فرنسا تريد نقل الملف السوري مجددا إلى مجلس الأمن الدولي بعد أيام قليلة من إجهاض مشروع القرار الذي قدمته مع إسبانيا بسبب لجوء روسيا إلى استخدام حق النقض «الفيتو». وكان المشروع المذكور يطالب بوقف فوري لعمليات القصف الجوي على مدينة حلب وإيصال المساعدات الإنسانية والعودة إلى المحادثات السياسية في جنيف. لكن هذه المرة، تعتبر باريس أنه «سيكون من الصعب» على روسيا اللجوء مجددا إلى «الفيتو» بسبب المسؤوليات الخاصة التي تتحملها موسكو في الملف الكيماوي للنظام الذي أنقذته في صيف العام 2013 بعد استخدامه السلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية. ولقد تراجع الغربيون - وخصوصا واشنطن - عن اللجوء إلى السلاح لـ«معاقبة» النظام السوري الذي تجاوز «الخطوط الحمراء» مقابل تخليه عن مخزونه من السلاح الكيماوي الذي دمر بإشراف الأمم المتحدة وبموجب قرارات دولية من مجلس الأمن.
أمس، كانت فرنسا، بلسان وزير خارجيتها جان مارك إيرولت، أول من طالب مجلس الأمن بـ«تحمل مسؤولياته» عقب صدور التقرير النهائي للجنة التحقيق المشتركة التابعة للأمم المتحدة ومنظمة حظر استخدام الأسلحة الكيماوية، مساء الجمعة، بخصوص استخدام السلاح الكيماوي في سوريا تسع مرات بين العامين 2014 و2015، وكانت هذه اللجنة قد أنشئت بموجب قرار من مجلس الأمن صوت عليه بالإجماع وأنيطت بها مهمة تقصي الحقائق. وبعد 13 شهرا من الاستقصاءات، جاءت خلاصاتها في تقريرها النهائي، بعد تقرير أولي صدر في أغسطس (آب) الماضي، أن النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي ثلاث مرات بينما استخدمه تنظيم داعش مرة واحدة، وبالنسبة للحالات الخمس المتبقية، فإن تقرير اللجنة المشتركة يفيد أنها لم تتوصل إلى أدلة كافية لتعيين الجهة المسؤولة. وبحسب التقرير، فإن النظام لجأ إلى غاز الكلور ضد بلدة قميناس بمحافظة إدلب في 16 مارس (آذار) من العام 2015 وبلدة سرمين في 16 مارس من العام نفسه وضد تلمنس، في 21 أبريل (نيسان) من العام 2014، أما «داعش»، فقد استخدم غاز الخردل في بلدة مارع بمحافظة حلب يوم 21 أغسطس من العام 2015.
إزاء هذه الوقائع، سارع وزير الخارجية الفرنسي إلى الدعوة لاستصدار قرار أممي تحت الفصل السابع يدين المسؤولين عن اللجوء إلى السلاح الكيماوي ويفرض عقوبات عليهم. وجاء في البيان الذي أصدره بعد ظهر أمس وفيه وصف اللجوء إلى هذا السلاح بأنه «غير إنساني ولا يمكن القبول به» أن فرنسا «لا يمكن أن تقبل أن تبقى هذه الأفعال من غير عقاب». بناء عليه، فإن باريس تطالب «بإدانة واضحة لهذه الجرائم في إطار قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع يفرض عقوبات على مرتكبي» هذه الجرائم. ولم يكشف إيرولت عما إذا كانت الدبلوماسية الفرنسية ستتقدم بمشروع قرار بهذا المعنى. إلا أنه ذكر أن مجلس الأمن أعلن في العام 2013 أن الأشخاص المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا يجب أن يتحملوا مسؤولية أفعالهم. ورمى الوزير الفرنسي الكرة في الملعب الروسي بدعوته «كافة شركائنا» لتحمل مسؤولياتهم.
تعتبر الدبلوماسية الفرنسية أن موسكو لا تستطيع «التهرب» هذه المرة من الالتزامات التي تعهدت بها والتي أساسها الدور الرئيسي الذي لعبته في الملف الكيماوي السوري وكونها كانت الضامنة لتخلصه من كامل مخزونه ولامتناعه عن استخدامه. وفيما فشل الأوروبيون في الاتفاق على قرار بفرض عقوبات على أشخاص وهيئات روسية بسبب دورها في عمليات القصف على الأحياء الشرقية في حلب، التي تصفها باريس بأنها ترقى إلى «جرائم حرب»، فإن الملف الكيماوي، في نظر فرنسا، يمكن أن يكون «ورقة ضغط مهمة». وكان الطرف الروسي كشف منذ صدور نشر التقرير الأولي للجنة المشتركة في أغسطس الماضي عن خط دفاعه بإعلانه أن الأدلة «غير كافية». ولذا، فإذا ذهب الملف الكيماوي مجددا إلى مجلس الأمن، فمن المرجح أن تنتقد موسكو عمل اللجنة المشتركة لتلافي قرار ينتقد النظام ويحمله مسؤولية اللجوء إلى سلاح محرم ويفرض عليه عقوبات دولية بموجب الفصل السابع. ولذا، فإن مصادر فرنسية تعتبر أن معركة دبلوماسية ستحصل في مجلس الأمن في الأيام والأسابيع القادمة.
معركة دبلوماسية قادمة في مجلس الأمن حول استخدام السلاح الكيماوي في سوريا
باريس تطالب بقرار دولي وفرض عقوبات على «النظام» و«داعش»
معركة دبلوماسية قادمة في مجلس الأمن حول استخدام السلاح الكيماوي في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة