تايلاند تتشح بالسواد وتمنع الاحتفالات لمدة شهر

ولي عهدها يتقدم الموكب الجنائزي ويغسل جثمان والده

تايلاند تتشح بالسواد وتمنع الاحتفالات لمدة شهر
TT

تايلاند تتشح بالسواد وتمنع الاحتفالات لمدة شهر

تايلاند تتشح بالسواد وتمنع الاحتفالات لمدة شهر

شكل طلب ولي العهد ماها فاجيرالونغكورن، الذي يفترض أن يخلف والده، منحه «بعض الوقت» كي يستعد لتولي العرش، قلقا. وسيكون غسل جثمان والده إطلالته الرسمية الأولى منذ الإعلان عن وفاة أقدم ملك على عرشه في العالم.
وفي الأمس، وصل الأمير فاجيرالونغكورن إلى مستشفى سيريراج في بانكوك ليقود الموكب الجنائزي الملكي إلى القصر الكبير، على طول طرق يصطف على جانبيها عشرات الآلاف من المواطنين لمتابعة الموكب وسط حالة من الحزن. وارتدى الملايين ملابس سوداء أمس (الجمعة)؛ حدادا على ملكهم الذي تفتح وفاته صفحة من الغموض في مملكة اعتلى عرشها سبعين عاما.
وبدأ عشرات الآلاف منهم بالتوجه نحو القصر لمشاهدة وصول موكب جنازة الملك بوميبول ادوليادي الذي توفي الخميس عن 88 عاما.
وأقفلت الجادة بين مستشفى سيريراي والقصر أمام حركة السير منذ الفجر. وبعد ذلك، سيترأس ولي العهد ماها فاجيرالونغكورن (64 عاما) المراسم البوذية لـ«غسل» جثمان والده، المرحلة الأولى من سلسلة شعائر تستمر أشهرا لأعضاء الأسرة الملكية. وتنتهي بحرق الجثمان.
ووقف الكثير من الناس على ممرات المشاة على طول الطريق ليلة (الخميس) بعد الإعلان عن وفاة الملك، وخيموا هناك ليلاً. وكانوا يجلسون على الحصير، ويحمل الكثير منهم أعلاما صفراء صغيرة تحمل شعار الملك.
وجلس الكثير من المشيعين، والذي يرتدي الكثير منهم ملابس سوداء، تحت مظلات لحمايتهم من حرارة شمس الظهيرة. وساد الهدوء والنظام الشوارع. وشهد الطريق الذي من المقرر أن يسلكه الموكب والبالغ طوله نحو أربعة كيلومترات وجودا مكثفا للشرطة. وأظهرت صور نشرت على وسائل الإعلام الاجتماعية طوابير طويلة في محطات النقل العام خلال محاولة الناس الاقتراب من مسار الموكب. اصطف الآلاف من المشيعين أيضا، صباح أمس، لحضور طقوس أمام صورة الملك عند القصر الكبير. ومددت الحكومة الطقوس لمدة ساعتين بسبب ضخامة الحشود. وأعلن المسؤولون عطلة عامة في وقت سابق من الجمعة، إلا أن الإعلان جاء بعد وصول عدد كبير من الأشخاص إلى مقار أعمالهم بالفعل.
وعرضت بعض الدوائر على الموظفين إمكانية مغادرة العمل للمشاركة في أنشطة الحداد. وخيم الناس ليلا أمام مستشفى سيريراج في بانكوك الذي توفي فيه الملك ظهر الخميس، بينما لا يزال آخرون يتوافدون من خارج العاصمة لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على الملك الراحل.
وبداية من اليوم (السبت) سيترك القرار لكل محطة أن تحدد ما تقوم ببثه، لكن في إطار أنواع معينة من البرامج الترفيهية مثل الألعاب الرياضية، وسيتم منع بث بعض الإعلانات. ولن يتم السماح لمقدمي البرامج بارتداء الملابس الزاهية. وقال باتيما تشايافروك، طالب جامعي، في تصريحات للوكالة الألمانية «لقد كان حقا ملاكا يسير على الأرض، ولا يوجد هناك شخص آخر مثله في هذا البلد، لا يوجد من يمكن أن يحل محلة».
وسافرت وارابورن جوكخوم إلى بانكوك من مقاطعة لامبانج، على بعد 600 كيلومتر شمال البلاد، بمجرد أن علمت خبر وفاة الملك ليلة الخميس. وقالت جوكخوم «كان يجب أن أكون هنا..هذا هي فرصتنا الأخيرة لنقول وداعا».
وذهب التايلانديون إلى أعمالهم كالمعتاد صباح الجمعة ولكن الحزن كان ظاهرا عليهم، حيث كان الوجوم على وجوه البعض منهم، وقليل منهم كان مبتسما.
وقالت امرأة تدعى لالانا «لم أنعم بأي قسط من النوم على الإطلاق الليلة الماضية..عندما وردت الأنباء، الناس في الشارع بالقرب من مكاني صرخوا».
واستخدمت الكثير من المواقع في تايلاند، بما في ذلك «غوغل» وغيره، اللون الرمادي. وأعرب التايلانديون عن حزنهم على وسائل الإعلام الاجتماعية، حيث غير الكثير منهم صورته الشخصية إلى صور سوداء. وتم حظر الاحتفالات طوال الـ30 يوما المقبلة، ولكن لم يتضح على الفور كيف سيكون وضع الحياة الليلية تجاه هذا القرار. وظلت المتاجر ومراكز التسوق مفتوحة، على الرغم من أن إغلاق دور السينما وأماكن الترفيه وغيرها، وكانت حركة المرور في العاصمة التايلاندية بطيئة كالمعتاد صباح أمس. وطلبت الحكومة من جميع القنوات التلفزيونية وقف بث كل البرامج الترفيهية، بما في ذلك الإعلانات، خلال الأيام الثلاثين المقبلة. ولن يتم السماح لمقدمي البرامج بارتداء الملابس الزاهية.
وبدأت بورصة تايلاند جلستها الجمعة على ارتفاع بعد أيام من التراجع.
ومنذ بعد ظهر الخميس، عادت محطات التلفزيون التايلاندية التي كانت تبث بالأبيض والأسود تعبيرا عن الحزن، إلى البث بالألوان مع برنامج واحد فرضته السلطات وأفلام وثائقية تكريما للملك ومقابلات مع تايلانديين. ودعا عدد كبير من السفارات الغربية رعاياها إلى اعتماد «سلوك رصين» بحسب تعبير وزارة الخارجية الفرنسية.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، بتأثر قال إنون سانغويمان، الموظف في شركة الكهرباء الوطنية «حين كان الملك على قيد الحياة، حافظ الشعب على وحدته».
وقال: إنون سانغويمان «أخاف الآن مما يمكن أن يحصل، ما هي الإدارة التي ستتولى شؤون البلاد، وما هو نوع النظام على المدى البعيد؟».
لكنه أعرب عن ثقته بأن الانتخابات التي أعلن عنها النظام العسكري الشديد الولاء للملك في 2017 ستجرى في مواعيدها.›



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