بروكسل: اعتقال سيدة في العشرين على خلفية المشاركة في أنشطة إرهابية

شقيقها قتل في هجوم فرفييه العام الماضي بعد استهدافه عناصر ومراكز الشرطة

صورة لرجال الأمن يغلقون الشارع الذي يوجد به منزل عناصر من الخلية الإرهابية التي تبادلوا إطلاق النار معها (تصوير: عبد الله مصطفى)
صورة لرجال الأمن يغلقون الشارع الذي يوجد به منزل عناصر من الخلية الإرهابية التي تبادلوا إطلاق النار معها (تصوير: عبد الله مصطفى)
TT

بروكسل: اعتقال سيدة في العشرين على خلفية المشاركة في أنشطة إرهابية

صورة لرجال الأمن يغلقون الشارع الذي يوجد به منزل عناصر من الخلية الإرهابية التي تبادلوا إطلاق النار معها (تصوير: عبد الله مصطفى)
صورة لرجال الأمن يغلقون الشارع الذي يوجد به منزل عناصر من الخلية الإرهابية التي تبادلوا إطلاق النار معها (تصوير: عبد الله مصطفى)

تخضع سيدة في العشرين من عمرها للتحقيقات من جانب السلطات البلجيكية، ومن المقرر أن تعرض في غضون الساعات القليلة المقبلة على الغرفة الاستشارية في محكمة بروكسل، لتحديد مدى استمرار اعتقالها من عدمه.
كانت السلطات قد اعتقلت السيدة في حي مولنبيك ببروكسل، الخميس الماضي، ولم يتم الإعلان عن الاعتقال، ولكن بعد أن نشرت وسائل الإعلام الخبر، وقالت إن السيدة تواجه عدة اتهامات، منها التحضير لهجمات إرهابية، أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي نبأ الاعتقال، ولكنه نفى وجود مخاطر إرهابية، أو الاشتباه في تورط السيدة بالتحضير لهجمات في البلاد.
وقال المكتب، في بيان، إن السيدة اعتقلت على خلفية الاشتباه في تورطها بأنشطة جماعات إرهابية، والتخطيط لمغادرة بلجيكا للانضمام إلى الجماعات المتشددة المسلحة في مناطق الصراعات، إلى جانب الترويج لرسائل تؤيد هذه الجماعات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتوجد السيدة حاليا في سجن النساء ببروكسل، في انتظار عرضها على قاضي التحقيقات. وقالت صحيفة «لادورنيير ايور» إن السيدة كانت على اتصال عبر شبكة «تيلغرام» بعدة أشخاص من المتشددين، ومن بينهم من نفذوا حادث الاعتداء على الكاهن الفرنسي قبل أشهر قليلة.
وحسب الإعلام البلجيكي، يتعلق الأمر بسيدة تدعى شيما، وهي شقيقة سفيان (26 عاما) الذي قتل في تبادل لإطلاق الرصاص مع الشرطة في مدينة فرفييه (شرق البلاد)، منتصف يناير (كانون الثاني) من العام الماضي. وقالت السلطات وقتها إنها نجحت في إحباط هجوم إرهابي كان يستهدف عناصر ومراكز الشرطة في المدينة، وإن المتورطين في الحادث عادوا أخيرا من سوريا، وأفادت السلطات أيضًا بأن عملية إطلاق نار وإلقاء متفجرات أسفرت عن مقتل شخصين، واعتقال الثالث بعد إصابته، ويتعلق الأمر بما يعرف بـ«خلية فرفييه».
وفي يوليو (تموز) الماضي، ذكر رئيس غرفة الاتهامات بمحكمة الجنايات ببروكسل بيير هندريكس أن مطار زافنتيم كان هدفا محتملا للمتشددين بالفعل في 2015. ووفقا للقاضي، كان عبد الحميد أباعود، الذي كان يعتبر حينها قائدا لخلية فيرفييه الإرهابية، يخطط لمثل هذا الهجوم، وذلك استنادا على رسوم عثر عليها في أثينا، التي أقام بها عبد الحميد أباعود في أواخر 2014، وكانت هذه الرسوم تظهر أشخاصا يدفعون عربات أمتعة مع كلمة «قنبلة» مكتوبة على الرسم. ونظرت المحكمة بالفعل في الجرائم الرئيسية، بخصوص اثنين من المتهمين، وهما صهيب العبدي، ومحمد أرشاد محمود نجمي، مشيرة إلى أن كلا منهما كان على اتصال بشكل منتظم مع عبد الحميد أباعود الذي كان يعتبر العقل المدبر لخلية فرفييه الإرهابية.
