الحرب الجوية تستعر تمهيداً لانطلاق وشيك لمعركة تحرير الموصل

غارة للتحالف تصيب أحد أهم جسور المدينة.. ومواجهات عنيفة بين فصائل المقاومة و«داعش» داخلها

قوات عراقية تحتشد في قاعدة القيارة جنوب الموصل أمس في إطار الاستعدادات لمعركة تحريرها الوشيكة (أ.ف.ب)
قوات عراقية تحتشد في قاعدة القيارة جنوب الموصل أمس في إطار الاستعدادات لمعركة تحريرها الوشيكة (أ.ف.ب)
TT

الحرب الجوية تستعر تمهيداً لانطلاق وشيك لمعركة تحرير الموصل

قوات عراقية تحتشد في قاعدة القيارة جنوب الموصل أمس في إطار الاستعدادات لمعركة تحريرها الوشيكة (أ.ف.ب)
قوات عراقية تحتشد في قاعدة القيارة جنوب الموصل أمس في إطار الاستعدادات لمعركة تحريرها الوشيكة (أ.ف.ب)

فيما كشفت مصادر كردية أمس أن «ساعة الصفر» لانطلاق معركة الموصل ستكون فجر اليوم ، كثف التحالف الدولي امس غاراته على مواقع «داعش» داخل المدينة وأصابت إحداها واحدا من أهم خمسة جسور على نهر دجلة في المدينة .
وقال العميد محمد الجبوري من قيادة عمليات الموصل لوكالة الأنباء الألمانية إن طائرات التحالف قصفت فجر أمس زورقين لتنظيم داعش تحت جسر الحرية وسط الموصل ما أسفر عن تدمير الزورقين وإلحاق إضرار جسيمة بالجسر الذي يربط جانبي الموصل الأيمن بالأيسر. وأوضح الجبوري أن الجسر «لم يكن هدفا لطائرات التحالف لكن المستهدف هو الزوارق التي كانت تحت الجسر الذي خرج عن الخدمة»، مبينا أن الجسور الخمسة استراتيجية ولم تدرج ضمن أهداف قوات التحالف.
وحسب تقارير من داخل الموصل فإن تنظيم داعش فخخ جميع جسور المدينة تمهيدا لتفجيرها في حال بدء الهجوم المرتقب لتحرير المدينة. وبالنسبة لجسر الحرية، قال ناشط مدني في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» من داخل الموصل إن «الجسر لم يدمر لكنه تعرض للأضرار».
وأكد مسؤول إعلام مركز تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني في محافظة نينوى، غياث سورجي، معلومات الناشط، وقال: «دمرت طائرات التحالف الدولي في غارة ثلاثة زوارق تابعة لعناصر الحسبة (شرطة داعش) في نهر دجلة بالقرب من جسر الحرية، الجسر رقم 2 في الموصل القريب من مبنى بلدية محافظة نينوى، وأسفرت الغارة عن مقتل ستة مسلحين من التنظيم وإصابة ثلاثة آخرين وألحقت الغارة أضرارا كبيرة بالجسر».
وتشهد مدينة الموصل منذ يومين اشتباكات عنيفة بين فصائل المقاومة الشعبية ومسلحي تنظيم داعش في عدة مناطق من جانبي المدينة الأيمن والأيسر، بينما كشف مصدر مطلع أن مصير خليفة التنظيم أبو بكر البغدادي ما زال مجهولا بعد تسممه في إحدى الولائم التي أعدت له ولعدد من قادة التنظيم البارزين في قضاء بعاج غرب الموصل بداية الشهر الحالي، مرجحة موته.
وإضافة إلى الغارة التي ألحقت أضرارا بالجسر، استهدفت طائرات التحالف الدولي أمس عدة مواقع للتنظيم وسط الموصل في هجمات وصفت بأنها بداية المعركة الجوية لتحرير المدينة. وقال الشيخ ثائر عبد الكريم وطبان الجربا، أحد شيوخ قبيلة شمر في محافظة نينوى لـ«الشرق الأوسط»: «اندلعت خلال اليومين الماضيين اشتباكات عنيفة بين فصائل المقاومة الشعبية خاصة كتائب النبي يونس وتنظيم داعش في عدة أماكن من الموصل منها أحياء التأميم والدواسة بكافة أفرعها وحي النبي يونس والدركزلية والمهندسين في الجانب الأيمن للمدينة، واستمرت هذه الاشتباكات أكثر من أربع ساعات متفرقة». وتابع: «أما في الجانب الأيسر فشهد حي الدندان مواجهات مسلحة بين المقاومة والتنظيم، وأسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل 26 مسلحا من التنظيم من بينهم أحد قادة داعش البارزين».
وأضاف: «بحسب المعلومات الواردة إلينا من مصادرنا الخاصة، ما زال مصير خليفة التنظيم أبو بكر البغدادي مجهولا بعد تسممه في مأدبة غداء في قضاء البعاج قبل نحو أسبوعين، ونُقل إلى خارج بعاج بسيارة واحدة ومعه اثنان من أفراد حمايته لكنه ما زال موجودا داخل الأراضي العراقية، ومن المحتمل أنه مات إثر التسمم لكن التنظيم لم يعلن وفاته».
وكثف التنظيم تحصيناته لمعركة الموصل في الجانب الأيمن من المدينة، وحفر فيها عددا كبيرا من الأنفاق في إشارة إلى أنه قد يخوض من هذا الجانب معركته ضد القوات العراقية القادمة لتحرير المدينة، ويوضح الجربا أسباب اختيار التنظيم للجانب الأيمن من الموصل للتحصن فيه ويقول: «حواضن الجماعات الإرهابية من القاعدة وإلى (داعش) ومنذ عام 2004 موجودة في الجانب الأيمن من المدينة الذي يُخرجه إلى جزيرة البعاج والحدود السورية بعكس الجانب الأيسر، إضافة إلى أن الجانب الأيمن يضم عدة تفرعات ومنافذ باتجاه سوريا، والتنظيم يستميت للمحافظة على الجانب الأيمن لأنه يضمن له الهروب إلى سوريا». وتابع: «دخلت نحو 27 عجلة تابعة لـ(داعش) خلال الأيام الماضية إلى قرية أبو خشب، إحدى قرى قبيلة الشمر غرب الموصل، ونهب مسلحو التنظيم كافة بيوت القرية حتى أبواب المنازل لم تسلم من عمليات النهب التي نفذوها، وحملوا ما نهبوه على متن عجلاتهم وتوجهوا إلى سوريا».
وجغرافية جانبي الموصل داخل المدينة متشابهة من حيث التضاريس، لكنها تختلف مع الخروج من المدينة، فالجانب الأيسر تضاريسه تتمثل في المنطقة السهلية والمرتفعات والوديان التي تشكل امتدادا لتضاريس إقليم كردستان، وكان غالبية سكان هذا الجانب من الأكراد قبل سيطرة التنظيم على الموصل لكنها الآن تغيرت حيث جلب (داعش) عوائل مسلحيه العرب وأسكنهم في هذا الجانب في منازل الأكراد والمكونات الأخرى التي نزحت من الموصل بعد سيطرة التنظيم عليها في يونيو (حزيران) من عام 2014.
أما الجانب الأيمن فخارج المدينة يتمثل في المساحات الصحراوية التي تمتد إلى الحدود السورية. وهمش التنظيم إلى حد ما الجانب الأيسر من تحصيناته استعدادا لمعركة الموصل لأن هذا الجانب يحاذي المناطق الخاضعة لسيطرة قوات البيشمركة الكردية، لكنه حصن الجانب الأيمن الذي وبحسب معلومات سكان الموصل تتوفر للتنظيم ممرات كثيرة للهرب باتجاه سوريا.
بدوره، سلط سورجي الضوء على مواقع التنظيم التي تعرضت أمس للقصف من قبل طيران التحالف الدولي، وأضاف: «دمرت طائرات التحالف الدولي مقرا للتنظيم في حي السكر الواقع في الجانب الأيسر من الموصل، ومقرين آخرين في حي النجار قرب فندق الموصل في الجانب الأيمن من المدينة، ومعملا لصناعة العبوات الناسفة في وادي عقاب في الجانب الأيمن، وشنت طائرات التحالف غارات أخرى على قضاء تلكيف شمال شرقي الموصل، وعلى موقع للتنظيم قرب جبل العين الصفرة شرق الموصل، وكانت حصيلة قتلى التنظيم في هذه الغارات أكثر من عشرة»، مشيرا إلى أن المدفعية الثقيلة لقوات البيشمركة قصف مواقع التنظيم في قضاء تلكيف.
إلى ذلك، قال مسؤول إعلام الفرع الرابع عشر للحزب الديمقراطي الكردستاني في الموصل سعيد مموزيني إن تنظيم داعش «أطلق سراح عدد من المعتقلين في سجونه مقابل مبالغ مالية، ونقل قسما آخر من المعتقلين لديه في الموصل إلى مدينة الرقة في سوريا»، مضيفا: «أعدم التنظيم رميا بالرصاص 14 مسلحا من مسلحيه الهاربين من جبهات القتال. فيما اعتقل أكثر من 140 موصليا رفضوا الانضمام إلى صفوف مسلحيه في جبهات القتال».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم