«القائمة النسبية».. تجربة جديدة للأردن

قلة نضج غالبية الأحزاب سياسياً دفع بمرشحي العشائر إلى الواجهة

«القائمة النسبية».. تجربة جديدة للأردن
TT

«القائمة النسبية».. تجربة جديدة للأردن

«القائمة النسبية».. تجربة جديدة للأردن

يجمع المراقبون على أن القانون الذي ستجرى على أساسه انتخابات مجلس النواب الثامن عشر في الأردن المقررة يوم 20 سبتمبر (أيلول) الحالي لن يوصل أي حزب أو تجمع سياسي إلى حكومة برلمانية، التي كانت من أبرز مطالب الربيع الأردني خلال السنوات الماضية.
وعلى الرغم من أن القانون الجديد ألغى قانون الصوت الواحد واشترط على المرشحين الدخول في قوائم على مستوى المحافظة أو الدائرة الانتخابية، فإن الغالبية العظمى من المهتمين بالعملية الانتخابية ما زالت تتأثر بالقانون السابق، واتضح ذلك من خلال الدعاية الانتخابية التي اتّسمت بالفردية دون التركيز على القائمة.
يشهد الأردن يوم الثلاثاء المقبل 20 سبتمبر الحالي معركة الانتخابات النيابية (البرلمانية)، وتتنوع الآراء حيال الصورة التي يتوقع أن تنتجها على مسرح الساسة في المملكة. وحول إمكانية البناء على هذه الانتخابات في تشكيل حكومة برلمانية، صرح الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» بأنه «لا توجد نية لأحد في تشكيل حكومة برلمانية في المرحلة الحالية، وبات من المؤكد أن القانون بحاجة لتجربته أكثر من مرة حتى تنضج الحياة السياسية والحزبية، حتى يصبح القانون أداة مناسبة للوصول إلى الحكومات البرلمانية». وأردف: «الإشكالية ليست في القانون وإنما في الحياة الحزبية نفسها، فكلما تطوّرت الحياة الحزبية أصبح من الممكن تشكيل حكومات برلمانية استنادًا إلى هذا القانون». ثم قال: «نحن بحاجة إلى تجربة تطبيق القانون لمدة دورتين، وبعدها نستطيع أن نجني ثمار هذا القانون مع تعديلات يجب أن تجرى عليه، خصوصًا أننا في عملية التطبيق سنكتشف المشكلات على الواقع وهي التي تحدد هذه التعديلات».
بدوره، قال النائب السابق الدكتور مصطفى حمارنة إن «البيئة الحاضنة ليست بالمستوى السياسي الذي يتيح إفراز عدد كافٍ من النواب على أساس برامجي وسياسي، لكي يكون باستطاعتهم تشكيل كتل سياسية برلمانية على أساس برامجي - ليست هلامية مثل المجالس السابقة - لها القدرة على التشريع وتكون شريكة الحكومة في الرؤية». وأضاف: «للأسف أنا من النواب الذين صوّتوا لصالح إقرار القانون اعتقادًا مني أنه سيساهم في تشكيل قوائم سياسية حزبية ولها برامج، ولكن، للأسف، هذا لم يحصل واستمر هذا التأطير للجهوية والعشائرية في الدوائر الانتخابية الذي لا يشجع على التنمية السياسية».
* الإسلاميون.. في الصورة
وأردف حمارنة: «أنا لا أرى للأحزاب القديمة أو الحديثة أي دور في المجلس المقبل، وحتى القوى الإسلامية تأثرت قاعدتها الشعبية في الفترات السابقة لأسباب كثيرة ومختلفة»، مشيرًا إلى أنه رشح نفسه في «قائمة المستقبل» في دائرة مأدبا (جنوب غربي عمّان)، «ولنا برنامج عمل أطلقته كتلة المبادرة البرلمانية في المجلس السابق، وسنكمل هذا البرنامج إذا كتب لنا النجاح، والقائم على مبدأ المشاركة مع الحكومة». وتابع أنه يتمنى الوصول إلى قانون يكون على أساس القوائم الحزبية لا توجد فيها «كوتات» (حصص)، علمًا بأن هذه «الكوتات» موجودة في السابق وتوسّعت في القانون.
في المقابل، رأى عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية، أن القانون في الأساس «مصمم خصيصًا للحيلولة دون تشكيل كتل برلمانية حزبية وعدم الوصول إلى حكومات برلمانية، حيث لم يمكن القانون أي تكتلات حزبية أو وطنية أردنية في الحصول على مقاعد كافية في تشكيل أغلبية أو أقلية وازنة في البرلمان». وتوقع الرنتاوي أن يكون باستطاعة حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين (الأم)، تشكيل كتلة برلمانية عددها من 15 إلى 20 نائبًا، أما بقية الأحزاب فلن تحظى إلا بمقعد أو مقعدين لكل منها في أحسن الأحوال. وأشار إلى أنه من الصعوبة بمكان جمع هذه الأحزاب على برنامج عمل واحد، ولكن قد تنشأ تكتلات على غرار المجلس السابق من دون أي روابط أو لاصق لها.
وأوضح الرنتاوي أنه «وفق القانون الحالي ستكون المنافسة السياسية الحزبية على 30 مقعدًا من أصل 130 مقعدًا، أما بقية المقاعد فستكون لنواب الحارات والجهويات والعشائر وغيرها بنفس الطريقة القديمة، وربما عدد كبير من النواب السابقين سيعاد إفرازهم.. والجديد منهم سيكون من نفس التركيبة. أما من لديه لون سياسي حزبي فإن من سيصل إلى البرلمان لا يتجاوز 30 نائبًا، منهم 20 نائبًا من جبهة العمل الإسلامي، والعشرة الباقون سيتوزعون على بقية التلاوين السياسية، بما فيها الحزبان اللذين تم الإعلان عنهما أخيرًا؛ حزب (زمزم) وجمعية جماعة الإخوان المسلمين المنشقة عن الجماعة الأم».
واستطرد الرنتاوي قائلاً إن قرار مشاركة الأحزاب في الانتخابات «جاء لأنه ليس لديها خيار آخر. فهي محاولة منها لتقديم نواب في البرلمان إذا حالفها الحظ، وإذا لم يحالفها الحظ فهي فرصة لتقديم نفسها وبرامجها ورموزها للرأي العام. وبالتالي، فهي بمثابة تمرين بالذخيرة الحية بالتعامل مع جمهورها». وذكر أن «الأحزاب، التي تخوض الانتخابات ولها برامج فكرية، محصورة بالإسلاميين وبعض القوائم القليلة لبعض الأحزاب اليسارية والوطنية، أما الأحزاب الوسطية فإنها تخوض الانتخابات بغطاء عشائري واضح بعيدة عن أي برامج».
وعن مشاركة جمعية جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات، قال الرنتاوي إنها «مخالفة للقانون، ولو كانت هناك معايير صارمة لتم إغلاقها على غرار تحويل 30 جمعية خيرية للقضاء بسبب تدخلها في الانتخابات، خصوصًا أن جمعية الجماعة تخضع لقانون الجمعيات الخيرية وليس لقانون الأحزاب السياسية». وختم كلامه بالقول إن نتيجة الانتخابات «ستكون فرز قرابة 30 نائبًا حزبيًا، والبقية المائة سيكون انتخابهم بنفس الطريقة الفردية السابقة من دون برامج وولاؤهم مضمون للحكومة».
* عمل مؤسسي وبرامجي
على صعيد آخر، أعرب موسى المعايطة، وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، عن أمله بأن تؤسس الانتخابات المقبلة لـ«عمل مؤسسي وبرامجي، من خلال تشكيل القوائم والتحالفات والائتلافات التي أعلنت خوضها الانتخابات، سواءً كان ذلك على مستوى الدائرة الانتخابية الواحدة أو الدوائر الانتخابية الـ23 على مستوى المملكة». واعتبر أن مشاركة مختلف القوى السياسية والحزبية والشعبية والمُجتمعية في الانتخابات من خلال تشكيل الكُتل والائتلافات «خطوة مُتقدمة لترسيخ الديمقراطية الأردنية وسط إقليم مُلتهب، ورسالة للعالم بأن المملكة هي واحة أمن واستقرار ومحبة، وأنموذج عملي في تعزيز مشاركة المواطن في صناعة القرار».
وأردف أن الحكومة «تتطلّع إلى مشاركة كبيرة لفرز تركيبة نيابية تمثل مختلف الأطياف والقوى السياسية والحزبية والمُجتمعية»، مؤكدًا أنه «كلّما كانت المُشاركة أوسع كانت تشكيلة مجلس النواب أقرب إلى التمثيل الحقيقي للمجتمع، وبالتالي، فإن المواطن سيكون شريكًا في صناعة القرار وانتخاب ممثليه». وأشار المعايطة إلى أن «عدم مُشاركة بعض الناخبين في هذه الانتخابات تعني أنهم يسمحون لغيرهم بأن يُقرروا نيابة عنهم شكل ولون مجلس النواب المقبل».
وبيّن أن «صناعة التغيير في مجلس النواب الجديد تتطلّب مُشاركة الجميع في الإدلاء بأصواتهم، وليس من خلال المُقاطعة التي لا تخدم المصلحة الوطنية ولا السياسية، في مرحلة يسير فيها الأردن بثقة نحو تعزيز مسيرة (الإصلاح)، باعتباره مطلبًا وطنيًا أجمع عليه المواطنون». وللعلم، أبدت جميع الأحزاب والفعاليات الشعبية والنقابية رغبتها بالمشاركة في العملية الانتخابية سواء من الترشح أو الاقتراع.
* 1289 مرشحًا ومرشحة
بلغ العدد النهائي لمقدّمي طلبات الترشح للانتخابات النيابية 1289 مرشحًا ومرشحة، توزّعوا على 230 قائمة انتخابية. وبلغ عدد السيدات المتقدمات بطلبات الترشح 257 سيدة، منهن 4 سيدات مسيحيات وسيدتان من الشيشان/ الشركس، كما تقدمت قائمتان نسائيتان للترشح في كل من الدائرة الأولى في الزرقاء تحت اسم «قائمة النشميات»، والدائرة الخامسة في عمّان تحت اسم «قائمة سيدات الأردن».
ويخوض حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن غير المرخصة، المعركة تحت قوائم «التحالف الوطني للإصلاح» البالغ عددها 19 قائمة تضم 111 مرشحًا منهم 72 من كوادر الحزب. في حين تخوض أحزاب إسلامية تابعة لجمعية جماعة الإخوان المسلمين التي انشقت عن الجماعة الأم على 7 قوائم، دون تحديد عدد المرشحين الذين يتمتعون بدعم عشائري.
ولقد أظهرت نتائج دراسة مسحية أن جميع الأحزاب أكدت نيتها المشاركة في العملية الانتخابية، ووصل عدد الأحزاب المشاركة في الترشح إلى 39 حزبًا بنسبة 78 في المائة من إجمالي الأحزاب، بينما اكتفى 11 حزبًا بالتصريح برغبتهم بالمشاركة من خلال الانتخاب فقط. كذلك بيّنت الدراسة أن المرشحين من ذوي الانتماءات الحزبية شكلوا ما نسبته 18 في المائة من إجمالي عدد المرشحين، بما مجموعه 234 مرشحًا ومرشحة، وكانت نسبة الذكور منهم 81.7 في المائة، مقارنة بنسبة الإناث 18.3 في المائة. وتوزع المرشحون من ذوي الانتماءات الحزبية على 99 قائمة انتخابية في مختلف الدوائر الانتخابية.
كذلك بينت الدراسة، أن أكثر الأحزاب ترشيحًا في الانتخابات النيابية لعام 2016 هو حزب جبهة العمل الإسلامي، إذ ترشح عنه 72 مرشحًا، أي ما يعادل 5.6 في المائة من إجمالي المرشحين على مستوى المملكة، نسبة السيدات منهم 19 في المائة منهم. وتلاه حزب التيار الوطني بـ23 مرشحًا، نسبة السيدات منهم 17 في المائة. ثم يأتي حزب المؤتمر الوطني (زمزم) بـ20 مرشحًا، نسبة السيدات 10 في المائة. بينما ترشح من حزب الاتحاد الوطني 16 مرشحًا ومثله حزب الوسط الإسلامي. أما بالنسبة للأحزاب اليسارية والقومية فقد رشحت ما مجموعه 12 مرشحًا، من بينهم سيدتان فقط توزعوا على 8 قوائم انتخابية في 6 دوائر انتخابية.
ومن اللافت حسب الدراسة أن القوائم التي ضمت مرشحين يساريين، كانت عبارة عن قوائم مختلطة بين اليسار والوسط والتحالفات العشائرية، كما أظهرت المعطيات ميل أحزاب اليمين والوسط إلى بناء تحالفاتها بصورة متباينة في مختلف الدوائر التي ترشحت فيها، أي أنه لم يلحظ أي سلوك معياري لتحالف الأحزاب اليمينية والوسطية ذاتها في مختلف الدوائر التي تترشح فيها.
