مضافات السويداء.. فيها تتذوق نكهة الأجداد

تقليد قديم في دمشق يقدم المأكولات تحت شعار «أهلاً وسهلاً»

الطاهي يزن درويش وتحضير مرقة المناسف  -  منسف مضافات السويداء  -  زبيب ومرشم وتين مجفف من حلويات السويداء التقليدية ({الشرق الأوسط})
الطاهي يزن درويش وتحضير مرقة المناسف - منسف مضافات السويداء - زبيب ومرشم وتين مجفف من حلويات السويداء التقليدية ({الشرق الأوسط})
TT
20

مضافات السويداء.. فيها تتذوق نكهة الأجداد

الطاهي يزن درويش وتحضير مرقة المناسف  -  منسف مضافات السويداء  -  زبيب ومرشم وتين مجفف من حلويات السويداء التقليدية ({الشرق الأوسط})
الطاهي يزن درويش وتحضير مرقة المناسف - منسف مضافات السويداء - زبيب ومرشم وتين مجفف من حلويات السويداء التقليدية ({الشرق الأوسط})

تشتهر منطقة جبل العرب ومحافظتها الرئيسة مدينة السويداء جنوب العاصمة السورية دمشق بتقليد متوارث جميل منذ عشرات السنين وهو (المضافات)، حيث لدى كل عائلة في المنطقة مضافة يتفاخرون من خلالها بالكرم والجود الذي يرتبط بأهالي السويداء وعُرِفوا به منذ سنين طويلة، ويتسابق أصحاب المضافات على استقبال ضيوف المدينة ومناطق الجبل بعبارة يكررها هؤلاء ما دام الضيف في مضافتهم وهي (يا أهلا وسهلا)، وتروى طرفة هنا تقول إن أحد أبناء السويداء كان يقيم في بريطانيا ويدرس في جامعاتها وفي زيارة له لمدينته جاء معه صديق بريطاني فطلب الشاب والذي يعرف تقاليد أهله بالكرم والترحاب بالضيف من والده الكبير في السن أن لا يستقبله بعبارة يا أهلا وسهلا، ويكررها على الضيف البريطاني فهو لن يفهمها على أنها دليل للترحيب، بل طلب منه أن يستقبله بعبارة إنجليزية سهلة وبسيطة ولمرة واحدة وهي (هاو دو يو دو) وبالفعل نفذ والده ما طلبه منه ولده واستقبل الضيف البريطاني بعبارة (هاو دو يو دو) ولكنه لم يستطع ضبط نفسه في أن يقولها لمرة واحدة، بل بدأ بتكرارها كما يفعل بـ(يا أهلا وسهلا) فصار يرددها وبشكل طريف (ياهو هو يادو دو).
وللمضافة حسب مصادر مديرية سياحة السويداء تصميم خاص يتناغم مع عادات الكرم والقيم الإنسانية النبيلة فهي ترمز لتلك التقاليد وتعد حاضنة لها وتكون عادة عبارة غرفة كبيرة واسعة موجودة في كل بيت سواء في القرية أو المدينة وتصمم بشكل خاص تقليدي من مصطبة عريضة على محيط المكان ويتوسط الغرفة حفرة (نقرة) مستطيلة الشكل بعمق 20 سم وعرض 75 سم وبطول متر واحد توضع على أحد أطرافها أباريق ودلال القهوة المرة المصنوعة من النحاس والفناجين والجرن والمحماسة يشعل في النقرة الحطب لطبخ القهوة، ولشرب القهوة آداب معروفة، حيث يقدم الفنجان أولاً للضيف البعيد أو الكبير السن أو الوجيه، فإذا تساوى الحضور مكانة وقربًا من صاحب المنزل تقدم القهوة ابتداء من اليمين وبالدور وترتبط المضافة، تتابع مصادر سياحة السويداء بالكرم المتوارث في المحافظة أبًا عن جد وأصبحت السمات العامة المميزة لها فيتسابق أصحاب المضافات على تقديم ألذ الأطباق التقليدية على الغداء والتي يشتهر بها مطبخ السويداء وجبل العرب عمومًا، إضافة لمأكولات معروفة بنكهة محلية، حيث يقدم فيها الطعام التقليدي (المنسف) المعد من البرغل واللحم الطازج وخاصة لحم الغنم والذي يسمى لحم الضأن ويضاف له المرق وله تسمية محلية هي (المليحية) وجاء اسمها من طيبة ولذة مذاقها ويُزَيَّنْ المنسف بأقراص الكبة والوربات والمكسرات، والمنسف قدر مستديرة واسعة قليلة العمق على جانبيها حلقات من أجل الحمل وسمي الطعام على اسمه.
من جهته الطاهي (يزن درويش) وهو ابن السويداء ويدير حاليًا مطعمًا فيها حيث كان له تجارب في فنون الطهي في فنادق ومطاعم لبنان قبل أن يعود لمدينته يشرح لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: من أهم الأطباق في جبل العرب والتي تقدّم في المضافات وحتى في المطاعم والمنازل عندما يكون هناك ولائم وعزائم هي (المنسف والمغربية واللزقيات والشيش برك والكبة) وإذا كان المنسف يأتي في الأولوية بهذه المضافات والولائم فهناك أيضًا (المغربية) وتحضّر على البخار من خلال سلق الدجاج مع البطاطا والبصل بحيث يرتب على طبقات ثلاث في الأسفل البطاطا ثم البصل وأخيرًا الدجاج، ويضاف على الوجه مرقة الدجاج. وهناك (الشيش برك) ونقدمها على طريقة مطبخ السويداء، حيث نحضر الدقيق والخميرة والملح مع رشة سكر وماء تعجن وتترك لترتاح نحضر خلالها الحشوة وهي تشبه حشوة الكبة والصلصة تشبه صلصة المنسف يعني ملاحية نقوم بمد العجين في صينية واسعة ويقطّع لدوائر ثم يحشى بالحشوة المؤلفة من لحم وبصل ويغلق ويسلق بالملاحية وتسكب بالمنسف لتقدم للضيف.
وهناك أيضًا حلوى محلية، يتابع درويش، تقدّم في المضافات بعد الطعام الرئيسي كما في المناسبات والولائم وتسمى (اللزقيات) يتم إعدادها على الشكل التالي: نحضّر المواد الأولية وهي العجينة ودقيق القمح والخميرة وزيت الزيتون وبهارات مختلفة وسكر وماء، يتم بعد ذلك ترتيب الخبز بسبع طبقات في صينية واسعة ويسكب فوقها الصلصة والمكونة من الحلاوة والحليب والسكر وتطهى على الموقد لفترة محددة من الوقت بعد ذلك يرش على وجهها الفستق الحلبي وتقدّم كحلوى شعبية لذيذة المذاق. كذلك من الحلويات الشعبية التي تتميز بها السويداء وتعتمد موادها الأولية على المنتجات الزراعية في المحافظة هناك (الزلابية) وتحضر من الدقيق مع السكر ويضاف لها دبس العنب و(المرشّم) وهو من الدقيق الناعم المطحون والمعجون مع السكر الناعم والزبدة البلدية، حيث يطهى بالفرن بعد تقطيعه على شكل أقراص دائرية لتتحول إلى لون ذهبي.
وما يميز مأكولات السويداء ليس فقط لذة مذاقها بل تنوعها واعتمادها على منتجات الطبيعة التي تشتهر بها المحافظة ولذلك يصنف مطبخ السويداء بأنه مطبخ ريفي صحي بحكم كون الإنتاج الرئيسي فيها هو الإنتاج الزراعي، فأثّر هذا الإنتاج على مواصفات هذا المطبخ من حيث الطعام الطبيعي الصحي والذي يتغير حسب موسم الإنتاج أي لا يوجد تعليب أو تفريز للمواد. بحيث يتم تحويلها لمأكولات لذيذة تقدم في المضافات كما في المنازل ومنها الخبز البلدي من القمح غير المقشور، حيث يستخدم لخبزه التنور والذي يعمل على الحطب وورق شجر البلوط الجاف، وبالتالي يكون هذا الخبز منتجًا طبيعيًا بالكامل، كذلك لاشتهار السويداء بشجيرات العنب وإنتاجها الواسع منه فيتم تحويله للدبس وتجفيفه لتحويله لزبيب.



المعمول... حلوى الأعياد وبهجتها

معمول بالفستق (إنستغرام)
معمول بالفستق (إنستغرام)
TT
20

المعمول... حلوى الأعياد وبهجتها

معمول بالفستق (إنستغرام)
معمول بالفستق (إنستغرام)

يعدّ المعمول من أهم المظاهر الاحتفالية بالأعياد. هذا التقليد اللبناني العريق الذي يطبّق في القرى كما في المدن يواكب مناسبات عديدة وأهمها عيد الفصح عند المسيحيين وعيد الفطر عند المسلمين.

وتتألّف أنواع المعمول من أربعة مكونات يتم حشو عجينته بها. وهي الجوز واللوز والفستق الحلبي والتمر، والعجينة تمزج بماء الزهر وماء الورد حسب الرغبة. ومن ثم يتم حشوها وخبزها لتقدّم ضيافةً محببةً في العيدين المذكورين.

كانت ربة المنزل تصنع المعمول بكميات كبيرة (إنستغرام)
كانت ربة المنزل تصنع المعمول بكميات كبيرة (إنستغرام)

ذكريات المعمول

لدى اللبنانيين ذكريات كثيرة حول هذه الحلوى. فبعضهم وما إن يشتم رائحتها تفوح من مطابخ أمهاتهم حتى يستعيدوا شريط طفولتهم السعيدة. فمشهدية اللمّة النسائية حول طاولة كبيرة يحضّرن فيها المعمول لا تبارح أذهانهم. أما صوت قالب المعمول الخشبي والمزخرف برسوم تخص حشوة كل نوع فتذكّرهم باللحظات التي تسبق وصول العيد بأيام قليلة. ويقول نادر المرّ في هذا الإطار: «كانت مهمتي أن أرش السكّر الناعم على هذه الحلوى بعد خبزها مباشرة. فكانت لحظات أشعر فيها بالفرح لا يمكنني نسيانها».

معمول بالتمر (إنستغرام)
معمول بالتمر (إنستغرام)

أما آمال العاجوري، فتقول لـ«الشرق الأوسط»: «تحضير المعمول في يوم الخميس الذي يسبق أحد الفصح يشكّل عادة سنوية في منزلنا. وكانت جدّتي تحرص على وضع هذه الحلوى في وعاء كبير من الألمنيوم نسميّه (اللكن). فتضعه تحت سريرها كي لا نتناوله من دون إذنها».

أما سهى البعدراني، فتتذكر تحضيره عشية عيد الفطر: «كنا نسهر حتى ساعة متأخرة مع والدتي والجيران نحضّر هذه الحلوى. وكانت والدتي تتمسّك بهذه العادة لأنها برأيها تجلب البركة في البيوت».

معمول حديث بنكهات متجددة

لم تبق أصناف حلوى المعمول على حالها عبر الزمن. ولم يكتف أصحاب محلات الحلوى بصنع التقليدي منها. فأضافوا إلى المعمول المحشو بالجوز واللوز والتمر والفستق الحلبي مكونات أخرى، ومن بينها القشدة والجبنة ومربى البوصفير أو مربى البرتقال. ومن ثم تم إدخال عدة أنواع مربات في حشوتها كالفريز والتين والتوت والكرز.

المعمول بحشوات مختلفة (إنستغرام)
المعمول بحشوات مختلفة (إنستغرام)

وتتبع مطاعم معروفة في لبنان ضيافة زبائنها في الأعياد بالمعمول المحشو بالقشدة والجبن. ويقدّم ساخناً بحيث تسيل هذه المكونات من قطعة الحلوى مباشرة مع أول قضمة. ولم يتوانَ بعض الطبّاخين في إدراج الشوكولاته على مكونات حشوة المعمول. حتى صارت هذه الحلوى هي الفضلى لبث البهجة في قلوب الصغار والكبار.

أحجام حلوى المعمول وعملية تقديمها

كانت محلات الحلوى في الماضي القريب تصنع قطع المعمول في قوالب خشبية كبيرة. وكانت من ثم تغلّفها بورق شفاف مطبوع عليه اسم المحل وعنوانه. ومع بداية التسعينات بدأت هذه التغليفة تضمحل. وركن أصحاب تلك المحلات إلى تصغير أحجام قطع حلوى المعمول. ويشير منير أحد العاملين في محلات حلوى مشهورة في بيروت لـ«الشرق الأوسط»: «المعمول المغلّف بالورق صار نادراً ما نجده في محلات الحلوى في بيروت. بينما لا تزال مدن أخرى كصيدا وصور وطرابلس تحافظ عليها. فالرائج اليوم في العاصمة قطع المعمول «اللقمة». ويمكن تناولها من دون قضمها نظراً لصغر حجمها. وهي تباع بالكيلو غرام أو بالدرزن. وتوضّب في علب كرتون كما أي نوع حلوى آخر». ويتابع: «يتراوح سعر الكيلوغرام المشكّل من المعمول ما بين المليونين و4 ملايين ليرة (40 دولاراً). ويرتفع هذا السعر في محلات حلوى مشهورة بصنع المعمول حسب الطلب فقط. فلا تحضّرها من دون موعد سابق، ولا في باقي أيام السنة. وتكتفي بصنعها فقط أيام عيد الفصح أو عيد الفطر».

المعمول التقليدي الذي يقدم في الاعياد (إنستغرام)
المعمول التقليدي الذي يقدم في الاعياد (إنستغرام)

المعمول الضيافة الأشهر في الأعياد

كانت في الماضي تصنع ربّات المنازل حلوى المعمول بكميات كبيرة. فيصنعن من 5 إلى 7 كيلوغرامات منها، حيث يحسب حساب الضيوف والزوار في مناسبة الأعياد. وكذلك تأخذن بعين الاعتبار توزيع كميات منها إلى الأصدقاء والأحباب. ولكن هذه الكميات بدأت تتضاءل مع الوقت. وذلك بسبب اختصار الزيارات بين الناس والجيران. فغابت عن روزنامة الاحتفالات بالعيد. فغالبية اللبنانيين باتوا لا يزورون بعضهم بعضاً في الأعياد. واكتفوا بإرسال عبارات التهنئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وكذلك في رسائل إلكترونية قصيرة وموجزة.

وتقول أم هاني، وهي في العقد السابع من عمرها: «اختفت بهجة العيد ولمّة الناس في البيوت للقيام بواجبات التهنئة في الأعياد. وصارت كمية المعمول التي نصنعها لا تتجاوز الكيلوغراماً. والأسوأ هو أن تناولها بات يقتصر على أفراد العائلة الواحدة. وهذا الأمر ينطبق على ضيافة الشوكولاته في مثل هذه المناسبات. فصار من غير الضروري شراؤها لأن الناس انقطعت عن زيارة بعضها بعضاً منذ زمن طويل».