بين «دولة الحد الأدنى» و«دولة العناية»

جذور العقيدة الليبرالية «الليبرتارية»

جون لوك
جون لوك
TT

بين «دولة الحد الأدنى» و«دولة العناية»

جون لوك
جون لوك

تعد فكرة أن الناس بحاجة للدولة، منطلقًا أساسيا عند منظِّري الفلسفة السياسة. لكن السؤال الذي وقع عليه النقاش الحاد هو: ما الحد الذي ينبغي أن تتوقف عنده الدولة في علاقتها بأفرادها؟ أي متى ينبغي أن تضع يدها، ومتى عليها أن تلتزم الحياد؟ بعبارة أخرى، هل يجب أن ندافع عما يسمى «الدولة الأدنى»؟ حيث يصبح دورها فقط، ضمان الحرية والأمن والحفاظ على الملكية، لتبقى الشؤون الأخرى من اختصاص الأفراد أنفسهم. وهذا هو رأي التيار الليبرتاري، الذي دافع عنه مثلاً، الأميركي روبرت نوزاييك (1938 - 2002)، في كتابه: «الفوضوية، الدولة، والطوباوية». وكذلك الفيلسوف والاقتصادي النمساوي فريدريك هايك (1899 - 1992)، بكتابه «الطريق إلى العبودية»، الذي يظهر فيه تخوفًا من تدخل الدولة الذي لا محالة سيفضي إلى الكليانية والشمولية. أم يمكن أن نذهب بالدولة إلى حدود أن تصبح «دولة عناية»؟ بمعنى أنها دولة ليبرالية، لكنها ذات ملامح اجتماعية، تتدخل لإيقاف التفاوتات بين أفراد المجتمع، وتعمل على إعادة توزيع الثروة لتعم الفائدة، أو لنقل على أنه لا ينبغي أن ينكمش دور الدولة في القضايا ذات الروح التضامنية. وهو ما دافع عنه بقوة، الفيلسوف الأميركي، جون راولز (1921 - 2002)، في كتابه «العدالة كإنصاف». حقا نحن أمام معادلة صعبة. إذ إن تدخل الدولة قد يؤدي إلى هدر الحريات الفردية، أما عدم تدخلها فقد يؤدي إلى توحش واحتكار يكون ثمنه باهظًا على الفئات غير المحظوظة.
في مقالنا هذا، سنحاول العودة إلى جذور الفكر الليبرالي، ونقف بالخصوص عند رائد من رواد القرن السابع عشر، ونقصد بذلك، الفيلسوف الإنجليزي جون لوك. وسنركز بالأساس، على كيفية تأويل فلسفته لخدمة العقيدة اللبيرتارية المدافعة عن دولة الحد الأدنى.

لوك: الفرد يملك ذاته وعمله وجهده

ينطلق جون لوك (1632 - 1704) لبناء أطروحته السياسية، من الوضع الافتراضي المثالي المسمى: حالة الطبيعة، لكن ليس كما وصفها سابقه توماس هوبز، بالمأساوية والدرامية، حيث «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان»، وحيث «حرب الكل ضد الكل». بل كانت حالة سلام تسود فيها مشاعة الملكية والمساواة والحرية. يعتبر لوك هذه الحقوق الثلاثة مقدسة. لكنها، وبحسب وجهة نظره، تعرضت للانتهاك والاغتصاب، نظرا لظروف طرأت «الندرة في الموارد»، جعلت الملكية من نصيب البعض على حساب البعض الآخر. فكثر الجشع والطمع، ودخل المجتمع في حالة نزاع وشقاق، مما استوجب البحث عن خلاص، هو الاتفاق على التنازل عن الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس، وعن الأرض، والممتلكات، لسلطة حاكمة، تقوم بدور الحماية. وهكذا بدأ يظهر التنظيم السياسي أو المدني أو الدولة لرعاية المصلحة للجميع.
لقد ركز لوك كثيرا في تصوره السياسي، على حق الملكية التي كانت شغله الشاغل. فهو يرى أن بداية البشر سادت فيها حالة التساوي المطلق٬ فالإنسان له الحق بوصفه كائنا لا متناهيا، أن يضع يده على كل ما في العالم، باعتباره أشياء متناهية٬ وهذا الأمر متاح للجميع على الشاكلة نفسها. فالأصل في الفرد إذن «أن يملك ذاته ويملك عمله وجهده وكدّه». فأن أجني التفاح المشاع، فهذا يعني أنه أصبح يدخل ضمن ملكيتي. وبالمثل، إذا ملأت جرة ماء، فهذا الماء سيصبح ملكي، نظرا للجهد الذي بذلته في الحصول عليه. فقانون العقل يقول إن الغزال الذي اصطاده الرجل الهندي هو ملك له. وعندما أكون في البحر وأصطاد سمكة، فمباشرة هي ملك خالص لي. وإذا ما شربت من النهر٬ فمهما شربت فلن أضر الآخر٬ ما دام هناك ما يكفي من الماء. وبالمثل، نقول عن امتلاك الأرض، فهي تصبح لي كامتلاكي لجرة الماء. وكخلاصة تجعل لوك من الممهدين للتنظير الاقتصادي الليبرالي نقول: إن العمل هو ما يحول الموجودات الطبيعية المشاعة بين الناس، إلى ملكية خاصة، إذ يكفي أن يضيف إليها مجهوده. لكن السؤال المهم هو: ما الطارئ الذي جعل حق الملكية ينتقل من حالة التساوي، التي تضمن السلم والأمن والرخاء، إلى مشكلة في حد ذاتها؟ يرى لوك أن الأمر مرتبط بالندرة. ففي البداية كانت الموارد متاحة ومتوفرة للجميع، وبالجودة نفسها. لكنها مع الوقت، قلّت ونضبت. ونظرا للتفاوت بين الناس في القوة، فقد أصبح هناك من يملك وهناك من لا يملك. ودخلنا في اللامساواة. لهذا نجد لوك يؤكد على أن أهم وظيفة يجب أن تقوم بها السلطة السياسية، هي ضمان الملكية، باعتبارها حقا طبيعيا أصيلا ومقدسا.
يتبنى لوك، مثله مثل سابقه توماس هوبز، نظرية التعاقد الاجتماعي٬ لكن مع فارق٬ هو أنه إذا كان هوبز يخرج الحاكم من التعاقد لوهبه كل الصلاحيات٬ فإن لوك يجعل الحاكم في قلب التعاقد. فالعقد المبرم، يتم ما بين طرفين، هما الحاكم من جهة٬ وهو يسهر على حماية الملكية والحرية والمساواة، والشعب من جهة أخرى، الذي من حقه إلغاء التعاقد مع الحاكم وعزله إذا أهمل واجباته.
أحدثت أفكار لوك السياسية تأثيرا عميقا وراسخا، رهنت مستقبل أوروبا، بل العالم كله. فلوك يذهب إلى أن «الإنسان ولد حرا». وهي العبارة التي يفتتح بها روسو كتابه «العقد الاجتماعي»، كما أنها كانت شعار الثورة الفرنسية بعد ذلك، بل هي مستهل «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» لسنة 1948. كما أن مؤلف لوك «في الحكم المدني»، كان يُعدّ الكتاب المقدس للفكر السياسي الحديث، نظرا لما فيه من دفاع عن حق الملكية الأصيل في الإنسان، وإعلائه لكلمة الإرادة العامة. فقد استلهمه الرئيس الأسبق توماس جيفرسون، وهو يُعدّ من الآباء المؤسسين للنظام السياسي الأميركي. فأفكار لوك واضحة وساطعة في وثيقتي إعلان الاستقلال والدستور الأميركي معا. أما تأثير أفكار لوك في العقيدة الليبرتارية، التي تركز على فكرة الحد الأدنى من تدخل الدولة، فهو أمر بارز عند الفيلسوف روبرت نوزاييك، الذي يدافع بقوة عن فكرة أن العمل هو ما يضفي القيمة على الأشياء، وأن الناس مُلّاك بالطبيعة، وأن هذه الملكية هي نتاج العمل والجهد، لهذا تعد حقا طبيعيا بامتياز وغير قابل للتفويت، ما عدا إن كان طواعية، الأمر الذي يؤكد أسبقية الاقتصادي على السياسي. وهو ما يبرر، بالتالي، حدود تدخل الدولة. فأن نجبر الناس على أن يتنازلوا عن قسط من خيراتهم، من أجل التكافل الاجتماعي لهو الظلم عينه. إن أهم ما أخذه التيار الليبرتاري من لوك، هو فكرة أن الفرد أهم من الدولة. بعبارة أخرى نقول: ينتهي دور الدولة حينما يبدأ حق الفرد.
إن التيار الليبرتاري لا يجعل العدالة سؤاله المركزي، بل يركز على مفهوم الدولة، ويجعل لها صلاحيات محدودة. فهي ليس من حقها أبدا، أن تلزم الناس بالتنازل عن ممتلكاتهم، لصالح الفئات الهشة التي لم يحالفها الحظ. فهذا ليس دورها أبدا. إذ عليها الاكتفاء بالحد الأدنى من التنظيم المتمثل في ضمان حقوق ثلاثة لا غير، وهي: حماية الناس وحريتهم وممتلكاتهم. وحجتهم في هذا التقليص لأدوار الدولة، هي إمكانية تحولها إلى سلطة استبدادية وشمولية. وهنا نستحضر رواية الكاتب جورج أورويل «مزرعة الحيوان» التي صدرت سنة 1945، والتي سخرت من مآل الثورة الروسية تحت حكم ستالين. وهي الثورة التي كانت تنشد العدالة لتنتهي، في نهاية المطاف، إلى ظلم واستبداد وكتم لأنفاس الأفراد وتهديد لحريتهم.
نخلص إلى أن التيار الليبرتاري، يرفض تدخل الدولة لأنه يضر بالحريات، ويكون مطية لإلغاء الحقوق الأساسية، ومن ثم يكون طريقا نحو نظام كلياني، ناهيك من أن هذا التدخل، سواء في الاقتصاد أو الاجتماع، والتصرف في توزيع الخيرات، فيه انتهاك لحق رئيسي من حقوق الإنسان، وهو تصرف الفرد فيما يملك وما ينتج. فمعادلة اللبيرتاريين هي: كلما ازدادت الحرية نقصت المساواة، وكلما تدخلت الدولة تناقصت الحرية. كل هذا سيرفضه الفيلسوف الأميركي، جون راولز، الذي يرى في عدم تدخل الدولة في الميدان الاجتماعي، وغياب ضبطها للتوازنات الاقتصادية تحت دواعي احترام الحريات الفردية، والحق في الملكية، وترك قانون السوق (الطلب والعرض) يحكم وينظم بتلقائية، العلاقات الاجتماعية، سيؤدي لا محالة إلى رأسمالية متوحشة. ناهيك بأنه ليس من المعقول أن يتقاسم أشخاص يعيشون داخل الجماعة نفسها الأرض، وبينهم مصالح مشتركة، ويخضعون للثقافة والقانون واللغة نفسها، ولا يكون لديهم تضامن وتكافل مشترك، وإن لم يكن في إطار المساواة فعلى الأقل يكون في إطار الإنصاف.



«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