«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (6): مل غيبسون لـ«الشرق الأوسط»: ‬السنوات العشر الأخيرة من حياتي هي الأغرب

عرض فيلمه الكبير الأول منذ عقد

مل غيبسون أثناء التصوير
مل غيبسون أثناء التصوير
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (6): مل غيبسون لـ«الشرق الأوسط»: ‬السنوات العشر الأخيرة من حياتي هي الأغرب

مل غيبسون أثناء التصوير
مل غيبسون أثناء التصوير

«هاكسو ريدج» هو فيلم العودة للممثل والمخرج مل غيسبون إلى الإخراج. فقبل عشر سنوات بالتحديد قام غيبسون بإخراج عمله الرائع «أبوكاليبتو» ثم مرّ عليه عقد من الزمان عانى فيه من مشكلات تسبب بها، وتناولتها الصحافة بكل ما فيها من تناقضات واستنتاجات..
عودته إلى نشاطه، أو عودة النشاط إليه، بدأت قبل خمس سنوات فعليًا عندما تجرأت جودي فوستر على قرار الحظر غير المعلن، وأسندت إلى هذا الفنان الموهوب بطولة فيلمها The Beaver. لم يتح غيبسون للإعلام أن ينال منه. قدّم تمثيلاً جيدًا دفع النقاد للإشادة به. في عام 2012 عمد إلى فيلم أكشن جيد التنفيذ بعنوان «اقبض على الأميركي» (Get the Gringo) شهد رواجًا في بعض العواصم ونجاحًا كبيرًا على الأسطوانات.
عامان بعد ذلك التقطناه أحد ممثلي فيلم «المستهلكون 3» (The Expendables 3)، السلسلة التي يقوم على بطولتها سلفستر ستالون. في الحقيقة تمثيل غيبسون كان الأفضل بين كل من جمعهم ستالون من وجوه معروفة بمن فيها هو نفسه.
«هاكسو ريدج» (Hacksaw Ridge) هو فيلمه الخامس‬مخرجًا بعد «رجل بلا وجه» (1993) و«قلب شجاع» (1995) و«عشاء المسيح» (2004) و«أبوكاليبو» (2006).
في الوقت ذاته الذي كان فيلمه الخامس يعرض على شاشات مهرجان فينسيا، لديه فيلم يستعد للطرح التجاري هو «أب بالدم» (Blood Father) ينتمي إلى سلسلة أفلام الأكشن التي مثل منها الكثير.
«هاكسو ريدج» فيلم حربي بكل مواصفات هذه الكلمة. لثلث ساعة يبدأ المخرج بتوفير خلفية لذلك الشاب دزموند دوس الذي كاد يتسبب في أذى بالغ لأخيه عندما كانا صغيرين، ثم، وفي مشهد «فلاشباك» لاحق وقد أصبح شابًا، يدافع عن أمه بعدما تعرض لها والده بالضرب. يشهر عليه مسدسًا ويهدده. يتعلم دزموند (ويقوم به أندرو غارفيلد) من الحادثتين أن ينبذ العنف، لكن الحرب العالمية الثانية تنشب والقتال بين أميركا واليابان على أشدّه بعد اعتداء اليابان على بيرل هاربور. يتطوع في وحدة الإسعاف ويرفض حمل السلاح بل ولمس البندقية لأجل التدريب. يتم تقديمه إلى المحكمة بعد تهديده بالعقاب كونه يرفض الأوامر. رسالة من جهة عسكرية عليا تجيز له الانضمام إلى الجيش الذي سينتقل لتحرير جزيرة أكيناوا. هناك يخوض الجيش الأميركي حربًا ضروسًا فيها مشاهد تذكّر بـ«سفر الرؤيا الآن» لفرنسيس فورد كوبولا دون أن تصل إلى عمقه السياسي، وتتجاوز ما جاء به ستيفن سبيلبرغ في «إنقاذ المجند رايان».
خلال القتال الدامي الذي خسر فيه الجيش الأميركي موقعًا يقع على سلسلة مرتفعات تشبه المنشار (عنوان الفيلم) يبقى دزموند وحيدًا على قمة ذلك الجبل باحثًا بين من سقطوا عن جرحى يسعفهم وينقلهم بحبل يتدلى من رأس الجبل إلى قعره المنبسط حيث ما زال للجيش الأميركي وجود. يفعل ذلك بضع عشرة مرّة بنتائج مذهلة. وأكثر ما هو مذهل فيها أن القصّة حقيقية.
‫** كما في أي حرب‬
تقابلنا بعد حفلة الافتتاح الرسمية للفيلم مساء يوم الأحد حسب موعد مسبق. كان حد كثيرًا من المقابلات (والمسؤول الصحافي يؤكد أنني كعضو في «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» الأول الذي قابله) وعمد إلى العودة إلى الفندق الذي ينزل فيه حيث تناول بعض قطع البسكويت لكي يسد جوعه. قال:
«اعذرني.. لم آكل شيئًا منذ الصباح». بعد ذلك نظر إلى محدثه مترقبًا.
> لا أعرف كيف أبدأ حقيقة لأن فيلمك مذهل. من أين استمددت هذه الفكرة؟
- الشخصية حقيقية. دزموند دوس توفي قبل سنوات ليست بعيدة، والجزء الأكبر من الأحداث تم اقتباسها مما حدث له فعلاً كما يأتي ذلك في نهاية الفيلم. عندما قرأت تحقيقًا عنه أصابني ذات الذهول. قررت أن أقوم بتحقيق هذا الفيلم لأنه يتضمن عدة أفكار حول عدم التراجع عن المبدأ وحول الإيمان الصلب بنبذ العنف وفي الوقت نفسه الاندفاع في سبيل إنقاذ الأرواح رغم كل المخاطر. تصوّر جنديًا لا يحمل السلاح محاطًا بالأعداء يبحثون، مثله، عن الجرحى لكن لقتلهم، وفي الموقع ذاته.
> هل تراه فيلمًا ضد الحرب؟
- هو ضد الحرب لكن ليس على النحو الذي يريد الخروج بمفاد أبعد من ذلك. أعتقد أن الفيلم هو المحارب وليس عن الحرب ذاتها. هل تعرف ما أقصده؟ إنه عن دزموند وعن الجنود الذين شاركوا القتال وهم بدورهم مثل أي جنود في أي حرب ينفّذون الأوامر. هناك كثير منهم مستعدون للدفاع عن المبادئ التي حدت بالقيادات السياسية القيام بالحرب، لكن كثيرين منهم أيضًا يتمنّون لو لم تقع الحرب ولم يكن هناك دواعٍ لها.
> الحرب التي نراها تبدو شاسعة. هناك تجسيد مخيف لها. الشاشة تلتهب بالنار والقصف والجثث المتطايرة. البعض سيقول إنه فيلم عنيف.
- أتوقع ذلك. قالوا عن «أبوكاليبو» وعن «قلب شجاع» إنه فيلم عنيف. لكن كيف تستطيع تصوير الواقع غير ذلك. العنف في هذا الفيلم أو في سواه من أعمالي مبرر في نظري، لأنه يعكس ما يحدث. لم أصور فيلمًا عاطفيًا أو كوميديًا وأضع فيه مشهد عنف. هو عنيف لأن الحرب كذلك، وعندما نتحدث عن رسالته هل هناك معارضة للحرب أكثر من أن تصوّر عنفها؟
‫** في 70 مترًا
‬> هل أنت ضد الحرب؟ هل فيلمك ضد الحرب؟
- أنا طبعًا ضد الحروب بالمطلق، لكني في الوقت ذاته واقعي وأعلم أن المسألة ليست بالتمنيات وأن الحروب وقعت وستقع دائمًا. لا أقترح في الفيلم البحث عن حلول لها لأنها للأسف بل حلول. فيلمي هو بالتالي معادٍ للحرب لكنه لا يبحث فيها. ليس عندي صواب أو خطأ، بل واقع.
> كيف تنظر إلى العالم الحاضر الذي نعيشه؟
- أعتقد أن أبناءنا سيفهمونه أكثر مما نفهمه نحن. هذه مرحلة من الصراعات التي نجد أنفسنا فيها لكن الجيل المقبل سينبذها وينتقدها كما فعل بعد الحرب العالمية الثانية. رغم ذلك في يقيني أن الحروب ستستمر. للأسف.
> يبدو الفيلم كما لو كان إنتاجًا كبيرًا. كيف أتيح لك تمويله؟
- (يضحك) صورنا على مساحة ضيقة جدًا. كل تلك الجبهة التي تقع فيها المعارك هي عبارة عن نحو 70 مترًا. كنا، الطاقم الفني وأنا، محصورين في نحو 15 مترًا.
> تصميم المشاهد محكم. كم استمر تصويرها؟
- صورنا الفيلم في 59 يومًا بما فيها مشاهد المعارك. سايمون (مدير التصوير سايمون دوغان) عمل معي بجهد كبير، كذلك باقي الفنيين. طبعًا ما شاهدته على الشاشة هو ترتيبنا للأحداث، لكن خلال التصوير كنا أحرارًا في اختيار المشهد وتفاصيله. سقوط جندي أو انفجار موقع يتم تصويره منفردًا ثم علينا أن نضع كل شيء في توليف كما تعلم. إذا ما كانت مشاهد المعارك ناجحة، فلأن التصوير والتوليف اجتمعا على تنفيذ ما أردته. هذا أصعب أعمالي إلى اليوم.
