جرابلس المحررة: الامتحان التركي الأول على طريق «المنطقة الآمنة»

الحياة تعود لطبيعتها بشكل تدريجي والحكومة المؤقتة تنتظر الوقت المناسب لدخولها

عنصر من قوات الجيش السوري المحررة خلال دورية في وسط مدينة جرابلس أمس  (ا.ف.ب)
عنصر من قوات الجيش السوري المحررة خلال دورية في وسط مدينة جرابلس أمس (ا.ف.ب)
TT

جرابلس المحررة: الامتحان التركي الأول على طريق «المنطقة الآمنة»

عنصر من قوات الجيش السوري المحررة خلال دورية في وسط مدينة جرابلس أمس  (ا.ف.ب)
عنصر من قوات الجيش السوري المحررة خلال دورية في وسط مدينة جرابلس أمس (ا.ف.ب)

عادت الروح إلى الحياة اليومية في مدينة جرابلس بريف محافظة حلب الشمالي الشرقي. هذه الحياة، التي كاد أهلها أن يفقدوها خلال ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم داعش المتطرف على مدينتهم وخضوعها لقوانينه، بدأت تأخذ شكلها الطبيعي بشكل تدريجي. من الخروج والتنقل في شوارعها بحرية إلى إعادة فتح محالهم التجارية وممارسة أعمالهم بشكل طبيعي من دون قيود، وعودة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة.. كلّها عادات يومية طبيعية كان قد افتقدها الجرابلسيون الذي صمدوا منهم في المدينة أو غادروها قبل أن يعودوا إلى منازلهم، قبل أسابيع.
وإذا كانت عودة أهالي جرابلس إلى منازلهم هي اللحظة التي انتظروها طويلا وتحققت بعد طول انتظار، فإن هذه التجربة تشكّل بالنسبة إلى تركيا التي تدير شؤون جرابلس في الوقت الحالي بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة، الامتحان الأوّل نحو نجاح خطة «المنطقة الآمنة» التي يسعى الأتراك إليها في شمال سوريا، وإن كان من المتوقع أن تكون منبج هي المركز وليس جرابلس. وهذا الأمر يشير إليه مصدر في «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» قائلا لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا شكّ أن تركيا تسعى لإنشاء المنطقة الآمنة ما بين أعزاز وجرابلس وصولا إلى الباب. وبالتالي، فإن نجاح التجربة في جرابلس وما تقوم به يصب في هذا الاتجاه ويمهّد لهذا الأمر، لكن الأمر يبقى مرتبطا بمدى سير الاتفاق الروسي الأميركي».
بدوره، يلفت عبد القادر علاف، الناشط في حلب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تركيا ترعى اليوم إعادة تأهيل وإعمار المدينة تمهيدا لدخول الحكومة المؤقتة إليها لتتولى هي المهمة عنها، إنما هناك الآن تريث الجانب التركي من الناحية الأمنية خوفا من بقايا «داعش». ويضيف «يمكن اعتبار أن جرابلس هي التجربة الأولى للمنطقة الآمنة ونجاحها يمهد لنجاح الخطة التركية».
وفي الإطار نفسه، يؤكد مسؤول العلاقات العامة في «الحكومة السورية المؤقتة» شادي الجندي، أن الحكومة «موجودة في جرابلس وغيرها من المناطق المحررة عبر المجالس المحلية التي تقوم بالتعاون مع الأهالي على إعادة إحياء المنطقة وعودة الحياة إليها، وفي الوقت المناسب ستقوم الحكومة المؤقتة بزيارة إلى المنطقة». ويشير إلى أنّ هناك خطّة أيضا يتم العمل عليها تنص على إجراء انتخابات جديدة للمجلس المحلي، مشددا في الوقت عينه أن المجالس الحالية تقوم بعملها كل منها حسب اختصاصها، الصحة والتربية وغيرها، تمهيدا لاستكمال عودة جميع الأهالي في ظل استمرار العمليات العسكرية وعملية درع الفرات التي تنجح يوميا في تحرير المزيد من المناطق. وكان رئيس «الحكومة السورية المؤقتة» جواد أبو حطب، قد توقّع أن تتجاوز المساحة التي ستحرر في عملية «درع الفرات» 5 إلى 6 آلاف كيلومتر مربع، الأمر الذي سيسمح بجعلها نواة لتحرير باقي المناطق، بحيث يمكن أن يدخلها نحو مليوني سوري، وأن تكون فيها جامعات ومدارس ويمكن بناء الوحدات السكنية فيها.
ويؤكد علاف، وهو مهندس كهربائي، عمل في خطة إعادة الكهرباء إلى جرابلس التي تمت بالتنسيق مع شركة تركية، أن التيار عاد إلى المنطقة ليلا نهارا من دون انقطاع وهو الأمر نفسه ينسحب على المياه التي باتت متوفرة بشكل دائم. ولفت كذلك، إلى أن هناك خططًا يعمل عليها لحدائق الأطفال، وقد تم لغاية الآن إنشاء ما لا يقل عن عشر حدائق. وفيما يتعلق بالقطاع التعليمي، يشير إلى أن هناك لغاية الآن مدرسة مجهزة بشكل كامل تقريبا، إضافة إلى أنه يتم العمل على تجهيز مقرات تعليمية أخرى بالتنسيق مع الحكومة التركية ومنظمات عدّة. والأمر نفسه ينسحب أيضا على القطاع الطبي، بحيث نجح أطباء في إعادة تأهيل مستوصف المدينة إلى مستشفى وتجهيزه بالمعدات الطبية اللازمة. وشرح مرزوق طه أبو يزن، رئيس أطباء المستشفى، لوكالة «الأناضول»، إن طاقم الأطباء يعمل في المستشفى بشكل طوعي. وأشار إلى أنهم يستقبلون في الوقت الحالي نحو 25 مريضًا في قسم الأطفال، و60 في قسم النساء، فيما لا يزال المستشفى يعمل بغرفة عمليات واحدة، ولديه نقص في المستلزمات الطبية، مضيفًا: «لدينا مختص بالعمليات القيصرية، غير أنه لا يوجد لدنيا غرفة عمليات لإجرائها، فضلاً عن احتياجنا لمختبر».
وللعلم، كانت عملية «درع الفرات» التي بدأتها تركيا في شمال سوريا في 24 أغسطس (آب) الماضي قد نجحت في تحرير المدينة ومناطق مجاورة لها، كما تم لاحقًا تحرير كل الشريط الحدودي ما بين مدينتي جرابلس وإعزاز، بحيث لم تبقَ أي مناطق متاخمة للحدود التركية تحت سيطرة التنظيم.
وفي حين تقدر بعض المصادر عدد السوريين الذين عادوا إلى جرابلس من الريف والمناطق المجاورة بالآلاف، أشارت وكالة الأناضول إلى وصول ما يقارب 3 آلاف سوري من تركيا إلى المدينة عقب تحريرها من «داعش» في عملية «درع الفرات»، بحيث بات العدد الإجمالي للسكان نحو 20 ألفا، بعدما كان عددهم قد تراجع إلى ما دون 3 آلاف و500 شخص خلال فترة سيطرة «داعش».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.