رؤوس «داعش» يسقطون تحت ضربات الجيش الجزائري

تحذير من خطر «الخلايا النائمة» والمخابرات تتعقب «الذئاب المنعزلة»

رؤوس «داعش» يسقطون تحت ضربات الجيش الجزائري
TT

رؤوس «داعش» يسقطون تحت ضربات الجيش الجزائري

رؤوس «داعش» يسقطون تحت ضربات الجيش الجزائري

تلقى المسلحون المتطرفون الموالون لتنظيم داعش بالجزائر، ضربات قوية على يدي الجيش وقوات الأمن في الأسابيع الماضية، أفقدتهم قيادات بارزة، مما ينذر بنهاية وشيكة للجماعة المسلحة التي خرجت في صائفة 2014 من رحم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، معلنة ولاءها لأبي بكر البغدادي. وقتلت قوة تابعة لقسم الاستخبارات العسكرية المضاد للإرهاب، مساء الخميس الماضي، زعيم «أنصار الخلافة» المسمى صادق هبَاش، المعروف حركيا بـ«أبو دجانة». وتم ذلك في كمين محكم بمنطقة وادي الزهور، بولاية سكيكدة (500 كلم شرق العاصمة)، التي عرفت منذ تسعينات القرن الماضي بكونها معقلا لـ«الجماعة الإسلامية المسلحة»، ثم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» التي تحولت مطلع 2007 إلى «القاعدة المغاربية».
وقال مصدر أمني، لـ«الشرق الأوسط»، إن الإرهابي «أبو دجانة» كان بمثابة آخر جيوب الجماعات المتطرفة في شرق البلاد، وأفاد بأنه كان على رأس «كتيبة» تتكون من نحو 40 مسلحا، يتنقلون بين غابات وجبال الشرق، ولهم صلات مع متطرفين بالمناطق الحدودية بتونس. وأوضح المصدر نفسه أن سكان المنطقة أبلغوا أجهزة الأمن، نهاية الشهر الماضي، بوجود مسلحين يترددون عليها، مما دفع الجيش إلى تنظيم كمين لهم، ولم يكن يعلم بوجود قيادي «داعش» معهم، بحسب المصدر الذي أضاف أن عناصر من التنظيم حاولوا فك حصار الجيش على رفاقهم من دون جدوى.
كان الجيش قد أعلن، في مطلع 2015، عن مقتل زعيم «جند الخلافة بالجزائر»، عبد المالك قوري (خالد أبو سليمان)، في كمين بمنطقة القبائل الكبرى (وسط البلاد).
وقوري هو أول مسلح يعلن ولاءه لـ«داعش»، وكان على رأس نحو 50 مسلحا، كانوا أعضاء في «القاعدة» وانشقوا عنها. وتميَز نشاط قوري بخطف متسلق جبال فرنسي يدعى هيرفيه غورديل (63 سنة)، في خريف 2014. وقد قتله بفصل رأسه عن جسده، عندما رفضت السلطات الفرنسية شرطه الذي تمثل في وقف ضربات الطيران الحربي الفرنسي على مواقع «داعش» بالعراق.
وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، في وقت سابق، أن 30 قياديا من «جند الخلافة» و«أنصار الخلافة» قتلهم الجيش خلال العامين الماضيين، وأوضحت أن «مفتي» الجماعتين و«مسؤول عمليات ذبح الأشخاص» بهما، قتلا بعد أقل من 6 أشهر من العثور على جثة الرعية الفرنسي التي دفنت بسفح جبل جرجرة بمنطقة القبائل.
ويقول متخصصون في القضايا الأمنية إن أكبر خطر يواجهه جهاز الأمن هو «الخلايا النائمة» التي تشتغل على إمداد بقايا «داعش» بمتطرفين يملكون، في الغالب، صلات قرابة مع المسلحين الذين تم القضاء عليهم من قبل. ففي منطقة بودواو، بولاية بومرداس (50 كلم شرق العاصمة)، اكتشف جهاز المخابرات العسكرية، قبل أشهر، نشاط خلية تتكون من 5 أشخاص، تمكنت من إيفاد 5 نساء إلى ليبيا، حيث التحقن بـ«داعش»، بعضهن زوجات إرهابيين مقتولين، والبعض الآخر شقيقات لهم. وقد أثبتت التحريات أن حلقة الربط بين التنظيم المتطرف وهؤلاء النساء، شخص يكنى «أبو مريم»، وهو جزائري يقيم بسوريا، ويتحدر من بودواو. ونشرت المخابرات عددا كبيرا من رجالها في أحياء بالضاحية الجنوبية للعاصمة، وفي بلديات محددة ببومرداس وتيزي وزو، وفي ولايات جيجل وسكيكدة وبجاية، بعد تلقيها تقارير عن وجود العشرات من «الذئاب المنعزلة»، ممن يعتقد أنهم إما يخططون لتنفيذ هجمات على أهداف محددة في الداخل، أو التخطيط للسفر إلى ليبيا وسوريا بغرض التدريب على الأعمال الإرهابية. وأكثر ما تخشاه السلطات الجزائرية أن يتكرر «السيناريو الأفغاني»، بعودة جزائريين من العراق وسوريا وليبيا لـ«تنشيط العمل الإرهابي»، كما حدث في نهاية ثمانينات القرن الماضي، عندما فجَر عائدون من أفغانستان موجة عنف مدمرة، خلفت في ظرف 10 سنوات مائتي ألف قتيل، ودمارا في البنية التحتية قدرت خسائره بـ20 مليار دولار.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.