* أكثر من 4 ملايين ناخب
هذا على صعيد المرشحين، أما بالنسبة للناخبين، فإنه يربو على 4 ملايين ناخب، منهم مليون ونصف المليون في العاصمة عمّان ومليون ناخب في الزرقاء، ومن المنتظر أن ينعكس تراجع الإقبال في عمّان والزرقاء على تدني نسبة الاقتراع الإجمالية. والحقيقة أن أشكال الدعاية للانتخابات تظهر تأثر المرشحين بقانون الصوت الواحد، في ظل طغيان لافتات دعائية منتشرة في الشوارع تحمل صورًا شخصية لمرشحين بعينهم، دون بقية المنضوين في قوائمهم. حسب مراقبين، فهذا النوع من الدعاية يكشف عن تخوّفات كانت تتحدث عن فكرة «الحشوة» في القوائم، بحيث تستحوذ صور القائمين على القوائم على النسبة الأكبر، على حساب باقي أعضائها، أي «الحشوة»، أو ما جيء بهم لإكمال العدد. وما تحتويه هذه اللافتات من صبغة شخصية، مؤشر جدي على أنها دعوة للناخب لاختيار شخصية واحدة من القائمة، شخصية يبدو أنها لم تكن ستترشح عن طريق قائمة، لو سمح القانون لها بذلك. أما باقي أعضاء القوائم، وليس كلها حتمًا، فهم هناك لتجميل صورة قانون الانتخاب الذي لا يرضى بمرشحين إلا عبر قوائم، بحسب تقدير بعض المراقبين.
وبالنسبة للشعارات، بدا جليًا أن الدعاية الحالية للانتخابات بلافتاتها، لم تحمل شعارات جديدة، تغري الناخب بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، فمفردات مثل «التغيير» و«قوت المواطن» و«البطالة» و«محاربة الفقر» باتت سمة مألوفة في شعارات المرشحين والقوائم، كما كانت مع حملة مجلس النواب السابق. ولذا يتساءل المراقبون عن الجديد في هذه الشعارات، وما جاء به المرشحون، خصوصًا أن الشارع ملّ مثل هذا النمط الدعائي وفقد الثقة بها.
من جهة ثانية، بدأت تطفو قضية المال السياسي على سطح المشهد الانتخابي، خصوصًا بعد تحويل عدد من القضايا المرتبطة بها إلى القضاء، وفق الهيئة المستقلة للانتخاب، فضلاً عما تشهده بعض الدوائر الانتخابية من ظهور هذا المال بين ناخبين ومرشحين، بحسب شهود عيان، مما يدعو للتصدي له ووقفه قبل استفحاله. وبينما عالجت «الهيئة المستقلة» هذه القضية عبر تعليمات تنفيذية خاصة بالاقتراع والفرز - وخصوصًا للناخب الأمي، الذي يعد أحد مفاتيح شراء وبيع الأصوات - يتحرك المال السياسي بسرعة في العملية الانتخابية.
* المال.. والرشوة
ويتخذ هذا «المال السياسي» أشكالاً متعددة، من بينها الرشوة التي يقدمها مرشحون للناخبين لقاء ضمان أصواتهم، سواء كان الصوت لصالح مرشح معين أو توظيفه ضد مرشح آخر، إما بحجب الصوت أو منحه مرشحًا آخر لتشتيت الأصوات، والحؤول دون نجاح أحد المرشحين. لكن «المال السياسي» ليس بدعة أردنية في حال، بل حالة عالمية، يمارسها إغراء أو تدجين وتطويع الناخبين عبر المال والاسترضاء بالامتيازات. وفي هذا الصدد، قال الناخب علي بلال، إنه «تجاهل دعوات وجهها إليه مرشحون وأفراد من طواقمهم، ليقف في صفهم»، ورفض ذلك، مؤكدًا أنه «سينتخب من يريده هو لا من يفرض عليه». وأشار إلى أنه «على علم بأن هناك أشخاصًا، يجري توظيفهم من قبل مرشحين، للترويج لهم واستغلال الظروف المعيشية الصعبة لمواطنين لشراء أصواتهم».
أما الناخب أيمن الصمادي، فذكر أن «أشكال المال السياسي بدأت تظهر قبل فترة من خلال التبرعات والمساعدات العينية»، مشيرًا إلى أن «ظاهرة شراء الأصوات، أفقدت مجلس النواب السابق هيبته وجعلته عرضة للنقد، وساهم ذلك في تدني مستوى أداء المجلس». وأوضح أنه تنتشر في منطقته «شعارات انتخابية باهتة، تتناول التأمين الصحي والتعليم وتخفيض أسعار النفط والكهرباء ومحاربة الفاسدين، وما إلى ذلك مما سمع به المواطن من شعارات دون أن يرى أي تطبيق لها على أرض الواقع».
وفي هذا السياق نشير إلى أن دائرة الإفتاء العام في المملكة حرمت شراء الأصوات في الانتخابات، من خلال فتوى نشرتها على موقعها الإلكتروني. ونصت الفتوى على أنه «يحرم على المرشح أن يدفع المال للناس مقابل انتخابه وحشد الأصوات لصالحه، سواء أكان نقدًا، أو هدايا، ومن يفعل ذلك، فكيف يؤتمن على مصالح وطنه ومقدراته». وتابعت أنه «من غير اللائق بالمواطن الأردني أن يتعامل مع قضية الانتخابات بهذا الأسلوب، ومن غير اللائق على النائب كذلك أن يحشد الأصوات لصالحه بهذه الطريقة، ومما يذمّ به المجتمع أن تكون المجالس النيابية قائمة على شراء الضمائر، وماذا يُتوقع ممن يرى المال كل شيء فيبيع صوته، أو يشتري صوت غيره؟ وماذا يُتوقع منه إذا صار صاحب قرار؟».
* قانون الانتخاب الجديد
- يرتكز قانون الانتخاب الجديد على نظام «القائمة النسبية المفتوحة».
- ينهي هذا القانون مبدأ الصوت الواحد، وسيؤدي إلى أن تكون ثمة حكومات برلمانية في المستقبل.
- نظام القائمة النسبية المفتوحة للدول التي تتمتع بوجود أحزاب قوية: «أن يشكل كل حزب قائمة تحتوي على مرشحيه في الانتخابات، حيث يتم وفق النظام الانتخابي اختيار مرشح أو أكثر من القائمة الحزبية، بينما يتم تحديد نسب تمثيل هذه الأحزاب في البرلمان بناء على نسب الأصوات التي حصل عليها كل حزب».
وأما فيما يتعلق باختيار ممثلي الحزب وفق هذا القانون، فإنه يتم بحسب ترتيب الأصوات التي حصلوا عليها.
- بما أن الحياة الحزبية في الأردن ليست قوية، فاعتمد القانون الجديد على أن يشكل مجموعة من الأفراد قائمة محددة بناء على تيار يجمعهم أو فكر سياسي أو اجتماعي أو حزب.
- يرى كثيرون أن في نظام القائمة النسبية المفتوحة مساحة كافية لفوز الفقراء والأقليات، وتمثيلهم بصورة عادلة في البرلمان.
- أصبحت كل محافظة تمثل دائرة واحدة، باستثناء العاصمة عمّان التي خصصت لها 5 دوائر، وإربد 4 دوائر، والزرقاء دائرتان، ليكون المجموع الكلي 23 دائرة.
- يمتلك كل ناخب عددًا من الأصوات يساوي عدد المقاعد المخصصة لدائرته الانتخابية، ولن يكون هناك عدد يقل عن 3 مقاعد للدائرة الواحدة.
- يقوم الناخب بالإدلاء بصوته لقائمة واحدة فقط من القوائم المرشحة أولاً، ثم يصوت لكل واحد من المرشحين ضمن هذه القائمة أو لعدد منها.
- عدد النواب وفق القانون 130 نائبًا أي أقل بـ20 نائبًا من السابق، مع الإبقاء على 15 مقعدًا مخصصًا للنساء «الكوتا» و9 مقاعد للمسيحيين و3 مقاعد للشركس والشيشان.
- يبلغ عدد المقاعد المخصصة للنساء ضمن «الكوتا» 15 مقعدًا، بواقع مقعد واحد لكل محافظة، على ألا يلغي ذلك حقهن في الحصول على مقعد في حال فوزهن بالتنافس.
- المقاعد المخصصة للشركس والشيشان والمسيحيين، فإنهم يترشحون فقط ضمن قوائم في الدوائر الانتخابية التي خصصت لهم فيها مقاعد.
- تعامل كل دائرة من دوائر البادية الثلاث (الشمالية والوسطى والجنوبية) معاملة المحافظة.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.