الطيران الروسي يستكمل تدمير حلب وقوات النظام تتقدم على محورين

خبراء عسكريون: التهديد الأميركي جدي وسيترجم بتسليم المعارضة السورية أسلحة متطورة

سوريون يمرون فوق ركام بناية تعرضت لقصف جوي في حلب (رويترز)
سوريون يمرون فوق ركام بناية تعرضت لقصف جوي في حلب (رويترز)
TT

الطيران الروسي يستكمل تدمير حلب وقوات النظام تتقدم على محورين

سوريون يمرون فوق ركام بناية تعرضت لقصف جوي في حلب (رويترز)
سوريون يمرون فوق ركام بناية تعرضت لقصف جوي في حلب (رويترز)

بقيت الأحياء الشرقية في مدينة حلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية هدفًا مباشرا لغارات الطائرات الروسية والنظامية. ولقد استفادت قوات النظام وحلفاؤها من الغطاء الجوي الروسي، ونفّذت هجومًا على محاور عدّة، حققت خلاله تقدمًا ملحوظًا في شمال المدينة ووسطها على حساب الفصائل المعارضة، لكن خبراء توقعوا تبدلاً في المشهد السوري، ولا سيما في حلب، بعد التهديد الأميركي بوقف التعاون مع روسيا، وطلب الرئيس باراك أوباما من القيادات العسكرية والأمنية «بحث كل الخيارات الممكن اللجوء إليها»، ورأى هؤلاء في الموقوف الأميركي الجديد «مؤشرًا على ضوء أخضر من واشنطن، بتزويد المعارضة بأسلحة نوعية ومتطورة، أبرزها صواريخ مضادة للطائرات، لمواجهة الوضع القائم».
على الصعيد الميداني، أعلنت وكالة الصحافة الفرنسية «أ.ف.ب»، أن «قوات النظام السوري وحلفاؤها تمكنوا الجمعة (أمس)، بدعم من الطائرات الروسية، من التقدم على محورين في شمال المدينة ووسطها، بعد ثمانية أيام على بدء هجوم واسع من أربعة محاور، هدفه السيطرة على الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة». وأعلنت الوكالة أنه «رغم اشتداد المعارك، فإن الأحياء الشرقية شهدت الليلة الماضية تراجعًا في القصف الجوي». وقال مصدر عسكري تابع للنظام للوكالة الفرنسية، إن جيش النظام وداعميه «تمكنوا من السيطرة على عدد أبنية في حي سليمان الحلبي، ويواصل تقدمه باتجاه محطة ضخ المياه المعروفة التي تحمل اسم الحي وتغذي معظم أحياء المدينة».
هذا التقدّم لم ينفه مصدر عسكري في المعارضة السورية، لكنه أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «النقاط التي يصل إليها النظام لا يستطيع أن يثبت فيها؛ إذ سرعان ما ينسحب منها تحت كثافة نيران الثوار». وأشار إلى أن «الهجوم البري لنظام الأسد وحلفائه لم يحقق أي نتائج، باستثناء إعادة السيطرة على مخيم جندرات الذي لن يدوم طويلاً». وقال المصدر العسكري، الذي رفض ذكر اسمه، إن «من يقلب موازين القوى هو سلاح الطيران الذي يفتك بالمدنيين، ويدمر المباني السكنية والمشافي على رؤوس من فيها». وأضاف: «لو كان لدينا بضع صواريخ مضادة للطائرات، لما تجرأت طائرة معادية على التحليق فوق حلب». وقلل المصدر من أهمية التهديد الأميركي، وقال «لا نراهن لا على الأميركيين؛ لأنهم شركاء مع الروس والنظام في سفك الدماء التي تسيل في سوريا».
وحول المعارك أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن «سيطرة قوات النظام على منطقة مشفى الكِندي في شمال مدينة حلب، الذي كان تحت سيطرة الفصائل المقاتلة منذ نهاية عام 2013». وهذا التقدم هو الثاني بعدما استعادت قوات النظام المدعومة بالميليشيات الخميس السيطرة على مخيم حندرات، الواقع شمال غربي حلب، الذي يشهد منذ أسابيع معارك عنيفة. وقال مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن، إن «سيطرة قوات النظام على هذه المنطقة، تتيح لها التقدم أكثر إلى أحياء المعارضة، وتحديدا إلى الهلك والحيدرية من جهة الشمال»، مشيرًا إلى أن «معارك عنيفة دارت بين الطرفين في حي سليمان الحلبي، حيث تمكنت قوات النظام من تحقيق تقدم بسيط»، مؤكدًا أن قوات الأسد «تتبع سياسة القضم، في محاولة للسيطرة على الأحياء الشرقية». وللعلم، وتتقاسم قوات النظام والفصائل المعارضة السيطرة على حي سليمان الحلبي منذ عام 2012، وتسيطر الأخيرة على محطة المياه. وعمدت الفصائل الأسبوع الماضي إلى وقف العمل فيها؛ ما حرم سكان الأحياء الغربية من المياه، احتجاجا على أضرار نتيجة القصف لحقت بمحطة باب النيرب التي تغذي الأحياء الشرقية، قبل أن يعاد تشغيلهما.
