الإرياني لـ«الشرق الأوسط»: الانقلابيون يخسرون عسكريًا واقتصاديًا

في ذكرى اجتياح صنعاء.. وزير الإعلام اليمني يتساءل عن دور إيران الإنساني المزعوم ببلاده

جنود تابعون لميليشيات الحوثي وصالح يفتشون السيارات في العاصمة اليمنية صنعاء أمس (أ.ف.ب)
جنود تابعون لميليشيات الحوثي وصالح يفتشون السيارات في العاصمة اليمنية صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

الإرياني لـ«الشرق الأوسط»: الانقلابيون يخسرون عسكريًا واقتصاديًا

جنود تابعون لميليشيات الحوثي وصالح يفتشون السيارات في العاصمة اليمنية صنعاء أمس (أ.ف.ب)
جنود تابعون لميليشيات الحوثي وصالح يفتشون السيارات في العاصمة اليمنية صنعاء أمس (أ.ف.ب)

قال وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، إن الانقلابيين في صنعاء تفننوا في مغالطة قطاع واسع من أبناء الشعب اليمني والآخرين طوال العامين الماضيين، مؤكدا أن المواطن اليمني يتذكر اليوم قبل عامين عندما احتشد عناصر الميليشيات في صنعاء وحولها وهم يرفعون شعار المطالبة بإسقاط الجرعة السعرية، ويرى ما آلت إليه الأمور بعد عامين وأن تلك الشعارات كانت مغالطة وتلاعبا بمشاعر المواطنين البسطاء، مؤكدا أن المواطن اليمني بات يعرف جيدا اليوم أن خصمه وعدوه الرئيسي الذي دمر دولته الميليشيات الانقلابية وحلفاؤها.
وأضاف الوزير الإرياني، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، أن أحد أبرز الدلائل على خسارة الانقلابيين، هو أنهم باتوا اليوم يسيطرون على مساحة لا تزيد على 20 في المائة من مساحة البلاد، في حين تسيطر الحكومة الشرعية على نحو 80 في المائة، مؤكدا أن الحكومة الشرعية ودول التحالف، وطوال العامين الماضيين، راعت كثيرا الجوانب الإنسانية والحياتية الإجراءات الاقتصادية للمواطنين.
وذكر الوزير اليمني أن المواطن اليمني لن يغفر للميليشيات والجهات التي تقف وراءها النتائج الكارثية التي وصلت إليها اليمن بسبب «الطمع والنهم للسيطرة على السلطة والثروة في البلاد وإقصاء الآخرين»، مؤكدا أن الانقلابيين تسببوا في شروخ اجتماعية ونفسية لليمنيين لا يمكن معالجتها في أمد قصير. وقال إنهم «ينحسرون تماما، سواء في المساحة الجغرافية أو التحكم والسيطرة، خصوصا بعد أن اتخذ قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن»، مبينا أن «المواطنين اليمنيين الذين كانوا يتعاملون مع الانقلابيين بوصفهم سلطة أمر واقع، لا يمكنهم الاستمرار بعد الآن في ذلك».
وتساءل وزير الإعلام اليمني، قائلا: «أين إيران اليوم من معاناة الشعب اليمني؟»، مشيرا إلى أن الأشقاء في دول الخليج وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية يتحملون العبء الأكبر من احتياجات اليمنيين، إلى جانب المجتمع الدولي. وقال إن «الشقيق والصديق هو من يرسل إليك الدواء والغذاء لسد احتياجات شعب طحنه الفساد لعقود وطحنه انقلاب الميليشيات، وليس الصديق أو الشقيق من يرسل إليك المتفجرات والأسلحة بمختلف أنواعها». وشدد الوزير اليمني على أن الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه الفريق علي محسن، وكما جاء على لسان رئيسها الدكتور أحمد عبيد بن دغر، سوف تفي بالتزاماتها تجاه شعبها ومواطنيها أينما كانوا. مجددا التأكيد أن عمر الانقلاب قصير، وأن الحكومة اليمنية تتواجد في المناطق المحررة كافة، وقريبا ستكون في العاصمة صنعاء.
وجاءت تصريحات وزير الإعلام اليمني لـ«الشرق الأوسط»، بمناسبة الذكرى الثانية على احتلال الميليشيات للعاصمة صنعاء. إذ تصادف اليوم الذكرى الثانية لاجتياح ميليشيات الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء، بتسهيل مباشر من القوات الموالية للمخلوع علي عبد الله صالح. وتأتي هذه الذكرى وقد خسر الانقلابيون سياسيا وعسكريا، في معظم المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، وانكسرت شوكة تمددهم الذي بدأوه من محافظة صعدة مرورا بمحافظة عمران ووصولا إلى صنعاء، ثم التمدد نحو المحافظات الأخرى، وتحديدا المحافظات الجنوبية.
وتأتي هذه الذكرى وسط معاناة إنسانية كبيرة تسبب بها الانقلابيون لليمنيين، وبحسب الأمم المتحدة، فقد بلغ عدد النازحين داخل البلاد، أكثر من 3 ملايين مواطن، إلى جانب الاحتياجات الإنسانية العاجلة التي يحتاجها نحو 21 مليون مواطن يمني من أصل نحو 25 مليون نسمة، هو عدد سكان البلاد. وقد تضاعفت معاناة اليمنيين مع نهب الميليشيات الانقلابية للاحتياطي النقدي في البنك المركزي والموارد المالية التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
على الصعيد الميداني، خسرت الميليشيات الانقلابين خلال عامين بدعم قوات التحالف، بقيادة المملكة العربية السعودية، معظم الأراضي والمناطق التي كانت تسيطر عليها، كما خسرت دبلوماسيا بعد أن رفضت الجنوح إلى السلم وأفشلت مشاورات السلام التي أجريت، في جولتين، في دولة الكويت، وقبل ذلك في جولتين في سويسرا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.