بعد 350 عامًا على حريق لندن الكبير.. المدينة تشعل النيران مرة أخرى

فعاليات فنية وجولات تاريخية وإحراق مجسم خشبي للمدينة كما بدت في القرن السابع عشر

كنيسة سانت بول جزء مهم من الاحتفالات حيث ستعكس على قبتها لقطات تمثل ألسنة النار (غيتي)  -  من الفعاليات ما يسمى «حديقة النار» التي شهدت إحراق المجسمات الخشبية والشموع الراقصة (غيتي)
كنيسة سانت بول جزء مهم من الاحتفالات حيث ستعكس على قبتها لقطات تمثل ألسنة النار (غيتي) - من الفعاليات ما يسمى «حديقة النار» التي شهدت إحراق المجسمات الخشبية والشموع الراقصة (غيتي)
TT

بعد 350 عامًا على حريق لندن الكبير.. المدينة تشعل النيران مرة أخرى

كنيسة سانت بول جزء مهم من الاحتفالات حيث ستعكس على قبتها لقطات تمثل ألسنة النار (غيتي)  -  من الفعاليات ما يسمى «حديقة النار» التي شهدت إحراق المجسمات الخشبية والشموع الراقصة (غيتي)
كنيسة سانت بول جزء مهم من الاحتفالات حيث ستعكس على قبتها لقطات تمثل ألسنة النار (غيتي) - من الفعاليات ما يسمى «حديقة النار» التي شهدت إحراق المجسمات الخشبية والشموع الراقصة (غيتي)

بعد منتصف ليل 2 سبتمبر (أيلول) عام 1666، شبت نار صغيرة في مخبز توماس فراينور في شارع بودنغ لين بوسط لندن، وهو الخباز الخاص بالملك ريتشارد الثاني. النار انتشرت في بدايتها بهدوء تخفى بساعات الفجر الأولى، ودفعت بعد ذلك بفعل رياح قوية. وسرعان ما انتشرت ألسنة النيران ملتهمة في طريقها البيوت المتلاصقة المبنية من الخشب، وتسارعت قوتها وشراستها فأتت على مزيد من البيوت والمحال والكنائس والمباني الحكومية، وإن كانت لم تصل لحي ويستمنستر حيث تسكن الطبقة الحاكمة. عمدة لندن في ذلك الوقت استيقظ من نومه لتفقد الحريق قبل انتشاره وخروجه من بودنغ لين، وبالفعل ذهب للموقع لتفقد الحريق ومضى عائدا لمنزله وفراشه قائلا إن الأمر بسيط ويمكن السيطرة عليه.
لندن كانت تعاني في تلك الأيام من انتشار مرض الطاعون، وبدا للبعض أن النار ستطهر المدينة من المرض، ولكن النار أيضا حولت 70 ألفًا من سكان المدينة لمشردين من دون مأوى، وهو رقم هائل بكل المقاييس، ويزداد هولاً إذا عرفنا أن تعداد السكان وقتها كان 80 ألفًا.
حريق لندن العظيم دمر ثلث المدينة، ودمر مباني شهيرة، منها كنيسة سانت بول والجيلد هول (مقر النقابات الحرفية) والبورصة الملكية (رويال إكستشانج)، كما اكتسح في طريقه 13200 منزل، و87 كنيسة. الكارثة أدت لإعادة بناء المدينة على نسق أكثر تنظيما وأمنا، حيث استخدم الطوب والحجر في البناء بدلا من الأخشاب، تفاديا لكارثة مشابهة. كما أعيد بناء كثير من المباني الشهيرة مثل كنيسة «سانت بول» بتصميمات للمعماري الشهير كريستوفر رين، الذي لا تزال لندن تحفل بتصميماته المعمارية، واستغرقت عملية إعادة البناء نحو 40 عاما.
بعد 350 عاما، تحيي لندن ذكرى الحريق الذي دمر المدينة القديمة، وتقيم مجموعة من الاحتفالات تحت عنوان «لندن تحترق» تختمها بإعادة تمثيل الحريق، ولكن على مجسم من الخشب يمثل بيوتا ومباني مصنوعة من الخشب، مثل التي كانت موجودة في عام 1666، وهو ما يشير له المصمم بأنه محاولة فنية لإعادة تكوين ملامح مدينة لندن في عصر عودة الملكية (ريستوريشن). المجسم الخشبي وطوله 120 مترا هو من تصميم الأميركي ديفيد بست، وسيوضع على قارب ضخم يجوب نهر التايمز حيث ستضرم فيه النيران يوم غد الأحد، ويعلق المصمم: «نحتاج فقط أن يكون الطقس رائقا لصالحنا».
ومن خلال بث مباشر على التلفزيون والإنترنت، سيتابع الملايين الاحتفال الذي أطلق عليه اسم «راقبها وهي تحترق». في نفس الوقت سيغطي قبة كنيسة سانت بول فيلم يصور ألسنة النيران الحية إشارة إلى الضرر الذي تعرضت له الكنيسة الشهيرة.
المجسم الخشبي يتكون من 190 مبنى مصغرا، يضم الكنائس والمصانع التي شكلت خريطة لندن في القرن السابع عشر.
التحضير لاحتفالية «لندن تحترق» استغرق شهورا من العمل، اشترك فيه متطوعون من مناطق مختلفة من العاصمة، وضمت الاحتفالية عددا من المعارض والجولات السياحية في المنطقة، التي شهدت بداية الحريق، والنصب التذكاري الذي أقيم لتخليد الضحايا في منطقة «تمبل».
ومن الفعاليات أيضا يقام معرض في الكلية الملكية للأطباء يعرض وصفات طبية وعقارات لمعالجة الحروق كانت تستخدم في ذلك الوقت، أما مكونات تلك المراهم والوصفات فتبدو غريبة لنا الآن ولكنها تعكس تطور الطب منذ القرن السابع عشر، فبعض الوصفات ضمت روث الخيل الذي تغذى على الحشائش فقط. ووصفات أخرى دخلت فيها فضلات الدجاج والبصل ومزيج من دهن الضأن والزبد.
من جانبه خصص موقع «متحف لندن» صفحة متخصصة تحمل معلومات ورسومات تاريخية للندن قبل الحريق وبعده، ويصور الموقع بطريقة تفاعلية وعلى رسم لمباني المدينة تطور الحريق منذ بدايته وحتى توقفه بعد 4 أيام، بعد أن قامت السلطات بإخلاء رقعة ضخمة من الأرض من المباني بهدمها حتى لا تجد النار مزيدا من الوقود. وضم المتحف في مجموعته عددا ضخما من القطع التي تسرد تاريخ المدينة، ومنها بالطبع القطع التي تصور جوانب من حياة المدينة خلال الحريق، منها قطعة زجاج تغير شكلها بعد أن أسالتها النيران، والقطعة عثر عليها الأثريون على بعد أمتار من مكان انطلاق الحريق.
وأطلقت هيئة البريد الملكية أمس 3 طوابع صممت على هيئة قصص الكارتون، تروي فيما بينها أهم أحداث الحريق، وأصدرت هيئة النقد قطعة نقدية تذكارية تحمل نقشا يمثل الحريق.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».