إيران والقضية الفلسطينية.. الوعود المعسولة

ترفع شعار «تحرير فلسطين» منذ الخميني.. وتحارب في العراق وسوريا واليمن

الخميني ...عرفات
الخميني ...عرفات
TT

إيران والقضية الفلسطينية.. الوعود المعسولة

الخميني ...عرفات
الخميني ...عرفات

لم يصل أي مسؤول «أجنبي» إلى إيران بعد الثورة التي قام بها الخميني عام 1979 قبل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، الذي آمن آنذاك بأن الثورة الفلسطينية راحت تتمدد في إيران كذلك، قبل أن يكتشف أن الأمر لم يعدُ كونه شهر عسل خداعا.
ويذكر أصحاب عرفات الذي كان معروفا بسرعة البديهة والدهاء، أنه تفاجأ من طلب الخميني أثناء لقائه في إيران مترجما للفارسية رغم أنه يعرف العربية جيدا، وقوله في مجالس مغلقة بعد ذلك متندرا حول «الثورة الإسلامية التي لا تتحدث العربية» وإنما فقط الفارسية.
كان عرفات الذي قاد الفلسطينيين لعقود طويلة يريد لهذه العلاقة أن تستمر، لكن سرعان ما حسمها الإيرانيون مع بداية الحرب العراقية الإيرانية إذ طلبوا من عرفات موقفا مؤيدا ومناهضا ومعلنا وعمليا من الرئيس العراقي صدام حسين والعرب، لكنه بعد عدة وساطات ومحاولات لتجاوز أمر الحرب برمته، اختار الانحياز لعروبته، ولم ترَ العلاقة منذ ذلك الوقت خيرا قط، بل دخلت في علاقة مواجهة كبيرة ومحاولات استئثار بالقرار وفرض أجندات وإحداث انشقاقات مع وقف كل دعم مالي أو عسكري ممكن، وهذا ما انسحب لاحقا على كل علاقة إيرانية فلسطينية بغض النظر عن الجهات التي تعامل معها الإيرانيون، منظمة التحرير أو الفصائل الإسلامية أو مجموعات عسكرية صغيرة.
في حقيقة الأمر أن كل دعم كان مسيسا ومشروطا وغير مستمر.
الدعم المشروط
تقول إيران بأنها تقدم دعما غير محدود وغير مشروط لكل فصائل المقاومة الفلسطينية، وتطرح ذلك منذ سنوات طويلة متباهية بتشكيل محور «الممانعة والمقاومة» الذي كان يضم إلى جانبها وسوريا كذلك، ما يسمى «حزب الله» اللبناني وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، لكن تطورات كثيرة وأحداث ومنعرجات حادة في المنطقة، كشفت إلى حد كبير كيف أن دعم الفصائل المقاومة وكان حقيقيا وكبيرا في فترات متفاوتة، توقف تماما عن حماس التي لم توقع اتفاق سلام مع إسرائيل وما زالت تنادي بالتحرير، وتقطع مع الجهاد الإسلامي التي أيدت بخلاف حماس النظام السوري الذي تحارب من أجله إيران، بسبب «الثمن المطلوب».
ومع عودة قليلة إلى الوراء يتضح بشكل جلي أسباب دعم إيران للفصائل الفلسطينية إذا ما عرفنا لماذا توقف ذلك. ليس هناك أفضل من أن يتحدث زعيم حماس خالد مشعل عن الدعم الإيراني. وقال مشعل، في مارس (آذار) الماضي فقط، إن الأزمة بين حماس والرئيس السوري بشار الأسد أثرت على العلاقة مع إيران، والتي ردَّت بمراجعة الدعم المالي للحركة بشكل كبير، مضيفا: «طهران خفّضت دعمها للحركة بعد أن كانت أحد الداعمين الأساسيين لها، إنها اليوم ليست داعمًا رئيسيًا».
مشعل أوضح أن هناك حالة من الجمود في العلاقة مع إيران، لافتًا في ذات الوقت إلى أنها لم تصل إلى حالة القطيعة الكاملة، مع إبقاء حالة التواصل معها من خلال إرسال الوفود لطهران بين الحين والآخر. ويتضح من حديث مشعل أن إيران كانت تريد من حماس دعم الرئيس بشار الأسد ضد الثورة التي اندلعت في مارس 2011. لكن رفض حماس ذلك كلفها خسارة الدعم المالي الإيراني. لكن بحسب مصادر لـ«الشرق الأوسط» لم تستسلم إيران، بل اتجهت إلى استمالة «بعض حماس».