> أمضيت عشر سنوات بعيدًا عن الإخراج ثم عدت بهذا الفيلم. خلال تلك الفترة هل كانت لديك مشاريع أخرى أردت تحقيقها؟
- طبعًا. دائمًا ما عندي مشاريع كثيرة لا تجد سبيلها إلى التنفيذ.
> لماذا؟
- لأنها لا تلقى قبولاً لدى شركات الإنتاج في هوليوود. كل فيلم من أفلامي السابقة كان علي تمويله جزئيًا أو البحث طويلاً عن سبل تمويله. لم يكن من بينها فيلم واحد تميز بسهولة التحقيق.
> بما في ذلك «العشاء الأخير للمسيح» و«أبوكاليبتو»؟
- بكل تأكيد.
> كم تطلب إنتاج هذا الفيلم؟
- ثلاث سنوات ونصف السنة.
‫** السنوات الصعبة‬
> هل تعتقد أن تأثير المشكلات التي وقعت لك كان لها نصيب كبير من تأخر تنفيذ هذا الفيلم؟
- كنت سأعتقد ذلك لولا أن أفلامي السابقة، كما ذكرت، لم تشهد الوضع ذاته. اسمع. لقد كانت سنوات صعبة تلك الأخيرة. عانيت منها وتسببت لي بنتائج لا يتمناها أحد. كانت سنوات صعبة لأن كان علي أن أبحث في نفسي وهذا ليس أمرًا هينًا. وكانت صعبة لأن هوليوود لا تغفر مثل هذه الآراء التي أطلقتها. لكن السبيل الوحيدة التي كانت أمامي هي المضي قدمًا، وأنا سعيد لأني وجدت هذه السبيل وأصررت عليها. هذه كانت أغرب عشر سنوات في حياتي.
> لجانب أن «هاكسو ريدج» فيلم عن الحرب وفيلم سيرة هو فيلم عن الإيمان العميق الذي في ذات بطله. رفضه حمل السلاح واستبدال به الإنجيل فقط. هل يمثل هذا المنظور مل غيبسون؟
- (يتردد). لدي قناعاتي بالطبع ولا أحاول أن أفرضها على أحد. وجدت في إيمان دزموند ما حركني عاطفيًا أيضًا. اعتقد أن من يرى الفيلم يستطيع أن يرى ذلك بوضوح. هناك أفلام تقترح ذلك لكن هذا الفيلم كان لا بد له أن يكون واضحًا. وإلى حد كبير، نعم، يمثلني.
> تقدم على الكثير من أفلام الأكشن الصغيرة. هل هي الأفلام الوحيدة المتاحة لك كممثل؟
- في الأساس بدأت فيها. تعرف… «ماد ماكس» و«سلاح مميت»، لكن الفارق اليوم أن كثيرًا من الأفلام البوليسية أو أفلام الحركة باتت محدودة الإنتاج. هذا هو سبب كثرتها، لأن هناك خوفًا من أن تصل تكلفة فيلم منها إلى مائة مليون ولا ينجح. لكني أحب شخصيًا الاستمرار في هذا النوع من الأعمال. طبعًا لن أرفض سواها، لكن إذا ما كانت هي المتوفرة والمشروع جيد فإني سأقوم به.
> تترك مهرجان فينسيا وتتجه إلى مهرجان تورنتو.. كيف ترى رحلة هذا الفيلم بينهما؟
- هذا الفيلم شهد اختباره الأول هنا، وأنا سعيد بالنتيجة. ذلك التصفيق وذلك القبول هو رد مشجع على الفيلم. تورنتو لجمهور آخر مختلف لكنه اختبار مماثل في الوقت نفسه.
> رحلة الفيلم مجهدة من قبل وخلال ثم بعد التصوير.. صحيح؟
- صحيح تمامًا. لكني أتمتع بصحة جيدة وأشعر بقوّة القرارات التي أتخذها. لقد صنعت الفيلم والآن نحاول جميعًا (يشير إلى المنتجين الذين وصلوا في اقتراح لانتهاء المقابلة) أن نصنع نجاحه.
> لم أسألك عن الممثلين بعد. كيف اخترت هذه المجموعة المتكاملة من الممثلين؟
- بناءا على قدراتهم التي أعرفها. شاهدت أفلامهم وأعرف قيمة كل منهم ثم هناك ما يقوم به كل مخرج في أي فيلم وهو التفكير بمنأى عن أي ضغوط عما إذا كان الممثل الذي يريده يتوافق مع الشخصية كما يراها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».