الأكراد.. مشكلة تركيا المستعصية

هاجس «كردستان الكبرى» في قلب تطورات الشرق الأدنى

الأكراد.. مشكلة تركيا المستعصية
TT

الأكراد.. مشكلة تركيا المستعصية

الأكراد.. مشكلة تركيا المستعصية

وصل رجل أعمال جديد، انضم لصالون الضيافة، فارتفعت حرارة النقاش. في إحدى الضواحي المشيدة (مقدمة)
بلورت الحكومة التركية موقفًا جديدًا قديمًا من المسألة الكردية، التي كانت ولا تزال محورا من محاور الاضطراب والقلاقل في منطقة الشرق الأدنى، ومصدر معاناة لنحو 20 في المائة من سكان تركيا من ذوي الأصول الكردية، مكررة القول إنه «لا توجد في تركيا مشكلة كردية». والواقع أن الحكومة التركية ردّدت غير من مرة في الأيام الأخيرة على لسان رئيس الوزراء بينلي يلدريم، أنه لا يوجد في تركيا مشكلة كردية، وأن المواطنين الأكراد أنفسهم يعانون بسبب نشاط منظمة حزب العمال الكردستاني، التي تصنفها السلطات التركية «منظمة إرهابية»، وأعلنت أنها ستتبع خطة جديدة لربط شرق وجنوب شرقي تركيا بغربها وتحقيق المستوى نفسه من الخدمات.
مثّلت انتخابات السابع من يونيو (حزيران) الماضي في تركيا منعطفًا كبيرًا غيّر من مسار التعامل مع المشكلة الكردية في تركيا، عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أن مفاوضات السلام الداخلي التي كانت انطلقت منذ عام 2012، وشهدت تصاعدا كبيرا خلال العامين 2014 و2015، قد جمّدت و«دخلت الثلاجة» وأنه «لا يوجد في تركيا ما يسمى بالمشكلة الكردية».
وعقب التحوّلات في نظرة السلطات التركية للمشكلة الكردية القائمة منذ عشرينات القرن الماضي، عادت منظمة حزب العمال الكردستاني إلى التصعيد مجددًا، وأعلنت في العشرين من يوليو (تموز) 2015 إنهاء الهدنة التي كانت أعلنتها تزامنًا مع مرحلة مفاوضات السلام الداخلي، وصعّدت من عملياتها التي تستهدف الجيش وقوات الأمن التركية. وفي الشهر الماضي قرّرت إدخال تغيير نوعي على عملياتها عبر إعلان القيادي بالمنظمة، جميل باييك، نقل عمليات المنظمة إلى داخل المدن لاستهداف قوات الأمن.
وفعلاً، نفذت المنظمة في أغسطس (آب) الماضي أكثر من عملية استهدفت مراكز الشرطة في مدن شرق تركيا وجنوب شرقها، منها استهداف مديرين أمن الازيغ بسيارة مفخخة؛ ما أوقع 3 قتلى و217 مصابًا، 85 منهم من الشرطة والباقي من المدنيين، و«عملية جيزرة» (جزيرة ابن عمر) في شيرناق جنوب شرقي تركيا، التي نفذت بالطريقة نفسها، وقتل فيها 11 شرطيا.
مع هذا، وبالتوازي مع دعوة صلاح الدين دميرطاش، الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي - الحزب الكردي الأبرز في تركيا - إلى العودة لعملية السلام الداخلي في البلاد، فإن حكومة يلدريم تبدو عازمة الآن على العودة إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى حل للمشكلة الكردية، وهو ما أكده أيضا الرئيس إردوغان. ولقد اعتبر دميرطاش، من جانبه، أن «القضية الكردية في تركيا هي بمثابة جرح تقوم بعض الجهات بوخزه؛ لذا لا بد من العودة إلى طاولة المفاوضات وعملية السلام».
* الحقوق الغائبة
في نهاية عام 2012، تحدثت تقارير إعلامية عن لقاءات مكثفة بين الاستخبارات التركية وبعض قادة منظمة حزب العمال الكردستاني في العاصمة النرويجية أوسلو؛ الأمر الذي نفاه المتحدث باسم الحكومة التركية آنذاك نائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش. لكن ما لبث أن عاد رئيس الوزراء التركي - وقتها - رجب طيب إردوغان ليعلن صحة ما سبق تداوله عبر الإعلام.
وأقر إردوغان بوجود «محاولات لبسط أرضية سلام توافقية» بين الحكومة وقادة حزب العمال الكردستاني خلال لقاء مع التلفزيون الرسمي التركي «تي آر تي» بتاريخ 28 ديسمبر (كانون الأول) 2012، وأشار إلى وجود لقاءات مباشرة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني لطي صفحة النزاع المسلح وبدء صفحة جديدة تحمل عنوان «عملية السلام».
وفي هذا الوقت أيضا استطاعت الحكومة التركية أن تقرّ عبر البرلمان حزمة إصلاحات ديمقراطية استهدفت منح بعض الحقوق للأكراد، وتضمنت إمكانية تعلّم اللغة الكردية، وحق التحدث باللغة الكردية في المحاكم والمؤسسات الرسمية والمناطق العامة، وحق ممارسة الدعاية السياسية الانتخابية باللغة الكردية، وإقامة عدد من المشروعات لتوفير فرص العمل في المناطق ذات الأغلبية الكردية، كذلك أعيد إطلاق الأسماء الكردية القديمة لبعض القرى في شرق وجنوب شرقي تركيا.
* أسباب التراجع
واليوم يثور في الأوساط السياسية الكثير من التساؤلات حول أسباب التراجع، بل الانقلاب المفاجئ في موقف منظمة حزب العمال الكردستاني عقب انتخابات السابع من يونيو 2015.
ولقد تناول ميديام يانيك، الباحث في مركز الدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التركي «سيتا»، الأسباب التي دفعت حزب العمال الكردستاني إلى الانقلاب على عملية السلام في دراسة أكاديمية أدرجت تحت عنوان «لماذا انقلب حزب العمال الكردستاني على عملية السلام؟» وعدّد الكثير من الأسباب لهذا التراجع، في مقدمتها ضلوع عناصر من حزب العمال الكردستاني في إدارة منطقة شرق وجنوب شرقي تركيا بصورة مستقلة وبشكل تعسفي، حيث كان يقوم أفراد حزب العمال الكردستاني بجباية الضرائب ومحاكمة المواطنين القاطنين في تلك المناطق بشكل جائر، وغيرها الكثير من الأفعال غير القانونية، وعلى الرغم من مطالبة الحكومة التركية لهم للتوقف عن هذه الإجراءات التي تتعارض مع مبادئ عملية السلام.
ويقول يانيك إن «النزاع بين الطرفين بهذا الخصوص كان محتدمًا قبل الانتخابات ببضعة أشهر، وأبدت الحكومة التركية مرونة تامة إزاء هذه الأحداث، وانتظرت من منظمة حزب العمال الكردستاني موقفا مقابلا، لكنها تعنتت واختارت طريق الانقلاب على عملية السلام، لتحقيق حلمها فيما يتعلق بالاستقلال الذاتي التام؛ استنادا إلى الظروف التي باتت مواتية في المنطقة».
* هاجس «كردستان الكبرى»
ثم، مع التطورات في سوريا والعراق، بدأت تركيا تشعر بالقلق من احتمالات تحقق مشروع «كردستان الكبرى»، ولا سيما مع بدء نشاط منظمة حزب العمال الكردستاني لفرض سيطرتها على مناطق في شرق تركيا وجنوب شرقها بالقوة، ونصب حواجز وحفر خنادق لتكريس سلطتها التعسفية في هذه المناطق. وحسب يانيك، فإن «هذه النقطة، أي الحديث عن إقامة كيان فيدرالي كردي في سوريا إلى جانب إقليم كردستان ذي الحكم الذاتي في العراق، هي إحدى النقاط الأساسية التي أقلقت تركيا». ومن ثم استطرد شارحًا «إن السيادة المحورية الكردية التي تحققت في إطار عمليات كوباني (عين العرب) و(ثورة روج آفا) (الشمال محافظتي الحسكة والرقة) في سوريا، والدعم الأميركي والروسي الوفير لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وذراعه العسكرية ميليشيا (وحدات حماية الشعب) الكردية، وكذلك التعاطف العالمي الضخم تجاه النجاح الذي حققه المقاتلون الأكراد ضد تنظيم داعش الإرهابي.. كل هذه كانت عوامل حفّزت حزب العمال الكردستاني لقلب طاولة الحوار والعودة إلى السلاح في تركيا، لإعلان الاستقلال في ذلك الوقت الذي يعد الأكثر مناسبة في تاريخ النزاع الكردي».
* ارتباك تركي
لقد بدا من خلال التطورات الأخيرة مدى حالة القلق التي تنتاب صنّاع القرار في تركيا من احتمالات أن تؤدي الامتدادات التي تحظى بها منظمة حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا وإيران، إلى توحيد مناطق الكثافة الكردية في البلدان الثلاثة. إن القواسم الثقافية والعشائرية التي تربط أكراد تركيا والأكراد في الدول الثلاث دفعت بقمة السلطة في تركيا إلى حالة من الارتباك في التعامل مع ملف المسألة الكردية داخليًا. وأطلقت القوات المسلحة وقوات الأمن التركية عملية عسكرية موسعة منذ 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015، للقضاء على عناصر حزب العمال الكردستاني المتحصنة داخل بعض المدن التركية. وأدت هذه العملية التي استهدفت إزالة مظاهر «الحكم الذاتي» التي سعت المنظمة لتثبيتها داخل أحياء بعض البلدات الكبيرة، ولا سيما في شيرناق وبلدة جيزرة (جزيرة ابن عمر) تحديدا، وكذلك في مدينتي ماردين وديار بكر وغيرهما، إلى واقع مأسوي بالنسبة للسكان الذين اضطر عشرات الآلاف منهم إلى النزوح من قراهم للتوجه إلى مناطق آمنة.
وكشفت جمعية حقوق الإنسان التركية، فرع مدينة ديار بكر بجنوب شرقي تركيا، في تقرير لها بمناسبة «اليوم العالمي للسلام» الموافق الأول من سبتمبر (أيلول)، عن أن العمليات العسكرية في جنوب شرقي تركيا والاشتباكات مع عناصر المنظمة منذ يوليو من العام الماضي أسفرت عن سقوط 1551 قتيلا و1683 جريحا من مدنيين ورجال شرطة وجنود وعناصر تابعين للمنظمة.
وأضاف التقرير أن «الإجراءات القضائية والإدارية التي اتخذت خلال تلك الفترة تضمنت توقيف 7884 شخصًا، من بينهم 275 طفلا واعتقال 1959 شخصا، من بينهم 81 طفلا، وفتح تحقيقات إدارية مع 13067 موظفا حكوميا بسبب مشاركتهم في مظاهرات ووقفات في أنحاء مدن جنوب شرقي تركيا».
ومع استمرار العمليات العسكرية وإخفاقها في تحقيق النتائج المرجوة على مدى نحو 4 أشهر، أعلن رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو أنه في حال تخلي حزب العمال الكردستاني عن سلاحه وإخراج عناصره من تركيا بشكل كامل، يمكن لعملية السلام أن تعود تدريجيًا إلى التفاوض والمحادثات. غير أن الرئيس إردوغان سارع برد لاذع على هذه التصريحات، مؤكدا أنه لا يمكن إطلاقا الحديث عن بدء عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني من جديد.
وسبق هذا تنافر الرؤى حول «اتفاقية ضولمة بهجة»، التي وقعت في فبراير (شباط) 2015 بين الحكومة التركية برئاسة داود أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي لإتمام عملية السلام، لكن إردوغان اعترض عليها اعتراضا شديدًا، ولم يعمل بأي من مبادئها على الرغم من توقيع الطرفين عليها، وكان هذا سببا فيما بعد من بين أسباب كثيرة أدت إلى استقالة رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. ومن ثم، مع تولي حكومة بينلي يلدريم في مايو (أيار) الماضي خلفا لحكومة داود أوغلو بدأ الحديث عن أنه «لا وجود مشكلة كردية في تركيا» لكي تجرى مفاوضات لحلها.