وقالت المصادر بأن الإيرانيين عمدوا إلى تقديم دعم محدود للجناح المسلح لحماس كتائب القسام في محاولة لتحريضه على المكتب السياسي.
وبحسب المصادر نجحت إيران على الأقل في خلق جدل داخل الحركة حول المحاور. وربما ظهر ذلك الجدل جليا في تطنيش قائد حماس خالد مشعل لأي دور إيراني في دعم الحركة في حرب 2012 مشيدا بأدوار أخرى، قبل أن يظهر القيادي الحمساوي المقرب من كتائب القسام محمود الزهار ليرد بطريقته رافعا سلاحه وسط غزة ومجاهرا بالقول: إنه سلاح إيراني.
بل زاد الزهار بقوله: إن الصواريخ التي أطلقتها كتائب القسام باتجاه إسرائيل في الحرب الأخيرة على غزة، كانت «إيرانية بأيدٍ فلسطينية». وذهب إلى حد القول: «إن إيران لم تطلب من حركته، أي مقابل، بدلا للدعم، على أن تذهب هذه الصواريخ فقط لتحرير فلسطين». آنذاك كان هذا أول تصريح مسؤول من نوعه داخل حماس، منذ سنوات يتحدث عن إمدادها من قبل إيران بالصواريخ، بعدما عمد آخرون لتطنيش هذا الدور في مؤشر على الصراع داخل حماس حول العلاقة مع إيران، وهو صراع يمكن القول: إنه مستمر بفعل سياسة «السيطرة» التي تحاول أن تمارسها إيران، وهي نفس السياسة التي استخدمتها مع الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ويذكر الفلسطينيون كيف أن إيران لم تحرك ساكنا لنجدة عرفات المحاصر في بيروت عام 1982. بل ذهبت ميليشيات شيعية بعد ذلك تابعة لأمل التي بايعت الخميني لارتكاب مجازر في المخيمات الفلسطينية، قبل أن يساعد النظام السوري على حدوث أكبر انشقاق في حركة فتح برئاسة أبو موسى الذي انشق عن الحركة وشكل ما عرف لاحقا بفتح الانتفاضة واستقر في سوريا من دون أن يكون له تأثير يذكر في السياسة الفلسطينية، مثلما ساعد على حدوث انشقاقات أخرى في الفصائل المنضوية تحت إطار منظمة التحرير.
ولعل هذا التاريخ هو أحد أهم الأسباب التي تدعو السلطة الفلسطينية اليوم للتأكيد في كل مرة تحشر فيها إيران أنفها في الشأن الفلسطيني أنها لن تسمح لها بشق الصف الفلسطيني. وتتهم السلطة إيران أصلا بتعميق الانقسام عبر دعم حماس في غزة إبان انقلابها عام 2007.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري أن إيران مثل كل دولة أخرى لها مصالح محددة، لكن الفلسطينيين أعطوها طريقا أكثر من غيرهم لتأخذهم «بالمفرق» لأنهم ليسوا موحدين. وقال المصري «لو لم نكن مقسمين لكنا نأخذ من مواقف إيران ما يتقاطع مع مصالحنا ونرفض أي مطامع أخرى». ومن وجهة نظر المصري فإنه يجب أن لا يحسب الفلسطينيون أنفسهم على محور ضد آخر وأن يعملوا من أجل كسب كل الأطراف.
لكن حتى الذين حاولوا ذلك لم ينجحوا.
لم تكتف إيران بالعلاقات الجيدة المتبادلة مع الأطراف الفلسطينية، ومثلما طلبت من عرفات موقفا ضد العراق وطلبت من حماس موقفا مع بشار الأسد، طلبت من الجهاد الإسلامي موقفا واضحا من الحرب في اليمن وهو نفس الطلب الذي قدم لحماس من أجل استئناف العلاقات. وحاولت إيران مع بداية العام الحالي استقطاب حماس من جديد، إلى جانب حلفائها المركزيين في المنطقة كالنظام السوري وما يسمى «حزب الله» اللبناني في مواجهة السعودية.
