إيطاليا تسعى لتخفيف قيود الاتحاد الأوروبي على الإنفاق الحكومي

بهدف منحها مزيدا من حرية التصرف في الميزانية ودفع النمو

أحد مصانع السيارات الإيطالية «فيات» (رويترز)
أحد مصانع السيارات الإيطالية «فيات» (رويترز)
TT

إيطاليا تسعى لتخفيف قيود الاتحاد الأوروبي على الإنفاق الحكومي

أحد مصانع السيارات الإيطالية «فيات» (رويترز)
أحد مصانع السيارات الإيطالية «فيات» (رويترز)

تسعى إيطاليا للتوصل إلى اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي لمنحها مزيدًا من حرية التصرف في الميزانية، مع تقديم تدابير جديدة للإنفاق تهدف إلى تحفيز استثمارات الشركات، وتعزيز اقتصادها الضعيف مع ميزانية توسعية للعام 2017، بعد أن وقع الاقتصاد تحت وطأة ركود الطلب المحلي وعدم قدرة القطاع المصرفي - المثقل بالديون - على تمويل الاستثمار، الأمر الذي دفع ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو إلى طريق مسدود في الربع الثاني من 2016.
وأخفق الاقتصاد الإيطالي في تحقيق نمو خلال الفترة من أبريل (نيسان) وحتى يونيو (حزيران) في ظل المصاعب التي تواجه قطاعه المصرفي، وتراجع نمو إجمالي الناتج المحلي إلى الصفر في الربع الثاني مقارنة بـ0.3 في المائة في الربع الأول، وذلك هو أدنى نمو ربع سنوي منذ خروج إيطاليا من الركود لمدة ثلاث سنوات في بداية العام 2015، وارتفعت البطالة في إيطاليا على غير المتوقع إلى 11.6 في المائة في يونيو، بينما ترتفع النسبة إلى أكثر من 35 في المائة بين الشباب.
ووفقًا للبنك الدولي، سجل الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا 1.8 تريليون دولار في العام 2015، بانخفاض من ذروة بلغت ما يقرب من 2.4 تريليون دولار في عام 2008، ويُلقي الاقتصاديون اللوم على الضرائب المرتفعة، وسوق العمل غير المرن، والإسراف في الإنفاق الحكومي، والبيروقراطية المتضخمة، الأمر الذي يجعل إيطاليا غير قادرة على المنافسة.
وانخفضت الثقة في الصناعات التحويلية الإيطالية في أغسطس (آب) إلى أدنى مستوى لها منذ أوائل العام 2015، حيث يكافح رئيس الوزراء ماتيو رينزي مع اقتصاد راكد، وانخفض مؤشر التصنيع إلى 101.1 في أغسطس، وهو أدنى مستوى منذ فبراير 2015، من 102.9 في يوليو (تموز).
وقالت وكالة إحصاءات المعهد الوطني الإيطالي يوم الاثنين الماضي، إن الثقة بين الأسر تراجعت إلى 109.2، وهو أدنى مستوى في أكثر من عام، من 111.2 في يوليو.
وتكافح إيطاليا من أجل إعادة تنظيم قطاعها المصرفي الذي يعاني من قروض معدومة تقدر قيمتها بنحو 360 مليار يورو، وهناك عبء ديون معدومة على بنك «مونتي دي باشي دي سيينا»، ثالث أكبر البنوك في إيطاليا وأقدم بنك في العالم، تقدر بنحو 46.9 مليار يورو.
وستجري إيطاليا استفتاءً حول الإصلاحات وسط أزمة مصرفية تهدد الاقتصاد بالشلل، بعد أن فقد اقتصادها النمو، وقد فقدت البنوك الإيطالية معظم رؤوس أموالها، ولا يمكن توفير السيولة المالية للشركات، بحسب ما قاله كبير الاقتصاديين في معهد الإدارة في المملكة المتحدة جيمس سبرول. وقال سبرول إن اقتصاد إيطاليا «قد يواجه حالة من الركود الدائم وليس من المستبعد أن تتبع نهج المملكة المتحدة تجاه الاتحاد الأوروبي».
وتسعى الحكومة الإيطالية إلى إعفائها من قواعد عجز الموازنة المنصوص عليها في الاتحاد الأوروبي، وذلك حتى تتمكن من إطلاق برنامج يتكلف مليارات اليوروات لجعل مبانيها أكثر مقاومة للزلازل.
وقال إنريكو زانيتي، نائب وزير الاقتصاد في تصريح لصحيفة «لاستامبا» إن هذا «لا يعني المطالبة بإنفاق الأموال دون حساب، بل سيكون طلبا جادا ومحددا وتدريجيا لتوفير الاستثمارات اللازمة للتعامل مع المخاطر الزلزالية».
وكان زلزال بلغت قوته ست درجات على مقياس ريختر قد ضرب منطقة جبلية وسط إيطاليا الأسبوع الماضي، وأسفر عن تدمير عدة بلدات ومقتل ما لا يقل عن 291 شخصا، ولم تتضح بعد تكلفة إصلاح الأضرار، إلا أنه من المرجح أن يتطلب الأمر مليارات اليوروات وسنوات من العمل. ووفقا لبيانات المجلس الوطني للمهندسين فإن أكثر من نصف المنازل الخاصة في أنحاء البلاد لا تتوافر بها أية قواعد للسلامة من الزلازل، كما أن تأمين المنازل في المناطق الأكثر تعرضا للمخاطر قد يتكلف ما يقرب من 36 مليار يورو (40 مليار دولار).
وتجدر الإشارة إلى أن قواعد الاتحاد الأوروبي، التي تلزم الدول الأعضاء بموازنات مالية متوازنة، تتضمن بالفعل استثناءات، من بينها التوسع لمرة واحدة في الإنفاق في حالات الطوارئ وإعادة الإعمار بعد الكوارث الطبيعية.
وقال كلاوديو دي فينسينتي من مكتب رئيس الوزراء ماتيو رينزي، في مقابلة أخرى مع صحيفة «إل ميساجيرو» إن روما تتطلع إلى توسيع الاستثناءات لتتضمن نفقات الوقاية من الزلازل، وفي مقال في الصحيفة نفسها، ذكر رئيس الوزراء ورئيس المفوضية الأوروبية السابق رومانو برودي إن إيطاليا تحتاج «خطة للثلاثين عامًا المقبلة»، مؤكدا أن كل يورو يتم إنفاقه على الوقاية من الزلازل يساوي إنفاق «ما لا يقل» عن أربعة يوروات على إعادة البناء بعد الزلازل.
وحتى من قبل الكارثة، كان من المتوقع أن تطلب حكومة رينزي تخفيف قيود الانضباط المالي التي يفرضها الاتحاد الأوروبي عليها، وذلك لتحفيز اقتصادها الضعيف، وتوقف نمو ثالث أكبر اقتصاديات العالم في الربع الثاني من العام الحالي، وتواجه سلطات روما الضغوط أيضا لمحاربة الفساد والتلاعب في عطاءات مشروعات البناء من جانب شركات تسيطر عليها المافيا.
ويقول وزير الصناعة كارلو كاليندا: «نحن بحاجة إلى توسيع نطاق المرونة في الميزانية من حيث المدة والحجم، حتى نكون قادرين على الحصول على ما نحتاج إليه»، لكن على العكس من ذلك، ترى المفوضية الأوروبية أن إيطاليا، وحدها من بين دول الاتحاد الأوروبي، تلقت بالفعل «كمية غير مسبوقة من المرونة».
وتعهد رئيس الوزراء ماتيو رينزي بأن النمو المالي من شأنه أن يساعد على إنقاذ اقتصاد إيطاليا المثقل بالديون مرة أخرى من حافة الانهيار، لكن رئيس الوزراء يحتاج إلى رؤية جديدة تمكنه من تلبية هدفه بتوسع في النمو بنسبة 1.2 في المائة في عام 2016، وهذا ما لا يتوقعه الاقتصاديون وسط الاقتصاد الراكد والبنوك المتعثرة بسبب الديون المعدومة، وقال فابيو فييوس، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في بنك باركليز في ميلان، إنه لا يتوقع هذا النوع من التوسع، مُضيفًا أنه يتوقع استمرار وجود «انتعاش متواضع وهش»، ولكن من شأن الرياح المعاكسة الناجمة عن تقلبات السوق المالية والتوقعات السياسية الداخلية غير المستقرة أن تزيد من تأزم الوضع الاقتصادي في البلاد.
وسيكون رينزي أمام مواجهة مع إجراء استفتاء في الخريف المُقبل، يمكن أن يقرر مستقبله السياسي، وبينما ساعد انخفاض سعر النفط وضعف اليورو والحزمة التحفيزية غير المسبوقة من البنك المركزي الأوروبي للاقتصاد الإيطالي على إخراج البلاد من أطول ركود منذ الحرب العالمية الثانية في العام الماضي، فإنه من غير المتوقع أن يخرج الاقتصاد الآن من الركود.
ولا يقل الاستفتاء الدستوري الذي سيجري في إيطاليا العام الحالي، خطورة عن الاستفتاء الذي شهدته بريطانيا في يونيو الماضي، فالمؤشرات الاقتصادية والمشاكل المصرفية والاستفتاء الدستوري تشير إلى وقوع إيطاليا في حالة أزمة خانقة قد تشمل عواقبها كل أوروبا، ومن المتوقع أن يتحول استفتاء الإصلاح الدستوري المتوقع في نوفمبر (تشرين الثاني) بسرعة إلى اختبار لشعبية رئيس الوزراء البالغ من العمر 41 عاما.
وتجدر الإشارة إلى أنه سيتوجب على مواطني إيطاليا التصويت خلال الاستفتاء على موضوع تغيير مبدأ تشكيل مجلس الشيوخ في البرلمان وتركيز السلطة في أيدي أعضاء المجلس الأدنى (مجلس النواب) في البرلمان، وفي حال وافق الإيطاليون على تنفيذ الإصلاح الدستوري المذكور فسيتمكن رئيس الوزراء ماتيو رينزي من تمرير قوانين يمكن أن تحسن قدرة البلاد على المنافسة الاقتصادية. وفي حال رفض السكان تنفيذ الإصلاح فقد يؤدي ذلك إلى انهيار الحكومة الحالية واندلاع أزمة سياسية، ووفقا لتقديرات الاتحاد العام للصناعة الإيطالية، إذا لم تتم الموافقة على الإصلاحات، فستشهد البلاد ركودا، ونزوح رؤوس الأموال وتراكم ديون جديدة. وقال رافاييلا فينكوني، وهو اقتصادي يعمل في لندن في شركة «Wood & Co»: «إن معدل النمو المحتمل في إيطاليا، كما هو الحال اليوم، سيظل عند الصفر إن لم يكن سلبيا». ويُضيف فينكوني أن «الاقتصاد لا يزال مثقلا جدا بالديون وأن معدلات الربحية منخفضة للغاية، والاقتصاد عموما في وضع تحدٍ من نوع خاص في ظل عدم وجود رؤية لتحقيق الاستقلال المالي النقدي».
ولاستعادة النمو القوي، ترغب الحكومة الإيطالية في إبقاء العجز عند 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، بدلا من الضغط على الاقتصاد للحد من العجز إلى 1.8 في المائة كما هو متفق عليه مع الاتحاد الأوروبي، وبلغ العجز في الموازنة الإيطالية في الأشهر الستة الأولى من العام 2016 نحو 27.7 مليار يورو، بزيادة نحو 5.8 مليار يورو عن العجز المسجل في الفترة نفسها من العام الماضي.
وقال نائب وزير المالية إنريكو موراندو في مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا سيرا»، إن إيطاليا في حاجة إلى نسبة عجز إلى الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 2 في المائة للسماح بميزانية توسعية.
وأضاف قائلا: «إن المرونة في الميزانية أمر ضروري ولازم لإعادة توجيه الاقتصاد الإيطالي نحو الانتعاش، ولا بد أن يكون العجز في منطقة تقع بين 4 - 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وهو مستوى سمح به الاتحاد الأوروبي لبلدان أخرى مثل إسبانيا».



أميركا وأوروبا ودول أخرى ترفع التمويل المناخي للدول النامية إلى 300 مليار دولار

رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)
رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)
TT

أميركا وأوروبا ودول أخرى ترفع التمويل المناخي للدول النامية إلى 300 مليار دولار

رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)
رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)

وافق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودولاً غنية أخرى، خلال قمة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ (كوب29) على زيادة عرضها لهدف التمويل العالمي إلى 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035. وفق وكالة «رويترز» نقلاً عن مصادر مطلعة.

وكان من المقرر اختتام القمة الجمعة، لكنها امتدت لوقت إضافي مع سعي مفاوضين من نحو 200 دولة للتوصل إلى اتفاق بشأن خطة التمويل المناخي العالمية في العقد المقبل. ولا بد من حدوث توافق بين المفاوضين من أجل اعتماد أي اتفاق.

جاء هذا التحول في المواقف بعد أن رفضت الدول النامية يوم الجمعة اقتراحاً صاغته أذربيجان التي تستضيف المؤتمر لاتفاق ينص على تمويل قيمته 250 مليار دولار، ووصفته تلك الدول بأنه قليل بشكل مهين.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت الدول النامية في مؤتمر (كوب29) قد أُبلغت بالموقف الجديد للدول الغنية، ولم يتضح كذلك ما إذا كان الموقف كافياً للفوز بدعم الدول النامية.

وقالت خمسة مصادر مطلعة على المناقشات المغلقة إن الاتحاد الأوروبي أبدى موافقته على قبول المبلغ الأعلى. وذكر مصدران أن الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وافقت أيضاً.

وأحجم المتحدثان باسم المفوضية الأوروبية والحكومة الأسترالية عن التعليق على المفاوضات. ولم يرد وفد الولايات المتحدة في المؤتمر أو وزارة الطاقة البريطانية بعد على طلب للتعليق.

وتترقب الوفود المشاركة في (كوب29) في باكو بأذربيجان مسودة جديدة لاتفاق عالمي بشأن تمويل المناخ يوم السبت، بعد أن واصل المفاوضون العمل خلال ساعات الليل.

وكشفت محادثات (كوب29) عن الانقسامات بين الحكومات الغنية المقيدة بموازنات محلية صارمة وبين الدول النامية التي تعاني من خسائر مادية هائلة نتيجة العواصف والفيضانات والجفاف، وهي ظواهر ناجمة عن تغير المناخ.

ومن المزمع أن يحل الهدف الجديد محل تعهدات سابقة من الدول المتطورة بتقديم تمويل مناخي بقيمة 100 مليار دولار سنوياً للدول الفقيرة بحلول عام 2020. وتم تحقيق الهدف في 2022 بعد عامين من موعده وينتهي سريانه في 2025.