في عامه الـ90.. المخرج البولندي أندريه فايدا يقدم فيلمه الـ45

جرى اختياره ليدخل سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي

المخرج أندريه فايدا مع بطله في آخر أعماله «أفتر إيماج» بوغوسلاف ليندا -  لقطة من «أفتر إيماج»
المخرج أندريه فايدا مع بطله في آخر أعماله «أفتر إيماج» بوغوسلاف ليندا - لقطة من «أفتر إيماج»
TT

في عامه الـ90.. المخرج البولندي أندريه فايدا يقدم فيلمه الـ45

المخرج أندريه فايدا مع بطله في آخر أعماله «أفتر إيماج» بوغوسلاف ليندا -  لقطة من «أفتر إيماج»
المخرج أندريه فايدا مع بطله في آخر أعماله «أفتر إيماج» بوغوسلاف ليندا - لقطة من «أفتر إيماج»

اختارت «اللجنة البولندية للأوسكار» فيلم مواطنها أندريه فايدا الجديد «أفتر إيماج» ليدخل سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي. وفي بيان لها ذكرت أن المخرج «أتاح لها، عبر هذا الفيلم، إلقاء نظرة على الجمال والفن وكبرياء الفنان» وأشادت بروح الحكاية العالمية التي تلامس موضوع «محاولة تدمير الفرد لصالح النظام الشمولي».
«أفتر إيماج» سيكون الفيلم الثامن والأربعين الذي تضعه بولندا على أعتاب أكاديمية العلوم والفنون السينمائية، موزعة الأوسكار، منذ العام 1963 عندما تم اختيار الفيلم المبكر لرومان بولانسكي «سكين» للغاية ذاتها. من بين هذه النسبة من الأفلام التي تم اختيارها لدخول مسابقة أفضل فيلم أجنبي، نفذ عشرة أفلام إلى الترشيحات الرسمية، من بينها «آيدا» لباول باليكوفسكي الذي نال أوسكار الفيلم الأجنبي سنة 2014 وهو الأوسكار الوحيد الذي ناله فيلم بولندي حتى الآن.
* هيمنة
«أفتر إيماج» هو الفيلم التاسع والأربعون للمخرج فايدا الذي احتفل في شهر مارس (آذار) الماضي بعيد ميلاده التسعين، والذي كان بدأ حياته المهنية كمخرج أفلام طويلة سنة 1955 بفيلم «جيل» الذي شكّل سريعًا ثلاثية المخرج المهمّة حول فترة الحرب العالمية الثانية وهي تضم فيلمه الثاني «قنال» (1957) وفيلمه الثالث (والأشهر) «رماد وماس» (1958). لكن المخرج لم يكف عن العودة إلى التاريخ بعد ذلك والحرب العالمية الثانية كانت محور اهتمامه بكل ما شهدته من أحداث لم تترك تأثيرها على بولندا التي كانت أول بلد قام الجيش الألماني بغزوه واحتلاله في أوروبا وذلك في عام 1939.
لكن اهتمامات فايدا لم تنحصر في سرد ما شهدته البلاد تحت الاحتلال النازي، بل امتدت لتصوّر ما شهدته بعد ذلك تحت هيمنة النظام الشيوعي السابق. فيلمه الجديد، الذي سيعرضه مهرجان دبي في دورته المقبلة بعدما شهد عرضًا ناجحًا في مهرجان تورنتو، هو عودة للحديث عن تلك الفترة التي كان على الفنان فيها أن يختار بين أن يتنازل لصالح النظام أو يقاوم لصالح فنه وكبريائه كفنان.
إنها شخصية حقيقية تلك التي اختارها فايدا لفيلمه الجديد. الرسام البولندي فلادسلاف ستريمنسكي (1893 - 1952) الذي كان أحد الفنانين الطليعيين في العشرينات والثلاثينات، والذي حافظ على منهاجه حتى من بعد تحوّل بولندا إلى الشيوعية بعد الحرب. ليس هناك الكثير مما يذكره التاريخ حول كيف وقف ستريمنسكي في وجه النظام رافضًا أن يطوّع فنه ليخدم تيار الواقعية الاشتراكية التي كانت النظم الشيوعية في أوروبا الشرقية تؤثرها على باقي مناهج التعبير في السينما والرسم والأدب، لكن فايدا نكش الأرض بحثًا عن تفاصيل تلك العلاقة المتوترة بين الفنان والدولة وخرج بفيلم جيّد في شتّى جوانبه.