وكشفت «الشرق الأوسط» سابقا عن اجتماع عقد في الرابع من يناير (كانون الثاني) بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع ممثل حماس في طهران خالد القدومي للبحث في علاقات الجانبين إذ عرض ظريف على القدومي أن تقوم حماس بإعلان موقف سياسي رسمي ضد السعودية بعد إعلانها قطع كافة العلاقات مع طهران مقابل أن تقوم الأخيرة بتلبية مطالب حماس كافة ومنها الدعم المالي الثابت والدائم. ووجه ظريف عبر القدومي رسالة إلى رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل يشرح فيها ظروف العلاقة مع السعودية بعد التدهور الحاصل وما يجري في المنطقة وتأثيره على القضية الفلسطينية وضرورة اصطفاف الحركة التي تؤثر في المواقف الفلسطينية الداخلية إلى جانب إيران باعتبارها الدولة الوحيدة التي تقف في وجه إسرائيل. لكن حماس رفضت.
وبعد عدة اجتماعات حسمت حركة حماس موقفها نهائيا بشأن العرض الإيراني وقررت رفضه عبر طريقة عدم إبداء الرأي. وقال أحد مسؤولي الحركة من الضفة الغربية لـ«الشرق الأوسط» بأن «المعادلة معقدة، نحن كحركة تحرر نتطلع إلى دعم الجميع لكننا أبدا لن نكون في أي تحالف ضد الشعوب أو ضد العالم السني».
وهذا هو الموقف الذي انطلقت منه كذلك حركة الجهاد الإسلامي التي استأنفت علاقتها مع إيران في مايو (أيار) الماضي لكن بعد شهور طويلة عجاف. وكانت إيران مع بدء عاصفة الحزم في اليمن تتطلع إلى موقف فلسطيني مناهض للحملة ضد الحوثيين، وطلبوا من الجهاد تصدير موقف بذلك مشابه لموقف ما يسمى «حزب الله»، لكن حركة الجهاد رفضت، وأكدت بشدة عدم التدخل في شؤون أي بلد عربي، وهو الموقف الذي فاجأ الإيرانيين الذين كانوا يعتقدون أنه يمكن للجهاد أن تقف إلى جانبها في كل شيء، على غرار الموقف الذي اتخذته الحركة من الأزمة السورية. وردت إيران بقطع الدعم المالي عن الجهاد التي لم تتمكن لشهور من دفع رواتب عناصرها قبل أن تعود إيران وتستأنف العلاقة بسبب أنها بحاجة دائما إلى موطئ قدم.
موطئ قدم
لم تتوقف محاولات إيران استقطاب الفلسطينيين على الفصائل الكبيرة فتح وحماس والجهاد، بل سعت حتى لتجنيد مجموعات مسلحة لها في غزة والضفة الغربية كانت ترسلم لهم الدعم مقابل تنفيذ عمليات على ما كشف لـ«الشرق الأوسط» أحد المسؤولين العسكريين لأحد الأجنحة في غزة ورفض ذكر اسمه. وحاولت إيران تشكيل فصائل بأسماء تدل على الأصول الشيعية، مثل جماعات عماد مغنية وما يسمى «حزب الله» الفلسطيني، وغيرها.
وقبل سنوات طويلة أقر سالم ثابت وهو أحد أبرز المسؤولين الميدانيين الذين عملوا ضد إسرائيل في غزة أنه يتلقى دعما مما يسمى «حزب الله» وحين سألته «الشرق الأوسط» آنذاك عن طبيعة هذه العلاقة، قال خلافا لغيره من المقربين لما يسمى «حزب الله»: «إنها علاقة تنظيمية». وقال مصدر بأن مثل هذا الدعم متواصل لبعض الفصائل الصغيرة في غزة حتى الآن.
أما أبرز المحاولات الإيرانية في غزة خلال سنوات ماضية، فهو تشكيل حركة متشيعة هي حركة الصابرين التي أصبحت ممثلا شبه رسمي لطهران.
وظهرت الصابرين التي تدعمها وتوجهها إيران في قطاع غزة منذ نحو 3 أعوام، ويتهمها مسلمون سنيون في غزة بأنها تتبنى «النهج الشيعي». وظهر الدعم الإيراني واضحا على الحركة الجديدة من خلال قدرتها على دفع رواتب موظفيها. لكن حماس مع سوء العلاقة أكثر مع طهران وغضب سني كبير اضطرت إلى إغلاق الجمعية التي أسسها القيادي المعروف في غزة هشام سالم الذي يوصف بأنه رجل إيران الأول في القطاع وكان أسس جناحا عسكريا ما زال موجودا وحاول تأسيس مثل هذا الجناح في الضفة الغربية وفشل.
الذي لم تفهمه إيران
إن المنطلقات التي أخذتها حركة حماس بالحسبان، وأهمها انتماؤها إلى العالم السني، قريبة إلى حد كبير لمنطلقات عرفات الذي أخذها بالحسبان سابقا، وهو انتماؤه إلى العالم العربي، مع فارق المسميات، وهذا جعل الطريق مع إيران أقصر بكثير. وقالت مصادر في حركة حماس لـ«الشرق الأوسط» بأن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة هو الذي رفض العرض الإيراني ويرفض كذلك التقرب من إيران في ظل هذه الظروف خشية أن يفسر أي تقارب كأنه دعم لإيران في أزمتها ضد السعودية أو في ملفات أخرى في سوريا وغيرها. وبحسب المصادر فإن هناك شبه إجماع داخل حماس في هذا الوقت بعدم التورط في أي تحالفات مع إيران حتى لا تخسر الحركة قاعدتها السنية في المنطقة ولأن تجربتها السابقة مع إيران تثير الكثير من القلق.
وأخذت حماس بالحسبان إضافة إلى الخوف من خذلان إيران، إمكانية التقارب أكثر مع الدول السنية المؤثرة في المنطقة، ولأنها تقيم الآن في دولة خليجية، ولها مصالح كبيرة مع جهات غير رسمية في الدول الخليجية والسنية، إضافة إلى العلاقة القوية مع تركيا التي تعد أكثر الجهات دعما سياسيا لحماس وقد وقفت (تركيا) إلى جانب الموقف السني في مواجهة إيران، ناهيك بالانتقادات الكبيرة التي تلقتها الحركة من جماعة الإخوان المسلمين مؤخرا وهي الجماعة الأم لحماس بسبب مؤشرات تقارب مع إيران وما يسمى «حزب الله».
وحقيقة الأمر أن كل محاولات إيران وحماس في السنوات الأخيرة، لتقريب وجهات النظر قوبلت بغضب في القاعدة الحمساوية والسنية المساندة لحماس، ليس بسبب القضية الفلسطينية مطلقا، بل بسبب دور إيران في المنطقة. إذ لم تسلم حماس من انتقادات كبيرة من التنظيم الأم (الإخوان المسلمين) على سبيل المثال مع كل لمحة «غزل» لإيران. واختبرت حماس رد فعل الإخوان وعناصرها كذلك على أي تقارب مع إيران من خلال مواقف مختلفة من بينها رسالة تعزية في مقتل سمير القنطار في سوريا في غارة إسرائيلية.
وكانت قيادة حماس والقسام أرسلوا معزين إلى نصر الله، ما أثار جدلا واسعا في صفوف المنتمين للحركة وكذلك ناشطين بارزين في جماعة الإخوان المسلمين. ووصف ياسر الزعاترة، وهو محلل سياسي من الإخوان المسلمين، بيان النعي من القسام بأنه «بالغ في مدح القنطار»، وأنه «موقف سخيف ويستحق الإدانة». داعيا حماس لعدم الإساءة لنفسها. وكتب الزعاترة «إلى حماس وكتائب القسام: لا تكونوا عبئا على محبيكم، إيران تشن عدوانا على الأمة، وأي موقف مجامل لها مهما كان يسيء لكم، والأمة غير الأنظمة».
فيما كتب الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا عمر مشوح: «ندين إدانة حماس لمقتل القيادي بـ(حزب الله) سمير القنطار، لأننا نعتبر هذا القاتل وحزبه والغا بدماء السوريين وشريكا للنظام في إجرامه». وفورا انتقل الجدل إلى صفوف عناصر حماس نفسها، وكتب براء ريان، وهو نجل القيادي في حماس، نزار ريان، الذي اغتيل في حرب 2008 - 2009 في غزة، منتقدا بيان القسام «تخيلوا لو أن طائرة (إف 16 أميركية) قصفت خليفة (داعش)، تُرى هل ستنعونه وتزفونه شهيدًا وتقومون بواجبه.. علما بأنه أسير سابق في سجون الاحتلال الأميركي». وهذا الجدل حول دور إيران في المنطقة هو جدل مستمر ولن يتوقف على الرغم من أن مكالمة مسربة يفترض أنها وضعت الحد للكثير منه.
