الهند الجديدة !

شعار انتخاباتها «لا أحد مما سبق».. وحزب بهاراتيا جاناتا يقترب من حكم خمس سكان العالم

الهند الجديدة !
TT

الهند الجديدة !

الهند الجديدة !

تشهد الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، واحدة من أهم انتخاباتها، والتي انطلقت أول من أمس، وينتظر أن تشهد نتائجها تغيرات عديدة سياسية واجتماعية، وكذا اقتصادية. وتتسم الانتخابات الهندية بنكهة خاصة، فعلى الرغم من إجراء الانتخابات في نحو 48 دولة في العالم هذا العام، فإن الانتخابات الهندية تتخذ طابعا مختلفا، ليس فقط لأنها أكبر ديمقراطية في العالم، بل لأن رئيس الوزراء الجديد سيحكم خمس سكان العالم.
ومن المتوقع أن تمهد هذه الانتخابات، التي دأب المحللون الهنود على وصفها بالتاريخية، الطريق أمام حزب بهاراتيا جاناتا اليميني لمنافسة حزب المؤتمر الذي يميل إلى يسار الوسط، والذي يحظى بشعبية كبيرة، والموجود على رأس السلطة منذ 10 سنوات.
وتجرى الانتخابات في تسع مراحل على مدار ستة أسابيع لانتخاب الحكومة السادسة عشرة منذ الاستقلال، التي بدأت أول انتخاباتها البرلمانية عام 1952، بعد أربع سنوات فقط من نهاية الاستعمار البريطاني، والتي جاءت بجواهر لال نهرو كأول رئيس للوزراء، شغل المنصب لسبعة عشر عاما، والذي كان رقما قياسيا لم يشغله أي رئيس وزراء آخر في الهند.
ويبلع إجمالي عدد الناخبين الهنود الذين يحق لهم التصويت نحو 815 مليون ناخب، أكثر من عدد سكان الولايات المتحدة وروسيا واليابان ونيجيريا مجتمعة، والذين سيدلون بأصواتهم مستخدمين 1.7 مليون ماكينة تصويت إلكترونية، توجد في 930 ألف مركز اقتراع لاختيار 543 نائبا في البرلمان. ويتوقع أن تبلغ تكلفة الحملات الانتخابية أكثر من خمسة مليارات دولار، لتحل كثاني أكثر انتخابات تكلفة في العالم بعد الولايات المتحدة.

تعد الانتخابات الحالية هي المرة الأولى التي سيتمكن فيها الناخبون الهنود من إبداء امتعاضهم من الأحزاب والمرشحين في الهند والضغط على خيار «لا أحد مما سبق»، في آلة التصويت الهندية (أي أنهم لن ينتخبوا أحدا سبق انتخابه). وتتجاوز أعداد الناخبين الذين سيشاركون للمرة الأولى في الانتخابات 120 مليون ناخب، بالتساوي مع سكان الفلبين، الذين سيدخلون حظيرة الديمقراطية مرة واحدة.
سيتم فرز الأصوات في السادس عشر من مايو (أيار)، وسيحظى الحزب أو التحالف الفائز بأغلبية الأصوات بارتقاء سلمي وناعم للسلطة، في شهادة على نضوج الديمقراطية الهندية.
ومنذ إعلان مفوضية الانتخابات الهندية عن موعد إجراء الانتخابات شهد الشهر الماضي كثافة في الحملات الانتخابية التي استخدمت فيها مكبرات صوت ولوحات وملصقات، في الوقت الذي انخرط فيه القادة السياسيون في عقد المؤتمرات الانتخابية.
يقول مانيش تشيبر، وهو صحافي هندي بارز، لـ«الشرق الأوسط»، إن الانتخابات «تأتي في وقت تواجه فيه الحكومة فضائح الفساد وسوء إدارة الاقتصاد وارتفاع الأسعار». وأضاف «من بين القضايا الرئيسة التي احتلت أهمية كبرى قضية كبح جماح التضخم، وتوفير فرص العمل للشباب وإدارة أفضل لموارد البلاد».
وإذا ما صدقت استطلاعات الرأي الكثيرة، فمن المتوقع أن يشكل حزب بهاراتيا جاناتا ورئيسه وزرائه ناريندرا مودي أضخم تحالف سياسي. فحسب آخر استطلاعات الرأي الذي أجري في الشهر الحالي، يتقدم حزب بهاراتيا جاناتا على المؤتمر، ويبدو متأهبا لتشكيل الحكومة القادمة بعد السادس عشر من مايو.
وكشف استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة لوكنيتي على مستوى الهند، والذي نشرت نتائجه في الرابع من أبريل (نيسان)، عن رغبة 63 في المائة من الهنود في أن يقود حزب بهاراتيا جاناتا الحكومة القادمة، مقارنة بـ19 في المائة الذين أيدوا حزب المؤتمر، وهو ما يشير إلى تدني شعبية الحزب إلى أدنى مستوى لها منذ الفترة بين عامي 1996 و1998.
ويقول بي جي فيرغيزي، المحلل السياسي في مركز الأبحاث السياسية، مؤسسة بحثية مقرها نيودلهي «هناك عاملان يجعلان انتخابات 2014 الهندية الحالية حالة فريدة عن الانتخابات السابقة، وهي أنه عندما تغيب فرص ظهور زعيم قوي والسياسات المؤيدة للشعب مع التحالفات الاجتماعية القائمة على الطائفة والدين والعصبيات لإنتاج فائز نهائي، يكون الفائز في أغلب الحالات حزب المؤتمر الذي تأسس قبل 128 عاما».
وأشار إلى أن الهند تغيرت بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، التي شهدت انخفاض مستويات الفقر المطلق بشكل حاد، وعوضت الوفرة النقص في السلع الاستهلاكية، وحافظ التوسع الحضري العشوائي على وتيرة النمو الاقتصادي المطرد منذ عام 1991. صحيح، أن هناك جزر الحرمان، ولكن بشكل عام فإن الهند عام 2014 أكثر قوة، وأفضل تعليما، وأكثر تفاوتا اجتماعيا وطموحا من أي وقت مضى.
علاوة على ذلك، لا يملك حزب المؤتمر مرشحا قويا لرئاسة الوزراء، فالاقتصادي الذي تحول إلى رئاسة الوزراء، مانموهان سينغ، قد أعلن بالفعل عن اعتزامه التقاعد. في الوقت الذي تعاني فيه زعيمة الحزب سونيا غاندي من متاعب صحية، بينما يبدو ابنها راؤول غاندي غير مؤهل بعد، على الرغم من ظهوره كمرشح محتمل لرئاسة الوزراء في إعلانات الحملة الانتخابية.
من ناحية أخرى، أعلن حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يتصدر المشهد الانتخابي في الوقت الراهن، عن مرشحه ناريندرا مودي رئيسا للوزراء. ومن المتوقع بشكل كبير أن تشهد الهند تولي أول رئيس للوزراء يولد بعد الاستقلال.
وفي حال الرغبة في إجراء مقارنة بين المرشحين لرئاسة الوزراء فإن ناريندرا يمتلك قدرات إدارة جيدة، ويمتلك القدرة على تحويل الخصومة إلى فرصة. وهذا هو تحديدا ما يجعله يبدو مقبولا لدى الشعب الهندي، الذي يبحث عن رئيس وزراء أكثر جدارة من مانموهان سينغ، الذي يعتقد أنه يعاني من علة صحية على الرغم من إنجازاته الاقتصادية. بيد أن مودي شخصية مثيرة للجدل، وباعتباره شخصية هندوسية متطرفة فشل إلى حد كبير في وقف أعمال العنف ضد المسلمين في ولاية غوغارات عام 2002. رغم ذلك استطاع توحيد صفوف الحزب ورفع أسهمه، إضافة إلى أنه يحظى بإقبال كبير من أصحاب الشركات وكل طوائف المجتمع الأخرى من المهمشين والأشخاص العاديين.
وتلاقي التجمعات الانتخابية التي يحضرها مودي حضورا شعبيا كبيرا، ويجري فيها توزيع الهدايا من الأكواب والقمصان والأقنعة والأقلام بشكل مجاني لجذب المزيد من الحضور. وعند تعرضه للسخرية من زعيم حزب المؤتمر ماني شانكار آيار بسبب خلفيته المتواضعة لمساعدته والده في متجر الشاي في ريعان شبابه، طرأت لحملة مودي فكرة إقامة حوار «كوب شاي ساخن».
أبرز التحديات التي ينبغي على مودي التعامل معها في الوقت الراهن خاصة بوصمة عام 2002 والتي تلاحقه منذ ذلك الوقت، على الرغم من تبرئة المحكمة لساحته. ومن المتوقع أن يصوت له الناخبون المسلمون.
في المقابل، يقف راؤول غاندي، 34 عاما، زعيم حزب المؤتمر، والذي يتوقع أن يكون إما أبرز نجاحات الحزب أو نقاط ضعفه. ورغم كون غاندي الرابط الذي يجمع الحزب، فإن إمكاناته تظل موضع شكوك حتى من قبل الحزب ذاته. فيرى بعض أعضاء حزبه أنه يبدو مختلفا وغير واثق من قدراته، فهو يقضي كثيرا من الوقت في دراسة التحليلات والتفكير في إجراء إصلاحات داخلية في الحزب أكثر من تفسير السبب في رغبته في الحكم. لكن حزب المؤتمر يتوقع عدم قدرته على تحقيق برنامجه الذي تعهد فيه بتوفير 100 مليون وظيفة للفقراء، وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية، وانتعاش الاقتصاد المتعثر للقوة الناشئة. وقال راؤول غاندي إن حزبه سيستثمر مليار دولار في البنية التحتية المتداعية.
وقد اعتمد حزب المؤتمر على دعم الهنود في المناطق الريفية التي تمدها بإعانات الطعام وخطط التطوير. وفي إشارة تبعث على القلق لحزب المؤتمر، قال أكثر من نصف الأشخاص الذين جرى استطلاع رأيهم في استطلاعات الرأي الأخيرة إن حزب بهاراتيا جاناتا سيعمل بشكل أفضل من حزب المؤتمر في مساعدة الفقراء.
وبحسب البروفسور كي سي سوري، فقد أظهرت الأنماط الانتخابية أن الناخبين الهنود يحكمون على الموقف الانتخابي بأثر رجعي، أكثر من التوقعات. ففي الأسبوع الماضي راهن المستثمرون الأجانب على تغيير الحكومة، ليرفع ذلك من أسهم البورصة. وقال سوري «ارتفاع الأسعار كان أحد الأسباب في تردي أوضاع حزب الكونغرس».
بيد أنه مع الزيادة الكبيرة في أعداد الأحزاب السياسية في الهند والتنوع الكبير في البلاد خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، لم يتمكن حزب سياسي واحد من تشكيل حكومة بمفرده، واحتاج إلى دعم من شركائه قبل الانتخابات أو بعدها. وقد سمح ذلك بتشكيل ثلاثة تحالفات سياسية هي التحالف التقدمي المتحد، وهو التحالف الذي يقوده حزب المؤتمر، والجبهة الديمقراطية الوطنية، التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا، وتضم الجبهة الثالثة الشيوعيين والمجموعات الإقليمية الأصغر حجما.
جدير بالذكر أن حزب المؤتمر هيمن على الساحة السياسية في الهند منذ الاستقلال عام 1947، وتولى السلطة منذ عام 2004، لكنه لم يشكل حكومة بمفرده منذ عام 1984، بينما كانت المرة الأخيرة التي يشكل فيها حزب بهاراتيا جاناتا والجبهة الديمقراطية الوطنية الحكومة بين عامي 1998 و2004، وهو ما يتوقع أن يتكرر في عام 2014. فقد كان أداء عدد من الأحزاب الإقليمية التي تهيمن بشكل كبير على الولايات ذات الكثافة السكانية الكبيرة مثل بيهار وأوتار براديش وتاميل نودو والبنغال الغربية عامل حسم أيضا. فقد أعلنت هذه الأحزاب عن تشكيل ما سمته «الجبهة الثالثة»، لتحدي الحزبين الرئيسيين إذا فازا بأصوات كافية. لكن المحللين يرون احتمالية وقوع انشقاقات بين أحزاب هذه الجبهة في حال الوصول إلى البرلمان. وقد دخل حزب بهاراتيا جاناتا الانتخابات في شراكة مع بعض الأحزاب الصغيرة تحت راية الجبهة الوطنية الديمقراطية، فيما يواصل حزب المؤتمر سيطرته على التحالف التقدمي المتحد على الرغم من خسارته لبعض الأحزاب الرئيسة قبيل الانتخابات.
وقال برافين راي، عالم النفس في مركز دلهي لدراسات المجتمعات النامية «يستطيع حزب المؤتمر وحزب بهاراتيا جاناتا الفوز في الانتخابات في حال عقد تحالفات مع الأحزاب المحلية الصغيرة في الولايات».
ورغم إشارة الكثير من استطلاعات الرأي إلى احتمالية فوز حزب بهاراتيا جاناتا بغالبية الأصوات، فإنه في حال فشله في الفوز بالـ272 مقعدا المطلوبة لتشكيل حكومة فسوف يسعى إلى عقد تحالفات لتشكيل الحكومة. وهنا يأتي دور الأحزاب الإقليمية الصغيرة التي ستسعى إلى الحصول على امتيازات في مقابل دعم الحزب، والتي سيكون من بينها الحصول على حقائب وزارية لأعضاء بارزين في الأحزاب المحلية أو صفقات خاصة بشأن ولايات بعينها. وقد عقد بهاراتيا جاناتا تحالفات مع أحزاب إقليمية - من بينها حزب السيخ في ولاية البنجاب، وحزب شيروماني آكالي دال وحزب إم دي إم كيه بولاية تاميل نادو، وحزب لوك جانشاكاتي في ولاية بيهار، وحزب تي دي بي في جنوب ولاية أندرا براديش وحزب شيفا سينا في ولاية مهاراشترا.
وقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن حزب بهاراتيا جاناتا قد يسعى إلى الحصول على دعم حزب مؤتمر ترينامول كل الهند، وهو حزب إقليمي يحكم ولاية البنغال الغربية جنوب شرقي الهند، في مقابل حصول رئيس الحزب ماماتا بانيرجي على منصب وزاري في الحكومة المقبلة، أو بتقديم الدعم المالي للولاية التي تعاني من تراكم الديون عليها. ويتوقع أن يحصد حزب ترينامول ما بين 30 إلى 35 مقعدا في الانتخابات الحالية، وهو ما يتوقع أن يمنح الأغلبية لحزب بهاراتيا جاناتا في البرلمان.
ويتكرر الموقف ذاته مع جايا لاليثا، حاكمة ولاية تاميل نادو جنوب الهند وزعيمة حزب إيادمك، الذي كان شريك بهاراتيا جاناتا في حكومة الجبهة الديمقراطية الوطنية. وعلى الرغم من عدم عقد أي تحالفات مسبقة بين الحزب وحزب بهاراتيا جاناتا قبل الانتخابات فإن الباب لا يزال مفتوحا أمام وجود مثل هذه التحالفات.
ووسط المعركة بين الحزبين الكبار تظهر جبهة جديدة، هي جبهة «آم آدامي»، ولدت لمحاربة الفساد، والتي أظهرت أداء رائعا في الانتخابات المحلية التي جرت في الهند في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وقد يثبت الحزب الذي دخل الانتخابات للمرة الأولى في البلاد أنه إما يتمتع بنفوذ قوي أو أنه صاحب معارك كلامية فقط.
كان حزب «آم آدامي» قد تخلى عن سياسات الهوية المعتادة، وتبنى عوضا عن ذلك طموحات الشعب خاصة أولئك الذين يقبعون في قاع الهرم، عبر تعريف الفساد بأنه عائق أمام تحقيق طموحات الشعب الهندي. وقد لقي الحزب استجابة لدى بعض الناخبين الذين لم يجدوا من يتحدث عن الطموحات الشعبية - وهو ما لقي استجابة بين قطاعات كبيرة من السكان والطبقات والعرقيات.
ويقول المحلل السياسي ريخا تشودري «جلب الحزب عامل التجديد واشتهر بأنه أحدث انشقاقا عن السياسيين القدامى التقليديين. لكن الفترة التي تولى فيها الحزب المسئولية في دلهي ألقت الضوء على افتقاره إلى الخبرات الإدارية، حيث يبدو الحزب أكثر نشاطا وفوضوية عن كونه بديلا جادا. وربما يكون الحزب قد نجح على مستوى الحشد، لكن لا يتوقع أن يبدي المواطنون رغبة في المجازفة بهم على المستوى الوطني».
ورغم اعتقاد بعض التقارير الإعلامية أن الانتخابات ستكون بين حزبي «آم آدامي» وبهاراتيا جاناتا، فإن الحقيقة هي أن الانتخابات بين حزبي بهاراتيا جاناتا والمؤتمر. فقد يغير نجاح آم آدامي من الطريقة التي يتم من خلالها وضع السياسة في البلاد، لكن ذلك لن يجعل منه شريكا في حكومة مركزية. فقد قضى على الفكرة السائدة باقتصار المنافسة في الانتخابات بين حزبين، لكنه قد ينتهي بالتأثير على الفائزين الآخرين عبر إضافة حالة من التقلب.
وهناك فرصة واقعية لأن يجتذب الحزب الأصوات المعارضة لحزب المؤتمر لصالحه، ومن ثم التفاوض مع حزب بهاراتيا جاناتا.
ولم يكشف مودي، الذي يتوقع أن يشكل الحكومة الهندية المقبلة، عن تفاصيل لخطط اقتصادية بعد، لكن الواضح أن عددا من أقرب مستشاريه ومديري حملته الانتخابية يعلقون الكثير من الآمال عليه، ويأملون في أن يتخذ من النهج الثاتشري نبراسا له.
فيقول ديباك كانث، المصرفي المقيم في لندن والذي يجمع التبرعات لحملة مودي «إن عرفت الثاتشرية بأنها حكومة أصغر حجما وشركات حرة، فلن يكون هناك فارق بين أسلوب مودي والثاتشرية».
التشابه مع ثاتشر لا يتوقف عند الاقتصاد. سواء أكان الأمر للأفضل أو الأسوأ، فقد غص الكثير من الهنود بسنوات ضعف القيادة. ويقول كانث «نحن نريد شخصا فاعلا، لقد شاهدنا ما يكفي من التباطؤ على مدى السنوات العشر الماضية».
نصب مودي من نفسه قائدا للتنمية الاقتصادية، واستشهد بالتنمية والصناعات التي شهدتها ولاية غوغارات أثناء توليه حكمها، وقال إن الهند ستتمتع بنفس الشيء إذا تولى رئاسة الوزراء.
وقال مودي في أحد مؤتمراته الانتخابية «يعلم الجميع عني أنني زعيم قومي هندوسي. لكن فكري الحقيقي هو بناء الحمامات أولا ثم بناء المعابد في ما بعد».
وقالت توشار بودار، كبير الاقتصاديين الهنود في مؤسسة «غولدمان ساكس»، مشيرة إلى حزب المؤتمر وحزب بهاراتيا جاناتا «انتخابات 2014 لحظة فارقة في تاريخ الهند، فلم تشهد السنوات الأخيرة مثل هذا الانقسام الحاد في الرؤى الاقتصادية». وسوف يركز حزب بهاراتيا جاناتا في ظل قيادة مودي على التحول نحو التحضر والبنية التحتية والقضاء على الروتين.
على الجانب الآخر يهدف حزب المؤتمر في ظل رئاسة راؤول غاندي إلى الترويج للتنمية الشاملة عبر تبني خطط الرفاهية بما في ذلك الحق في الرعاية الصحية للجميع والمعاشات التقاعدية لكل المسنين والمعاقين. وخلال الانتخابات السابقة شملت أجندة الحزبين الكبيرة الكثير من النقاط المشتركة، بحسب بودار.
وكان الغرب قد سعى خلال العام الماضي إلى عقد حوار مع مودي، ومؤخرا، بعد تسع سنوات من القطيعة مع الولايات المتحدة الأميركية، أعاد مودي العلاقات من جديد مع رئيس الوزراء المرتقب.
وكان العلاقات بين مودي والكثير من الدول الغربية قد شابها التوتر في أعقاب أعمال التي شهدتها ولاية غوغارات. ومن بين المبعوثين الغربيين الذين التقوه المفوض السامي البريطاني جيمس بيفان، والسفير الألماني مايكل ستاينر، والاتحاد الأوروبي. والمؤكد هو أن الولايات المتحدة لا تملك خيارا آخر سوى القبول بمودي حتى لا تخسر تجارة بينية تقدر بنحو 100 مليار دولار.

* الشباب.. يخلطون أوراق السياسيين والأحزاب
* تسعى الأحزاب السياسية الهندية إلى التودد للشبان على عكس ما كان يحدث من قبل.
وحسب أحدث البيانات الصادرة عن لجنة الانتخابات، سيكون بمقدور نحو 90.000 ناخب، بين سن 18 و22 سنة، التصويت لأول مرة خلال العام الحالي، مما يؤكد على أهمية الناخبين الشبان.
وتعد انتخابات 2014 مؤشرا على حدوث ما يمكن تسميته بـ«زلزال الشبان»، إذ سيلعب الشبان دورا مؤثرا كما لم يحدث من قبل، إذ ستحسم أصوات الشبان الذين يصوتون لأول مرة ما يقرب من خمس عدد المقاعد المتنافس عليها خلال تلك الانتخابات.
وتشير إحصاءات رسمية صادرة عن لجنة الانتخابات إلى أن عدد الناخبين الشبان وصل إلى 146 مليونا عام 2011. يبدو حزب «بهاراتيا جاناتا» متفائلا بشأن تلك الإحصاءات، إذ يتوقع ألا يكون لدى الناخبين الجدد ولاء تجاه أيديولوجيات سياسية معينة، مما يسهم في تعزيز فرص التصويت ضد حزب «المؤتمر» الحاكم.
ويقول حزبيون إن «التركيبة النفسية للناخبين الشبان ما زالت نقية ولم تلوث بعد، وهؤلاء الشبان يبدون أكثر حماسة للأفكار التي تتبنى مكافحة أخطاء الماضي، ويأتي الفساد على رأس قائمة أكثر الأشياء بغضا لدى الشبان، يليه عدم الكفاءة، ثم الغياب التام لمبدأ المساءلة».
ومن اللافت أن غالبية الأحزاب تستغل طاقة الشبان المتعلمين لإضفاء مزيد من الحماس على حملاتهم الانتخابية، إذ يستخدمون مهاراتهم ومعارفهم لصياغة الخطط الانتخابية وجمع التبرعات وحشد أصوات الناخبين الشبان للتواصل مع قادة الأحزاب.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.