آخر مستشفيات حلب العاملة لا تتسع للمرضى وعدد ضحايا القصف الجوي يتخطى قدرتها الاستيعابية

المرصد لـ«الشرق الأوسط»: الأطباء عاجزون عن علاج المئات

إنفوغراف يبين استشهاد 4237 سوريًا جراء غارات الطيران الروسي خلال عام من التدخل الروسي العسكري في سوريا (تجمع ثوار سوريا)
إنفوغراف يبين استشهاد 4237 سوريًا جراء غارات الطيران الروسي خلال عام من التدخل الروسي العسكري في سوريا (تجمع ثوار سوريا)
TT

آخر مستشفيات حلب العاملة لا تتسع للمرضى وعدد ضحايا القصف الجوي يتخطى قدرتها الاستيعابية

إنفوغراف يبين استشهاد 4237 سوريًا جراء غارات الطيران الروسي خلال عام من التدخل الروسي العسكري في سوريا (تجمع ثوار سوريا)
إنفوغراف يبين استشهاد 4237 سوريًا جراء غارات الطيران الروسي خلال عام من التدخل الروسي العسكري في سوريا (تجمع ثوار سوريا)

أربع حالات وفاة لمرضى في مدينة حلب سجلت خلال الأسبوعين الأخيرين، إثر عجز المستشفيات الميدانية عن استقبال حالات مرضية، بعدما فاقت أعداد الجرحى الذين يُنقلون إلى المستشفيات الميدانية القدرة الاستيعابية لتلك المستشفيات. فالقصف لم يترك مجالاً لمعالجة المرضى، وحوّل الأولويات باتجاه المصابين جراء القصف، رغم حاجة 250 ألف مدني في أحياء حلب الشرقية للعلاج، كما يؤكد ناشطون سوريون.
وقاد هذا الواقع الأمم المتحدة للتأكيد على أن الغارات الجوية على مستشفيات في مدينة حلب السورية، تسببت في جعل الرعاية الطبية للمواطنين هناك على حافة الانهيار التام.
وبحسب بيانات الأمم المتحدة، أصيبت ثلاث مستشفيات على الأقل، من بينها مستشفى مخصص للأطفال.
وقال ناشطون سوريون إن الهجوم الجوي الذي تشنه الطائرات الحربية السورية والروسية على أحياء حلب منذ أكثر من أسبوع، تواصل أمس. وقد ارتفع عدد القتلى في حلب بعد انهيار الهدنة، الأسبوع الماضي، إلى أكثر من 250 قتيلا، وأصيب المئات جراء استمرار القصف، وهو ما رتّب ضغطًا إضافيًا على المستشفيات الرئيسية البالغ عددها ثلاث مستشفيات.
وقالت مصادر معارضة في حلب، لـ«الشرق الأوسط»، إن أعداد الجرحى الكبيرة حرمت المرضى من فرصة العلاج، وحتى المصابين بإصابات لا يستطيعون تحملها لا يحظون بالعلاج الفوري. فهناك أولويات، وغالبًا ما تكون للإصابات الخطيرة. أما المدنيون المرضى الذين يعانون من حالات طارئة، فإنهم غالبًا ما يتلقون العلاج لأن ذلك من الأولويات أيضًا. وهناك 35 طبيبًا فقط في أحياء حلب الشرقية يقدمون الرعاية الصحية للجرحى. ورغم غياب أطباء مختصين بالأوعية، فإن أطباء آخرين يتكفلون بالمهمة، ويجرون عمليات جراحية مستعجلة. ويحتاج هؤلاء إلى المستلزمات الطبية والجراحية لعلاج مئات الجرحى من السكان المحاصرين الذين يعالجون في مراكز مؤقتة شيدت تحت الأرض، خوفًا من الغارات الجوية والقصف المتواصل.
وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأطباء الذين لا يزالون في حلب «غير قادرين على معالجة المئات من الجرحى دفعة واحدة»، مشيرًا إلى أن المستشفيات الميدانية الباقية «تخطت أعداد المصابين قدرتها الاستيعابية»، مؤكدا أن المخزون من الأدوية واللوازم الطبية «شارف على الانتهاء، في ظل الحصار المفروض على المدينة».
