يعمل النظام السوري منذ سنوات على استراتيجية معينة يطلق عليها تسمية «المصالحات الوطنية» التي تعتبرها المعارضة استثمارا لسياسة التجويع والحصار، وإخضاع الأهالي لشروط النظام، وأنها تقوم على تهجير الناس وإخراجهم من بيوتهم، بهدف التغيير الديموغرافي ورسم «سوريا المفيدة». وتشهد المرحلة الأخيرة مصالحات عدّة، ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء عن المركز الروسي لتنسيق التهدئة في سوريا، يوم أمس، أن عدد البلدات والقرى السورية التي انضمت إليها ارتفع إلى 795. وهو ما رأت فيه المعارضة رقما مبالغا فيه. وفي وقت كان قد طرح فيه اقتراح مماثل في اجتماع لوزان أول من أمس، لتطبيقه في الأحياء الشرقية في حلب، أكد نائب رئيس الائتلاف السابق هشام مروة، أن عدد المناطق التي خضعت لهذه المصالحات لا يزيد على المائة، وهو ما أشار إليه أيضا الناشط عمر إدلبي، عضو تجمّع ثوار سوريا، موضحا لـ«الشرق الأوسط»، أن مركز حميميم يقوم بتسجيل أي اتفاق بين المعارضة وممثلين عن النظام على أنّه مصالحة، علما بأن عددا كبيرا منها لا يعدو كونها عمليات محدودة لهدف محدد كإدخال مساعدات أو إجلاء جرحى، كما أن عدد بلدات وقرى كل سوريا يكاد لا يصل إلى هذا الرقم».
وأفاد المركز الكائن في قاعدة «حميميم» الجوية قرب اللاذقية بأن ممثلين عن 5 بلدات ومنها 4 في محافظة اللاذقية وواحدة في محافظة حمص، وقعوا على اتفاقات المصالحة خلال الـ24 ساعة الأخيرة.
وكانت مناطق عدّة دخلت فيما تسمى «المصالحات» كان آخرها قدسيا والهامة وداريا ومن قبلها الزبداني ومضايا وحي الوعر، في وقت تحذّر المعارضة من تطبيقه أيضا في حلب نتيجة الحملة العسكرية الشرسة التي ينفذها النظام على الأحياء الشرقية. وفي هذا الإطار، كانت لجنة التفاوض في مدينة داريا قد أصدرت بيانًا أكدت فيه أن النظام يماطل كثيرًا في تنفيذ بنود الاتفاق المتفق عليه مع لجنة المدينة، داعية الأمم المتحدة إلى الضغط عليه لإخراج المعتقلين.
وأشار البيان إلى أن المفاوضات بين الطرفين بإشراف الأمم المتحدة والصليب الأحمر وصلت إلى الاتفاق على البنود التالية: «إخراج العائلات ومن يود من الأهالي إلى مدينة الكسوة وتسوية أوضاعهم بشكل سريع خلال ساعات دون التعرض لأي أحد منهم، وإخراج المقاتلين وعائلاتهم إلى إدلب بسلاحهم الخفيف كما وإطلاق سراح النساء والأطفال وبيان وضع المعتقلين الذكور للبدء في إطلاق سراحهم في مرحلة تالية»، لكنه أكد أن «النظام بدأ بالمماطلة والتسويف دون التزامه بإطلاق سراح المعتقلين من النساء والأطفال، وكذلك احتجازه لأهالي المدينة في مركز الإيواء بحرجلة، وغموض في وضع من تبقى من أهالي داريا في معضمية الشام».
وإذا كان اتفاق داريا تم بإشراف الأمم المتحدة والصليب الأحمر، فإن خروج المعارضين وعائلاتهم من قدسيا والهامة بريف دمشق، تم في غياب أي طرف ثالث، بحسب ما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو ما يزيد المخاوف لدى المعارضة من مماطلة النظام في تنفيذ بنود الاتفاق كافة، لا سيما أن هناك نحو 500 شخص خضعوا لشروط النظام الذي سمح لهم بالبقاء شرط تسوية أوضاعهم، كعودة المنشقين والتحاق المتخلفين عن الخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام التي ستدخل إلى المنطقتين وتستلم النقاط كافة التي كان يتمركز فيها مقاتلو الفصائل.
ويشكّل اتفاق داريا، نموذجا لمعظم المناطق التي خضعت لهذه المصالحات، بحيث يماطل النظام في تنفيذ بنودها ولا سيما فيما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين إضافة إلى إيصال المساعدات، بحسب ما يلفت مروة. ويوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما يسميه النظام المصالحات هي استثمار لسياسة التجويع والحصار والقصف المستمر ومحاربة الأهالي بأسباب بقائها عبر وضعهم بين خيار الموت أو الحياة». وشدّد مروة على أن هذه المصالحات التي يجب تغيير اسمها، لا تعكس قناعة أبناء المناطق الذين يخضعون لها ضمن منطق الضرورة والبقاء على قيد الحياة. ويلفت مروة إلى أن اختيار النظام للمناطق عبر موقعها الجغرافي، يقف خلفه أيضا مخططه لرسم خريطة سوريا المفيدة ومن ثم فرض شروطه في أي مفاوضات قد تحصل في المستقبل. بدوره، يقول مصدر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إنّ أغلب هذه المصالحات تقوم على تهجير الناس وإخراجهم من بيوتهم، وكان آخرها ما حصل في قدسيا والهامة بريف دمشق.
وقال المصدر المعارض لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن المصالحات جارية لكنها تقوم على الحصار والتدمير والأرض المحروقة التي تجبر الناس على الخروج تحت تهديد القتل، وهذا ما يستفيد منه النظام وحلفاؤه من أجل التغيير الديموغرافي في المناطق التي تقع ضمن ما يسمى (سوريا المفيدة)». ولفت إلى أن النظام والروس يسوقون الآن لمصالحات كهذه في حلب عبر محاولات أفراغها من المسلحين والمدنيين بالترغيب والترهيب، مذكرا بمحاولة دي ميستورا إغراء المقاتلين، معبرا عن استعداده ليرعى عملية إخراجهم من حلب.
«المصالحات».. استراتيجية النظام للتغيير الديموغرافي ورسم «سوريا المفيدة»
المعارضة ترى فيها استثمارًا للتجويع.. وتمهيدًا لفرض الشروط في المفاوضات
«المصالحات».. استراتيجية النظام للتغيير الديموغرافي ورسم «سوريا المفيدة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة