غوتيريش... الأمين العام «الاستثنائي»

رئيس وزراء البرتغال الاشتراكي الأسبق يخلف بان كي مون على رأس الأمم المتحدة

غوتيريش... الأمين العام «الاستثنائي»
TT

غوتيريش... الأمين العام «الاستثنائي»

غوتيريش... الأمين العام «الاستثنائي»

اختير رئيس وزراء البرتغال الأسبق أنطونيو غوتيريش، رئيس وزراء البرتغال الأسبق، المفوض السامي العاشر لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أمينًا عامًا جديدًا للمنظمة الدولية، خلفًا للأمين العام المنتهية ولايته بان كي مون. وبهذا يغدو غوتيريش الأمين العام التاسع للأمم المتحدة، والأمين الرابع من أوروبا، بعد النرويجي تريغفي لي، والسويدي داغ همرشولد، والنمساوي كورت فالدهايم.
التوافق على اختيار أنطونيو غوتيريش أمينًا عامًا جديدًا للأمم المتحدة خلفًا لبان كي مون، كان أمرًا متوقعًا في نظر متابعي الترشيحات وسير عملية الاقتراع داخل أروقة مبنى المنظمة الدولية في نيويورك. ذلك أن المهندس والسياسي الاشتراكي البرتغالي، الذي قاد بلاده بين عامي 1995 و2002، ثم تولى بنجاح كبير إدارة ملف اللاجئين على امتداد العالم في أعقاب توليه مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، تصدّر كل عمليات الاقتراع. وكان جليًا أيضًا، على الصعيد السياسي، أن غوتيريش غير مهدّد بأي «فيتو» من القوى الكبرى المؤثرة التي لا بد من كسب ثقتها، أو على الأقل تحييدها، بل كانت كل القوى الكبرى تنظر إليه على أنه شخصية عاقلة ومسؤولة ومعتدلة، غير مثيرة للجدل، وغير محسوبة على أي خط في صراعات المحاور والثقافات.
* بطاقة شخصية
ولد أنطونيو مانويل دي أوليفيرا غوتيريش يوم 30 أبريل (نيسان) عام 1949، في العاصمة البرتغالية لشبونة. وهو كاثوليكي واشتراكي وسياسي ودبلوماسي لبق، دولي الاهتمامات، ويلم بعدة لغات.
تزوّج مرتين، في المرة الأولى من لويزا غيمارايش إي ميلو بين 1972 و1998، ثم بعد وفاتها تزوج عام 2001 كاتارينا فاز بينتو. وهو أب لولد وبنت.
في مرحلة الدراسة الجامعية درس الفيزياء والهندسة الكهربائية بالمعهد العالي للتكنولوجيا التابع لجامعة لشبونة، وتولى بعد التخرج عام 1971 التدريس فيه برتبة أستاذ مساعد.
بعد ثلاث سنوات، إبان فترة مثيرة وحاسمة من تاريخ البرتغال كانت فيها الديكتاتورية تعيش أيامها الأخيرة، شق المهندس الشاب طريقه في عالم السياسة، عندما انضم إلى صفوف الحزب الاشتراكي البرتغالي عام 1974. ولم يلبث أن استهوته السياسة لدرجة أنه تخلّى عن الهندسة والتدريس الجامعي وتفرّغ تمامًا للعمل السياسي الحزبي.
* «ثورة القرنفل»
والحقيقة أن غوتيريش كان إبان «ثورة القرنفل» في أبريل 1974، التي أسقطت ديكتاتورية مارسيلو كايتانو «وريث» ديكتاتورية أنطونيو سالازار، من الشبان الناشطين بقوة في عملية إعادة تنظيم الحزب الاشتراكي، ومن ثم تدرج في المواقع الحزبية، وبسرعة دخل البرلمان نائبًا اشتراكيًا عن إحدى دوائر لشبونة، ثم دائرة كاستيلو برانكو بوسط البرتغال، التي احتفظ بمقعده فيها بين 1976 و1995.
في عام 1988 خلف غوتيريش، في طريقه صعودًا نحو الزعامة، جورج سمبايو في رئاسة الكتلة البرلمانية للحزب. ثم في عام 1992 أصبح أمينًا عامًا للحزب وزعيمًا للمعارضة في مواجهة آنيبال كافاكو سيلفا رئيس الوزراء اليميني زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي الحاكم، واختير أمينًا عامًا لـ«الاشتراكية الدولية»، التجمع الكبير لمعظم الأحزاب الاشتراكية في العالم.
* رئيسًا للحكومة البرتغالية
وفي أعقاب تقاعد رئيس الوزراء كافاكو سيلفا، نجح الحزب الاشتراكي بقيادة أمينه العام غوتيريش في الفوز بالانتخابات العامة متغلبًا على الديمقراطيين الاجتماعيين، وهكذا تولى رئاسة الحكومة. وبفضل شعبيته العريضة تمكن من قيادة الاشتراكيين إلى انتصار انتخابي آخر في انتخابات عام 1999، وخلال عام 2000 تولى رئاسة «مجلس أوروبا».
غير أن شعبية الاشتراكيين أخذت تذوي فيما بعد تحت وطأة الانقسامات والخلافات، وتداعيات هزيمة الحزب في الانتخابات البلدية. وبعدما حل سمبايو - الذي كان رئيسًا للجمهورية يومذاك - البرلمان ودعا إلى انتخابات عامة جديدة، كان غوتيريش قد ترك قيادة الحزب التي تولاها إدواردو فيرو رودريغيش. غير أن الزعيم الاشتراكي الجديد خسر، ومن ثم، قرّر غوتيريش هجر السياسة المحلية في البرتغال، وتفرغ لنشاطه في «الاشتراكية الدولية» التي تولى رئاستها حتى 2005.
في مايو (أيار) 2005، انتخب غوتيريش مفوضًا ساميًا لشؤون اللاجئين في المفوضية التابعة للأمم المتحدة. وخلال فترة ولايته، أشرف على عملية الإصلاح الهيكلي داخل المفوضية التي يبلغ عدد موظفيها نحو 10 آلاف يتوزعون في 125 دولة. وشملت العملية تخفيض عدد الموظفين في مقرها في مدينة جنيف (سويسرا) بنسبة تزيد على 20 في المائة، وزيادة فعالية التكلفة وقدرة المفوضية على الاستجابة للطوارئ.
ومنذ ذلك الحين أهله نشاطه وتفانيه في مشروعات الإغاثة الدولية، وكثير منها في العالم العربي تحت وطأة محنة اللجوء من العراق وسوريا وعبر المتوسط من شمال أفريقيا، ناهيك عن شبكة علاقاته السياسية والاجتماعية الدولية على أعلى المستويات، لخوض معركة خلافة بان كي مون في الأمانة العامة للمنظمة الدولية.
* معركة الأمم المتحدة
لقد تنافس 10 مرشحين على خلافة الأمين العام الكوري الجنوبي بان المتقاعد بعد ولايتين، بينهم شخصيات عالمية مرموقة، مثل مديرة اليونيسكو البلغارية إيرينا بوكوفا، ورئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة هيلين كلارك. وكان كثيرون يرجّحون أن يذهب المنصب إلى إحدى دول أوروبا الشرقية التي لم تتمثل في هذا المنصب الدولي الرفيع بعد.
غير أن غوتيريش نجح حيث أخفق الآخرون، وكسب المنصب عن جدارة. والآن، على المستوى الرسمي، سيتولى الأمين العام الجديد منصبه يوم 1 يناير (كانون الثاني) المقبل، في أعقاب إرسال اسمه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتأييد هذا الخيار. وكان بين التعليقات اللافتة بعد التوافق على غوتيريش قول مندوب فرنسا السفير فرنسوا دولاتر: «هذا خبر ممتاز للأمم المتحدة من حيث الشكل ومن حيث الجوهر».
وتوقع المندوب البريطاني السفير ماثيو رايكروفت، أن يكون غوتيريش «أمينًا عامًا قويًا جدًا وفعالاً جدًا»، بينما نوهت السفيرة سامانتا باور مندوبة الولايات المتحدة بـ«تجربة غوتيريش ورؤيته».
أما الشهادة الأكثر حميمية فجاءت من وطنه، وبالذات من الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دو سوزا، الذي قال: «لقد اختير أفضل شخص لشغل هذا المنصب، هذا أمر جيد جدًا للأمم المتحدة وجيد جدًا للبرتغال.. أنطونيو غوتيريش شخص استثنائي».



أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.