البطولة للصحراء والمواجهة دموية

هاربان من القنص في «صحراء»
هاربان من القنص في «صحراء»
TT

البطولة للصحراء والمواجهة دموية

هاربان من القنص في «صحراء»
هاربان من القنص في «صحراء»

*Desierto
* إخراج: يوناس كوارون
* دراما، تشويق | المكسيك - 2016
* تقييم الناقد: *** (من خمسة)
يفتح الفيلم على شروق الشمس فوق صحراء كبيرة صامتة. شاحنة صغيرة تعبر الأفق. نقلة غير ضرورية لمن في داخلها لأنها تنتهي بالعودة إلى اللقطة الأولى قبل أن نعود مجددًا لمن هم داخل الشاحنة: مجموعة من نحو 15 لاجئا غير شرعي سيتم وضعهم عند الحدود الأميركية. تتعطل الشاحنة وهي ما زالت على الجانب المكسيكي من الحدود وعلى مسافة بعيدة عن الأسلاك الشائكة فيتجه الجميع مشيًا إلى تلك الحدود ويعبرونها.
موسس (غايل غارسيا برنال) من عداد خمسة أفراد يتأخرون عن اللحاق بغالبية المجموعة، وحسنا فعلوا لأن قناصًا أميركيًا أبيض مسلحا ببندقية بعيدة الرماية وكلب متوحش، يصعد رابية ويبدأ بقنص المجموعة الأمامية واحدًا تلو الآخر بلا أي رادع أو شفقة، إنما ليس بدم بارد، بل بدم يغلي لأن الرجل، واسمه سام (كما يؤديه جفري دين مورغن) حانق على تدفق المهاجرين عبر الحدود، معتبرًا إياهم بمثابة غزاة، وهو اعتبار لا بد يخفي العنصرية التي في داخله.
تشهد المجموعة الصغيرة ذلك وتهلع وتبدأ بالهرب في عرض الصحراء باحثة عن ملجأ. يطلق سام كلبه الذي يشتم رائحتهم ويطاردهم ووراءه صاحبه. أكثر من مرّة نشاهد ذلك الكلب يهاجم طرائده ويقتلهم. الفيلم لا يتوقف عند إظهار وحشية كائنين كل منهما أكثر وحشية من الآخر.
«صحراء» فيلم مطاردة مشوّقة واحدة حتى الدقيقة ما قبل الأخيرة، وكلها تدور فوق صحراء هي إما عبارة عن أرض مسطحة أو أرض ذات جبال وصخور ضخمة وثعابين. موسس والفتاة أديلا (ألوندرا هيدالغو) الوحيدان اللذان يبقيان على قيد الحياة لكن من فاعلية الفيلم أننا لن نعرف إلى متى أو كيف سيتغلبان على الشرير القاتل وكلبه.
يوناس كوارون هو ابن المخرج ألفونسو كوارون وكان كتب لأبيه سيناريو فيلم Gravity الذي دار أيضًا حول شخوص في المجهول (ولو أن الموقع فضائي بعيد) تحاول البقاء حية. إذ يختلف المكان ويبقى المفاد فإن الباقي أيضًا عدم اكتراث الكاتب للخلفيات. ينتهي كل من الفيلمين من دون أن نعرف شيئا عن ماضي شخصياتهما.
لكن الإيحاءات موجودة بالنسبة لسام إذ يحمل علم الولايات الكونفدرالية (التي حاربت القوات الأميركية الاتحادية خلال الحرب الأهلية في القرن السابع عشر) العلم الذي ما زال لليوم رمزًا يستخدمه النازيون الجدد والجماعات العنصرية البيضاء. المشكلة التي لا يبدو أن المخرج انتبه إليها هو أن سام يلف عنقه بالكوفية الفلسطينية التي لا يؤيدها اليمين لا في أميركا ولا في سواها.
تلعب التضاريس الصحراوية دورًا أساسيًا في صياغة هذا الفيلم مانحة الحكاية القوّة البصرية التي تساعد الفيلم على بلورة خصوصيته.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).