العودة إلى المستقبل في اليوم الأخير من أسبوع باريس لربيع وصيف 2017

بين الخيال العلمي والحنين إلى الماضي خيط رفيع

من عرض «لويس فويتون» - من عرض «ميوميو» - من عرض «شانيل» لربيع وصيف 2017 - من عرض «لويس فويتون» - من عرض «شانيل»
من عرض «لويس فويتون» - من عرض «ميوميو» - من عرض «شانيل» لربيع وصيف 2017 - من عرض «لويس فويتون» - من عرض «شانيل»
TT

العودة إلى المستقبل في اليوم الأخير من أسبوع باريس لربيع وصيف 2017

من عرض «لويس فويتون» - من عرض «ميوميو» - من عرض «شانيل» لربيع وصيف 2017 - من عرض «لويس فويتون» - من عرض «شانيل»
من عرض «لويس فويتون» - من عرض «ميوميو» - من عرض «شانيل» لربيع وصيف 2017 - من عرض «لويس فويتون» - من عرض «شانيل»

في 1983، العام الذي التحق فيه كارل لاغرفيلد بدار «شانيل»، عُرضت السلسلة التلفزيونية «ستراينج ثينغس» (أشياء غريبة)، وهي سلسلة مشوقة من الخيال العلمي. ورغم أن الأمر قد يكون مجرد مصادفة إلا أن هذا لا يمنع أن نتساءل عما إذا كانت التيمة الخيالية التي نسجها المصمم في عرضه لربيع وصيف 2017، مستقاة من السلسلة وإشارة إلى هذا التاريخ أم لا. فكثير من الإكسسوارات لربيع وصيف 2017 ستكون مشبعة بلمسات مستقبلية تعكس روح العصر وتخاطب فتيات صغيرات في السن تربين على الـ«آيباد» وأجهزة الكومبيوتر. أما الأزياء، فقد فاحت من جوانب بعضها رائحة من الماضي القريب. صحيح أنه لا أحد يجرؤ على أن يتهم المصمم بأنه يعيش في الماضي، إذ أثبت أنه ابن عصره، إلى حد يُنسينا أنه تعدى الثمانين من العمر، فهو مثلا يمتلك أربعة هواتف «آيفون»، و30 جهاز «آيباد»، بما في ذلك واحد تستعمله قطته الشهيرة، شوبيت، ومع ذلك لا نملك إلا أن نلمس هنا حنينا شاعريا إلى حقبة الثمانينات. وهنا تكمن عبقرية كارل لاغرفيلد. فقد نجح في أن يأخذنا إلى المستقبل، فيما سماه «كوكو (رو) بوتس» بخلق نوع من النوستالجيا إلى حقبة الثمانينات. استهل العرض بعارضة تتقمص دور «روبوت» بقبعة غريبة، ربما أيضًا رغبة منه في إخفاء وجهها حتى لا يغطي على أهمية الأزياء في وقت أصبحت فيه عارضات الـ«إنستغرام»، أي اللواتي يتوفرن على حساب كبير، يتمتعن بالنجومية وتتحول العيون إليهن وليس إلى ما يعرضنه في كثير من الأحيان. على العكس من غرابة هذه القبعات، بقيت الأزياء واقعية مكونة من تايور بتنورة، تلته مجموعات متنوعة يغلب عليها التويد والتايورات المفصلة بشتى الأطوال والألوان، ليضيف بين الفينة والأخرى فساتين منسابة أحيانًا بنقشات متماوجة وتصاميم تُذكرنا بالديسكو في الثمانينات، لا سيما أن صوت دونا سامرز كان يصدح على الخلفية. الإيحاءات المستقبلية لم تقتصر على الإكسسوارات فحسب بل أيضًا على الديكور. فبينما اعتمد في السابق على ديكورات ضخمة ومبهرة، يتحول فيها «لوغران باليه» إلى مسرح ضخم يحكي قصصا مثيرة تتداولها وسائل التواصل الاجتماعي بشراهة، لما تمنحه من ألوان وصور فنية، اكتفى بديكور على شكل «مركز بيانات رقمية» يتميز بهدوء يقارب البرود، تراصت على جدرانه أجهزة كومبيوتر، ضخمة وثقيلة كما كانت عليه في الثمانينات، في وقت لم تكن فيه الهواتف النقالة ولا الأجهزة الإلكترونية دارجة بشكلها الحالي. وهذا تحديدًا ما انعكس على الحقائب التي أخذ بعضها أشكال هواتف وبعضها الآخر أشكال أجهزة كومبيوتر محمولة.
أما تأثيرات الثمانينات فظهرت أيضًا بشكل خفيف جدا في بعض التصاميم المصنوعة من قماش التويد، التي تماوجت بألوان الطيف والنيون تارة، أو تميزت بمربعات وأحجام أكبر من المعتاد ببعض السنتيمترات، تارة أخرى.
الخيال العلمي كان أيضًا حاضرًا في العرض الذي قدمه المصمم نيكولا غيسكيير لدار «لويس فويتون». ولا شك أنها كانت أفضل ما قدمه منذ التحاقه بها في عام 2013، تحديدا لما تتضمنه بين طياتها من خيال علمي يناسب متطلبات العصر من ابتكار وعملية. صحيح أن هذا الخيال العلمي ظهر في أول تشكيلة قدمها للدار بعد التحاقه بها، وقدمها في «فونداسيون لويس فويتون» التي صممها فرانك غيري، وكانت على خلفية مركبة فضائية، إلا أنها كانت أقوى هنا، لأن الخلفية الإسمنتية الباردة كانت مناسبة أكثر. فقد جرى العرض في رقم 2 من «بلاس فاندوم» الذي ستفتحه الدار كمحل جديد لها في العام المقبل. والحقيقة أنه على الرغم من أن الأعمال لا تزال جارية فيه، ما أفقده عنصر الإبهار وحتى الراحة، فإن الكل كان ممتنا، لأنه على الأقل يقع في قلب باريس مقارنة بـ«فونداسيون لويس فويتون» الواقعة بغابة «بولون»، وتحتاج إلى أكثر من نصف ساعة للوصول إليها، فضلا عن تعقيدات المواصلات وعدم توفرها بسهولة.
الشيء الثاني الذي كان الجميع ممتنًا له أن العرض الذي نظم في اليوم الأخير من أسبوع طويل، كان يستحق عناء الانتظار والبقاء في باريس من أجله، لأنه كان من العروض القليلة التي جعلتنا نشعر كما لو أننا نتابع كتابة فصل آخر في كتاب الموضة لربيع وصيف 2017، الذي شهد عدة تغييرات ما بين دخول بشرى جرار دار «لانفان»، أنطوني فاكاريللو دار «سان لوران» وماريا غراتزيا تشيوري «ديور»، كأول مصممة في تاريخ الدار منذ تأسيسها في عام 1947.
المهم أن اللمسات المستقبلية التي سادت العرض لم تُنس نيكولا غيسكيير أن الدار تقوم أساسا على فكرة السفر والترحال، وإن بقيت في عقر باريس، وهو ما تلمسه من أول إطلالة كانت عبارة عن فستان من الجيرسيه بطيات تغطي الجسم وتلفه بسهولة، تلته مجموعة من الفساتين والتنورات بفتحات عالية، لتسهيل الحركة. أسلوب الطبقات المتعددة كانت له نكهة عصرية قوية في العرض، من ناحية أنه عكس صورة امرأة واثقة بنفسها، تبدو أحيانًا، بأكتافها العريضة، وكأنها متوجهة لحرب تعرف مسبقًا أن نتائجها مضمونة لصالحها. إحساس يتولد طبعا من الجاكيتات المفصلة التي قدمها بوفرة، وتميزت بأكتاف تستحضر حقبة الثمانينات عندما عانقت المرأة، ولأول مرة، التايورات المفصلة لتسجل دخولها عالم الرجل ومنافستها له في أماكن العمل. ما كان يخفف من ذكوريتها الأقمشة الخفيفة