وجاء في القرار: «أن صهيب العبدي كان يعلم أن خلية فرفييه كانت تخطط، وكان على علم بقدر المتهمين الآخرين»، أما فيما يتعلق بمحمد أرشاد محمود نجمي، فقد رأت المحكمة بأنه كان هو من استأجر شقة فرفييه، وهو الذي نقل المواد الكيميائية المخصصة لصنع المتفجرات من لاكن إلى فرفييه.
وقد صدر قرار غرفة الاتهامات بالمحكمة، وتم اتهام 16 شخصا في هذه القضية بتهم المشاركة في أنشطة جماعة إرهابية بصفتهم أعضاء، أو بصفتهم قادة، كما أنه تم اتهام البعض منهم بالتخطيط لهجمات بروكسل في يناير 2015. وفي وقت مبكر من يوم 15 يناير 2015، قامت الوحدات الخاصة التابعة للشرطة البلجيكية بإجراء هجوم على مسكن بشارع لاكولين بفيرفيرس، وكان هدف العملية هو اعتقال أشخاص ينتمون إلى خلية إرهابية، ولديهم مشروع للقيام بهجمات وشيكة على التراب البلجيكي. وكانت الشرطة قد قتلت إرهابيين اثنين، واعتقلت شخصا ثالثا، وعلاوة على ذلك، عثرت في هذه الشقة على مواد يمكن استخدامها لصنع المتفجرات، وعلى أسلحة. وجاء الحادث بعد أسبوع واحد من الهجوم على مقر صحيفة شارل إبدو الفرنسية.
وفي مايو (أيار) الماضي، انطلقت جلسات الاستماع فيما يعرف بملف خلية فرفييه، الذي يتعلق بمحاكمة 16 شخصا، عدد منهم يحاكم غيابيا لوجودهم في مناطق الصراع في سوريا. وجاء اعتقال 9 من عناصر الخلية العام الماضي على خلفية محاولة لتنفيذ مخطط إرهابي في فرفييه في يناير من العام الماضي، وكان يستهدف عناصر ومراكز الشرطة.
وفي البداية، تحدث الدفاع عن 3 من المتهمين الرئيسيين، وقالوا للمحكمة إنهم لم يتحدثوا خلال الأسبوعين الأخيرين قبل انطلاق الجلسات مع المتهمين بسبب إضراب حراس السجون، ولهذا حصلوا على فرصة من الوقت من رئيس المحكمة للالتقاء بموكليهم، وجرى تعليق الجلسات إلى حين تحقق ذلك.
وتعتبر تلك هي المحاكمة الأولى لمجموعة تواجه اتهامات بالإرهاب، في أعقاب وقوع تفجيرات إرهابية في بلجيكا خلال مارس (آذار) الماضي. واستمرت جلسات الاستماع في المحاكمة لمدة 3 أسابيع، وحتى منتصف يونيو (حزيران) تقريبا، وتضم لائحة المتهمين 16 شخصا، ولكن يمثل للمحاكمة بشكل فعلي 7 أشخاص، بينما 9 آخرون في مناطق القتال في سوريا، وهم بلجيكيان و5 من الفرنسيين وهولندي ومغربي.
ويواجه 3 أشخاص من القائمة، وهم صهيب (26 سنة) ومروان (27 سنة) وارشاد محمود (27 سنة)، اتهامات تتعلق بالتحضير لتنفيذ هجمات إرهابية في بلجيكا. وأحدهم، وهو مروان، سيحاكم في قضية أخرى تتعلق بمحاولة قتل رجال الشرطة في أثناء تبادل لإطلاق الرصاص. ويعتبر المحققون أن الأشخاص الثلاثة، ومعهم شخص آخر جزائري، يدعى عمر (33 سنة)، سبق اعتقاله في اليونان وتسلمته بلجيكا، هم قيادات الخلية، والباقي عناصر في الخلية، وهم عبد المنعم (22 عاما) وإسماعيل (34 عاما) وكريم (29 عاما)، وهم رهن الاعتقال في بلجيكا، ويحملون الجنسية البلجيكية، والباقي يوجدون حاليا في مناطق الصراع، وسيحاكمون غيابيا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