حركة «الشباب».. حلم السيطرة على شرق أفريقيا

لديها معسكرات تدريب في إريتريا وتمويلها من «القرصنة»

مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
TT

حركة «الشباب».. حلم السيطرة على شرق أفريقيا

مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)

وسط سيل من أسماء التنظيمات والحركات الإرهابية، تسعى حركة «شباب المجاهدين الصومالية»، للسيطرة على شرق أفريقيا عبر تمددها في الصومال وكينيا وتنزانيا، ولاستقطاب المزيد من المقاتلين لتوسيع دائرة عناصرها الإرهابية. وقال خبراء ومراقبون معنيون بشأن الحركات الإسلامية إنه «برغم بزوغ نجم الحركة قبل 9 أعوام؛ إلا أنها تنتهج نفس نهج «داعش» الإرهابي في السعي لتجنيد الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، مؤكدين أن الحركة تسعى بين الحين والآخر إلى إيجاد موقع لها على خريطة الإرهاب في أفريقيا، ولا سيما في شرق القارة، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدا من الجهود لمكافحتها والقضاء على طموحاتها ومساعيها.
تقرير مصري في السياق ذاته، أكد أن «للحركة معسكرات تدريب في إريتريا يخضع مقاتلوها فيها لدورات تدريبية، يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير، وتعتمد في جزء من تمويلها على عمليات القرصنة، وخطف بواخر مع طواقمها من المياه الإقليمية الصومالية». التقرير نفسه حذر من امتلاك الحركة أسلحة ثقيلة تصل لحد قذائف الهاون والصواريخ، وتظهر إعلاميا من خلال جناحها مؤسسة «الكتائب»، وتقوم بنشر حصاد عمليات الحركة شهريا. الخبراء من جانبهم، أكدوا أيضا أن «الحركة تحرم وتحظر لعب كرة القدم أو مشاهدتها وتمنع النغمات الموسيقية ومشاهدة الأفلام السينمائية، وتتشكل من مجلس الشورى، والجناح الدعوي، وجناح الحسبة، والجهاز العسكري».
يعود تأسيس حركة «الشباب الصومالية» إلى عام 2004، غير أن كثافة نشاطها وتداول اسمها في الإعلام يعود إلى عام 2007، وقد ظلت الحركة توصف في البداية بأنها الجناح العسكري للمحاكم الإسلامية، خصوصا في فترة استيلاء المحاكم على أكثرية أراضي جنوب الصومال في النصف الثاني من عام 2006.
غير أن هزيمة المحاكم أمام مسلحي الحكومة الصومالية المؤقتة المدعومة من طرف الجيش الإثيوبي وانسحاب قيادتها خارج الصومال، وتحالفها مع المعارضة الصومالية في مؤتمر «أسمرا» سبتمبر (أيلول) عام 2007، كانت سببا وراء انشقاق حركة الشباب الصومالية عن المحاكم، متهمة إياها بالتحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله.
وعن آيديولوجيا الحركة قال التقرير المصري، توصف حركة «الشباب الصومالية» بأنها حركة جهادية متمردة، وتزعم أنها تسعى إلى إقامة «الدولة الإسلامية – المزعزمة»، وقد أعلنت مرارا ولاءها لتنظيم القاعدة الإرهابي.
والمراقبون أكدوا أن الحركة عضو في التنظيمات الجهادية العالمية التي يوجد فيها مسلحون ليس في الصومال فقط؛ بل من دول عربية وإسلامية أخرى شتى. وعلى غرار ما يفعله تنظيم داعش الإرهابي تستغل حركة «الشباب الصومالية» شبكة الإنترنت لنشر رسائلها وبياناتها وتسجيلاتها على مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك وتويتر»؛ بهدف الترويج لأفكار الحركة واستقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب للانضمام إلى صفوفها، وهو ما نجحت فيه الحركة جزئيا، ولولا ضعف الإمكانات الإلكترونية في أغلب دول القارة الأفريقية، لكان نتائج هذا الترويج أفضل من «داعش» – بحسب المراقبون.
من جانبهم، قال الخبراء إن الزعيم الحالي للحركة هو أحمد ديري أبو عبيدة، الذي خلف أحمد عبدي غودني الذي تزعم الحركة من 2008 إلى 2014، الشهير بالشيخ مختار عبد الرحمن أبو الزبير، قبل أن يلقى مصرعه في غارة أميركية سبتمبر 2014 جنوب الصومال.
وأكد الخبراء، أنه في عهد غودني وصلت الحركة إلى ذروة قوتها، حيث سيطرت على ثلاثة أرباع العاصمة مقديشو، وكادت تقضي على الحكومة الصومالية برئاسة شيخ شريف أحمد والمدعومة غربيا وأفريقيا، لولا انسحابها المفاجئ من العاصمة إثر ظهور خلافات بينه وبين المتحدث السابق باسم الحركة الشيخ مختار علي روبو أبو منصور، الذي انسحب بمعظم قواته من العاصمة، وانعزل عن الحركة إلى الآن ويعمل بشكل مستقل، وهو أكثر اعتدالا من القادة الآخرين.
وسبق أن نشرت الحركة صورا لمقاتليها أثناء تجمعهم في ساحة كبيرة يحملون السلاح، متوعدين من وصفوهم بـ«الطواغيت» بالتنكيل والذبح، كما نشروا صورا أثناء إقامة «الحد بالقتل» على ضابطين وصفوهما بـ«المرتدين».
الحركة التي تنتشر في مدينة «جنالي» جنوب الصومال، خططت للهجوم على شرق كينيا والسيطرة عليها، حيث نفذت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي هجوما موسعا في منطقة «ماجينقو»، بعدما نصب مقاتلوها كمينا لقافلة من الجيش الكيني في المنطقة الواقعة في مقاطعة لامو الساحلية في كينيا، حيث قتل أكثر من عشرة جنود كينيين وإصابة عدد آخر، وتدمير سيارتين عسكريتين.
وشنت الحركة هجمات كبيرة، أبرزها الهجوم على مركز «ويست جيت» التجاري في العاصمة نيروبي عام 2013؛ مما أسفر عن مقتل 67 شخصا، ويعتبر الهجوم الأكثر دموية على جامعة «جاريسا»، حيث قتل فيها قرابة 200 شخص، وقد نفذت هذه الجماعة عمليات إرهابية عدة وتفجيرات انتحارية بعد أن تم إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية عام 2008، أهمها مقتل وزير الداخلية الصومالي السابق عمر حاشي أدن في يونيو (حزيران) 2009.
ويرى مراقبون، أنه بعد القضاء على «المحاكم الإسلامية»، أصبحت حركة الشباب أقوى الفصائل الإسلامية المسلحة في الصومال، ويقدر عدد عناصرها بين 3 آلاف و7 آلاف عنصر.
وقال التقرير المصري: يعتقد أن لها معسكرات تدريب في إريتريا يخضع مقاتلوها فيها لدورات تدريبية، يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير، واستخدام الأسلحة الفردية والمدفعية. كما يتبع عناصر حركة «الشباب المجاهدين الصومالية» أساليب مشابهة لأساليب تنظيم القاعدة، من حيث العبوات الناسفة على الطرق، أو السيارات المفخخة، والعمليات الانتحارية، والقصف المدفعي.
وأضاف التقرير، أنه رغم تضييق الخناق على حركة الشباب المجاهدين الصومالية من قبل جهات عدة، مثل القوات التابعة للاتحاد الأفريقي «أميصوم» والقوات الكينية والصومالية والأوغندية؛ فإن الحركة تسعى بين الحين والآخر إلى إيجاد موقع لها على خريطة الإرهاب في أفريقيا، ولا سيما في شرق القارة، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدًا من الجهود لمكافحتها والقضاء على طموحاتها ومساعيها.
وعن علاقة الحركة بالتنظيمات الإرهابية الأخرى، قال التقرير المصري، عُرفت حركة الشباب بولائها لتنظيم القاعدة منذ ظهورها على ساحة الجماعات الإرهابية، وهو ما أعلنته الحركة في أكثر من مناسبة؛ لكن مع ظهور «داعش» وجدت الحركة نفسها أمام تحد كبير بين الثبات على ولائها لـ«القاعدة» وبين إعلانها البيعة لـ«داعش» على غرار ما فعلته جماعات وتنظيمات أخرى مثل «بوكو حرام» النيجيرية التي بايعت «داعش»، ويقول الخبراء «هنا نشب الخلاف داخل الحركة بين مؤيد لمبايعة (داعش) ومعارض لذلك؛ الأمر الذي انتهي بظهور بعض الخلايا التي انشقت عن الحركة وبايعت (داعش)، كان أبرزها جماعة «جاهبا إيست أفريكا» التي بايعت أبو بكر البغدادي - زعيم التنظيم المزعوم».
وعن تطور العمليات التفجيرية للتنظيم بما يشبه «داعش»، قال الدكتور علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، «قد بدا شكل التنظيم من الداخل موافقا لشكل تنظيم داعش، وبدا التنافس الجهادي؛ حيث تشهد الساحة الأفريقية مؤخرا حالة من التنافس الجهادي بين التنظيمات القاعدية، وعلى رأسها (شباب المجاهدين)، وبين التنظيمات الداعشية وعلى رأسها (بوكو حرام)، والعلاقة بين التنظيمات الجهادية علاقة تنافسية صراعية وليست علاقة تعاونية تكاملية، وقد بدأت (المظلة القاعدية) تتراجع لصالح (داعش)»، لافتا إلى أنه في الوقت الذي تتراجع فيه قوة حركة «شباب المجاهدين»، تزداد يوما بعد يوم قوة «بوكو حرام»؛ وهذا تقريبا ما دفع الحركة إلى القيام بعمليات كبيرة، في محاولة لإثبات أن لديها القدرة على تحقيق إنجازات خارج حدود بلادها، تجعلها تنظيما (عابرا للحدود)، قادرا على خلق حالة من التوازن الجهادي في المنطقة.
في غضون ذلك، وعن الدعم المادي للحركة، أكد التقرير المصري أنها تعتمد في جزء من تمويلها على عمليات القرصنة، وخطف بواخر مع طواقمها من المياه الإقليمية الصومالية، أو المياه الدولية المقابلة للسواحل الصومالية وتستبدلها بمبالغ مالية ضخمة، ومما يظهر حجم التمويل الذي تعتمد عليه الحركة امتلاكها أسلحة ثقيلة تصل لحد قذائف الهاون والصواريخ أحيانا، وأيضا ظهورها على ساحة الإعلام الإلكتروني من خلال مؤسسة «الكتائب» الجناح الإعلامي للحركة التي تقوم بنشر البيانات الصادرة عن الحركة، وكذا حصاد عمليات الحركة شهريا عبر مواقع متعددة، مما يشير إلى قوة الحركة رغم جهود المكافحة المبذولة من قبل قوات الجيش الصومالي وقوات الاتحاد الأفريقي؛ إلا أنها لا تزال قادرة على المقاومة والظهور بين الحين والآخر من خلال عمليات تتنوع بين أهداف عسكرية صومالية.
وكان أول ظهور علني لاسم حركة «الشباب المجاهدين» إبان سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو ومعظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وكان للشباب المجاهدين نفوذ قوي في المحاكم الإسلامية، حيث كان معظم الميليشيات المسلحة التابعة للمحاكم الإسلامية تحت قيادات عسكرية من الشباب المجاهدين، وقال الدكتور محمد، إنه عقب هزيمة المحاكم الإسلامية أمام جيش الحكومة الصومالية المؤقتة والتي تدعم من طرف الجيش الإثيوبي، انسحبت قيادتها خارج الصومال، وانشقت جماعة أخرى أطلقت على نفسها حركة «الشباب الصومالية»، وكان قائدها عبد الله سودي ووجهت له تهم عدة، من أبرزها التحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله، وكان بين أهدافها المعلنة محاربة ما أسمته «الاحتلال الإثيوبي».
وأكد التقرير المصري، أن جماعات التطرف والإرهاب في العالم باتت تمثل خطرا داهما على اختلاف مواقعها وتفاوت موازين القوى فيما بينها، وليس من المقبول أن ينصب التركيز حول تنظيم بعينه مهما بلغت خطورته مثل «داعش»؛ بل ينبغي أن تكون المواجهة شاملة لكل التنظيمات، وهي في الأساس مواجهة فكر قبل أن تكون مواجهة عسكرية؛ إذ الأمر ليس قاصرا على عدد من الجماعات والتنظيمات التي إذا تم القضاء عليها فسيكون العالم قد تخلص من هذا الوباء اللعين؛ بل إن الأزمة في حقيقتها هي أزمة فكر وليست مجرد أعمال إجرامية يقوم بها مجموعة ممن فقدوا صوابهم؛ الأمر الذي يحتم أن تتم المواجهة في الأساس على معالجة الفكر وليس ما ينتج منه.
وطالب التقرير المصري بمعالجة هذا الفكر، ليس فقط لدى المنضمين إلى تلك الجماعات؛ بل يعمل أيضا على تحصين الشباب من أن تصيبهم لعنة هذه الأفكار؛ فما هؤلاء الشباب المنضم لهذه الجماعات إلا فريسة أفكار خبيثة زينت لهم قتل الأبرياء، وصورته على أنه جهاد في سبيل الله، وأن الموت من أجله شهادة ينالون بها جنة الله ونعيمه المقيم.
وعن شكل التنظيم، قال الدكتور محمد «يتكون من مجلس الشورى وهو يقوم بالدور نفسه الذي كان يقوم بها اتحاد المحاكم الإسلامية إلى حد كبير، ورئيسه أمير الحركة، والجناح الدعوي ومهمته نشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة؛ لكنه في الأساس يستخدم لاستقطاب عناصر وتجنيد شباب ومقاتلين جدد، وجناح الحسبة وهي نوع من الشرطة الدينية المسؤولة على ضمان احترام التعاليم والأحكام والأعراف الإسلامية، والجهاز العسكري، وهو المسؤول عن التدريب ومعسكرات التدريب والتسليح والتخطيط والتنفيذ ضد الأهداف النوعية المحددة للحركة داخل وخارج الصومال».
وعن طرق تجنيد الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قال محمد «عن طريق الإغراءات المالية؛ نظرا لضيق الأحوال المادية للشباب، فنجد أن هؤلاء يغرون الشباب بالمقابل المادي ويكون بالعملة الصعبة الدولار أو اليورو، فيضطر الشباب الذي انغمس في البطالة للقبول، خصوصا الدول الفقيرة، والإغراءات الجنسية فيما يتعلق بسبي النساء لاعتبارهم أن جميع من ينكر عليهم أفعالهم كفار يجب عليهم قتلهم وسبي نسائهم، وأيضا نكاح الجهاد عندهم، فضلا عن وهم الشهادة فينعقون بهذا في آذان الشباب من سيموت منكم سيكون شهيدا، ومن المعلوم أن الشهادة هي غاية الجميع، فينزح الشباب إليهم».
مضيفا: أن «الحركة تحرم وتحظر لعب كرة القدم أو مشاهدتها، وتمنع النغمات الموسيقية ومشاهدة الأفلام السينمائية، كما قامت بإعدام أو جلد أو بتر أطراف الكثيرين عبر جيش الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي استحدثته لهذا الغرض».



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.