والشفافة التي كانت تظهر من تحتها إما على شكل فساتين منسدلة أو تنورات تصل إلى الركبة. غيسكيير جرب التلاعب بالـ«سبور» والمفصل سابقًا، لكنه في هذه المرة، غير استراتيجيته وجرب أن يرقى بالسبور المستوحى من ثقافة الشارع، إلى مستوى الروك أند روك، لتكون النتيجة تشكيلة أكثر ديناميكية وتفردًا. صحيح أنها تضج بالتناقضات لكن كل ما فيها كان مثيرًا، وهذا تحديدًا ما عزز نكهتها الباريسية ومنحها لغتها الواضحة التي تخاطب سيدة أعمال، بالدرجة نفسها التي تخاطب بها فتاة مقبلة على الحياة ومتعها. امرأة لا تمانع في ارتداء هذه الجاكيتات للعمل أو لحفل بعد تنسيقها مع قطع أخرى أقل صرامة وأكثر شفافية بعضها بألوان معدنية وبعضها مطرز ومرصع بالأحجار.
في نهاية اليوم، اختتمت ميوتشا برادا أسبوع باريس لربيع وصيف 2017 بنغمة تفاؤل أخذتنا إلى البحر والمنتجعات مستبدلة الخيال العلمي بالحلم، لتُذكرنا مرة أخرى، بأن الجميل في خطها الأصغر «ميوميو» أنه مفتوح للتوقعات والتكهنات. فهو دائمًا يحمل كل ما يخطر على بالها من مثير ومبتكر أو غريب لا يسبح مع التيار، وتنجح بمفاجأتنا بهذه الغرابة. وهذا ما أكدته في هذه التشكيلة التي أخذتنا فيها إلى البحر، لتكون هذه من المرات القليلة التي تقيدت فيها بموسم الصيف ومتطلباته، حيث سبق أن اقترحت علينا سابقًا، معاطف ثقيلة وأخرى من البلاستيك لهذا الموسم لتصيبنا بالحيرة ما إذا كنا نتابع عرضًا للشتاء أم للصيف. لكن على ما يبدو فإن أحوال السوق لها أحكام، لهذا ارتأت أن تقدم لربيع وصيف 2017 كثيرًا من القطع المنفصلة التي ستجد هوى في نفوس امرأة عالمية، أيًا كان عمرها. فخط «ميوميو» وإن كان في يوم من الأيام يخاطب صغيرات السن فقط، نضج وأصبح له كيانه الخاص، بحيث لم يعد يفرق كثيرًا عن الخط الأم «برادا» سوى في بعض تفاصيله الغريبة وإكسسواراته المميزة. إلى جانب القطع المنفصلة، التي شملت تنورات تصل إلى الركبة وفساتين بنغمات «ريترو» تأخذنا بتصاميمها إلى الأربعينات وطبعات ورودها إلى الستينات، كانت هناك قطع كثيرة على شكل «مناشف» أو «فوط». وسواء كانت هي الأكثر عددًا، أو فقط أعطت الانطباع بذلك بسبب قبعات الوقاية من الماء عند العوم، التي سادت في الأربعينات من القرن الماضي، فإن النتيجة واحدة وهي أنها كانت الأقوى وبالتالي ستنجح في اقتحام عالم الموضة المرفهة. أما فيما يتعلق بالإكسسوارات، فحدث بلا حرج، لأن «ميو ميو» دائمًا تنجح في تقديم المبتكر والأنيق على حد سواء، ولم يختلف الأمر هذه المرة أيضًا. فهي الدجاجة التي تبيض ذهبا لمجموعة «برادا»، كما أن التجارب أكدت أن السيدة ميوتشا تتمتع بلمسة ميداسية فيها، بحيث يمكنها أن تبيعنا أي شيء من هذا الخط حتى لو كان مصنوعًا من الورق. لحسن الحظ أنها لم تفعل ذلك، وقدمت في المقابل مجموعة من الأحذية المتنوعة التي تناسب كل المناسبات، من نزهة على الشواطئ إلى حفلة في قصر.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.