لقاء يضم 150 فنانًا من 60 دولة لتحرير المسرح من الرقابة

تستضيفه بيروت بالشراكة مع «الشبكة الدولية لفنون الأداء المعاصرة»

لقاء يضم 150 فنانًا من 60 دولة لتحرير المسرح من الرقابة
TT

لقاء يضم 150 فنانًا من 60 دولة لتحرير المسرح من الرقابة

لقاء يضم 150 فنانًا من 60 دولة لتحرير المسرح من الرقابة

الرقابة المسبقة على المسرح لا تزال معضلة تؤرق حياة المسرحيين في لبنان. وأملا في الانتهاء كليًا من القيود التي تحد من حرية الفنانين، ينطلق في بيروت اليوم لقاء كبير يشارك فيه نحو 15 فاعلا ثقافيًا من جميع أنحاء العالم، لمساندة قضية حرية التعبير. ومن المتوقع أن يتحدث وزير الثقافة روني عريجي، قبل عرض مسرحي للممثلة والكاتبة التونسية جليلة بكار مساء اليوم، يعلن فيه عن تبنيه مرسوم قانون سيتم تقديمه إلى مجلس النواب لإلغاء مرسوم سابق يفرض الرقابة، لتحرير حركة المسرحيين. لكن المسار الروتيني السياسي البطيء والمليء بالخلافات لا يبشر بالوصول إلى نتيجة سريعة.
وبالتالي فإن اللقاء الذي يبدأ اليوم في بيروت، ويستمر لأربعة أيام، مهم للدفع باتجاه تبني المرسوم بالسرعة الممكنة، وهو يتم بالشراكة مع «الشبكة الدولية لفنون الأداء المعاصرة» التي تجمع منظمات إقليمية ودولية عدة، وثمة أنشطة بالتزامن تنشط في التاريخ نفسه في دول عدة، تحت عنوان «حرية التعبير». و«الشبكة الدولية لفنون الأداء المعاصرة» تضم تجمعًا من 500 مؤسسة ثقافية من 60 دولة، ومركزها الرئيسي بلجيكا، عملها يرتكز على تبادل المعلومات والتشبيك، من خلال لقاءات تعقد كل مرة في بلد مختلف. قد تكون هذه اللقاءات كبيرة تجمع ما يناهز 800 شخص، وقد تكون أصغر تقتصر على 5 أشخاص.
ورغم أن المسرح في لبنان يتمتع بحرية نسبية، فإن هذا المرسوم القديم الذي سمح بالرقابة قبل بدء العرض، وتم التصويت عليه أثناء الحرب الأهلية اللبنانية يضع عقبات كثيرة أمام الفنانين. وتسأل المديرة التنفيذية للقاء جوليان عرب «عن القبول ببث تلفزيوني حر، بعيد عن الرقابة رغم أنه يدخل كل بيت، على مدار الساعة، فيما تخضع العروض المسرحية لأحكام مسبقة، ولمنع وحد من حريتها، رغم أن رواد المسرح عددهم محدود وهم يأتون بخيارهم الشخصي»، معتبرة أن القصد ليس التفلت، وإنما ترك الفنانين يعملون، وفي حال كان ثمة ما يزعج، فبمقدور المتضرر تقديم شكوى، وهذا أجدى. وتقول عرب: «إن هذا المرسوم أصبح مشكلة يجب حلها. فعرض الفرنسي أوليفيه بي، مدير مهرجان أفينون، الذي كان يفترض أن يعرض في بيروت للأطفال قبل مده، تم منعه لمن هم دون 18 سنة. أي أن مسرحية كانت تجوب في البلاد، وجدناها حين وصلت إلى بيروت، لا تستطيع أن تكون متاحة للجمهور الذي أتت من أجله».
وبدءًا من صباح اليوم، تفتتح سلسلة ندوات وجلسات نقاش تطرح مقاربات متنوعة ومتعددة تتمحور حول حرية التعبير وحول أشكال الرقابة المتعددة، كما سوف يتم التطرق إلى جوانب أخرى من العمل الثقافي كحرية تنقل الفنانين في المنطقة والسياسات الثقافية ودور التمويل في الحد أو في إطلاق العنان لحرية التعبير وإبداء الرأي.
والهدف هو الحوار حول إمكانية توسيع مساحة الحرية في وقت تعاني منه المنطقة، والتعبير الفني والثقافي بشكل خاص من ضغوطات سياسية ودينية وحتى اجتماعية.
برنامج اليوم حافل، إذ تعقد جلسة افتتاحية تقدم فيها شهادات وآراء حول حرية التعبير، تشارك فيها الممثلة والكاتبة المسرحية التونسية جليلة بكار، والناشطة المصرية بسمة الحسيني، والروائي والصحافي اللبناني حسن داود، والممثلة اللبنانية كارول عبود، وتومس أنجل من المعهد الدولي للمسرح في ألمانيا، وعادل السعدني من المغرب، ويدير الجلسة الأكاديمي والباحث السوري حسّان عباس.
كما يتضمن اليوم لقاء مع الفنان المسرحي اللبناني لوسيان بورجيلي الذي له باع طويل مع الرقابة، ومنعت له مسرحيتان، إحداهما «بتقطع ما بتقطع» التي سيقدم مقاطع منها. وهناك جلسة حول «السياسات الثقافية والتعاون الدولي في العالم العربي»، يتحدث خلالها السوري عبد الله الكفري، الجزائري عمار كساب، من «بنك التنمية الأفريقي»، والمحامي محمود عثمان من مؤسسة حرية الفكر والتعبير في مصر، ومحمد الدراجي، من «المركز العراقي للفيلم المستقل»، ومحمد الأمين مومين، من «المركز الثقافي مولاي رشيد» - جامعة حسن الثاني، المغرب، ونادية فون مالتزاهان، من «المعهد الألماني للأبحاث الشرقية»، في لبنان. وتدير الجلسة رنا يازجي من «المورد الثقافي» في لبنان.
الجلسات تستمر حتى المساء، وهي متنوعة، حيث هناك لقاء مع فنانين، يتحدثون عن مشاريع حالية لهم، يعطى لكل منهم ثماني دقائق، وجلسة عن «استعادة الحيز العام» الذي بدأ يضيق ويتم اختلاسه من أيدي المواطنين، ويشارك في الجلسة فنانون ومعماريون، ويديرها الزميل والناقد بيار أبي صعب. وكذلك جلسة مع نضال الأشقر، مؤسسة ومديرة مسرح المدينة للتعريف بالمسرح ونشاطاته المرتقبة.
ومساء تقدم التونسية جليلة بكار مسرحية تتحدث عن العنف الذي رافق الربيع العربي، ولا يزال في تصاعد، هذا عدا الهروب في المراكب إلى الجهة الأخرى من المتوسط، وهو عنف آخر، وانتحار ذاتي.
وخلال أربعة أيام تستمر اللقاءات والحوارات والعروض، وثمة جلسة لا بد أنها ستكون شائقة وحساسة في اليوم الثاني عن التمويل هل هو صديق أم عدو لحرية الفنون؟ خصوصا في ظل التمويلات الأجنبية المتزايدة للأنشطة الثقافية في العالم العربي، وجلسة في اليوم الثالث عن تجوال الفنانين في العالم العربي، هل يمكن للشبكات أن تكسر هذه العقبة؟ وغيرها عن «التحالفات بين الفنون».
وهناك خلال الأيام المقبلة عرض لمسرحية «مساحات دموعنا» لفرقة كهربا. «والكرفانة»، وهو من عروض الشارع. وكذلك «جوغينغ»، وهو عمل قيد التطوير للمسرحية حنان الحاج علي.
أربعة أيام حافلة ستكون مهمة لكل المعنيين بالفن الأدائي وحرية التعبير في لبنان والمنطقة، خصوصا أن هذه الأنشطة تم دعمها من قبل «الشبكة الدولية لفنون الأداء المعاصرة»، بناء على طلب من فنانين لبنانيين، وبدأ التحضير له منذ عدة سنوات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».