تواصلت حالة الجدل في الأوساط الحزبية والبرلمانية ببلجيكا لليوم الثاني على التوالي في أعقاب ما وصفته بعض وسائل الإعلام بـ«الحادث العنصري»، الذي وقع أثناء إحدى جلسات البرلمان عند مناقشة ملف إغلاق إحدى الشركات وتسريح العمال فيها.
وقدم نائب بلجيكي فلمنكي ليبرالي علنا اعتذاراته، الجمعة، لتفوهه بـ«كلمات جارحة ومهينة»، وذلك بعد أن أثار جدلا بقوله لزميلة اشتراكية: «عودي إلى المغرب» خلال جلسة لمجلس النواب. وقال لوك فان بيسن النائب عن الحزب الليبرالي الفلمنكي: «أريد أن أقول بوضوح: آسف لتفوهي بهذه الكلمات الجارحة والمهينة (عودي إلى المغرب) ولأنني جرحت السيدة كاطير والجالية المغربية». وأضاف: «لست عنصريا، لم أكن أبدا عنصريا ولن أكون عنصريا أبدا. لا مكان للعنصرية في هذا المجلس ولا في أي مكان آخر».
وردت النائبة المعنية مريم كاطير: «أنا سعيدة بالاعتراف بالمشكلة. وهذا مؤشر على أنه لا مكان للعنصرية.. أنا سعيدة بهذا الحوار بيننا وبأنه بات بإمكاننا أن نوجه رسالة مشتركة ضد العنصرية».
وعنونت صحيفة «لوسوار» الجمعة: «الجملة التي ألهبت المجلس»، مشيرة إلى نقاش حاد أثناء بحث مصير نحو ألفي موظف سُرحوا من معمل «كاتربيلر» في شارلوروا. واندلع الجدل بعد أن وجهت النائبة الاشتراكية الفلمنكية مريام كاطير (36 عاما) النقابية السابقة والعاملة في مصنع «فورد دو جنك» المغلق منذ 2014، سؤالا إلى رئيس الوزراء الليبرالي الفرنكفوني شارل ميشال، حول سياسته إزاء موظفي المصنع المسرّحين.
وقالت النائبة المولودة في بلجيكا من أبوين مغربيين، إن النائب لوك فان بيزن قال لها وهي عائدة إلى مكانها: «إذا كنت غير سعيدة، فما عليك سوى العودة إلى المغرب». وقبيل الاعتذار تواصلت حالة من الجدل في الأوساط الحزبية والبرلمانية ببلجيكا لليوم الثاني على التوالي، في أعقاب ما وصفته بعض وسائل الإعلام بـ«الحادث العنصري»، وأثار ردود فعل كثيرة وإدانة من جانب قيادات حزبية وسياسية في البلاد. وقالت مريام في تصريحات إذاعية صباح أمس، إنها سمعت العبارة بوضوح، وذلك ردا على تصريحات للعضو فان بيسن أكد فيها أنه لم يقل هذه العبارة، وأن الملف أغلق وتحقيقا جرى داخل البرلمان والحزب، ولم يتأكد أحد من وجود أي دوافع عنصرية، إلا أن رئيسة حزبه غويندولين روتن، قالت إن الملف لم يغلق بعد، بينما طالبت العضو زحال ديمير، من أصول تركية وعضو في حزب التحالف الفلاماني، بضرورة معاقبة لوك فان بيسن.
وخرج الأخير في أحد البرامج التلفزيونية مساء الخميس، ونفى أنه قال هذه العبارة، وأوضح أنه لم يكن يقصد زميلته في البرلمان، وإنما كان يقصد أن العمال الذين يتعرضون للتسريح من العمل يمكن لهم البحث عن فرصة أخرى في مكان آخر في أي دولة، حتى لو كان الأمر في المغرب أو تركيا، وأضاف أنه كان من الأفضل ألا يحدد دولا بعينها. وشدد على أنه لا يمكن أن يكون له أي مقصد عنصري، وأن عبارة عودوا إلى وطنكم غير موجودة في فلسفته أو في فلسفة الحزب الذي ينتمي إليه. وعلقت مريام بالقول: «ما ذكره فان بيسن أمر أفظع مما ذكره لي؛ لأنه من غير المعقول أن اطلب من العمال في بلجيكا الذين يفقدون وظائفهم، أن يبحثوا عن فرصة عمل خارج بلجيكا». وقال ستيفان فان هيك، من حزب الخضر، إن فإن بيسن حاول من خلال شرح مطول أن يبرر ما قاله، وكان بمثابة محاولة للاعتذار بطريقة خاطئة. النائبة ذات الأصول المغربية روت ما جرى للصحافة البلجيكية، وقالت إنها كانت عائدة إلى مقعدها بعد أن ألقت كلمتها، قبل أن يتناهى إلى سمعها قول النائب بيسن لها: «عودي إلى المغرب إذا لم تكوني فرحة»، مضيفة أن زميلها كريستوف كالفو سمع بدوره تلك العبارة التي وصفتها بـ«العنصرية».
