لو سألت أي شخص، رجلا كان أم امرأة، عن معنى الترف في الوقت الحالي، لجاءتك ردود تتنوع حسب الشخصية والبيئة والثقافة، لكن غالبا ما تصب في خانة الوقت والسفر. ترف الوقت للراحة والجلوس مع النفس أو الأحبة أو السفر إلى أماكن بعيدة ينسون فيها روتين الأيام العادية ومتطلبات العمل وضغوطاته.
فالترف بمعناه الجديد لم يعد مجرد شراء آخر صيحات الموضة أو أغلى حقيبة يد فحسب، بل أصبح يشمل العوم مع الدلافين، أو حجز جزيرة بمناظر خلابة ونائية لا يصلها كل من هب ودب، وبالتالي لا تزال تتمتع بوحشيتها وعذريتها.
هؤلاء يريدون عيش وخوض تجربة لا مثيل لها تبقى معهم للأبد، بعضهم ينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي وكأنها بطاقة سلام للأصدقاء وبعضهم للتباهي، بينما يتوخى البعض الآخر السرية التامة خوفا على خصوصيتهم من أن تُخترق. وبالفعل تشير الأرقام إلى أن صناعة السفر بدأت تنافس صناعة الموضة في تصدرها الأولويات، حيث قفزت بنسبة 48 في المائة في الخمس سنوات الأخيرة. ففي عام 2014 مثلا قام عشاق السفر المرفه بنحو 46 مليون رحلة عالمية، تُرجمت في 172 مليار يورو، حسب تقرير نشرته «ذي وورلد ترافل مونيتر»، الأمر الذي يشير إلى أن الترف توسع ولم يعد يقتصر على حقائب يد من أغلى الجلود أو ساعات فاخرة ولا على أزياء لا مثيل لها فحسب.
الجميل في هذا الترف، أنه ديمقراطي، وجزء من الحياة، بحيث لم يعد يقتصر على الطبقات النخبوية أو المُقتدرة. فوسائل النقل أرخص ومتوفرة للجميع مقارنة بما كانت عليه منذ قرن تقريبا، بفضل تطور الطيران وانتشاره. الأهم هنا أنه بعد فترة من الانتشار، بدأ يستعيد نخبوية أيام زمان، فمثلا، في عام 2015 شجع تنامي الثروة في الصين 120 مليون صيني للسفر إلى الخارج. وغني عن القول إن هؤلاء أسهموا في تحريك سوق المنتجات المترفة بنسبة 229 مليار دولار، نظرا لتعطشهم لكل ما هو جديد، الأمر الذي شد انتباه صناع الموضة، وشجعهم على التوجه إلى هذه السوق بلغة يفهمونها ويقدرونها.
فقد انتبهوا إلى أن قطاع السفر لا ينافسهم بقدر ما يُنعشهم ويُحرك بضائعهم، لهذا استغلوه بطرح إكسسوارات تعكس المكانة والذوق وفي الوقت ذاته تأخذ بعين الاعتبار أنها يجب أن تعزز أحاسيس المتعة والجمال عوض التعب والألم. نعم الألم، إذا تذكرنا حقائب سفر أيام زمان التي كانت على شكل صناديق ضخمة يحمل فيها المسافر المرفه كل ما يحتاجه لعدة أشهر.
ففي ذلك الوقت، كانت الوسيلة الوحيدة للتنقل تتم عبر البواخر التي تستغرق وقتا طويلا لكي تصل إلى وجهتها، وبالتالي كان يحتاج أن يحمل كل ما من شأنه أن يمنحه الطمأنينة والراحة التي تعود عليهما في بلده الأم. لكن شتان بين حقائب زمان وبينها اليوم. فرغم أن هذه الصناديق أصبحت من التحف ويمكن أن تباع في المزادات بأسعار خيالية، فإنها تبقى ضمن الديكورات والذكريات أكثر منها للاستعمال الفعلي.
فنحن نستعمل حاليا طائرات لا تستغرق سوى بضع ساعات لتحملنا من قارة إلى أخرى، وكل ما نحتاجه ولا نحمله معنا قد يتوفر في المكان الذي نتوجه إليه، لهذا فنحن لا نحتاج إلى صناديق بقدر ما نحتاج إلى حقائب خفيفة تعكس هذه السهولة. صناع الإكسسوارات والمتخصصين في حقائب السفر، مثل «لويس فويتون» الفرنسية و«تومي» الأميركية وغيرهما، كانوا على أتم الاستعداد لدخول التحدي، ما دام الهدف هو كسب ود زبون باحث عن الرفاهية، أو الحفاظ على ولائه. من هذا المنطلق كثفوا كل الجهود للبحث عن مواد وخامات جديدة وتقنيات متطورة تجعل حقيبة السفر متعة للعين والاستعمال على حد سواء. والمقصود هنا أن تكون أنيقة بألوانها وأشكالها، وعملية بخفة وزنها وعجلاتها التي تجعل سحبها بسهولة حقيبة يد إن لم تكن أسهل.
وإذا كانت حقائب «لويس فويتون» تخاطب فئة معينة من الناس، أغلبهم توارثوا حبها من أجدادهم وآبائهم نظرا لتاريخها الطويل، إضافة إلى شرائح جديدة تعشق لونها الكلاسيكي ونقشاتها المعروفة، التي تعكس قدراتهم الشرائية، فإن حقائب شركة «تومي» الأميركية، ورغم أنها تأسست في عام 1975 فقط، تخاطب شرائح رجال الأعمال في الغالب، بفضل خفة وزنها وموادها التي تشبه تلك التي تستعملها «ناسا» أحيانا لضمان دوامها.
واعترافا منها بأهمية السفر في حياة الناس عموما، والطبقات المرفهة خصوصا، عينت في يوليو (تموز) من عام 2015 النيويوركي مايكل بيتري مديرا إبداعيا فيها، حتى يتفرغ لها تماما، ويُبدع لها أشكالا جديدة.
وبالفعل طرح لخريف وشتاء 2016 حقائب استوحاها من الشرق الأقصى، وتحديدا من اليابان، بألوانها الطبيعية ونقشات تجسد أشجارها الباسقة وفن الأوريغامي أو بعض الكائنات الحية التي تعكس ثقافة اليابان وبعض معتقداته، بما في ذلك الخط الياباني بحروفه الفنية التي خطها بأسلوب تجريدي. لكن قوتها لا تكمن في الشكل فحسب، بل أيضا في التقنيات المستعملة والتي تجعلها صلبة وخفيفة الوزن في الوقت ذاته، وهذا أولا وأخيرا ما يريده المسافر العارف.
«لويس فويتون» بدورها لا تريد أن تعيش على ذكريات الماضي، ودخلت المنافسة باستعانتها مؤخرا بالمصمم الصناعي مارك نيوسن، كونه عاشقا للسفر من جهة، ولأنه مبدع خاض كل مجالات التصميم من أقلام الحبر إلى الطائرات. الجميل فيها أنه صممها من منظور رجل يحب السفر وليس من منظور تجاري أو فني فحسب. فقد حرص أن تأتي بمواد صلبة لمقاومة الصدمات والمعاملة الخشنة في المطارات، وبطبقات متعددة لترتيب كل ما يحتاجه خلال سفره.
استغرق تصميم هذه الحقيبة نحو 18 شهرا، حيث تخلص فيها من كل الزوائد الداخلية والتفاصيل التي لا حاجة إليها، حتى يزيد من قدرتها على استيعاب الأغراض ويخفف من وزنها، وهذا هو عز الطلب. لكن هذه الحقيبة ليست التطور الوحيد التي شهدته الدار في هذا المجال، ففي كل موسم تبتكر فكرة جديدة للحفاظ على ولاء زبائنها وحصتها من السوق، من نقش الأحرف الأولى من اسم الزبون على الحقائب إلى إضافة تفاصيل تعكس أسلوبه وحياته وتجعله يشعر بأن الحقيبة مصممة من أجله هو ولا أحد غيره، لأن هذا هو الترف برأيه وهو أيضا الترف الذي تتوق الدار إلى تحقيقه.
حقائب بخفة الريش ونقشاته
الترف العصري يعني السفر.. من دون مغامرة بالذوق
حقائب بخفة الريش ونقشاته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة