الانتخابات الفلسطينية المعلقة

ضغوط إقليمية ومشكلات سياسية وقانونية وسيادية توقف أول تجربة متفق عليها منذ 10 سنوات

الانتخابات الفلسطينية المعلقة
TT

الانتخابات الفلسطينية المعلقة

الانتخابات الفلسطينية المعلقة

لم يخيب قرار المحكمة العليا الفلسطينية، بوقف الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي كانت مقررة يوم 8 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، توقعات كثيرين لم يصدّقوا أصلاً أنها ستجرى. وظلوا على مدار أسابيع طويلة يجاهرون في الشوارع والمجالس ومواقع التواصل الاجتماعي، وحتى في الوكالات الإخبارية المحلية، بقناعاتهم أن هذه الانتخابات «ستلغى». ولقد كان هؤلاء، على الأقل، يؤمنون أكثر من غيرهم أن قوة الانقسام الكبير متعمقة إلى حد لن يسمح للديمقراطية أن تنتصر، كما في مرات سابقة، وأن إجراء الانتخابات سيعمق هذا الانقسام أكثر وأكثر، مثلما أن إلغاءها سيعمقه كذلك. وهذا ما كان. وبعد أسابيع طويلة وصعبة وقاسية، أظهرت أفضل ما عند البعض وأسوأ ما عند البعض الآخر، في حرب تشكيل القوائم، لطمت محكمة العدل العليا الجميع، بقرار وقف هذه الانتخابات لأسباب بدت أنها «إجرائية»، لكنها كانت في حقيقة الأمر أكثر من ذلك، فهي سياسية وفصائلية وإقليمية وقانونية وسيادية.
ومع أن هذه الانتخابات انتخابات مجالس محلية «بحتة»، أي أنها تخص بلديات خدماتية ومجالس قروية، لكن أهميتها تكمن في أنها كانت ستكون «بروفة» لفحص شعبية الفصيلين الأكبر، فتح وحماس، في أول «مكاسرة» مباشرة لهما منذ عام 2006، كما أنها كانت تمثل لدى كثيرين أول «بارقة أمل» عملية لمغادرة الانقسام، باعتبارها خطوة أولى تمهد لإجراء انتخابات عامة لاحقة، تحدد الحزب الحاكم في كرسي الرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطيني، وبالتالي، الحزب الذي سيحكم البلاد والعباد.
اختصر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مسألة الانتخابات المحلية برمتها، حين قال قبل أيام قليلة فقط من إعلان إلغاء الانتخابات: «صحيح أن هذه الانتخابات خدمية، لكن لها طابعًا سياسيًا، لذلك يجب علينا أن نذهب لنمارس حقنا وننتخب من يمثلنا لكي نصل إلى قرار وطني يقول نعم لفلسطين التي توحدنا. والانتخابات ستكون إشارة للجميع بأن الشعب الفلسطيني يقرر بإرادته من يمثله من دون تدخلات». وأضاف عباس: «لنتكلم كفلسطينيين بعيدا عن كل التدخلات الخارجية لتحقيق أهدافنا في الحرية والاستقلال، لتكون لنا علاقات طيبة مع كل دول العالم، لكن من دون أي تدخل في شؤوننا الداخلية التي يجب أن تحترم، كما نحن نحترم الشؤون الداخلية لكل الدول».
لكن رياح الواقع لم تجرِ بما تشتهي سفن الرئيس.
أيام قليلة فقط زادت الضغوط الخارجية العربية لإلغاء العملية برمتها. ورفع محامون قضايا لمحكمة العدل العليا ضد الانتخابات لأنها لن تجرى في القدس، ولأن مرجعيتها القضائية في غزة ستكون في محاكم تابعة لحماس، وهي نفس المحاكم التي لا يعترف بها القضاء الفلسطيني، وأسقطت على الأقل 5 قوائم لحركة فتح في 5 بلديات بقطاع غزة. وساعات قليلة فقط قبل اتخاذ قرار العدل العليا، بدت الحرب على الأبواب بين فتح وحماس مع اشتعال المعركة الكلامية حول «الانتهاكات» و«العربدة» و«إفشال الانتخابات».
* مسوغات قرار متوقع
من دون مقدمات كثيرة، أصدرت محكمة العدل العليا، الخميس الماضي، قرارها بوقف إجراء الانتخابات المحلية إلى موعد غير محدد، بسبب «استكمال النظر في قضية» رفعها المحامي نائل الحوح، يطالب فيها بوقف الانتخابات، بسبب عدم إجرائها في مدينة القدس المحتلة. وعقدت المحكمة الخميس الماضي جلسة للنظر في الدعوى المرفوعة، وقررت عقد جلسة ثانية للنظر في القضية بتاريخ 21 سبتمبر (أيلول) الجاري. وجاء في قرار هيئة المحكمة، برئاسة القاضي هشام الحتو: «بالتدقيق والمداولة قانونا، والاستماع إلى أقوال وكيل المستدعين في جلسة علنية تمهيدية علنية، والاطلاع على البيّنات المقدمة في الطلب حول وقف تنفيذ القرارات المطعون فيها، فإن المحكمة تجد من خلال ما يدور حاليا بخصوص العملية الانتخابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحرمان مدينة القدس وضواحيها من حق المواطنين في الانتخابات، وحول قانونية القرارات التي ستصدر في قطاع غزة حول الاعتراضات المقدمة من المرشحين المستدعين، الأمر الذي يؤثر في النتيجة الانتخابية، وبما أن الأصل أن تتم الانتخابات في جميع أرجاء الوطن، بما في ذلك القدس وضواحيها، وأن يكون لكل مواطن الحرية الكاملة في الاختيار والترشح والانتخاب والاعتراض، وبما أن هناك مناطق لا تتمتع بالاعتراف القضائي والقانوني نتيجة الظروف الواقعية التي يعيشون فيها بعد الاعتراف بالقضاء وتشكيل المحاكم، وخوفا من إصدار قرارات قضائية تكون موضع جدل ونقاش، وحفاظا على السلم الأهلي والمصلحة العامة، وقانونية انتخاب المرشحين، الأمر الذي نرى معه في ظل هذه الظروف، وما يحيط بها من آثار على آراء المواطنين، وبما أن القرار الإداري لا يمكن تجزئته، فإننا نقرر، وعملا بأحكام المادتين 286 و287 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001، دعوة المستدعى ضدهم لبيان الأسباب الموجبة لإصدار القرار المطعون فيه، أو المانعة من إلغائه حتى إذا كانوا يعارضون في إصدار قرار قطعي عليهم تقديم لائحة جوابية خلال 15 يوما من تاريخ تبليغهم لائحة الدعوى، ووقف قرار مجلس الوزراء رقم (03-108-17-م. و-ر.ح) لعام 2016 بإجراء الانتخابات، مؤقتا، لحين البت في الدعوى، على أن يتقدم المستدعون بكفالة عدلية قدرها مائة ألف دينار أردني تتضمن للمستدعى ضدهم أي عطل وضرر قد يلحق بهم، وتعيين جلسة ليوم الأربعاء 21-9-2016 لنظر الدعوى».
وفورا قالت لجنة الانتخابات المركزية، إنها تلقت قرار محكمة العدل العليا في رام الله، وأعلنت بناء عليه أنها أوقفت جميع إجراءاتها المتعلقة بالانتخابات المحلية بشكل فوري، بعدما عملت اللجنة على مدى أكثر من شهرين لإيجاد بيئة صالحة للانتخابات. وقالت لجنة الانتخابات: «إنها إذ تحترم قرار محكمة العدل العليا، فإنها تأمل ألا يطول الوقت حتى تتمكن من استئناف العملية وإجراء الانتخابات، وتعود الديمقراطية إلى فلسطين، عودة يفتخر بها الشعب الفلسطيني أينما كان». ومثل لجنة الانتخابات فعلت الحكومة الفلسطينية المسؤولة عن إجراء الانتخابات، وقالت إنها تحترم قرار المحكمة الفلسطينية. وقال وزير الحكم المحلي حسين الأعرج، إن وزارته ستلتزم بشكل تام بقرار المحكمة العليا بوقف إجراء الانتخابات المحلية. وأكد الأعرج أن الهيئات المحلية المستقيلة، ستستمر كهيئات تسيير أعمال. لكن ذلك لم يكن مقبولا عند الفصيل الكبير حماس وآخرين كذلك.
* تبادل اتهامات متصاعد
فورا بعد صدور القرار، هاجمت حركة حماس قرار المحكمة مؤكدة رفضها للقرار. إذ قال سامي أبو زهري، الناطق باسم حماس، إن «قرار المحكمة العليا في رام الله هو قرار مسيس جاء لإنقاذ حركة فتح بعد سقوط قوائمها في عدد من المواقع الانتخابية»، مضيفا أنه «قرار مرفوض». كذلك عدّت الكتلة البرلمانية لحركة حماس قرار المحكمة العليا بوقف إجراء انتخابات البلديات، هروبا لحركة فتح من المشهد السياسي الانتخابي. لكن فتح ردت بالقول إن حماس هي التي أفشلت الانتخابات. وارتكزت فتح إلى قرارات القضاء التابع لحماس في غزة، الذي كان قد أسقط قبل قرار محكمة العدل العليا، عدة قوائم انتخابية تابعة لحركة فتح هناك، وهو ما وصفته الحركة بمجزرة ترتكب بحق قوائمها. وقال فايز أبو عيطة، المتحدث باسم حركة فتح، إن «حماس أفشلت وعطلت الانتخابات لأنها ذهبت إلى محاكم تابعة لها بطعون واهية». وكانت محكمة بداية خان يونس قررت إلغاء 5 قوائم تابعة لفتح، لمخالفتها القانون وعدم استيفاء الشروط اللازمة.
وقال أبو عيطة: «إن قوائم فتح تتعرض لمجزرة في محاكم حماس، ونحن لم نتوجه إلى محاكم حماس في غزة؛ لأننا كنا نعرف النتيجة سلفا»، مضيفا: «الغرض الأساسي من هذه الطعون والأحكام هو إفشال الانتخابات وإعفاء حركة حماس من هذا الاستحقاق الديمقراطي». ووصف أبو عيطة قرار العدل العليا «بالحل الأمثل لمواجهة غطرسة محاكم حماس التي تعمل على إفشال الانتخابات من خلال القبول بطعون غير بريئة، هدفها إسقاط قوائم فتح، وليس إسقاط أشخاص مرشحين من خلال تلك القوائم».
وهذه الحرب الكلامية لا يتوقع أن تتوقف خلال أيام وأسابيع على صعد مختلفة، بيانات وناطقين وناشطين ومواقع إخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي.
* إلى متى؟
لا أحد يملك إجابة حول الوقت الذي يمكن فيه الاتفاق مجددًا على انتخابات جديدة، وخصوصا أن فشل هذه الانتخابات، التي كانت ستجرى للمرة الأولى بمشاركة حماس منذ سيطرت على قطاع غزة في 2007، أظهر تعقيدات الوضع محليًا وإقليميًا.
ومنذ 2007 لم تجر في الأراضي الفلسطيني أي انتخابات رئاسية أو تشريعية بسبب الانقسام، وفشلت 3 محاولات لإجراء انتخابات محلية كذلك قبل أن تنجح بشكل جزئي ومبتور في عام 2012، عندما أجريت في الضفة الغربية فقط من دون مشاركة حماس التي اشترطت آنذاك التوصل إلى اتفاق مصالحة قبل إجراء الانتخابات المحلية، وقالت إن الانتخابات المحلية هي ثمرة للمصالحة وليس العكس.
وكانت آخر انتخابات قد أجريت بشكل مشترك بين الضفة وغزة، في عامي 2004 و2005، على 3 مراحل، ثم أعلنت السلطة أنها تريد إجراء الانتخابات 3 مرات عامي 2010 و2011 من دون أن تجريها فعلا. ويتوقع أن يعلن عباس لاحقا قرارا رئاسيا بشأن الانتخابات الحالية المعلقة.
* الأسباب غير المعلنة
بغض النظر عما أعلنته العدل العليا، وما يرى كثيرون أنه متعلق بعدم رغبة فتح وحماس أصلاً خوض التجربة، ثمة أسباب كثيرة أخرى غير معلنة. ويقول الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري: «قرار إلغاء الانتخابات سيئ لكنه متوقع.. ابتدأنا برفض فتح إجراء الانتخابات ووصلنا إلى أن حماس ندمت على الموافقة عليها، وانتهينا إلى وضع أن فتح وحماس تخشيان منها، وأصبحت كفة التأجيل ترجح أكثر وأكثر، وخصوصا بعد ضغط الرباعية العربية لإلغائها. والسؤال أصبح كيف؟ ومَن سيتحمل المسؤولية عن هذا القرار؟ أخذت محكمة العدل العليا القرار ولكن لو لم تتخذه يمكن أن نشهد ما هو أعظم.. فلن تسمح حماس بفوز فتح وخصوصًا في غزة، ولن تسمح فتح بفوز حماس وخصوصًا في الضفة. الانتخابات من دون وفاق وطني وتحت الاحتلال وفي ظل الانقسام قفزة بالمجهول». ويضيف: «على الرغم من أن فتح وحماس تنفيان أنهما سعتا إلى تجنب الانتخابات، فإن كثيرين يصدقون أنهما في ظل إسقاط قوائم كثيرة للأولى في غزة، وفشل الثانية في تشكيل قوائم منافسة في الضفة، كانتا على الأقل يأملان بنهاية مماثلة».
هذه أسباب قد يتفق عليها البعض أو يعارضها، لكن الضغوط العربية التي أشار إليها المصري لا يعرف عنها الشارع كثيرا. وتقول مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن «أسبابًا متداخلة تقف وراء إلغاء الانتخابات، ولا يمكن إرجاع الأمر لسبب بعينه»، مستطردة: «من بينها الضغوط العربية من أجل مصالحة داخلية في فتح تضمن عودة محمد دحلان، ومن ثم مصالحة مع حماس قبل إجراء أي انتخابات... إضافة إلى ضغوط داخلية من أجل عدم تعميق الانقسام كما يعتد مسؤولون».
* دحلان.. الضغوط
وتركز جهات عربية في ضغطها على عباس إلى ضرورة أن تكون فتح قوية وجاهزة للمواجهة الديمقراطية، وبالتالي تحقيق الفوز في الانتخابات المحلية، والأكثر أهمية لاحقًا التشريعية والرئاسية. أما عباس فلا يرى أبدًا أن فتح ضعيفة بغياب دحلان أو قوية بوجوده. ولا يزال عباس يرفض عودة دحلان، لكنه كذلك لا يريد خسارة «الأشقاء» العرب. ولم يكن تسريب مقطع فيديو لعباس وهو يقول: «فكّونا من العواصم» من دون أن يسميها، عبثيا أو بالصدفة، لكنه مدروس إلى حد كبير في رسالة واضحة: «سنلم الشمل وفق ما نراه وليس ما تراه العواصم».
وبدأت فتح إجراءات يمكن وصفها بإجراءات لم الشمل فعلا، لكنها أيضا لسد الأبواب في الوقت نفسه. وعقدت محكمة الحركة جلسات من أجل بحث عودة المفصولين في خطوة يتوقع أن تنتج عنها إعادة البعض، ورفض إعادة البعض الآخر من دون أن يشمل ذلك دحلان. وتريد فتح بحسب المصادر إغلاق هذا الملف بإجراءات أخرى قانونية. وأعلن أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، اللواء جبريل الرجوب، إنه سيعقد اجتماعًا موسعًا للحركة برئاسة عباس، بعد عودته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري، وسيشارك في هذا الاجتماع أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء المجلسين الثوري والاستشاري وأمناء سر أقاليم حركة فتح. وأضاف الرجوب أن الاجتماع سيبحث سبل مواجهة التحديات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وإقرار آليات عمل تنظيمية لعقد المؤتمر السابع للحركة قبل نهاية العام الجاري، مع تحديد الزمان والمكان، وذلك في إطار تجديد الشرعيات. ويفترض أن يفرز المؤتمر السابع لجنة مركزية جديدة للحركة ومجلسا ثوريا كذلك. فإذا نجحت الضغوط قد يكون من بينهم دحلان، وإذا فشلت فلن يكون لوقت طويل. لكن يبدو من السخف اختزال المسألة بمصالحة فتحاوية فتحاوية أو فتحاوية حمساوية، إذ أعلن قبل ذلك عن سلسلة مصالحات وسلسلة قرارات بالانتخابات وفشلت كلها.
ثمة انقسام كما يحلو للبعض أن يصفه في العقول والقلوب يؤذي الحالة الفلسطينية كلها ويمنعها من التقدم. وهنا يعلق الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم: «الانتخابات المحلية تعرينا أكثر، وتكشف هشاشة مناعتنا الوطنية وانقسامنا العميق. ومع مجزرة الطعون لقوائم فتح وما سبقها من تهديد ووعيد وإرهاب للناس في الضفة، ماذا كنتم تنتظرون؟ وخلال عقد من الزمن والنظام السياسي الفلسطيني وعلى رأسه القيادة قاموا بحسن نية أحيانا وبتنبلة أحيانا كثيرة بتجريف الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية. تراجع على جميع المستويات وغياب الحريات ومنظومة القيم والتكافل بين الناس وكسر روح الشعب والمقاومة الوطنية الجامعة. هناك هجوم عربي قبل أن يكون إسرائيلي، ولا نزال ننتظر وندافع عن أنفسنا بتبرير أقوالنا وأفعالنا. الحكمة تقتضي العودة لروح الشعب وترميم ما قام به النظام السياسي من تجريف لحياتنا، هي فرصة جديدة كي نقول لأنفسنا وللجميع إننا نستطيع مواجهة وصاية العرب قبل العجم ومواجهة فرض سياسة الإذعان والإملاءات، قبل أن تحرق الفوضى ما تبقى منا».