وفي تقرير نشره أمس، قال المرصد السوري إن الطائرات لم تتوقف عن تضييق الخناق على المدنيين السوريين، وقطع أملهم في إيجاد سبيل للحياة داخل الأحياء الشرقية من مدينة حلب، حيث جرى القصف عن سابق إصرار وترصد من النظام وروسيا لسبل العيش كافة، حيث بدأت باستهداف المشافي الموجودة في مدينة حلب التي تقوم بإسعاف المواطنين الجرحى الذين يصابون تباعًا نتيجة استمرار الضربات الجوية الروسية المكثفة منذ انهيار الهدنة.
ووثق المرصد استهداف الطائرات الروسية لمشافٍ في القسم الشرقي من مدينة حلب، إما بشكل مباشر أخرج المستشفى عن العمل، أو عبر استهداف محيط المستشفى، مما تسبب كذلك في أضرار مادية ببعض المشافي نتيجة ضغط الانفجار الذي يتم عبر استخدام الطائرات الروسية لقنابل ارتجاجية تتسبب في انهيار مبان بأكملها على رؤوس ساكنيها.
وقال المرصد إن من بين تلك المستشفيات مستشفى عمر بن عبد العزيز في حي المعادي الذي استهدف بقصف صاروخي بري من قوات النظام، ومستشفى شوقي هلال في حلب القديمة، ومستشفى الدقاق بحي الشعار، ومستشفى الصاخور بمدينة حلب، مما أسفر عن تدمير بعضها وخروجها جميعًا عن العمل، مشيرا إلى أن القصف «قلص بشكل كبير القدرات الطبية على إسعاف الجرحى، وهذا ما حاولت القوات الروسية الوصول إليه».
وإزاء هذا الواقع، حذر رئيس مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبريان، في بيان له أمس، من أن المدنيين الذين يتعرضون للقصف في شرق حلب يواجهون «مستوى من الوحشية يجب ألا يتعرض له أي إنسان»، مجددا المطالبة بتخفيف معاناة نحو 250 ألف شخص في شرق حلب، وداعيا إلى «العمل العاجل لإنهاء الجحيم الذي يعيشون فيه»، وشدد أوبراين على أن هناك نقصا في كل مكان في الأدوية، مؤكدا: «إننا في سباق مع الزمن».
وغداة استهداف أكبر مستشفى في شرق المدينة، للمرة الثانية في غضون أيام، أشار أوبريان إلى أن «نظام الرعاية الصحية في شرق حلب دمر بشكل شبه تام»، متابعا: «المرافق الطبية تقصف واحدا بعد الآخر}، داعيا الأطراف المتحاربة إلى السماح على الأقل بعمليات إجلاء طبية لمئات المدنيين الذين هم في أشد الحاجة إلى الرعاية.
وتعرض مستشفى «إم 10» للقصف ببرميلين متفجرين على الأقل، السبت، وفق ما أعلنه زاهر سحلول، المسؤول في الجمعية الطبية السورية الأميركية التي تقدم الدعم للمستشفى.
كانت منظمة «أطباء بلا حدود» قد دعت، الجمعة الماضية، النظام وروسيا إلى «وقف حمام الدم» في حلب التي تتعرض لغارات كثيفة. وقال مدير العمليات في المنظمة خيسكو فيلالونغا، في بيان، إن «كل حلب تحولت إلى هدف ضخم»، داعيا «الحكومة السورية وحلفاءها إلى وضع حد لأعمال القصف التي تغرق المدنيين في حمام من الدم»، ومضيفا أن «طائرات التحالف الذي تقوده سوريا تقوم بإسقاط سيل من القنابل على المدينة»، مطالبا الحكومة السورية بوقف «أعمال القصف المنظمة»، ومعتبرا أن «روسيا، بوصفها حليفا سياسيا وعسكريا لا غنى عنه لسوريا، تقع على عاتقها مسؤولية ممارسة نفوذها لإنهاء ذلك».
ونقلت المنظمة عن مديرية الصحة في شرق حلب قولها إن مستشفيات المدينة التي لا تزال تعمل استقبلت بين 21 و29 سبتمبر (أيلول) أكثر من 822 جريحا، بينهم 221 طفلا على الأقل، و278 جثة، بينها 96 لأطفال.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم