انفصال جبهة فتح الشام عن «القاعدة»

الممارسة والعقلية المتطرفة أمام تحديات الواقع

مقاتلون من حبهة الشام (النصرة سابقا) في موقع متقدم أمام الأكاديمية العسكرية جنوب حلب بعد معركة صورة تعود إلى اسبوع مضى (أ.ف.ب)
مقاتلون من حبهة الشام (النصرة سابقا) في موقع متقدم أمام الأكاديمية العسكرية جنوب حلب بعد معركة صورة تعود إلى اسبوع مضى (أ.ف.ب)
TT

انفصال جبهة فتح الشام عن «القاعدة»

مقاتلون من حبهة الشام (النصرة سابقا) في موقع متقدم أمام الأكاديمية العسكرية جنوب حلب بعد معركة صورة تعود إلى اسبوع مضى (أ.ف.ب)
مقاتلون من حبهة الشام (النصرة سابقا) في موقع متقدم أمام الأكاديمية العسكرية جنوب حلب بعد معركة صورة تعود إلى اسبوع مضى (أ.ف.ب)

ما زالت كلمة «أبو محمد الجولاني» في 28 يوليو (تموز) 2016 تثير نقاشا واسعا بين الباحثين والمتخصصين في الموجة الجديدة الثالثة من الإرهاب التي أفرزتها انتكاسات التحولات الديمقراطية خاصة بعد الحراك المجتمعي - أو «الربيع العربي» - في المنطقة العربية عام 2011م. ذلك أن خطاب الجولاني ما كان كلامًا في الدين والسياسة وحسب، بل هو تعبير جديد على ظهور فاعل متميز، يتشابك، ويتعارض، ويتحارب، مع قوى وطنية قُطرية، وأخرى إقليمية حاول الاستئثار بالنفوذ ولعب دور الزعامة محليا وإقليميا. كذلك يخوض هذا الفاعل معركة متعددة الأطراف يظهر فيها تنظيم «الجولاني» وما شاكله من التنظيمات السورية، في تناقض مع قوى دولية كبرى؛ تحاول بكل قوة، الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية بالشرق الأوسط، وصولا للبحر الأبيض المتوسط.
يرى مراقبون أن إعلان «أبو محمد الجولاني»، الزعيم البارز في «جبهة النصرة» تأسيس «جبهة فتح الشام» وفك التنظيم الوليد الارتباط بـ«القاعدة»، يجد تفسيره في الوعي المتنامي لدى الجيل الجديد من الراديكاليين بالطبيعة المعقدة للصراعات الوطنية ذات البعد الدولي. إذ عملت «جبهة النصرة» منذ بداية تشكلها، على التقاطع الكبير مع «القاعدة» فكريا بالبيعة، وممارساتيا بالقتال؛ غير أنها خلقت لنفسها بعدًا وطنيًا سوريًا مستقلاً، ومنتجًا لخطاب وممارسة مرنة، تفتقر إليهما «قاعدة» أيمن الظواهري، و«الخلافة» المزعومة لـ«أبو بكر البغدادي».
صحيح أن البعض فسر هذه الخصوصية لـ«جبهة النصرة» بكونها مجرد «التعمية على دورها في الحرب السورية». وأبعد من هذا ذهب كل من ديفيد روس، الباحث في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» (FDD) وتوماس جاسلن، المحرر الأول في مجلة «الحرب الطويلة» إلى التأكيد على أن المستجدات التنظيمية لـ«جبهة النصرة» على الأراضي السورية، هي استراتيجية جديدة، توجت مسيرة من سياسة زرع «القاعدة» لقياداتها داخل الحركات، والتنظيمات السورية المحاربة للنظام الوحشي للأسد.
* الخصوصية السورية
غير أن هذا الرأي، لا يعطي الأهمية المستحقة لطبيعة تصورات «النصرة» الخاصة بالتكفير وممارسة الحرب، وطبيعة علاقاتها داخل وخارج سوريا. فمعلوم أن الرؤية الفقهية لـ«جبهة النصرة» لم تقتصر مع مرور الزمن على تنظيرات وكتابات «أبو مصعب السوري»، التي جمعها في كتبه، «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» و«ملاحظات التجربة الجهادية في سوريا»، وكتابه الثالث «أهل السنة في الشام في مواجهة النصيرية والصليببية واليهود».
كذلك فإن هذا الطرح لا يولي الأهمية البالغة للنسق الفكري والتنظيمي السوري، الذي شكل «جبهة النصرة»، فهذا التنظيم الذي شهد تطورات مثيرة خلال سنوات قليلة، ينتظر أن يشهد تحولات أكثر إثارة وجلبا لانتباه الباحثين في الحركات الراديكالية والإرهابية. ذلك أن «أبو محمد الجولاني» وتنظيمه يجسدان نموذجا من الزعامات والتنظيمات غير التقليدية في المسار التاريخي للحركات المشار إليها. ومعلوم أن «جبهة النصرة» لم تكن وحدة منسجمة من حيث القيادة الفقهية، ولا من حيث القيادة العسكرية؛ بل كانت سرايا وألوية مستقلة عن الحركات الإرهابية بالشرق الأوسط، وهو ما منحها خصوصية محلية، وصلت إلى درجة القتال مع «داعش».
في خطاب «الجولاني» الأخير، يتضح أن الانفصال عن «القاعدة» واتخاذ اسم جديد «جبهة فتح الشام»، جاء ليتوافق مع طبيعة المعركة الدائرة في سوريا، وطبيعة تحالفات القوى الوطنية المعارضة لنظام الأسد، من جهة؛ ومن جهة ثانية جاء هذا التطور كمحصلة ونتيجة من نتائج الصراع الدولي حول تعريف الإرهاب، وتحديد التنظيمات الإرهابية.
* في مواجهة «داعش»
لكن الانفصال في الواقع قد يشكل بداية مرحلة جديدة من بناء التنظيمات المحلية، المستقلة فكريًا وفقهيًا، وعسكريًا عن «القاعدة» الأم؛ وفي الوقت ذاته، المحاربة عمليًا لتنظيم داعش، وهو ما يعني أن فكرة الزعامة العالمية الموحدة للراديكالية المسلحة الرافعة ألوية الإسلام، وكذلك عقيدة «عالمية الخلافة، ووحدة المجاهدين»، هما محط تساؤل من الراديكاليين أنفسهم. بل يمكن القول إنهما فكرتان من الماضي ولا تتوافقان مع «الجيل الثالث» من الحركات الراديكالية، التي أصبحت تضع اعتبارات «شرعية» تحدد ممارسة ما تزعم أنه «الجهاد» وتضعه في سياق وحدود التفاعلات المحلية والإقليمية والدولية. وهذا ما يعني كذلك أن الوعي بهذا السياق أصبح «موجهًا للاجتهادات الفقهية»، الخاصة بالقتال والولاء والبراء الذي تؤمن به هذه التنظيمات.
أكثر من ذلك أظهر «الجولاني» في خطاب الانفصال توجهًا إصلاحيًا غير معهود من «القاعدة» وفروعها. فهو تبنى في حديثه عن الأهداف خطابًا لا يتوافق وآيديولوجية «القاعدة» وتصوّرها لنظام العلاقات الإقليمية والدولية القائمة على البيعة، والحرب مع الشيعة والدروز والصليبيين. فـ«الجولاني» تحدث عن إقامة وتحكيم دين الله وتحقيق العدل بين الناس، كما تحدث، عن خدمة المسلمين والتخفيف من معاناتهم. ويبدو أن تصور «الدولة الجامعة» القائمة على أساس المواطنة ليس في برنامج التنظيم الجديد، وتحتاج هذه القضية من «الجولاني» وفريقه الفقهي مزيدًا من المراجعات الفكرية، رغم ما أشار إليه من تحقيق للعدل «بين الناس.. جميع الناس».
ولكن، رغم هذا النقص التصوّري البيّن، فإن إيمان «جبهة فتح الشام» بالتوحّد مع فصائل المعارضة، دون شروط من قبيل بيعة زعيمها واعتماد مبدأ «الولاء والبراء» بالمفهوم التقليدي الذي يستعمل التكفير ضد المخالف يُعد تحولاً نوعيًا على المستوى الفكري. وإذا ما استطاع تنظيم «الجولاني» الجديد الدخول في مسار جديد من التوحّد مع الفصائل السورية الأخرى، فإن ذلك يعني بالضرورة، إحداث مزيد من القطيعة مع فكر «القاعدة»، والدخول في مزيد من المواجهات الإعلامية والعسكرية مع تنظيم داعش. ذلك أن خطاب الانفصال تبنى مبدأ «حماية الجهاد الشامي» وضرورة اتخاذ واعتماد كل الوسائل الشرعية الضامنة لهذه الحماية. وهو ما يعني من الناحية العملية والواقعية، أن التراث الفقهي الذي تبنته «القاعدة» ورسخته، لم يعد بإمكان «جبهة فتح الشام» المحافظة عليه والانطلاق منه، لبناء الوحدة والحفاظ على الثورة السورية ومصالح الناس في سوريا.
* مرونة.. أم انتهازية؟
وحينما يتكلم «الجولاني» عن «اعتماد كل الوسائل الشرعية المعينة على ذلك»، فهذا يعني أن إمكانية حدوث مزيد من المراجعات وارد في ذهن زعامة التنظيم - خاصة، أن هناك تنظيمات سورية قوية ليس لها سابق انتماء لفكر «القاعدة» وليس لها ولاء ولا امتداد خارجي، بل إن لها رؤية فقهية أكثر اعتدالا من «جبهة فتح الشام - وأن التقارب والتنسيق أو الاندماج سيؤثران حتما على «الفريق الفقهي» و«مجلس الشورى» في تنظيم «أبو محمد الجولاني».
في هذا الإطار يمكن القول إن التنسيق القائم مع جماعة «أحرار الشام» ذات النفوذ القوي، لم يكن ليحصل لولا بعض المرونة التي يتميز بها رجال الفقه في تنظيم «جبهة النصرة» سابقًا.. «جبهة فتح الشام» حاليًا.
مع هذا، علينا أن ننتبه ونحن نناقش هذا الانفصال المعلن من الطرفين «القاعدة» و«جبهة النصرة» أنه على طول أكثر من عقدين من الزمن - وتحديدا منذ «هجمات 11 سبتمبر (أيلول)» 2011 - كان المسار المعولم للإرهاب يعتمد على انضمام الأطراف للمركز وإعلان بيعة «الأمير». وأي خروج عنه يعتبر كفرًا وردة تستوجب قتال مرتكب هذه الكبيرة.
ولقد توسعت «القاعدة» وبعدها ظهر «داعش» وفقًا لهذا المبدأ الذي يحمل ثقافة يزعم القائمون عليها أنها دينية. ويبدو أن هذا المسار التاريخي قد ينكسر على صخرة الصراع السوري الذي يعود له الفضل في تسجيل بداية لخلخلة كثير من المنطلقات العقدية للحركات الإرهابية، خاصة بين «القاعدة» و«داعش»، وهو ينتقل لمرحلة جديدة بين «القاعدة» وفروعها.
في الأرض السورية شهدنا منذ سنة 2013 رفض «الجولاني» دعوة «أبو بكر البغدادي» لحل «جبهة النصرة» والانضمام لـ«داعش». واليوم يقود «الجولاني» وفريقه العسكري والفقهي مسارًا لا يخلو من التشدد الديني والتطرف، لكنه يخرج من دائرة الانضمام وتوسع «الجهاد» المزعوم والإرهاب المعولم، ليبدأ بقوة مسارًا جديدًا هو مسار الانفصال والاستقلال ومراعاة الظروف الدولية والإقليمية، والعرقية والمذهبية، وجعل هذه المتغيرات حاكمة لسلوك التنظيمات الراديكالية والإرهابية الجديدة.
صحيح أن التنظيم الجديد حليف موضوعي للثورة السورية، وللقوى الدولية ضد تنظيم داعش الوحشي؛ لكنه من السابق لأوانه الجزم بأن «جبهة فتح الشام» منفصلة انفصالاً آيديولوجيًا وفكريًا عن «قاعدة» أيمن الظواهري. ذلك أن «القاعدة» أمام كثير من المتغيرات قد تتجه لتبني استراتيجية جديدة تقوم على اعتماد التنظيم الشبكية والمرونة التنظيمية والابتعاد عن نظام الأطراف والمركز؛ ومن ثم العودة بقوة وبأقل التكاليف، في زمن يشهد فيه تنظيم «البغدادي» تراجعًا ملحوظًا على المستوى المادي والجغرافي والبشري، وعلى مستوى التعاطف مع فكرة التوحش في القتال، والمس بالمدنيين والأماكن المقدسة.
بكل تأكيد يبقى للزمن القريب دور مهم في إظهار جدية التحولات التي تخضع لها بعض التنظيمات الإرهابية. وستكون الأشهر القليلة المقبلة اختبارا لـ«الجولاني» وتنظيمه لإظهار جديته في الابتعاد الحقيقي عن عقلية وفقه تنظيم يهدد الأمن المحلي والإقليمي والدولي. كذلك ستظهر الأشهر المقبلة صدقيه نيات «جبهة فتح الشام» فيما يخص المساهمة الفعالة في الحفاظ والانضباط للشعارات التي رفعت في الثورة السورية، والمتعلقة بالديمقراطية والمواطنة، والوحدة الوطنية والجغرافية. فهل يكون مسار الانفصال بداية لتاريخ جديد من الاجتهاد الفقهي المعتدل بقيادة «الجولاني»؟ أم سيثبت أنه مجرد تكتيك يحافظ على التطرف والممارسة الإرهابية التي تتبناها «القاعدة» في زمن انكماش «داعش»؟

*أستاذ العلوم السياسية - جامعة محمد الخامس في الرباط



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».