اليونيسيف: 50 مليون طفل حول العالم «اقتلعوا من جذورهم»

لا يوجد رصد منظم لحالتهم ويواجهون مصيرهم وحدهم

عام 2015 كان نحو 45 % من جميع الأطفال اللاجئين تحت حماية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من سوريا وأفغانستان (أ.ب)
عام 2015 كان نحو 45 % من جميع الأطفال اللاجئين تحت حماية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من سوريا وأفغانستان (أ.ب)
TT

اليونيسيف: 50 مليون طفل حول العالم «اقتلعوا من جذورهم»

عام 2015 كان نحو 45 % من جميع الأطفال اللاجئين تحت حماية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من سوريا وأفغانستان (أ.ب)
عام 2015 كان نحو 45 % من جميع الأطفال اللاجئين تحت حماية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من سوريا وأفغانستان (أ.ب)

قبل أيام من انعقاد قمة الأمم المتحدة المقررة يوم 19 سبتمبر (أيلول) الحالي حول الهجرة العالمية، بيّن تقرير دولي أنه مع نهاية عام 2015، ارتفع عدد الأطفال الذين اقتلعوا من جذورهم إلى 50 مليونا؛ إذ أصبح 31 مليونا من هؤلاء الأطفال لاجئين، و17 مليونا نازحين داخل بلدانهم مع نهاية عام 2015، بحثا عن حياة أفضل في الخارج بسبب النزاعات والفقر.
إذ أعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الأربعاء عن قلقها حيال الأطفال الذين تم «اقتلاعهم من جذورهم» في جميع أنحاء العالم، بعدما أجبرتهم الحروب والعنف والاضطهاد على مغادرة بيوتهم وحتى أوطانهم. وحثت اليونيسيف الدول في التقرير على النظر إلى اللاجئين والمهاجرين القصر، بصفتهم أطفالا «أولا وقبل كل شيء»، عرضة بوجه خاص للعنف والاستغلال.
وقال المدير التنفيذي لليونيسيف، أنتوني ليك، في بيان «لقد صدم العالم بصور لن تمحى من الذاكرة لأطفال بعينهم. الجسم الصغير لإيلان الكردي الذي لفظه الموج بعد غرقه، أو وجه عمران دقنيش الدامي الشارد الذهن وهو جالس في سيارة إسعاف بعد تدمير منزله».
وأضاف أن «كل صورة، كل فتاة أو فتى، يمثل الملايين الكثيرة من الأطفال المعرضين للخطر، وهذا يستدعي أن يكون عملنا من أجل جميع الأطفال في مستوى تعاطفنا مع الأطفال الأفراد الذين نشاهدهم».
تفيد أرقام المنظمة الأممية بأن 28 مليونا من هؤلاء الأطفال شردتهم الحروب وأعمال العنف داخل بلادهم وخارجها. أصبح عشرة ملايين منهم لاجئين، وهناك مليون طفل بين طالبي اللجوء لا يزال مصيرهم معلقا، ونحو 17 مليونا نزحوا داخل بلدانهم وهم في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية. بالإضافة إلى هؤلاء، ترك نحو 20 مليونا آخرين من الأطفال منازلهم لأسباب مختلفة، بينها الفقر المدقع، أو العنف الذي تمارسه عصابات الجريمة المنظمة.
وقدم 45 في المائة من الأطفال اللاجئين تحت رعاية الأمم المتحدة، من سوريا وأفغانستان. ولفتت اليونيسيف إلى أن الأطفال باتوا يمثلون نسبة كبيرة من طالبي اللجوء خارج بلدانهم الأصلية، ففي حين يمثل الأطفال نحو ثلث سكان العالم فهم يشكلون ما يقارب نصف مجموع اللاجئين.
وارتفع عدد الأطفال الذين يسافرون بمفردهم إلى 100 ألف في عام 2015، بزيادة ثلاثة أضعاف عن عام 2014، وتقدم هؤلاء القصر غير المصحوبين، الذين هم في خطر متزايد من إساءة المعاملة والاستغلال، بطلبات للجوء في 78 بلدا في عام 2015.
وتم تصنيف نحو 20 مليونا منهم أطفالا مهاجرين تركوا منازلهم بسبب الفقر وعنف العصابات، وغالبا ما يسافر هؤلاء دون وثائق قانونية ويفتقرون إلى صفة قانونية. وأشارت المنظمة إلى أن «الكثير من هؤلاء الأطفال معرضون لسوء المعاملة والاحتجاز بشكل خاص؛ لأنهم لا يحملون وثائق، ووضعهم القانوني غير مؤكد، ولا يوجد تتبع ورصد منظم لحالتهم، أنهم يواجهون مصيرهم وحدهم».
وحذر التقرير من أن الأطفال الذين يعيشون لاجئين يواجهون أيضا، زيادة كراهية الأجانب، وهم أكثر عرضة للخروج من المدرسة خمس مرات من أقرانهم من غير اللاجئين.
وقال إنتوني ليك، المدير التنفيذي لليونيسيف»: «ما الثمن الذي سندفعه جميعا إذا فشلنا في إمداد هؤلاء الصغار بفرص التعليم وطفولة أكثر
طبيعية؟». وأضاف: «كيف سيتمكنون من المساهمة بشكل إيجابي في مجتمعاتهم؟ إذا لم يمكنهم هذا، لن يفسد مستقبلهم فقط، ولكن ستضمحل مجتمعاتهم أيضا».
وأمام هذا الوضع، دعت المنظمة الأممية إلى حمايتهم، ولا سيما الأطفال غير المصاحبين، من الاستغلال والعنف، وإنهاء احتجاز الأطفال الذين يطلبون اللجوء أو الهجرة من خلال تقديم مجموعة من البدائل العملية، والحفاظ على تماسك الأسرة باعتبارها أفضل وسيلة لحماية الأطفال ومنحهم وضعا قانونيا. وطالبت أيضا بالإبقاء على جميع الأطفال اللاجئين والمهاجرين في سلك التعلم، وإتاحة الفرصة لهم للحصول على خدمات نوعية صحية وغيرها، إضافة إلى الضغط لاتخاذ التدابير بشأن الأسباب الكامنة وراء موجات تدفق اللاجئين والمهاجرين، وتعزيز التدابير لمكافحة كراهية الأجانب والتمييز ضدهم وتهميشهم.
ومن المفترض أن تستضيف الأمم المتحدة في نهاية سبتمبر، على هامش جمعيتها العامة السنوية، اجتماعي قمة حيال مسألة الهجرة.
وقال نائب مدير منظمة الأمم المتحدة للطفولة جاستن فورسايث، إن «يونيسيف تأمل بالتزامات واضحة وتدابير عملية»، مثل «بدائل احتجاز الأطفال»، وحلول «للحفاظ على تماسك الأسر»، وضمان حصول الأطفال المهاجرين على التعليم والصحة.
وأشار فورسايث أيضا خلال مؤتمر صحافي في نيويورك إلى أن «تقاسم العبء» في استضافة اللاجئين والمهاجرين «غير عادل»؛ لأنه يعتمد في الغالب على الدول المجاورة، مثل لبنان والأردن أو تركيا في الحالة السورية أو الأكثر فقرا مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وباكستان وإثيوبيا.
وقال إن اللقاءات الدولية المقبلة «غير كافية لحل المشكلة (لكنها) حاسمة. إنها فرصة لحث العالم على معالجة هذه الأزمة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