* لكن ماذا لو أجريت الانتخابات؟
هل كانت ستضمن فعلا فوزا واضحا لأحد الفصيلين الأكبر فتح وحماس؟ وهل ساهمت سطوة العائلات في إفقاد هذه الانتخابات الحمى اللازمة؟
مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية «المرصد» يقول إن أكثر من 860 قائمة ترشحت لتلك الانتخابات مقابل 670 قائمة في انتخابات عام 2012. ويشير إلى أن الواقع الميداني فرض على كل الأطراف من اليسار واليمين والمستقلين التنافس على مجالس في بعض الهيئات الانتخابية والتحالف في هيئات أخرى، وكان هذا جلي في قوائم المستقلين، إضافة إلى قوائم الائتلاف (تحالفات حزبية)، كما في قوائم التحالف الديمقراطي، ما يعني صعوبة إعلان طرف من الأطراف اكتساح نتائج الانتخابات المحلية، علما بأن هناك 182 قائمة أغلبها لفتح ستفوز بالتزكية (136 فتح، و23 قائمة مستقلة، و22 ائتلاف بين أكثر من حزب، وقائمة واحدة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين). وحسب المرصد «فإن العائلات طغت بالأهمية والحضور في الانتخابات المحلية بصورة كبيرة، وجرى التقسيم بالغالب على أساس الانتماء العائلي حتى في القوائم الحزبية. وفي كثير من المناطق شكلت العائلات قوائمها الخاصة، وهذا سبب آخر لعدم القدرة على تسويق منتصر واحد من قبل الأطراف السياسية».
* طرائف الانتخابات
على الرغم من وجود أكثر من 860 قائمة انتخابية متنافسة، فإن رئاسة هذه القوائم كانت حكرًا على الرجال بنسبة 99.1 في المائة مقابل 0.9 في المائة للنساء، وهذا قاسم مشترك لكل القوائم المتنافسة (التحالف الديمقراطي وفتح والائتلاف والمستقلون). ولقد تعالت الانتقادات على إخفاء صور وأسماء النساء في بعض المواقع من القوائم الانتخابية، لكن ما يضاف إلى ذلك هو التمثيل المتدني للنساء. ويمكن القول إن ما ضمن وجود النساء في كثير من القوائم الحزبية والعائلية هو نظام «الكوتا» (الحصص) الخاصة بتمثيل النساء، مقابل إخفاق برامج التمكين السياسي للنساء، حيث قبلت أيضًا النساء بالمواقع المخصصة لهن ضمن «الكوتا»، وفي أكثر من 70 في المائة من القوائم لم يزد عدد النساء عن مرشحتين فقط.
* مسلسل طويل.. ومستمر
أجريت أول انتخابات عامة في فلسطين في عام 1996، لانتخاب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني. أما الانتخابات الرئاسية الثانية فعقدت في 25 يناير (كانون الثاني) 2005، في حين أجريت الانتخابات التشريعية الثانية بتاريخ 9 يناير 2006 طبقا لقانون رقم 9 لعام 2005، تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية. وفيما يخص الانتخابات المحلية الأولى، فإنها أجريت على عدة مراحل تحت إشراف اللجنة العليا للانتخابات المحلية التي يرأسها وزير الحكم المحلي، وقامت بتنفيذ 4 مراحل من الانتخابات المحلية بين عامي 2004 و2005. وفيما بعد نقلت صلاحيات تنظيم الانتخابات المحلية إلى لجنة الانتخابات المركزية، ودعي إلى الانتخابات المحلية الثانية خلال 2010 و2011، إلا أنها أجلت لسنتين على التوالي.
وفي 10 يوليو (تموز) 2012، أصدر مجلس الوزراء قرارًا لإجراء الانتخابات المحلية في كل محافظات الضفة الغربية بتاريخ 20 أكتوبر 2012. وشارك في هذه الانتخابات 272 هيئة محلية من أصل 353. ولذلك أصدر مجلس الوزراء قرارًا آخر لاستكمال العملية الانتخابية بانتخابات تكميلية عقدت في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2012، وشارك فيها 81 هيئة محلية، وبطبيعة الحال لم تجر في غزة.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أصدر مجلس الوزراء قرارًا يدعو لإجراء انتخابات لجميع مجالس الهيئات المحلية في يوم واحد، بحيث يكون الاقتراع يوم 8 أكتوبر 2016. ومثل إعلانات أخرى كثيرة لن تجرى هذه الانتخابات في موعدها. وفي مرات كثيرة أخرى أعلن عن الاتفاق عن انتخابات رئاسية وتشريعية خلال فترة محددة، ومثل كل مرة وكل شيء آخر يعلن عنه الطرفان، لم تنفذ.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».