وبالنسبة إلى مريام، فإن «النائب الذي تفوه بذلك الكلام تعرض لضغوطات جعلته يتراجع إلى الخلف، ويزعم أن خطابه لها بالرحيل إلى بلدها تم فهمه بشكل خاطئ»، مبرزة أن «هذا النوع من الخطاب، سواء كان داخل أو خارج البرلمان البلجيكي، أمر خطير وينم عن عنصرية واضحة». وقال نواب بلجيكيون إن ما يصدر عن أي برلماني من كلام أو تصريحات محسوب عليه، وأنه مهما كان هدف النائب لوك فان بيسن، فإن تدخله لم يكن في محله، وأبدوا أسفهم من الواقعة التي وصفوها بـ«غير المقبولة» كيفما كان الزمن أو المكان، داعين النائب المذكور إلى الاعتذار. رئيس الغرفة البرلمانية، سيغفريد براك، نعت ما تفوه به النائب المعني بالأمر بأنه «خارج السياق»، وبأنه «كلام لا يتعين سماعه داخل الفضاء البرلماني»، مبديا عدم إمكانية معاقبة البرلماني، بالنظر إلى «حرية التعبير التي يتمتع بها النواب في ممارسة مهامهم».
وعلى صعيد الجالية المغربية في بلجيكا، تباينت ردود الفعل على الرغم من الاتفاق على أن ما جاء على لسان العضو البرلماني غير مقبول. ويقول عبد المنعم، صاحب مشروع تجاري في إنتويرب، إن استهداف المغاربة أو الأجانب بالتصريحات الغاضبة أصبح أمرا معتادا، وإنه على الرغم من رفضه لهذه التصريحات، فإنه يفضل استخدام الحكمة في التعامل مع الأمور. ويقول عبد اللطيف صالحي، عامل في مطعم ببروكسل، إنه ليس أمرا جديدا، ولكن على الرغم من ذلك سيواصل المغاربة مسيرة النجاح بعد أن وصلوا إلى مقاعد البرلمان. ويقول حسن البوهاروتي، مسؤول جمعية مغربية: «إن البرلماني يجب أن يكون قدوة للآخرين، وإذا كان يتصرف بهذا الشكل فماذا سيفعل رجل الشارع؟ ومع ذلك من الأفضل أن تتم تسوية الأمر داخل البرلمان».
وفي أبريل (نيسان) من العام الماضي، تظاهر أبناء الجاليات العربية والإسلامية في بلجيكا، أمام مقر حزب التحالف الفلاماني، أكبر الأحزاب في البرلمان وداخل التشكيل الوزاري الائتلافي الحالي، بسبب تصريحات لزعيم الحزب بارت ديويفر استهدفت المغاربة. وتصاعد الجدل في بلجيكا بسبب تلك التصريحات التي وصفها البعض بالعنصرية، وأثارت استياء أبناء الجالية العربية واستنكرتها أحزاب بلجيكية، وأثارت نقاشا داخل المؤسسات التشريعية. فقال فيليب ديونتر زعيم الحزب اليميني المتشدد «فلامس بلانغ» إنه يفتخر بأنه عنصري، مضيفا أن كل من ينتقد الإسلام أو المهاجرين أصبح يوصف بالعنصري. بينما قال قيادي آخر في نفس الحزب إنه لا يتفق مع هذا الرأي.
«عودي إلى المغرب».. تثير جدلاً داخل الأوساط السياسية في بلجيكا
النائب يعتذر لزميلته المغربية.. وتفاهم على توجيه رسالة ضد العنصرية
«عودي إلى المغرب».. تثير جدلاً داخل الأوساط السياسية في بلجيكا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة