كيف ظلم الصحافيون الأميركيون الملاكم محمد علي.. قبل أن ينصفوه؟

لأربعين عامًا، كان جيرالد اسكنازي (70 عامًا) صحافيًا رياضيًا مع صحيفة «نيويورك تايمز» كتب أكثر من 8.000 تقرير، و16 كتابًا. عندما ظهر نجم الملاكم محمد علي في بداية ستينات القرن الماضي، كان اسكنازي صحافيًا ناشئًا. وطلبت منه الصحيفة تغطية محمد علي، ومنافساته في حلقة الملاكمة، والإثارة التي صحبته خارج حلقة الملاكمة، في ذلك الوقت.
قبل أسبوعين، كتب اسكنازي في مجلة «كولومبيا جورناليزم ريفيو» (تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولومبيا في نيويورك) عن تغطية الصحافيين الأميركيين لمحمد علي، منذ بدايتها. وقال: «رغم أنهم اعترفوا بعظمته في وقت لاحق، ظلم كثير من الصحافيين الرياضيين محمد علي».
رفضت صحيفته نفسها استخدام اسم محمد علي لخمس سنوات بعد أن اعتنق الإسلام، ونبذ اسم «كاشيوس كلاي» (قال إنه «اسم رقيق»). ولم ترفع الصحيفة الحظر إلا في عام 1964، عندما حصل الملاكم على لقب الوزن الأميركي الثقيل. (برأ اسكنازي نفسه، وقال إنه كان يكتب «محمد علي»، لكن كان رؤساؤه يغيرونه إلى «كلاي»).
في ذلك الوقت، كان آرثر دالي كاتب عمود رياضي في الصحيفة. وكان يكرر وصفه للملاكم بأنه «ثرثار ثرثار».
لم تكن «نيويورك تايمز» وحدها في هذه المعاملة المجحفة. كان ديك يونغ كبير الصحافيين الرياضيين في صحيفة «نيويورك بوست». وكان يسخر من علي عندما يقابله وعندما يكتب عنه. كان يسخر من الإسلام، ومن المسلمين السود، ومن إليجا محمد (أستاذ علي الذي ساعده في دخول الإسلام). ورفض تمامًا استعمال اسم «علي».
في وقت لاحق، تراجع، لكن، بعد مرحلة انتقالية كان يستعمل خلالها الاسمين: «علي» و«كلاى» في كل جملة. ومرة كتب: «ماذا حدث لوطني أميركا؟ هل اسم كلاي اسم رقيق؟ ولماذا لا يريد هذا الملاكم الأسود أن يحارب ضد الأعداء في فيتنام؟».
هذه إشارة إلى رفض محمد علي التجنيد ليشترك في حرب فيتنام (1964 - 1974، التي هزم فيها ثوار الفيات كونغ الشيوعيون القوات الأميركية، ووحدوا شطري فيتنام). في ذلك الوقت، قال علي قولته المشهورة: «ليس عندي أي شيء ضد ثوار الفيات كونغ. ولا يشتمونني بكلمة نيغر (عبد)».
في ذلك الوقت، كتب اسكنازي في صحيفة «نيويورك تايمز» في موضوعين عن علي:
أولاً: «تحدي» علي للسياسة الخارجية الأميركية، وللأمن القومي الأميركي.
ثانيًا: «نكران» علي للمبادئ الأميركية.
الآن، بعد 50 عامًا، يقول اسكنازي إنه «استغرب» في ذلك الوقت، لأن علي اشتكى من التفرقة العنصرية. ويقول اسكنازي إنه لم يكن يعرف في ذلك الوقت أبعاد هذه التفرقة. (وطبعًا، لم يعانِ هو منها).
يقول اسكنازي: «بصراحة، كنت أحاول أن أفهم علي. وأن أعرف ماذا فعل الأميركيون البيض لعلي حتى يقول ما قال. نعم، كنت ساذجًا. لكني نظرت إليه كشخص يكسب ملايين الدولارات من رياضة الملاكمة». وأضاف: «الآن، تأكد لي أنني لم أكن ألبس الحذاءين اللذين كان يلبسهما (تعبير أميركي معناه أنه لم يكن في مكانه)».
وقال اسكنازي إنه، في مقابلاته الصحافية مع علي، كان يجد نفسيهما على طرفي نقيض. ليس فقط تناقضًا في الرأي، ولكن، أيضًا، اختلاف في طريقة التفكير. وقال: «كنت أتحدث معه عن عدم الثقة (بين البيض والسود)، وكان يتحدث هو عن القوة (أهمية أن يكون السود أقوياء ليتخلصوا من الظلم الذي هم فيه)».
في واحدة من هذه المقابلات، جرى الحوار كالآتي:
* اسكنازي: ما هي «بلاك باور» (القوة السوداء) التي تتحدث عنها؟
- علي: هل تعرف ماذا فعل اليهود في ميامي بيتش (ولاية فلوريدا) عندما رفض المسيحيون البيض السماح لهم بأن يسكنوا معهم؟
*اسكنازي: لا أعرف.
- علي: اشتروا كل ميامي بيتش. المتاجر، البلاجات، الشركات. اشتروا كل شيء.
* اسكنازي: لم أكن أعرف ذلك.
- علي (في تردد): هل أنت يهودي؟
* اسكنازي (في تردد): نعم.
- علي: آسف لو آذيت مشاعرك.
* اسكنازي: لا تهتم. لا توجد مشكلة هنا.
في الأسبوع الماضي، بعد أربعين عامًا، وفي مجلة «كولومبيا جورناليزم ريفيو»، كتب اسكنازي: «كان علي على حق. أعترف أنا هنا بأن السود في أميركا كانوا، ولا يزالون، يحتاجون إلى أن يكونوا أقوياء».
في الحقيقة، لم يكن الصحافيون الرياضيون وحدهم ضد علي في ذلك الوقت. كانت كل أميركا تقريبًا ضده. وذلك لأنه:
أولاً: «تجرأ»، وهزم ملاكمًا أبيض في بداية حياته الرياضية.
ثانيًا: «تعجرف» عندما فاز ببطولة الملاكمة في دورة الألعاب الأولمبية في عام 1964.
ثالثًا: «تحدى» أميركا عندما رفض، في عام 1966، التجنيد في القوات المسلحة.
كانت الأخيرة هي القشة التي قصمت ظهر البعير. وبدأت «الحرب» بين علي وأميركا:
أولاً: سحبت كل ولاية رخصة الملاكمة فيها.
ثانيًا: سحبت الحكومة الاتحادية جواز سفره.
ثالثًا: تابعته شرطة «إف بي آي» السرية، وهو يلقي المحاضرات ضد التدخل الأميركي في فيتنام. وضد التفرقة العنصرية ضد الأميركيين السود.
في الحقيقة، تجمد نشاطه تمامًا لقرابة خمسة أعوام. وصار يعاني مشكلات مالية (بعد أن كان مليونيرًا).
حتى عام 1971، عندما وصلت قضيته إلى المحكمة العليا (التي تفسر الدستور). أنصفته، وألغت أحكامًا سابقة من محاكم استئناف. واضطرت، في نفس العام، لجنة الملاكمة في ولاية نيويورك لإعادة رخصة علي. وبدأت استعدادات علي ليواجه الخصم اللدود جو فريزر. والبقية، كما يقولون، «صارت تاريخًا».