أنغولا: من الانتعاش القوي إلى الأزمة.. قصة بطلها النفط

الحكومة خفضت ميزانيتها إلى النصف.. والمستشفيات خالية من عقارات الملاريا

إحدى مضخات النفط (رويترز)
إحدى مضخات النفط (رويترز)
TT

أنغولا: من الانتعاش القوي إلى الأزمة.. قصة بطلها النفط

إحدى مضخات النفط (رويترز)
إحدى مضخات النفط (رويترز)

مع تحرك أسعار النفط في وقت سابق من هذا العقد نحو الارتفاع، انتعشت الأوضاع الاقتصادية بمدينة لواندا عاصمة أنغولا، ما تجلى في ظهور ناطحات السحاب الزجاجية فوق الركام الذي خلفته حرب أهلية استمرت 27 عامًا، كما اجتذبت المدينة مطربين أميركيين عالميين أمثال ماريا كاري لإحياء حفلات غنائية خاصة بها، الأمر الذي دفع سلطات المدينة لإعلانها «دبي الجديدة».
إلا أنه مع التراجع الشديد في أسعار النفط، ظهرت التداعيات السلبية على واحدة من أكثر دول القارة السمراء ثراءً وتفاوتًا في توزيع الثروات، والآن، يطلب نفس المسؤولين الذين تباهوا من قبل بصعود لواندا المبهر، قروضا بمليارات الدولارات، في الوقت الذي يلقى الآلاف حتفهم بسبب أمراض يمكن الوقاية منها وتعاني المستشفيات نقص الأدوية، واليوم، يمكن أن يصل سعر جوال الأرز خمسة أضعاف ما كان عليه منذ عام مضى. وفي ظل وجودها بقارة أفريقيا، القارة التي تتحكم مواردها الطبيعية في صعود وهبوط الاقتصاد، تبقى أنغولا نموذجًا متفردًا ومثير للفزع في الوقت ذاته، ذلك أنها أكثر اعتمادًا على صادراتها من السلع عن أي من دول جنوب الصحراء الكبرى الأخرى، والآن تتكبد البلاد ثمن هذا الأمر على نحو مأساوي.
المعروف أن أنغولا ليست الدولة الوحيدة التي تعاني منذ تهاوي أسعار النفط من نحو 115 دولارا للبرميل منتصف عام 2014 إلى أقل من 30 دولارًا العام الماضي، ليصل مؤخرًا إلى مستوى 40 دولارًا تقريبًا، على سبيل المثال، تعاني فنزويلا هي الأخرى من نقص في الطعام، في الوقت الذي تجابه نيجيريا أكبر أزمة اقتصادية تعصف بها منذ عقود، بيد أن تفّرد أنغولا يكمن في أن سقوطها جاء مخفيًا في الجزء الأكبر منه عن أعين العالم، نظرًا لأنه نادرًا ما يجري منح تأشيرات دخول لصحافيين.
وتشير الأرقام الصادرة عن منظمة «أوبك» إلى أن نحو 45 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي في أنغولا يأتي من قطاع النفط والغاز الطبيعي، مقارنة بـ25 في المائة في فنزويلا و35 في المائة في نيجيريا.
وداخل مستشفى كاجويروس، تحولت أزمة النفط إلى أزمة بالمجال الصحي، جراء معاناة المستشفى، كما هو الحال مع معظم المستشفيات على مستوى البلاد، من نقص الإبر والقفازات الجراحية وتقريبًا جميع الأدوية، ويتمثل السبيل الوحيد أمام المرضى للحصول على العلاج الطبي في شراء هذه المواد من السوق السوداء، في وقت يعجز غالبية أبناء أنغولا عن توفير تكاليف الشراء، وخلال الأسابيع الأخيرة، لم تجر أي اختبارات بخصوص مرض نقص المناعة ولم يحصل أي شخص على لقاح السل على مستوى البلاد، تبعًا لما أعلنه مسؤولون من أنغولا وآخرون دوليون معنيون بالمجال الصحي. وبعد أن قلصت الحكومة ميزانيتها بنسبة 53 في المائة العام الماضي، لم تشتر البلاد جرعة واحدة من عقار الملاريا، وخلال الشهور الثلاثة الأولى من 2016. ظهرت في أنغولا قرابة 1.3 مليون حالة إصابة بالملاريا، وتبعًا لما أعلنته منظمة الصحة العالمية، فقد توفي 3 آلاف منهم على الأقل.
من جهته، قال فرانسيسكو سونغني، كبير ممثلي اليونيسيف في أنغولا «اليوم، عندما تذهب لأي وزارة وتطلب شيئا، تتلقى الإجابة ذاتها ليس لدينا مال».
ومع ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية بمفردها لا تفسر بشكل كامل الفوضى الصحية العارمة التي تعصف بالبلاد، في الواقع، تتسم حكومة أنغولا منذ أمد بعيد بمستويات كبيرة من الفساد وسوء الإدارة، وتعاني البلاد من أعلى معدل وفيات بين الأطفال عالميًا، مع وفاة واحد من بين كل 6 أطفال دون الخامسة، تبعًا لما أعلنه مسؤولو «يونيسيف».
بفضل أسعار النفط شديدة الارتفاع والإنتاج الوفير، حقق اقتصاد البلاد نموًا مذهلاً بمعدل 17 في المائة سنويًا بين عامي 2004 و2008، وبحلول عام 2014. أصبح لدى أنغولا ثالث أكبر إجمالي ناتج محلي على مستوى دول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، بعد نيجيريا وجنوب أفريقيا، إلا أن الثروات تركزت في أيدي قلة على نحو متزايد، كانوا في معظمهم مقربين من النخبة السياسية.
وحتى عندما حدث التراجع الاقتصادي، كانت النخبة تنفق ببذخ، في ديسمبر (كانون الأول)، دفعت واحدة من كبريات شركات الهاتف المحمول بالبلاد: «يونيتيل»، للمطربة الأميركية نيكي ميناج مليوني دولار مقابل إحيائها حفلا غنائيا في لواندا، وكان الرئيس التنفيذي للشركة حينها إيزابيل دوس سانتوس، ابنة الرئيس الأنغولي، جوزيه إدواردو دوس سانتوس، الذي يتولى رئاسة البلاد منذ عام 1979. في يونيو (حزيران)، جرى تعيين إيزابيل دوس سانتوس، أول مليارديرة على مستوى أفريقيا، ـ رئيسة لشركة النفط المملوكة للدولة.
على الجانب الآخر وفي أحد الأيام القريبة، وقفت كريستينا دا سيلفا تنتظر خارج مستشفى كاجويروس كي تتمكن من إدخال القفازات والإبر والعقاقير اللازمة لزوجها المصاب بالملاريا، كانت هي وأقاربها قد تمكنوا من جمع المال الكافي لدفع تكلفة احتياجات زوجها الطبية والتي بلغت 10 دولارات، ما يعد مبلغا أقرب إلى المستحيل في بلاد يتقاضى نصف عامليها أقل من دولاري يوميًا، جدير بالذكر أنه قبل الأزمة الاقتصادية الحالية، كانت العقاقير متوافرة مجانًا في المستشفيات العامة.
وقالت دا سيلفا «في هذه الظروف، يسعى المرء للاقتراض من الأقارب والأصدقاء والعمل للحصول على المال بأي وسيلة، لأن عدم توافر المال يعني موته».
من جهتهم، اعترض عدد من النشطاء القلائل بالبلاد والصحافيين المستقلين علانية ومنذ أمد بعيد على التفاوتات الصارخة في الدخول داخل هذه البلاد الغنية بالنفط، وتساءلوا كيف يمكن لبلد واحد أن يضم مبيعات مزدهرة لسيارات «بورش» وشقق سكنية يبلغ إيجارها 20.000 دولار شهريًا ومثل هذا العدد الضخم من الفقراء في آن واحد؟
والآن، يواجه هؤلاء النشطاء أنفسهم سؤالاً مفزعًا: كيف سيكون الحال إذا ما ازدادت الأوضاع تفاقمًا؟
في هذا الصدد، قال رافاييل ماركيز دي موريس، أحد منتقدي الحكومة ومؤسس «ماكا أنغولا»، منظمة رقابية: «حتى أثناء الحرب، لم نشهد هذه الأعداد الكبيرة من الوفيات»، في إشارة إلى الحرب الأهلية التي انتهت عام 2002.
الملاحظ أن الانهيار الشديد في أسعار النفط أدى إلى تراجع سريع في تدفقات الدولارات الأميركية على أنغولا ونقص حاد في قيمة العملة المحلية، كوانزا، وأدى ذلك بدوره لاشتعال الأسعار في بلد يستورد الكثير من السلع الأساسية.
ولا يقتصر الأمر على السلع، ذلك أنه نظرًا لافتقارها إلى المهنيين، اعتمدت البلاد لسنوات على مهندسين وأطباء ومدرسين أجانب، الآن، تناضل البلاد لسداد رواتبهم. العام الماضي، هدد المئات من الأطباء الكوبيين بالرحيل بسبب عدم تلقيهم رواتبهم منذ شهور، إلا أن سفير كوبا لدى أنغولا أعلن في تصريحات صحافية أن المشكلة جرت تسوية معظمها.
على مدار سنوات، كانت أنغولا واحدة من أغلى البلاد بالنسبة للأجانب على مستوى العالم، في ظل ارتفاع أسعار النفط والتنامي الشديد لقيمة العملة، أما أبناء البلاد فلم يسبق أن واجهوا مثل هذه المشقة في كسب قوتهم بالعملة المحلية التي تراجعت قيمتها بشدة في الوقت الذي قلصت الحكومة برامج الرفاه على نحو بالغ، وبذلك، تردت أوضاع المواطنين بشدة، الأمر الذي اتخذ صورًا مأساوية في بعض الحالات.
من بين الأمثلة البارزة على ذلك معاناة البلاد من أكبر حالة تفشي للحمى الصفراء عالميًا منذ عقود، ومن بين الأسباب المطروحة وراء تفشي الوباء رفض الحكومة سداد تكاليف جمع القمامة ببعض أجزاء لواندا نتيجة الانكماش الشديد بميزانيتها، واجتذبت أكوام القمامة، بجانب برك مياه الأمطار، جحافل من الناموس تحمل الوباء القاتل، حتى الآن، هناك ما يزيد على 3 آلاف حالة إصابة مشتبه بها وقرابة 350 حالة وفاة، وعن هذا، قال سونغني، كبير ممثلي اليونيسيف بالبلاد «هذا الأمر كان يمكن تجنبه تمامًا».
على الجانب الآخر، فإن الازدهار الاقتصادي الذي عاشته أنغولا طيلة 15 عامًا زاد من صعوبة حصولها على مساعدات دولية، ذلك أنها مصنفة حاليًا من قبل البنك الدولي باعتبارها دولة تنتمي للشريحة العليا من الدخل المتوسط.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



البنك الدولي: الأضرار والخسائر في لبنان جراء الحرب تقدّر بنحو 8.5 مليار دولار

دمار خلَّفته الغارات الجوية الإسرائيلية على منطقة الشياح جنوب بيروت (إ.ب.أ)
دمار خلَّفته الغارات الجوية الإسرائيلية على منطقة الشياح جنوب بيروت (إ.ب.أ)
TT

البنك الدولي: الأضرار والخسائر في لبنان جراء الحرب تقدّر بنحو 8.5 مليار دولار

دمار خلَّفته الغارات الجوية الإسرائيلية على منطقة الشياح جنوب بيروت (إ.ب.أ)
دمار خلَّفته الغارات الجوية الإسرائيلية على منطقة الشياح جنوب بيروت (إ.ب.أ)

قال البنك الدولي، اليوم (الخميس)، إن الصراع تسبب في خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في لبنان بنسبة 6.6 في المائة هذا العام، مما يفاقم الانكماش الاقتصادي الحاد المستمر على مدى 5 سنوات في لبنان ليتجاوز 34 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.

وأوضح البنك الدولي في تقرير التقييم الأولي للأضرار والخسائر في لبنان، أن تكلفة الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية بلغت نحو 8.5 مليار دولار، وأن الأضرار المادية وحدها بلغت 3.4 مليار دولار، وأن الخسائر الاقتصادية بلغت 5.1 مليار دولار.

وتناول التقرير أيضاً أثر الصراع على الشعب في لبنان، حيث تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 875 ألف نازح داخلياً، مع تعرض النساء والأطفال والمسنين والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة واللاجئين لأشد المخاطر. كما تشير التقديرات إلى فقدان نحو 166 ألف فرد وظائفهم، وهو ما يعادل انخفاضاً في المداخيل قدره 168 مليون دولار.

ووفق التقرير، فإن قطاع الإسكان هو الأكثر تضرراً، حيث تضرر نحو 100 ألف وحدة سكنية جزئياً أو كلياً، وبلغت الأضرار والخسائر في القطاع 3.2 مليار دولار. وبلغت الاضطرابات في قطاع التجارة نحو ملياري دولار أمريكي، مدفوعة جزئياً بنزوح الموظفين وأصحاب الأعمال. وأدى تدمير المحاصيل والماشية وتشريد المزارعين إلى خسائر وأضرار في قطاع الزراعة بلغت نحو 1.2 مليار دولار.

ويعتمد التقييم الأولي للأضرار والخسائر في لبنان على مصادر بيانات من بُعد وتحليلات لتقييم الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية في 7 قطاعات رئيسية.

ويغطي تقييم الأضرار المحافظات الست الأكثر تأثراً، فيما تم تقييم الخسائر الاقتصادية على نطاق البلد ككل، وذلك حسب البيانات المتوفرة. ويغطي التقييم الأضرار التي وقعت حتى 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في 4 قطاعات (التجارة، والصحة، والإسكان، والسياحة-الضيافة)، وحتى 27 سبتمبر (أيلول) 2024 في القطاعات الثلاثة الباقية (الزراعة، والبيئة، والتعليم).