المكالمة المحرجة
في نهاية يناير (كانون الثاني) تسرب تسجيل لمكالمة حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها ونشرتها لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، يهاجم فيها إيران بشدة وينفي تصريحات إيرانية بأنها تقدم الدعم للمقاومة الفلسطينية خاصة منذ عام 2009. ويسمع في المقطع الصوتي أبو مرزوق وهو يتحدث إلى أحد الأشخاص معقبا على تصريحات إيرانية حول دعم المقاومة ويتحدث عن دور إيراني سيئ في اليمن.
ويعلق أبو مرزوق على بداية التسجيل على العلاقات الإيرانية - الروسية بالقول: «الآن صحيح في الوقت الحاضر بحاولوا يعملوا اتفاقيات وحلف مع الروس وهذا كله دهاء من الإيرانيين ونحن ضحايا لهذا الدهاء». وتحدث القيادي في حماس للشخصية الأخرى بالقول عن دعم حماس «القصة ليست قصة كما يذكرون وهدول من أكثر الناس باطنية وتلاعبا بالألفاظ وحذرا بالسياسة.. من 2009 تقريبا ما وصل منهم أي شيء، وكل الكلام اللي بقولوه كذب وكل اللي بيصل لحبايبنا لم يكن من قبلهم، جزء من طرف صديق وأطراف أخرى بسبب الأوضاع في المنطقة وكله بجهد الأنفس جمعناه وبعتنا، ولم يقدموا شيء في هذا المجال وكل ما يقولونه كذب».
وأشار أبو مرزوق إلى أن إيران كانت كلما يجري حديث معها عن الدعم تشترط ذلك بتدخل حماس لتحسين علاقات طهران مع دول مثل دولة السودان وغيرها، معتبرا ذلك جزءا من العقاب وواصفا إياهم بالقول: «هم مكذبة وفاتحينها بهذا المجال». وأشار لما وصفها بأكاذيب الإيرانيين، حول إرسال السفن للمقاومة في غزة بالقول: «من 2011 كل سفينة بضيع منهم بقولوا كانت رايحة الكم، في سفينة ضاعت بنيجيريا قالوا الكم رايحة، قلتلهم هو احنا فش ولا سفينة بتغلط وبتيجينا كل السفن اللي بتنمسك هي إلنا».
وأضاف: «ياريت يكونوا مخلصين مثل ما بقولوا للناس، بعتبرونا خوارج، من 1400 قرن بتصفوا بالدهاء والتورية والباطنية وليسوا بهذه الدرجة من السهولة»، مشيرا إلى ما افتعلوه من أحداث في اليمن، مضيفا: «هلكوا العباد بسبب أحاديثهم الباطنية وطريقة تعاملهم مع الناس». وهذا الموقف غير المعلن لحماس هو تقريبا نفس الموقف غير المعلن للمستوى الرسمي الفلسطيني، وهو ما يفسر لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي في باريس في أغسطس (آب) الماضي، وهو اللقاء الذي شن معه مسؤولون إيرانيون هجوما غير مسبوق على عباس واصفين إياه بشتى الأوصاف. لكن كيف ردت حركة فتح؟
الموقف الرسمي الفلسطيني
الرد الفتحاوي اختصر الكثير من تاريخ العلاقة وكيف تنظر لها فتح الحاكمة. وقالت فتح بأن تصريحات الإيرانيين بحق عباس تعد «انعكاسًا لمفاهيم الخيانة والباطنية الناظمة لسياسة القائمين بأدوار تخريب وتدمير وشق الصف الفلسطيني». وأضافت: «بعد قراءة دقيقة لتصريحات مستشار وزير الخارجية الإيراني المسيئة للرئيس القائد العام، يثبت لنا فظاعة دور القائمين على خدمة المشروع الصهيوني بحملاتهم المنظمة على رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية، وعلى القضية الفلسطينية». وقالت: إن إيران سعت على الدوام إلى «تدمير وتخريب الصف الفلسطيني، وتعميق الانقسام»، وإن المسؤولين الإيرانيين «اغتالوا قيم الوفاء لحركة فتح التي احتضنت الثورة الإيرانية، ومدتها بكل وسائل الدعم المادي والعسكري والمالي، وفتحت قواعدها للثوار».
هذا الموقف الفتحاوي يفسر لماذا تبدو العلاقة الإيرانية الفلسطينية الرسمية في أسوأ أحوالها منذ عقود وستستمر حتى وقت ليس قريبا. لكن ما زال لا يمانع الفلسطينيون أن ينضموا لأي من الفيالق الإيرانية إذا ما تقدمت نحو القدس.



الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!