ لمنصب المفوض الأوروبي للأمن، بينما رفض 161 برلمانيًا هذا الترشيح وامتنع 83 عضوًا عن التصويت. وبعدها صدر قرار التعيين، وسيعمل كينغ على وضع وتشغيل سياسة أمنية فعالة، وتقييم الأمور والأوضاع الأمنية بالدول الأعضاء، وسيكون العمل تحت إشراف نائب رئيس المفوضية فرانس تيمرمانس، وبالتعاون مع المفوض ديمتري أفراموبولوس المكلف بالشؤون الداخلية والمواطنة، بحسب ما ذكر مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل.
ويأتي ذلك بعد أن قال جيل ديكروشوف، منسق شؤون مكافحة الإرهاب، أمام أعضاء البرلمان الأوروبي أواخر الشهر الماضي، إن الاتحاد الأوروبي حريص على العمل المشترك وتقديم الدعم للشركاء خارج الاتحاد، وقال إنه خلال الفترة الأخيرة قام بزيارات إلى عدة دول، كما التقى بكثير من المسؤولين فيها، وبحث معهم سبل تقديم الدعم الأوروبي إلى هذه الدول، ومنها مصر والأردن وتونس وتركيا في مجال مكافحة الإرهاب. وأشار إلى أن هناك عدة دروس مستفادة من الهجمات الأخيرة التي طالت عدة مدن أوروبية، ومنها بروكسل في بلجيكا ونيس الفرنسية وميونيخ الألمانية، ومنوهًا بأن منفذي الهجمات قد يلجأون إلى وسائل بسيطة وعادية ومتوفرة، مثل السكين أو قيادة شاحنة، لتنفيذ هجوم، أو أن يقوم البعض منهم باستهداف رعايا الغرب في بعض الدول الإسلامية، التي يصلون إليها سياحًا، ولهذا ركز على هذا الملف في محادثات مع الدول العربية والإسلامية التي قام بزيارتها أو التقى بالمسؤولين فيها في مناسبات مختلفة. كما حذر من خطورة عودة المقاتلين وبأعداد كبيرة إلى أوروبا في حال سقوط دولة «الخلافة». ونوه أيضًا بأن البعض من مؤيدي «داعش» توجه إلى ليبيا، وأن الخطر لا يزال موجودًا هناك. وقال المسؤول الأوروبي أمام أعضاء لجنة الحريات المدنية والداخلية والعدل، إن التهديدات التي يواجهها التكتل الأوروبي الموحد، عالية ومتنوعة، وإن الهجمات الأخيرة أظهرت عدة ملاحظات، أولها أن بعض منفذي الهجمات لديهم الخبرة وجرى إرسال بعض منهم من مناطق الصراعات، وثانيًا أن هؤلاء لا يعملون بمفردهم وهناك من يقدم لهم الدعم، وهناك من يسعى لتجنيد عناصر جديدة من داخل أوروبا.
وعلى صعيد الدول الأعضاء في الاتحاد، وعقب الإعلان في بروكسل، عن رصد دعوات من قيادات في «داعش»، لشباب من مؤيدي الفكر المتشدد لتنفيذ هجمات في المناطق التي يعيشون فيها داخل بلجيكا، بدلاً من السفر للقتال في صفوف «داعش» بمناطق الصراعات، بدأت السلطات البلجيكية في تنفيذ عدة خطوات لرصد أي محاولات في هذا الاتجاه وذلك من خلال تشديد الرقابة على المراكز الحيوية، وعلى المشتبه في علاقتهم بالتشدد، ومراقبة عمليات شراء المواد التي تدخل في تصنيع المتفجرات، أو إعادة المداهمة لمنازل سبقت مداهمتها للحصول على أدلة جديدة في هذا الصدد، وكذلك عبر عمليات رصد ومراقبة لبعض العناصر المرتبطة بشكل أو بآخر بالفكر المتشدد. وحسب مصادر إعلامية محلية، تعتزم الحكومة الاتحادية في بلجيكا تكثيف عمليات مراقبة العمال الذين يزاولون مهام حساسة، أو الذين يقدمون خدمات في الأماكن الحساسة، ويستهدف هذا الإجراء موظفي شبكات الاتصالات وكذلك النقل العام.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