* جذور المشكلة
لا يختلف الخبراء والمتابعون للشأن التركي على أن المشكلة الكردية هي أكبر مشكلات تركيا منذ تأسيسها عام 1924 وحتى اليوم. ولقد رأى مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال «أتاتورك» أن التنوع العرقي والإثني الذي تميّزت به الدولة العثمانية كان أحد أسباب سقوطها، وبالتالي، يجب على الجمهورية التركية الوليدة مواجهة ذلك الأمر لتجنب المصير نفسه. وعلى هذا الأساس، أنكرت تركيا منذ نشأتها تنوّعها العرقي، واعتبرت كل مواطن يعيش داخل حدودها «تركيًّا» بغض النظر عن جذوره ولغته الأم.
واتبع خلفاء «أتاتورك» النهج نفسه وبأساليب أكثر تشددًا وإجحافًا؛ ما أدى إلى التنكر لحقوق الأقليات العرقية في تركيا من عرب وشركس ولاز (قوقازيون) وبوشناق (بوسنيون)، وكذلك الأكراد الذين يشكلون أكبر أقلية؛ كونهم يمثلون 20 في المائة من سكان تركيا البالغ 78 مليونا.
ولم يتوقف الأمر عند حد إنكار الحقوق الثقافية والاجتماعية لأكراد تركيا، ولا حتى حقوقهم السياسية، بل وصل إلى إهمال وتهميش شبه متعمدَين لمناطق جنوب تركيا وجنوب شرقها، حيث يشكل الأكراد غالبية السكان؛ ولذلك تراكمت مشاعر الغضب بين الأكراد الذين رأوا أنهم يعاملون بصفتهم مواطنين من الدرجة الثانية في البلاد.
ومع انتشار المد اليساري في العالم في ستينات وسبعينات القرن الماضي، احتكرت الحركة السياسية اليسارية الكردية التكلم باسم أكراد تركيا، وأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978، وما لبث أن بدأ حرب عصابات ضد الدولة التركية عام 1984 كلفت تركيا حتى الآن حياة أكثر من 40 ألف شخص، وأكثر من 500 مليار دولار، فضلا عن الاضطراب السياسي والشرخ الاجتماعي.
* تاريخ المفاوضات
سعت تركيا مرتين من قبل خلال حكم تورغوت أوزال في الثمانينات، ثم في فترة رئيس الوزراء الراحل نجم الدين إربكان لحل المشكلة الكردية عبر مفاوضات السلام، لكن لم يكتب للمحاولتين النجاح. واستمر الفشل إلى أن قرر حزب العدالة والتنمية، الذي تولى السلطة في عام 2003 حل المشكلة الكردية داخليًا، باعتراف رئيسه رجب طيب إردوغان عام 2005 بوجود «مشكلة كردية» في تركيا، وباشر سلسلة من الإصلاحات الدستورية والديمقراطية جنبا إلى جنب مع عشرات المشروعات الاقتصادية والتنموية في مناطق الأغلبية الكردية.
وبعد سنوات من المفاوضات السرية مع زعيم حزب العمال المسجون في تركيا عبد الله أوجلان، أطلقت الحكومة ما أسمتها «عملية التسوية» بعد دعوة واضحة من الأخير لأعضاء حزبه بترك السلاح والانخراط في العملية السياسية عام 2013، لكن الهدنة التي استمرت سنتين لم تصمد طويلا على وقع التطورات المتسارعة في الجارة سوريا؛ إذ رأت الحركة الكردية أن ضعف قبضة الدولة المركزية في سوريا فرصة تاريخية قد تتيح للأكراد، للمرة الأولى في تاريخهم، بإنشاء دولة خاصة بهم في الشمال السوري؛ الأمر الذي انعكس على قرار الحركة السياسية الكردية في تركيا بشقيها: العسكري المتمثل بحزب العمال، والسياسي المتمثل بحزب الشعوب الديمقراطي.
* مخاوف التدويل
لا تشك أنقرة في أن هناك تنسيقًا بين الأكراد على طرفي الحدود التركية – السورية، أي بين منظمة حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا.
ويرى خبراء، أن المشكلة الكردية بأبعادها الحالية تحمل بذور تدويل المشكلة، وأن ذلك لو حدث سيشكل خطرا على تركيا في ظل حالة الجفاء بينها ومعظم حلفائها التقليديين، الذين يقدّمون الدعم السياسي والعسكري للفصائل الكردية المسلحة في سوريا المصنفة على قوائم الإرهاب في تركيا.
وفوق ذلك، تبدو الحكومة التركية تميل في تعاملها مع الأزمة من رؤية المؤسسة العسكرية بعدما جربت رؤيتها الخاصة في الحل لسنوات عن طريق المفاوضات التي انتهت إلى إعلان الساسة الأتراك، وفي مقدمتهم إردوغان، أنه «لا توجد مشكلة كردية في تركيا» رغم اعترافهم بوجود مشاكل كثيرة للأكراد.
* سبل الخروج
تركيا، في الواقع، تفتقر حتى الآن إلى دستور يكرس مبدأ المواطنة ويراعي التنوع الثقافي والعرقي والإثني في البلاد. ويقول وحيد الدين إنجة، الباحث المتخصص بالشؤون الكردية إن «إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد أمر غير واقعي؛ لعدم وجود مؤشرات تدل على إمكانية نجاح تلك المساعي، فضلا عن استحالة سلخ مناطق جغرافية عن دولة قوية عسكريًا واقتصاديا مثل تركيا عبر صدام مسلح».
وأضاف إن «هذا المسعى سيتسبب في الضرر للأكراد بدلا من أن ينفعهم؛ لأن الجماعات التي تطالب بالحكم الذاتي لا تملك المقومات للحفاظ عليه. وبالتالي، فإن الهدف من هذا الإعلان هو الحفاظ على المناطق التي يعدها حزب العمال الكردستاني وتفرعاته مكتسبات في الشمال السوري».
وقلل إنجة من أهمية إعلان حزب العمال الكردستاني الانفصال، ومقابلته من الحكومة بالإعلان عن اجتثاث مقاتلي الحزب، مؤكدا أنها مجرد تصريحات إعلامية يقابلها إدراك الطرفين بأنهما يخوضان حربا «لا غالب فيها ولا مغلوب». وأشار إلى أن «هناك مطالب حقوقية للأكراد، لا يمكن التعامل معها بالنهج العسكري الذي فشل طوال أربعين سنة في عهد (تركيا القديمة الكمالية)، رغم إدراك الجميع حق الدولة في منع حمل السلاح بوجهها»، داعيا الجميع إلى سلوك طريق ثالث لحل الأزمة دون سلاح.
من جهته، رأى جان أجون، الباحث في علاقات الجوار التركي بمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي «ستا»، أن الاتحاد الديمقراطي، الذي يعدّ امتدادا لحزب العمال الكردستاني في سوريا، يخطط للانتقال إلى القسم الغربي للفرات وضم «جيب» عفرين لتكوين ممرّ في الجنوب التركي، ويرى أن تصعيد حزب العمال الكردستاني للمواجهات في تركيا تكتيك يهدف إلى تحويل الانتباه إلى الداخل، لتحقيق الاستراتيجية المتمثلة في حفظ مكتسبات في سوريا وضم عفرين إلى مقاطعاته.
ويستبعد أجون أن ينجح الحزب في هذا المسعى في مواجهة الدولة التركية التي نجحت من خلال عملية درع الفرات في جرابلس في قطع هذا الخط، فضلا عن أهمية التنسيق الذي بدأ أخيرًا مع إيران وكردستان العراق لتطويق احتمال إقامة كيان «كردستان الكبرى».



الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.