* عودة إلى التاريخ
في الواقع، شارك فايدا شخصية ستريمنسكي في بعض مناوشاته مع السلطات. لكن الحقيقة هي أن مناوشاته بدأت لا تحت الحقبة التي هيمن فيها النظام الشيوعي على البلاد، بل عندما بدأ التخلخل يتسرب إلى هيكله ونداءات التحرر من الهيمنة الستالينية بدأت تتعالى وتتبلور في العام 1980 عندما تم تشكيل «الاتحاد العمالي المستقل» ما أدّى بالسلطات إلى اللجوء للقانون العسكري في السنة التالية، الأمر الذي لم يثنِ الحركة عن مطالبها بالتحرر من مخلب السلطة الحاكمة، وهو ما تم لها بعد سنوات أدّت في النهاية إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد كان الأول من خارج النظام الحاكم وبداية لسبحة المتغيّرات التي عصفت بالنظم الأوروبية الأخرى.
تناول أندريه فايدا جوانب هذه الأحداث في فيلمه المعروف «رجل من حديد» سنة 1981 ثم عاد إلى مواضيع الفترة النازية لاحقًا مستندًا في «كورجاك» (1990) إلى سيناريو كتبته المخرجة أنييسكا هولاند عن شخصية البولندي هنريك غولدشميت (المعروف بيانوش كورجاك) الذي يُذكر بأنه خلص نحو مائتي طفل يهودي من المحرقة بإيوائهم في مدرسته.
بعد ذلك، بقي في رحاب التاريخ عبر بضعة أفلام مثل «آخر هبّة في ليتوانيا» و«الانتقام» وهو الذي كان خبر التجربة الفرنسية عندما قام بتحقيق فيلم «دانتون» عن الفترة التي تلت مباشرة الثورة الفرنسية، التي أقالت الملكة ماري أنطوانيت، وامتدت لعشر سنوات من الاضطرابات ما بين 1789 و1799.
عاد فايدا بعد ذلك إلى التاريخ البولندي القريب، ففي عام 2007، أخرج «كاتين» الذي دارت رحاه في سنة 1940 ليتحدث لا عن مذبحة هتلرية بل ستالينية. ففي ذلك التاريخ تم جمع وإعدام ألوف البولنديين من الجنود والمدنيين وإعدامهم في غابة «كاتين». بالطبع فايدا لم يكن ليقدر في الخمسينات والستينات والسبعينات على إخراج نصف ما قدّمه في الثمانينات وإلى اليوم، لأنه كان مضطرًا للانصياع تحت كاهل النظام القائم. لذلك، وفي حين يراه البعض متمرّدًا من عام 1981 وما بعد، يراه آخرون رجل مصالح التزم بالفكر السائد أيام الشيوعية ثم بالفكر السائد فيما بعد ذلك.
في «أفترإيماج» (والعنوان مقتبس عن حاضرات نظرية قدّمها سترسمنسكي) يقدّم لنا صورة فنان تشابه صورة أي فنان عاش تلك الحقبة من التاريخ، وحاول الحفاظ على نسبة من حريته الشخصية وكبريائه كفنان. ستريمنسكي (قام به بوغوسلاف ليندا) كان قاتل خلال الحرب العالمية الأولى وخسر يدا وساقًا. حين عاد من رحى المعارك بدأ الرسم التجريدي والطليعي ونال شهرته على هذا النحو. بعد الحرب العالمية الثانية صدرت تلك التشريعات التي كان الهدف منها توحيد كل مناهج التعبير لتخدم النظام. هنا يبدأ فيلم فايدا بدخول تلك المعاناة الفردية من تبعات تلك التشريعات ورفض الرسام (المبطّن منها والظاهر) للاقتداء بها.



شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.