نادية دو موند: حدود الهيمنة الذكورية

أين أصاب إنجلز في حكمه على مجتمعات ما قبل التاريخ وأين أخطأ؟

نادية دو موند: حدود الهيمنة الذكورية
TT

نادية دو موند: حدود الهيمنة الذكورية

نادية دو موند: حدود الهيمنة الذكورية

سنسلط الضوء في هذا المقال، على جانب من جوانب فكر نادية دو موند، كواحدة من أبرز نساء اليسار الإيطالي، الأكثر دفاعًا عن نسوانيَّة ديناميَّة قادرة على الرقي بالوضع النّسائي نحو التحرُّر. مُدافعة شرسة عن مجتمع المساواة بين الرجل والمرأة، في سبيل تحرير المجتمع المعاصر من كل أنواع وأشكال الأبويَّة: كيف تفهم نادية دو موند إذن المجتمع الذكوري؟ هل هناك تغييرات جذريَّة في التحليلات الأنثربولوجيَّة التي أتحفنا بها منظرو القرن التاسع عشر لأصل المجتمعات البشريَّة؟
لمقاربة موضوع الذكوريّة، تنطلق نادية دو موند من سؤال مهم: هل كانت الهيمنة الذكوريّة موجودة دومًا في تاريخ البشريّة؟ يستوجب السؤال أعلاه، العودة إلى ما قبل التاريخ لدراسة عمليّة دقيقة، وذلك لتجاوز مجموع الأساطير التي تحبك ضد النساء، من قبيل أن «الرجل صياد بارع»: «طور خصائص فيزيولوجية ونفسيّة للهيمنة مثل: العدوان، المكر، التخطيط الاستراتيجي». لهذا تدعو إلى ضرورة فحص أمهات الكتب متسلحين بسؤال: هل كانت الهيمنة الذكوريّة موجودة دومًا؟
نعود، على الأغلب، في الأدب الماركسي، إلى الكتاب المهم لفريديريك إنجلز في نهاية القرن التاسع عشر: «أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة». لم يكن فريديريك إنجلز متفقًا مع كون فكرة اللامساواة (الاستغلال، الجور) بين الأشخاص موجودة دومًا. فبناء على الدراسات الأنثروبولوجيّة الأولى للويس مورغان، اتفق إنجلز مع فرضيّة وجود مجتمع بدائي مبني على المساواة، المشاعيّة وانعدام الطبقات، يسميه «الشيوعيَّة البدائيَّة» (أو المشاعيَّة البدائيَّة)، التي لم تكن فيها المرأة تابعة في وضعها إلى الرجل. كان إنجلز بحق، يفكر على العكس تمامًا، بأن هذه المجتمعات كانت أموميّة، حيث أسست النّساء نواة العشيرة، وكن من يُحدِّدن النَّسل. وبالتالي يتمتعن بسلطة واسعة وباحترام كبير من قبل الرجال. وقد بيّنت الدراسات الأنثروبولوجيّة الحديثة، خطأ هذه الفكرة، بحيث لا يمكن الحديث عن مجتمعات أموميّة، وإنما عن عصر أمومي؛ إذ لا يمكن الحديث عن نظام أمومي حقيقي، حيث يخضع الرجال للنساء، ليس فقط من حيث إن لهن دورًا مهمًا داخل تقسيم العمل، وفي الاقتصاد المنزلي، أو في اتخاذ قرارات تتعلق بالعمل المنزلي (كما اليوم على سبيل المثال عند قبائل الموسو في الصين)، وإنما حينما تخترق سلطتهن الفضاء العمومي والعلاقات الخارجيّة؛ حينما يتخذن قرارات مهمة تتعلق بالجماعة، ومنها أساسًا سلطة معيرة - ضبط ومراقبة السلوك الجنسي لدى الرجال. ويقود هذا أيضا، إلى سلطة تحديد القيم والأنظمة الرمزيّة. هكذا ترى نادية، أن إنجلز قد فشل وأخطأ في حكمه على مجتمعات ما قبل التاريخ لهذا الاعتبار. غير أن خطأه لا يعني بطلان المنهجيّة التي استخدمها، والتي نلخصها فيما يلي:
أولا: ربط وضعيّة النساء بالسيّاق المادي، الاقتصادي، والاجتماعي، وبالتقسيم الجنسي للعمل، وبمساهمة كل جنس في تغذية القبيلة، ثم وهذا مناسب تمامًا؛ بعد معرفة أن إعادة الإنتاج البيولوجي والاجتماعي كعامل ورهان، مهمين بالمقارنة مع الإنتاج المادي. إنه نقاش راهن في الحركة النسويّة وفي مدارس الماديّة الجدليّة التي تعيد النظر حاليا في قيمة العمل: الإنتاج وإعادة الإنتاج في الموجة الثالثة للرأسماليّة. وبحسب الدراسات الأنثربولوجيّة المعاصرة، يوجد في كل الحضارات المعروفة في التاريخ، شهادات مكتوبة حول اضطهاد النساء، ابتداء من 1500 سنة قبل الميلاد. ولهذا تفحص نادية مرحلة ما قبل التاريخ، والتي تمتد ما بين 35 ألف و6000 سنة قبل الحضارات، والمُسمَاة بالعصر الحجري القديم جدًا، حيث لا توجد لدينا أي شهادات مكتوبة. كيف حدد المؤرخون والأنثروبولوجيون هذه المرحلة؟
تستند نادية على قول ج. ليرنر: «نربط بين القطع (أدوات، مقابر، فخار، ما تبقى من المباني، هياكل عظمية..) والأساطير التي وصلتنا شفويًّا، ونقارنهُ مع ما نتعلمه من الشعوب البدائيّة التي ما تزال موجودة اليوم». ليس لدينا إذن أدلة دامغة، بل نقدم فقط افتراضات، ونحاول بفضل هذه الدراسات العلميّة القيام بتغذيَّة الماديّة التاريخيّة، بوضع نساء ورجال ما قبل التاريخ في سياق جغرافي وبيئي، حيث كانت المجتمعات البشريّة الأولى تتشكل من مجموعات صغيرة (عشائر، قبائل..) غير مهيكلة، بدويّة، مع تنظيم محكم للعمل. كانوا يعيشون من جني الثمار، وصيد الأسماك، والطرائد الصغيرة. وهو صيد يشارك فيه الجميع، ويستهلك الجميع كل ما يصطادونه، من دون أن يحصل هناك أي فائض.
بدأ أول تقسيم للعمل (احتمالاً) مع صيد الطرائِد الكبيرة - بالتزامن مع التطور التكنولوجي في إنتاج الأسلحة - الذي يتطلب ضرورة اللِّحاق بها لمدة طويلة، وأحيانا غياب غير متوقع، وهو ما يصعب التوفيق بينه وبين الحمل والرضاعة. هذا ناهيك عن أن النِّساء يتفرغن لإعادة الإنتاج الطبيعي للعَشِيرة، ومن غير المناسب وضع حياتهن في خطر.
بدأ تقسيم العمل وظيفيًّا، ولا يرتبط «بالقدرات الفيزيائيّة»؛ ففي الواقع، هناك، على سبيل المثال، مشاركة الإناث العازبات، واللَّواتِي ليس لدينهن أطفال، في الصيد. لا تلغي الفروق الجنسيّة المساهمة المشتركة لكلا الجنسين في الحفاظ على بقاء الجماعة، كما لا تقلل من قيمة جنس على جنس آخر. وأكثر من ذلك، ففي معظم مجتمعات الصيد وجني الثمار، في الحاضر كما في الماضي، لا يمثل الصيد إلا نشاطًا مساعدا وعرضيًا؛ حيث تساهم النساء بـ60 في المائة من الغذاء. وللقيام بذلك، عليهن أن يتحركن على مساحات كبيرة من الأراضي حاملين معهن أطفالهن. وتتطلب أنشطتهن المتنوعة معرفة عميقة بالوسط، وبالنباتات والمناخ، وبخصائصها الغذائيّة والطبية: الحفاظ على النار، اختراع الأواني وامتهان الفخار، ناهيك عن كل الأعمال المرتبطة بالطرائد الكبيرة التي يجلبها الرجال في الصيد (الطبخ، الحفاظ على المؤونة، الخياطة..).
هناك شيئان أسهما بشكل أساسي، في ضمان بقاء القبيلة: إنتاج الغذاء، وإعادة الإنتاج الطبيعي، حيث لعبت النساء دورًا قياديا، في علاقة غامضة بالحياة وبالموت. لقد وجدن في مختلف الأماكن مجموعة من تماثيل «الأُمهَات الإله» التي تشهد على عبادة النِّساء اللَّواتِي يتمتعن بالقدرة على إعادة الإنتاج، وبالاحترام خِشية من سلطة المرأة التي يمكن أن يستوحيها الرجال.
تخلص س. كونتز إلى القول: «أكدت الدراسات الراهنة صحة استنتاجات إنجلز: لقد كانت العلاقات بين الجنسين متكافئة - المساواة في مجتمعات الصيد والجني البدائيّة، في حين يزداد وضع المرأة تفاقمًا مع ظهور التفاوت الاجتماعي والملكيّة الخاصة والزراعة والدولة».
وفي بحثها للحقبة الرَّاهِنة، حيث تسيطر الرأسماليّة العالميّة على كل العالم، ترى أن النِّساء يستعملن كجيش احتياطي للصناعة (ماركس) في الاقتصاد الرأسمالي - يدمج في فترات التوسع الاقتصادي، ولكن يسرح في فترة الانكماش الاقتصادي أو فترات الأزمة. ويتم تبرير هذه الممارسة بفكرة آيديولوجيّة، مفادها أن الرجل هو من يلبي أساسًا حاجيات الأسرة، وأن المكان الطبيعي للمرأة هو المنزل كربة بيت. كما تستخدم النساء مكان قوة العمل الذكوريّة لأضعاف الطبقة العاملة وتقسيمها. كما تستعمل النساء بطبيعة الحال، في أقسام «ضعيفة»: «هامشيّة» من الطبقة العاملة، كما هي حال المهاجرين. ويؤدي ذلك إلى اشتغال النساء بأجور زهيدة، وفي ظروف عمل جد هشة، ليتمكنّ من الجمع بين الشغل من أجل السوق، وبين مهام إعادة الإنتاج الأسري. وهو ما يؤدي إلى وظائف غير مضمونة ومؤقتة، ومعاش بئيس. وبالجملة، تجد النساء في وضعية استقلال اقتصادي جزئي بالمقارنة مع الرجال.
نشهد حاليًا، تأنيثًا حقيقيًا لعالم الشغل. وهذا لا يعود إلى الزيادة القويّة في عدد النساء النشيطات في الاقتصاد في العقود الأخيرة، وفي كل العالم الرأسمالي المعولم، وإلى استعمال ما يسمونه تأنيث الشركات: القدرة على ربط العلاقات والتواصل، الاهتمام والعناية بالمهمة، التفاني، اللّيونة، الانصياع كطباع.. الاندماج الهش في عالم الشغل؛ ارتباط ليِّن بالشركة؛ ساعات عمل متغيرة في خدمة الشركة بين وقت العمل وانشغالاتها (وقد تصحب معها العمل إلى المنزل). لقد صار هذا نموذجًا لجميع الأجراء رجالاً ونساء. إننا نتحدث عن استغلال مزدوج للنساء اللواتي يزاولن عملاً مأجورًا.
تعرج نادية على الإشارة إلى مقاربة مهمة لتيار جديد من النسويّة نسميه نسويّة العناية، حيث الاهتمام متزايد بوضع النّساء في عالم الشغل، كساعات الرضاعة، للتخفيف من حدة التوتر جراء العمل وللزيادة في المردودية. ويجري الشيء نفسه بخصوص القروض الصغرى، حيث تعمد الرأسماليّة إلى انسحاب الدولة من مسؤوليتها اتجاه مواطنيها، من خلال تحميلهم المسؤولية في ضمان عملية إعادة الإنتاج. فعلى الفرد وخاصة النّساء، اللّواتي يزاولن عملاً اجتماعيًا غير مؤدى عنه، أن يتحملن المسؤولية في إعالة أسرهن، لذلك تُقدم لهن قروض بشعة بدعوى التنمية الذاتيّة والمستدامة. إنه استعباد جديد ما بعده استعباد.
ولهذه «العناية» تأثير حقيقي على ولوج النساء للمجال العمومي. ففي بلدان أفريقيا الشماليّة وفي أغلب دول الخليج والشرق المتوسط ما تزال النساء مقصيات من العملية السيّاسيّة ومحرومات من حقوقهن الدستوريّة، ويتعرضن لكل أشكال الاضطهاد في المجال العام. فإذا استطاع الجيل الأول من الحركة النسويّة في عشرينيات القرن الماضي، انتزاع مكاسب المشاركة السيّاسيّة: الحق في التصويت (حصل في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية)، وفي ولوج المؤسسات العموميّة، كما هي الحال في أوروبا مثلا، فإن ذلك الولوج لا يزال ضعيفا حتى في المجتمعات الغربية، لأن عدد النساء في الحكومات والبرلمانات والمجالس الجهويّة والإقليميّة، ما يزال محتشمًا بالمقارنة مع حضور الرجال.
توهمنا الليبرالية أن ولوج النساء للفضاء العام، قد تحقق بشكل يخدم المساواة. ولكن في حقيقة الأمر، لا تزال النساء حبيسات المنازل كرقم مهم في عملية إعادة الإنتاج، وفي العمل الاجتماعي غير المؤدى عنه.



الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي
TT

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

تصدر قريباً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي كمال سبتي (1955 - 2006)، أحد أهم شعراء ما عُرف بجيل السبعينات في العراق. متضمنة ثمانية دواوين، مستهلةً بديوان «وردة البحر ـ 1980»، ومختتمةً بـ«صبراً قالت الطبائع الأربع ـ 2006». هنا نص مقدمة هذه الأعمال التي ستصدر عن «دار جبرا للنشر والتوزيع ـ الأردن»، وبالتعاون مع «دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر - لبنان».

وقد كتب مقدمة المجموعة الكاملة الشاعر العراقي باسم المرعبي، التي جاءت بعنوان «كمال سبتي... المرافعة عن الشعر» ويقول فيها:

«يحتاج شعر كمال سبتي، بالمجمل، إلى جَلَد عند قراءته، فهو على نقيض الكثير مما هو شائع من تقنيات شعرية تعتمد البساطة والعفوية والمباشرة، مع عدم تسفيه هذه النزعات الأسلوبية، طالما أن الشعر كقيمة وجوهر يبقى مُصاناً، غير منتهَك به. على أنّ إشاحة الشاعر عن مثل هذا الاتجاه ومخالفته، لم يجعل شعره غامضاً أو عصيّاً.

شعر مثقل بالمعنى ومزدحم به، لأنه ذو مهمة توصيلية، وهو يتطلب إصغاءً وإعمال فكر. والقصيدة لدى كمال معمار ذهني - فكري ونفسي، في الآن ذاته، يستمدّ فيها الشاعر مادته من مغاور النفس والسيرة الشخصية، فضلاً عن استثمار راهن التجربة الحياتية، مشظّياً كلّ ذلك في النص، صراحةً أو رمزاً. دون أن يستثني مادة الحلم من استثماره الفني والموضوعي، وهو ما يُتبيَّن أثره في نصوصه، لا سيّما النصوص النثرية الطويلة، المتأخرة، ليتصادى ذلك مع قراءات الشاعر في الرواية أو اعتماده السينما مصدراً مفعّلاً في كتابته الشعرية. وعن هذه الأخيرة قد أشار إلى ذلك الشاعر نفسه في واحد من الحوارات التي أُجريت معه، ليرقى كلّ ذلك إلى أن يكون جزءاً عضوياً من تجربته الحياتية، الذهنية هذه المرة، مُسقَطة بالمحصلة على القصيدة، لتنعكس خلالها حركةً وتوتراً درامياً. وهو ما ينسحب بالقدر ذاته على نزوع الشاعر في سنواته الأخيرة إلى قراءات في التصوف والقرآن والتراث، ما نجمَ أثره بشكل جلي، في مجموعته الأخيرة «صبراً قالت الطبائع الأربع»، وإلى حد ما في المجموعة السابقة لها. وهو فارق يلمسه القارئ، إجمالاً، بين المنحى الذي اتخذه شعر كمال سبتي في السبعينات أو الثمانينات وما صار إليه في التسعينات وما بعدها. وعلى الرغم مما ذهب إليه الشاعر من مدى أقصى في التجريب الكتابي مسنوداً برؤية يميزها قلق إبداعي، شأن كلّ شاعر مجدّد، إلا أنه وبدافع من القلق ذاته عاد إلى القصيدة الموزونة، كما تجسد في كتابيه الأخيرين. وكان لقراءاته المذكورة آنفاً، دورها في بسط المناخ الملائم لانتعاش هذه القصيدة، ثانيةً، وقد بدت محافظة في شكلها، لكن بالاحتفاظ بقدر عال ورفيع من الشعرية المتينة، المعهودة في شعر كمال سبتي، وبدافع من روح المعنى الذي بقي مهيمناً حتى السطر الأخير، لأن الشعر لديه مأخوذ بجدية حدّ القداسة، وهو قضية في ذاتها، قضية رافع عنها الشاعر طوال حياته بدم القلب.

تصدر هذه الأعمال في غياب شاعرها، وهو ما يجعل من حدث كهذا مثلوماً، إذ عُرف عن كمال اهتمامه المفرط بنتاجه وتدقيقه ومتابعته، واحتفائه به قبل النشر وبعده، لأن الشعر كان كل حياته، هذه الحياة التي عاشها شعراً. فكم كان مبهجاً، لو أن مجموع أعماله هذا قد صدر تحت ناظريه.

ولأهمية هذه الأعمال وضروة أن لا تبقى رهينة التفرّق والغياب، أي في طبعاتها الأولى المتباعدة، غير المتاحة للتداول إلّا فيما ندر، ولأهمية أن تأخذ مكانها في مكتبة الشعر، عراقياً وعربياً، كانت هذه الخطوة في جمعها ومراجعتها وتقديمها للنشر. وقد كان لوفاء الصديق، الفنان المسرحي رياض سبتي، لشقيقه وتراثه الشعري، دوره الحاسم في حفظ مجموعات الشاعر، ومن ثمّ إتاحتها لكاتب سطور هذه المقدمة، حين تم طرح فكرة طباعتها ونشرها، إسهاماً في صون هذا الشعر وجعله قابلاً للانتشار من جديد، بما يجدر به».

من المجموعة الكاملة:

«الشاعر في التاريخ»

الرجل الجالسُ في المكتبة

مورّخٌ يكتبُ عن شاعرٍ

الرجل الهاربُ في سيرةٍ

مشرّدٌ في الليل كالليلِ

رغيفهُ باردْ

رغيفهُ واحدْ

عنوانه مصطبة

محطّةٌ مغلقةُ البابِ

الرجلُ الخائفُ في سيرةٍ

يغيّر الشكلَ تباعاً، فمرّةً

بلحية كثةٍ

ومرّةً بشاربٍ، ثمّ مرّةْ

بنصفِ قلبٍ حائرٍ في الطريقْ

يسيرُ فوقَ جمرةٍ، ثمّ جمرةْ

تلقيه فوقَ جمرةٍ، في الطريقْ.