إلى ذلك، أعلن الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني العميد إلياس حنا، أن «التهديد الأميركي بوقف التعاون مع الروس، ليس إلا وسيلة ضغط لجرّ موسكو إلى طاولة المفاوضات، لكنه لن يغيّر الواقع على الأرض». وقال حنّا لـ«الشرق الأوسط» إنه من الواضح اليوم أن الجانب الروسي «مرتاح في سوريا، لكن ذلك لا يعني أنه قادر على الانتصار؛ لأنه يستحيل على أي فريق، أن يحقق نصرًا كاملاً في كل سوريا»، داعيًا إلى «توجيه الأنظار إلى جبهة الجنوب في درعا والقنيطرة، وإلى ترقّب ما قد تقدم عليه إسرائيل».
ولئن كان للتراجع الأميركي تأثير سلبي جدًا، ذكّر حنّا بأنه «لم يسبق لرئيس أميركي في أيامه الأخيرة، أن استطاع فرض واقع معين على رئيس جديد لا يرغب فيه»، معتبرًا أن المنطقة بما فيها سوريا «في مرحلة ضبابية؛ ولذلك لن يتخذ أوباما قرارًا كبيرًا»، لكنه نبّه إلى أن «اللاعبين في سوريا باتوا كثرًا، وقد نشهد تبدلاً في سياسيات بعض الدول تجاه الحرب السورية».
أما الخبير العسكري والاستراتيجي العميد إلياس فرحات، فكانت له مقاربة مختلفة؛ إذ رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «القرار الأميركي بوقف التعاون مع روسيا في سوريا، يعني أن الحرب ستكون طويلة ومكلفة جدًا». ورأى أن «طلب الرئيس باراك أوباما من القيادات الأمنية والعسكرية بحث الخيارات غير الدبلوماسية في سوريا، ينطوي على تهديد جدي، بأن واشنطن بدأت تغيّر سياسيتها». وإذ استبعد فرحات أي تدخل أميركي مباشر في هذه الحرب، رأى أن كلام أوباما «يعني أن الإدارة الأميركية اتخذت قرارًا بتسليح المعارضة السورية بأسلحة نوعية ومتطورة، منها مضادات للطائرات، وصواريخ أرض - أرض، ودبابات حديثة». وتابع، أن «عشرات الدبابات الحديثة الروسية الصنع نقلت من ليبيا إلى تركيا، ومن المحتمل إدخالها قريبًا إلى سوريا وتسليمها للمعارضة»، لافتًا في المقابل إلى أن «روسيا بدورها نقلت طائرات حديثة إلى قاعدة حميميم الجوية».
ووفق حصيلة وزعها «المرصد» أمس (الجمعة)، فإن الغارات الروسية «تسببت منذ انطلاقتها في سوريا قبل سنة في 30 سبتمبر (أيلول) 2015، بمقتل 9364 شخصًا، بينهم 3804 مدنيين، منهم 906 أطفال دون الـ18 عامًا، وبإصابة عشرين ألف مدني على الأقل بجروح، إضافة إلى 2746 عنصرًا من تنظيم داعش، و2814 مقاتلاً من فصائل المعارضة المسلحة و(جبهة فتح الشام) والحزب الإسلامي التركستاني، ومقاتلين من جنسيات عربية وأجنبية». وأوضح عبد الرحمن، أن «الحصيلة هي نتيجة الغارات الروسية التي تمكننا من التأكد منها»، لافتا إلى أن «العدد قد يكون أكبر لوجود قتلى لم نتمكن من تحديد هوية الطائرات التي استهدفتهم».
وعمّا إذا كان الحظر الجوي أحد الخيارات الأميركية، استبعد العميد فرحات إمكانية «فرض الولايات المتحدة حظرًا جويًا فوق سوريا؛ لأن ذلك يعني مواجهة مباشرة مع روسيا»، لكنه لفت إلى أن «ما يعرف بالمنطقة الأمنية باتت قائمة في المناطق التي أصبحت تحت سيطرة القوات التركية بدءًا من جرابلس». ولم يجد فرحات أي عائق أمام إيصال الأسلحة النوعية إلى المعارضة، وقال «منذ سنة والروس يسيطرون جويًا في سوريا، ورغم ذلك لا تزال الأسلحة تصل إلى المعارضة». أما فيما يتعلّق بـ«الوضع الراهن» القائم حاليًا في حلب، فرأى أن «إمكانية السيطرة على حلب صعبة للغاية ومكلفة، والخسائر ستكون كبيرة جدًا». وحذّر من أن «المرحلة المقبلة لن تبقى السخونة فيها مقتصرة على حلب؛ فكل الجبهات السورية ستشتعل، وحلب ستكون مشهدًا في اللوحة السورية الكبيرة». وتوقف فرحات عند «أبعاد تشكيل جيش إدلب الحرّ، واستعراضه العسكري بأسلحة متطورة وصواريخ غراد؛ ما يعني أن الحرب مقبلة على تطورات دراماتيكية».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم