جنوب السودان: الجيش ينفي سيطرة قوات رياك مشار على مقاطعة استراتيجية

واشنطن تطالب جوبا بالإسراع في نشر قوات الحماية الإقليمية

جنوب السودان: الجيش ينفي سيطرة قوات رياك مشار على مقاطعة استراتيجية
TT

جنوب السودان: الجيش ينفي سيطرة قوات رياك مشار على مقاطعة استراتيجية

جنوب السودان: الجيش ينفي سيطرة قوات رياك مشار على مقاطعة استراتيجية

نفى جيش جنوب السودان سيطرة قوات المتمردين التابعين لنائب الرئيس السابق الدكتور رياك مشار على مقاطعة «موروبو» الاستراتيجية، الواقعة في ولاية وسط الاستوائية، لكنه أقر بأن القوات الحكومية اشتبكت مع شباب مسلحين في المنطقة أمس، في وقت دعت فيه الولايات المتحدة إلى تسريع نشر قوة الحماية الإقليمية في عاصمة جنوب السودان جوبا، واستنكرت دور جوبا في عرقلة عمل بعثة الأمم المتحدة في البلاد.
وقال لوي كوانق روي، المتحدث باسم جيش جنوب السودان، لـ«الشرق الأوسط»، إن مسلحين دخلوا في اشتباكات مع القوات المسلحة، قبل أن ينضم إليهم آخرون، لكن دوافعهم غير معروفة، نافيًا بشدة سيطرة قوات التمرد على منطقة «موروبو» في الولاية الوسطى القريبة من الحدود مع أوغندا قبل خمسة أيام، كما أعلنت حركة التمرد، وتابع موضحا «هذه الأخبار غير صحيحة لأنه لا توجد قوات تابعة لمشار في هذه المنطقة حتى تدعي بأنها سيطرت عليها، وقواتنا هي التي تسيطر على (موروبو) والمناطق المجاورة تمامًا»، مضيفًا أن مشار «يسعى لأن تكون لاحتجاجات الشباب أجندة سياسية وهي ليست كذلك، والهدوء يسود المنطقة، كما تم فتح كل الطرق المؤدية إليها».
وكانت الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى قد ذكرت أن نحو 100 ألف شخص محاصرون في بلدة (ياي) التي تبعد بنحو 150 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من جوبا، وأن نحو 30 ألف شخص فروا إلى البلدة من المناطق المحيطة بها، دون توضيح إن كانت هناك اشتباكات قد وقعت بين القوات الحكومية والمتمردين، لكن سكان محليين أكدوا وقوع اشتباكات بين الجيش الشعبي الحكومي وميليشيات يعتقد أنها تابعة للمعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار في عدد من المناطق، بما فيها تلك المحيطة ببلدة ياي، فيما أكد شهود أن أعدادا كبيرة من المواطنين فروا إلى الحدود الأوغندية.
من جهته، قال المتحدث باسم المعارضة المسلحة جنوب السودان، جيمس قاديت، إن قواته اشتبكت مع الجيش الحكومي في منطقة ياي وموروبو وكايا القريبة من الحدود مع دولة أوغندا، مشيرًا إلى أن قواته تمكنت من السيطرة على بلدة «موروبو» ومواقع أخرى مجاورة منذ خمسة أيام، وقاموا بطرد القوات التابعة للرئيس سيلفا كير ميارديت، لكنه عاد وأكد أن قواته انسحبت منها جميعًا.
وتعد هذه المعارك، بحسب المتحدث، هي الأوسع نطاقًا منذ يوليو (تموز) الماضي،
وقال قاديت إن الكثير من المواطنين محاصرون في بلدة (ياي) القريبة من جوبا، وإن أعدادا منهم لجأوا إلى المطار والكنائس، داعيًا المواطنين للخروج من المدينة؛ حتى لا يقع عليهم أضرار في حال بدء الاشتباكات مرة أخرى.
إلى ذلك، طالبت مستشارة الأمن القومي الأميركي، سوزان رايس، عقب اجتماع مع النائب الأول لرئيس جنوب السودان تعبان دينق قاي، أول من أمس في البيت الأبيض، بتسريع نشر قوة الحماية الإقليمية في جوبا، مستنكرة عرقلة حكومة الرئيس سيلفا كير ميارديت لعمل بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في البلاد (يونميس)، وأعربت عن قلق بلادها من الأنباء التي تشير إلى هجوم شنته قوات حكومية ضد العاملين في المجال الإنساني في يوليو الماضي في جوبا، وحثت الحكومة بمحاسبة المتورطين، موضحة أن هناك حاجة إلى إجراء تحقيق دولي حول هذه الاتهامات، مؤكدة التزام واشنطن بدعم شعب جنوب السودان.
ودعت رايس حكومة جنوب السودان إلى إجراء حوار سياسي مع فصائل المعارضة المسلحة، والعمل على تحقيق أكبر مشاركة في الحكم من كل القطاعات، ولا سيما النساء دون الهيمنة من مجموعة عرقية واحدة أو حزب سياسي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